IMLebanon

اجتماعات الرياض شمالية – طرابلسية بامتياز الحريري: خيارنا الدولة والاعتدال قناعتنا

  بيروت – محمد شقير

حضرت دعوة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أنصاره للنزول إلى الشارع تحت عنوان حماية حقوق المسيحيين واستردادها من سالبيها، على هامش لقاءات الرياض في المملكة العربية السعودية التي أقامها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، وكانت شمالية – طرابلسية بامتياز، وخصصت لتقويم الوضع في الشمال وتوفير كل أشكال الصمود ليكون في وسع أهله الانتظار طالما أن لا تسوية للأزمة في لبنان في المدى المنظور.

وشارك في لقاءات الرياض وزير العدل أشرف ريفي والنواب سمير الجسر، أحمد فتفت ومحمد كبارة، والنائب السابق مصطفى علوش، إضافة الى النائبين السابقين باسم السبع وغطاس خوري، ونادر الحريري مدير مكتب الرئيس الحريري وأمين عام تيار «المستقبل» أحمد الحريري.

وعلمت «الحياة» أن لجوء عون الى تصعيد مواقفه السياسية نوقش في هذه اللقاءات، ورأى معظم الذين شاركوا فيها أنه أوغل في الابتعاد من الحوار مع أن «المستقبل» أبدى كل انفتاح عليه وأظهر رغبة في التعاون، لكنه بادر الى حرق المراحل «ولم يأخذ بنصيحتنا بأن لا فيتو لدينا على ترشحه لرئاسة الجمهورية شرط أن يصار الى التوافق بين الأطراف المسيحيين، كما أن لا فيتو على تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش إنما بعد أن يصار الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة وبالتالي يجب أن يؤخذ برأيه في هذا المنصب الذي نعتبره سياسياً وليس إدارياً».

ولفت هؤلاء الى أن «المستقبل» أظهر كل مرونة وانفتاح في حواره مع عون، وأكدوا أن تشكيل حكومة المصلحة الوطنية كان من أولى ثمرات هذا الحوار، لكن عون لم يستطع الظهور في السياسة بمظهر الوسطي المقبول من الأطراف غير المنتمية الى «قوى 8 آذار».

ورأوا أيضاً أن نصيحة «المستقبل» لعون بضرورة اتخاذ مواقف تميزه عن «حزب الله» وآخرين في 8 آذار، ليست مقرونة بالطلب منه التخلي عن حلفائه، لكنه لم يأخذ بكل هذه النصائح، بدءاً بموقفه من السلاح غير الشرعي في الداخل وانتهاء بمشاركة «حزب الله» بالقتال في سورية الى جانب نظام بشار الأسد.

ولم يستبعد بعض الذين شاركوا في هذه اللقاءات أن يكون لإصرار عون على عدم إعادة النظر في بعض مواقفه علاقة بما يشاع من حين لآخر عن أنه يراهن على حصول متغيرات في المنطقة يمكن أن تأتي به رئيساً. ويرى هؤلاء أن إصرار عون على عدم التموضع سياسياً في منتصف الطريق بين «14 آذار» و «8 آذار» يعود الى أنه يريد أن يستغل حرص «المستقبل» على البلد واستقراره وحماية السلم الأهلي فيه، ليفرض نفسه رئيس أمر واقع، من دون أن يعيد النظر في بعض مواقفه.

ومع أن هؤلاء يسألون عن الأسباب التي دفعت عون الى اتهام «المستقبل» بالداعشية، كما روج له بعض وسائل إعلامه، خلافاً لإشادته بدور الحريري ووقوفه بلا شروط الى جانب الجيش في معركته ضد المجموعات الإرهابية المسلحة، سواء في طرابلس أو في البقاع، فإنهم في المقابل لا يرون من ضرورة لإصدار «أمر عمليات» يقضي بتنظيم الحملات الإعلامية والسياسية ضده.

ويعزون السبب الى أن عون، وإن كان يخوض منفرداً معركة ما يسميه الدفاع عن حقوق المسيحيين، فإنه في المقابل يراهن على أن تستعر الحملات من قبل قياديين في «المستقبل»، بغية رفع منسوب استنفار محازبيه للنزول إلى الشارع، وهذا ما لن نمنحه إياه، لأننا لن نسدي له خدمة مجانية، والرد عليه لن يكون بافتعال المناسبات وسيبقى في حدود معينة.

وبكلام آخر، فإن «المستقبل» لن يعطي عون الفرصة التي تمكنه من تطييف الصراع، خصوصاً أن حلفاءه، وإن كانوا يتضامنون معه، فهم ليسوا في وارد النزول الى الشارع، وسيدعمونه في مجلس الوزراء فقط، على رغم تقدير حجمه التمثيلي.

أما في خصوص فحوى اللقاءات حول الأوضاع الراهنة في طرابلس والشمال، فعلمت «الحياة» من مصادر المجتمعين، أن هذه اللقاءات تعقد دورياً، لكن وجود الحريري في الرياض استدعى انتقال قيادات الشمال إلى السعودية لما لها من أهمية في ظل الظروف الدقيقة التي يمر فيها البلد.

وكشفت المصادر عن أن أهمية هذه اللقاءات تكمن في توحيد الخطاب السياسي وفي توفير التناغم بين هذه القيادات، لأن من غير الجائز أن يبقى كل واحد يغني على ليلاه. وقالت إن الجميع أجمعوا على أهمية التواصل، وعلى توفير مقومات الصمود لأبناء المنطقة نظراً الى تعذر الوصول الى حل للأزمة في لبنان وهذا يستدعي رفع مستوى الخدمات وتكثيف الاحتكاك المباشر بالمواطنين.

ونقلت عن الحريري قوله: «لا لمنطق التطرف المذهبي والطائفي ولا خيار لنا سوى مشروع الدولة، واعتدالنا في مواقفنا عن قناعة راسخة وليست طارئة، والشمال سيبقى حاضناً لهذا الاعتدال، وهذا ما عبر عنه أهله في الظروف العصيبة، خصوصاً خلال المعارك بين الجيش والقوى الأمنية وبين المجموعات الإرهابية المسلحة، فوقفوا الى جانب الشرعية وقالوا كلمتهم بأن لا مكان للتطرف».

كما نقلت عنه دعم «المستقبل» الى أقصى الحدود، الحكومة ورئيسها تمام سلام وارتياحه الى العلاقة الجيدة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط وعدم التفريط بوحدة قوى «14 آذار»، وهذا ما بدا جلياً في تأييده إنشاء مجلس وطني للمستقلين.

وفي خصوص الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» اعتبرت المصادر أن هدفه يتمحور حول تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي والعمل من أجل وأد الفتنة وتحييد لبنان ما أمكن عن الحرائق المشتعلة في المنطقة وتلبية حاجات المواطنين. وأكدت أن ما حصل أخيراً في السعديات سيعالج جذرياً لمنع تكراره، وهذا ما سيظهر قريباً. ورأت أن الحوار ما هو إلا بمثابة طاولة انتظار تفرض علينا تحسين شروطه، خصوصاً أن مقاربة ملف الرئاسة لا تزال عالقة بسبب إصرار «حزب الله» على موقفه من ترشح العماد عون.

وأثير الفتور الذي يسيطر على علاقة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بنائب طرابلس محمد كبارة في الاجتماعات، من زاوية أن لا خلاف بينهما في النهج السياسي ولا في الخيارات السياسية، وتدخل الحريري من أجل تبريد الأجواء بينهما لإعادة العلاقة الى مجراها الطبيعي، خصوصاً أن علاقتهما كانت على أحسن ما يرام.

أما في خصوص ما يروج له بعض الإعلام حول أن العلاقة بين المشنوق وريفي ليست على ما يرام، فقالت المصادر إن لا أساس لكل هذه الإشاعات وإن الأيام المقبلة ستؤكد متانة العلاقة بينهما، وفي لقاء سيفاجئ من يراهن على عكس ما هو قائم بينهما.

لذلك، فإن لقاءات الرياض أفسحت في المجال أمام إجراء مكاشفة صريحة ومفتوحة يفترض أن تساهم في تحول «المستقبل» في الشمال وطرابلس الى فريق عمل واحد وموحد يقرأ في الكتاب نفسه ليدحض رهان البعض على إمكان اللعب على التناقضات بين أركان هذا الفريق.

وتبقى الإشارة الى أن المجتمعين توقفوا أمام بعض ما يشوب علاقة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان بمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار من فتور، وأبدوا ارتياحهم إلى الجهود المبذولة من الحريري والتي أنتجت تفاهــماً مشتركاً على فتح صفحة جديدة، وإلى أن لا مجال للرهان على الاختلاف بينهما.