IMLebanon

كاغ لـ «الحياة»: يقلقني تفتت المؤسسات ومن المبكر التكهن بآثار «النووي» على لبنان

   بيروت – وليد شقير

قالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، إنها لن تتكهن بآثار الاتفاق على الملف النووي الإيراني على لبنان، مشيرة إلى أنه يفتح الطريق لنقاشات ومفاوضات على الملفات المهمة، كالعراق وسورية.

وأوضحت كاغ في مقابلة مع «الحياة»، أن المجتمع الدولي «يواصل تكرار الكلام ذاته» بحثّ النواب اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية، «لأنه لا يريد التدخل، وعلى اللبنانيين القيام بهذا الخيار».

وعن زيارتها طهران قبل أسابيع لتسهيل إنهاء الفراغ الرئاسي، قالت كاغ إنها لم تذهب إلى هناك «بانتظار نتيجة». وتجنبت الإجابة على سؤال عن علاقة المخاطر على جبهة الجنوب اللبناني بالتطورات الحاصلة، سواء على الخط الأزرق أو على جبهة الجولان أو على الحدود الشرقية (مع سورية).

وسألت «الحياة» كاغ عن قلقها مما وصفته الحسابات الخاطئة بين إسرائيل و»حزب الله» بشأن الخط الأزرق جنوب لبنان، على خلفية التصعيد الحاصل في الخطابات بين الفريقين، كما جاء في الموجز الذي قدمته إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي حول تنفيذ القرار الدولي 1701، فأجابت: «يمكن الكلام عن مجازفات أكثر من خطر. وأشير إلى الكلام الحذر الذي استعمله الأمين العام للأمم المتحدة في أحدث تقرير صادر عنه. تمثّلت المؤشرات بالخطابات، والنبرة المستعمَلة، وتكرار الاتهامات المتبادلة، والترسانة العسكرية المعلنة التي كشف عنها حزب الله وأشار إليها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، كما شهدنا تعزيزات، وصدور إعلانات عن سياسيين إسرائيليين. وعلى خلفية هذه العقلية، وبالنظر إلى حوادث 28 كانون الثاني (يناير)، ولكن أيضاً إلى أحداث الأشهر القليلة الماضية، أراد الأمين العام أن يشدد على قلقه من أنّ المرء قد يتورّط في صراع، ليس دوماً عن سابق تصوّر وتصميم، وعلى أنّ احتمال حصول حسابات خاطئة يبقى قائماً. وحتى لو تحدث الطرفان عن عوامل محبِطة ثم أكدا «لا نريد الحرب» وأضافا «لكننا مستعدون في حال حصلت»، فإن ذلك لن يولّد مناخ الاستقرار. سمعنا أخيراً سياسياً إسرائيلياً حذّر من أنّه في حال شنت إسرائيل هجوماً فسيؤدي إلى نزوح ما يصل إلى 1.5 مليون مواطن لبناني، ما يحثّ الأمين العام، وأنا، على عدم الاكتفاء بالتذكير بالموجبات والمسؤوليات بموجب القرار 1701، ولكن أيضاً بالحسابات الخاطئة».

وعن نتيجة مفاوضاتها في شأن هذه المخاوف مع كل من إسرائيل و «حزب الله» وطهران، أوضحت: «لا يمكنني القول إنه تم التوصل إلى نتيجة. في بعض الأحيان لا بدّ للديبلوماسي من أن يقر بأنه مع مواصلة الالتزام مع كل الأطراف، بما يشمل تلك التي قد تضطلع بنفوذ، بإمكاننا إما أن نمارس تأثيراً ديبلوماسياً مانعاً غير مباشر، من طريق تكرار الكلام عن المخاطر وشرحها، وثانياً عبر التشديد على المسؤوليات، وثالثاً عبر التحدّث عن الانتهاكات الصادرة عن كل طرف. في إسرائيل، تحدّثنا عن الخروق الجوية اليومية لأجواء لبنان وسيادته، ومع حزب الله، تحدثت عن المخاوف في شأن القدرات العسكرية المعلنة، وهذا كله ضمن إطار القرار 1701. أنظر إلى ذلك على أنه التزام متواصل ونابع من النية الحسنة لمساعي الأمين العام الحميدة، إلا أن غياب أي مجهود ليس أفضل طريقة للمضي قدماً».

وهل التوصل إلى الاتفاق على النووي والمفاوضات التي سبقته شملت البحث في ضمان أمن إسرائيل، كما جاء في بعض التقارير، بحيث يتم احتواء أي احتمال تصعيد في الجنوب؟ وما أثر هذا الاتفاق على لبنان؟ أجابت: «لن أقوم بأي رهانات أو تكهنات. من المبكر تقويم الانعكاسات.الأمين العام قال إنه يرحب بحرارة بالاتفاق التاريخي، وأمل، بل يعتقد أنه سيقود إلى تفاهم أوسع وتعاون على جبه تحديات عديدة للأمن في الشرق الأوسط، ويمكن أن يساهم مساهمة حيوية في السلام والاستقرار في المنطقة وما يتعداها. التوقيع خطوة مهمة لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، على أن تفسح المجال أمام حصول مفاوضات أخرى، والتطرق إلى ملفات مهمة، أي العراق وسورية، وأعرف أن عدداً كبيراً من السياسيين اللبنانيين يتوقون إلى أن ينعكس ذلك إيجاباً على ملفات مهمة في لبنان. لن أقوم بأي تخمينات. الوقت مبكر للغاية».

وحدات الجيش في الجنوب

وعن تراجع عدد وحدات الجيش اللبناني في الجنوب لضرورات الأمن الداخلي، اعتبرت أنه ضروريّ جداً أن «نركّز على الجهود الهائلة التي يبذلها الجيش اللبناني لضمان استقرار لبنان وأمنه وحماية سيادته. إعادة توزيع عناصر الجيش تؤدي إلى ضغوط إضافيّة على ما تبقى من هذه العناصر في الجنوب، وعلى عناصر «يونيفيل» أيضاً. ما يجب أن نشعر بالقلق حياله هو صعوبة التحديات الأمنية التي يتصدّى لها لبنان، فالأمر مكلف. ويدور الكلام هنا عن عدم الاستقرار السائد في الجولان ومحيطه. تحدّث الأمين العام عن خطر الحسابات الخاطئة على طول الخط الأزرق، وذكر الجولان في تقريره. ولدينا طبعاً الحدود الشرقية والمعارك القائمة في القلمون. إن جُمعت كل هذه الأمور، فهذا كثير على الجيش اللبناني، وهو يقوم بعمل ممتاز، وطالبنا بإلحاح بتقديم دعم مستمر وسريع له، وأشدنا بقيادة الجيش وبرئيس مجلس الوزراء تمام سلام لإصرارهما على فهم عميق للأمور».

وكيف ينوي مجلس الأمن كبح أي تصعيد ناتج من الترابط بين جنوب لبنان والجولان والحدود الشرقية؟ قالت: «عليك أن تؤكد وجود رابط، راهناً نلاحظ حوادث فردية. ثانياً، هناك مسألة وجود هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، وقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (في الجولان) و «يونيفيل». تفويضاتها مختلفة. على الساحة العالميّة الواقع في محيطنا تغيّر، وبالتالي تُعنى قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بمسائل فصل القوّات. إنه تحدّ أوسع نطاقاً يواجهه مجلس الأمن. الواقع من حولنا تحوّل، ويجدر أخذ ذلك في الحسبان، وأنا آخذ مصالح لبنان ووجهة نظره في الحسبان، وأبقى على تواصل حثيث مع جميع زملائي للتأكد من أننا نفهم الوضع بطريقة أفضل».

وعن حث الأمين العام النواب اللبنانيين على انتخاب رئيس ومحاولتها إقناع اللاعبين الإقليميين بتسهيل وضع حدّ للفراغ الرئاسي، كررت كاغ أن هذا من مسؤولية اللبنانيين، «ولكن ما يقوم به مجلس الأمن هو الأهم. بذلنا جهوداً، ولجأنا إلى الديبلوماسية الصامتة، وفي النهاية هي مسؤولية فريدة من نوعها، وكانت بمثابة مساءلة للقادة والسياسيين اللبنانيين ولجميع الذين تم انتخابهم (النواب)، لينتخبوا رئيساً فوراً ومن دون أي تأخير، بطريقة مرنة ومسؤولة. وقلت لمجلس الأمن إن مواطني لبنان يستحقون ذلك، وهو ليس من الكماليات بل من الضروريات. نلمس كل يوم الشلل في اتخاذ القرارات، والتفتت الحاصل، وينتابني القلق لأنّ جميع مؤسسات الدولة تتفتت أكثر فأكثر، فالمرء يخسر ما لا يستعمله، إنها قاعدة بسيطة جداً. والفراغ غالباً ما تملأه أمور أخرى، وهو أمر مضر بسلامة البلاد ويجب التركيز أكثر على هذه المسألة، لاسيما في مرحلة تبحث فيها دول المنطقة الأخرى عن نموذج، ونموذج الطائف قائم على التعايش، وهو شامل للجميع، ومن الضروري أن نسعى للحفاظ على كل المزايا الحسنة للبنان، المجتمع الدولي يواصل تكرار الكلام ذاته، لأنه لا يملك أي مرشح مفضل، ولا يريد التدخل، وعلى اللبنانيين القيام بهذا الخيار. في المنطقة أرى أموراً كثيرة تؤثّر في لبنان، ومن واجبي التواصل مع جميع الجهات المشاركة في المنطقة، وآمل مستقبلاً في الذهاب إلى دول أخرى في الخليج، بهدف دعم وتمويل تواجد اللاجئين في لبنان. وليس الأمر مرتبطاً بالرئاسة. مع إسرائيل، نجري طبعاً استشارات مكثفة قُبيل إصدار الأمين العام تقريره حول القرار 1701. أمّا زيارة طهران، فكانت متابعة لجهود التوعية الإقليمية وللمفاوضات التي كنتُ أجريتها سابقاً. أما المملكة العربية السعودية، فآمل أن أذهب إليها في القسم الثاني من آب (أغسطس)، أو في مطلع أيلول (سبتمبر). وبالطريقة عينها، ثمة دول لديها مصالح وروابط وثيقة بالسياسيين هنا. بيد أنني أربط توقّعاتي وأضع كلّ آمالي في السياسيين اللبنانيين».

زيارة طهران

وعن نتائج زيارتها طهران، أكدت أن الهدف كان «مواصلة الحوار، وضرورة الالتزام لضمان مصالح المنطقة. كان الممثل الخاص للأمين العام في العراق يان كوبيس حاضراً أيضاً، وسيأتي آخرون، ليس لهدف وحيد. إلا أن الإعلام اللبناني غالباً ما يعلن عن الموضوع وكأن الأمور مترابطة بطريقة ساذجة. الديبلوماسية أكثر تعقيداً بكثير، وهي تقوم على حفظ علاقة ملموسة وعلى ضمان استمرارية التعاون. استجابة طهران الرسميّة كانت واضحة في شأن ضرورة الاستقرار بالنسبة إلى لبنان والإقرار بالتعقيدات. ومن المؤكد أن مسألة اختيار رئيس هي مسألة يُعنى بها اللبنانيّون». وقالت: «لست متحدثة باسم الإيرانيين، وأقترح أن تحدّثهم في هذا الشأن».

وعن التصعيد الأخير على الساحة الداخلية وخوض العماد ميشال عون معركة حقوق المسيحيين ورفض الرئيس سلام تعطيل الحكومة، اعتبرت أن «اللبنانيين أسياد في فن التفاوض.آمل أنه بفضل مهارات الكثيرين ستوضع المصالح الوطنية في الطليعة. خطابات البعض تدعو إلى التهدئة. إنها نتيجة جيّدة نسبياً وسط العاصفة.الهدف التوصّل إلى اتخاذ قرارات واضحة في مجلس الوزراء حول ملفات رئيسية. علماً أن الثمار تظهر عادةً عند التنفيذ. فلننتظر إلى ما بعد العيد مع بعض التوقّعات بأن يتم تعزيز التوافق. في النهاية، ضروري اتخاذ القرارات، وإنفاذ القوانين، وأن تعمل البلاد. الاقتصاد بحاجة إلى ذلك، والناس بحاجة إلى وظائف. ولا بد للمدارس من أن تفتح في أيلول (سبتمبر)، وذلك في ظل حضور كثيف جداً للاجئين، ولبنان أمام فرصة وحيدة بالازدهار الفعلي. ويجب ألا يكون الوضع حجّة ليبقى اللبنانيون في الخلف، فالبلاد فيها مواهب هائلة. القطاع الخاص سيُبدي اهتماماً بالعودة أو الاستثمار. وسيكون علينا ضمان الاستقرار والقدرة على توقع أفعال الحكومة، وهذا محوري. ليست جميع الأمور مرهونة بالسياسة بل أيضاً بالاقتصاد».

الدعم المالي لمواجهة أزمة النازحين

وعن التوقعات بزيادة اللاجئين السوريين في لبنان وما اقترحته على مجلس الأمن بهذا الشأن، أشارت إلى أنها تحدثت عن «ضرورة أن يحظى لبنان بدعم مالي طويل الأمد، كونه دولة متوسطة الدخل في منطقة تواجه أزمة وتملك وسائل محدودة للتصرّف. لا يمكن أن نتوقع أن يكون قادراً على تحمّل وجود اللاجئين، وهنا تمكن مقارنة الأمر بأوروبا، بالصعوبات التي تواجهها أوروبا بشأن مشاركة الأعباء، وبالعدد الصغير من اللاجئين الذين يتم استقبالهم في الدول الأوروبية. ومن هنا أهمية مشاركة الأعباء. ثانياً، إن آمنّا جميعاً بأنّ لبنان يضمن الخير العام إقليمياً، وأنه مثال فريد في منطقة من الاضطرابات، سنتمكن من فعل المزيد. واليوم من الأسهل والأرخص بكثير أن ننفق المال على الإجراءات الوقائية من أجل التنمية، بدلاً من أن ننفق على الدفاع. ونتائج ذلك ظاهرة في محيطنا. يعتبر الإنفاق العسكري عملاقاً بالمقارنة مع الإنفاق على الدعم الإنساني أو التنموي، وبالتالي قمنا بمناشدة اعتبرتها صدى لما قاله المفوض السامي للاجئين أنتونيو غوتيريس، وطالبت بأساليب عمل جديدة خاصّة بدول كلبنان والأردن، لأنّ التوصّل إلى حل سياسي في سورية سيتطلب وقتاً، وحتى لو تم التوصل إلى حل على الأمد القصير، سيبقى اللاجئون في البلاد لبعض الوقت. والأولاد بحاجة إلى مدارس، وفرص عمل، ولا بدّ للبنان من أن يتعامل بجدّية مع أزمة التمويل. وهكذا، لدينا الجيش اللبناني، والخط الأزرق، والقلمون، والرئاسة، ولكن لدينا مسألة وقت ملحة تنعكس على حياة الناس، من فقراء لبنانيّين وكذلك أناس يحتاجون إلى حماية».

علينا ترقب مختلف الخيارات

وقالت رداً على سؤال إنها ليست متشائمة بالنسبة إلى الحل السياسي في سورية، «بل أختار كلماتي بالكثير من التأني. حتى لو وجد حل في الأمد القصير، فإن تنفيذه يستغرق وقتاً. إحصائياً، يجب النظر إلى حالة البنى التحتية التي تم تدميرها، إذا كانت المستشفيات تعمل أو إذا كانت المدارس فتحت وإذا كان لدى الناس بيوت. لا بد من الاستعداد لسيناريوات تمتد على عدد من السنين، وسيكون عدم القيام بذلك عملاً لامسؤولاً. بالنظر إلى ما يتعلق بالقوانين الدولية حول الشؤون الإنسانية، يفترض أن تتحقق ظروف العودة عندما يصبح الوضع آمناً ومستقراً. بوجود الحكومة اللبنانية وكذلك الجهاز الأمني والجيش اللبناني، هناك رعاية وتفهّم، ولكن أيضاً توقعات مشروعة بالاعتراف بحاجات لبنان ، ولا سيما المجتمع الفقير المستضيف. والحكومة تقوم بإرساء توازن صعب جداً، وطالبت بشدّة بأن يتم الإقرار بذلك، وأشكر المجتمع الدولي على كرمه الهائل في السنوات القليلة الماضية، ولكن بالنظر إلى ما يحصل على أرض الواقع، إن كان اللاجئون منطقياً سيمكثون هنا لفترة أطول من التي يريدونها، أو التي يريدها آخرون، فإن لذلك ثمناً. وسينعكس على البنية التحتية الاجتماعية، وستُطرح الأسئلة حول التماسك الاجتماعي ومخاطر التطرف، وطبعاً التوازن الديموغرافي.

يُكتب عن سيناريوات مختلفة، لكن من المهم في الاضطرابات أن ينظر المرء إلى مختلف الخيارات. من المفيد أن ندرس كيفية نصح الحكومة في حال توافد في المستقبل فجأة عدد إضافي من النازحين.لا نقول إن ذلك سيحصل، لكن من المهم أن نترقب الأمور. يركّز عملنا على دعم الحكومة للتعاطي مع اللاجئين المتواجدين. وسيكون غض النظر عن ذلك دليل استهتار، ولكن أيضاً يهم أكثر التركيز على ما يفعله زملائي في فريق ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص إلى سورية، الذي يرسل تقريره إلى مجلس الأمن في 28 تموز (يوليو)، وهو سيعطينا مؤشرات حول العملية السياسية. وفي تلك الأثناء يستمر القتال، والناس يموتون، وهذه مأساة».