Site icon IMLebanon

مواجهات بيروت: المؤسسات تحصي أضرارها والحراك يسعى للإفراج عن الموقوفين

  بيروت – ناجية الحصري

انزلق الحراك المدني ليل أول من أمس، الى دوامة العنف الذي كانت نتيجته توقيف عدد من الناشطين لن يخلى سبيلهم على غرار المرات السابقة، في حال ثبت عليهم ارتكابهم جرماً. وتحوّل الحراك أمس، من رفع شعارات مطلبية تتعلق بالشأن العام الى مطلب واحد «إخلاء سبيل» الموقوفين.

وكشف الصباح عن حجم الأضرار في ساحة المواجهة على خاصرة ساحة الشهداء والتي استمرت حتى بدايات ساعات الفجر، بين الناشطين وبين عناصر قوى الامن الداخلي الذين شكّلوا سداً صمد لساعات طويلة أمام محاولات الناشطين التقدم باتجاه شارع ويغان الذي تتفرع منه الطريق المؤدية الى ساحة البرلمان.

ورشق الناشطون عناصر قوى الأمن الداخلي بقوارير المياه البلاستيكية والحصى المتوافر في المكان، وصولاً الى نزع ألواح الحجارة التي تكسو واجهة فندق «لو غراي» الواقع على زاوية المواجهة، وتكسيرها ورميها على العناصر الامنيين. وكانت حدة المواجهة تصاعدت مع توقيف القوى الامنية عدداً من قادة الناشطين، ما رفع من غضب الشبان والشابات الذين لم تتغير وجوههم منذ بداية الحراك، أي قبل أكثر من شهرين.

وتحول الغضب بين المتظاهرين عنفاً، فاستخدمت القوى الامنية المدافع المائية والقنابل المسيلة للدموع ما أدى الى حصول حالات اختناق كثيرة بين المحتجين الذين حاولوا اختراق الحواجز والتصدي للقنابل بإعادة رميها باتجاه العسكريين. وفيما كانت الاتصالات السياسية مع الاجهزة العسكرية الميدانية تحرص على ضبط الردود على الشباب الغاضب بأقل ما يمكن من الوسائل «الدفاعية»، كان الشباب يتحدثون عن «عنف مفرط» يتعرضون له، ويمارسون المزيد من التحدي للقنابل المسيلة لدموعهم والخانقة لأنفاسهم والخراطيم التي تضخ المياه بقوة على أجسامهم.

ولاحقت عناصر مكافحة الشغب المتظاهرين بعدما خف عددهم، وشكا هؤلاء من تعرضهم الى الضرب من قبل قوى الامن اثناء اقتيادهم الى السيارات لتوقيفهم في المخافر. وتحدثت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي عن «مشاغبين استفزوا عناصر مكافحة الشغب وحاولوا إزالة العوائق وقطع الشريط الشائك وقاموا برشقهم بالحجارة وعبوات المياه والمواد الصلبة، ولم يبادروا الى أي ردّ فعل تجاه المشاغبين. أما وبعد تدمير المشاغبين للحاجز الأمني وتخطيه وإحتكاكهم بالعناصر والتعرّض المباشر لهم وسقوط إصابات في صفوف هذه العناصر، اضطرت قوى الأمن إلى إستعمال وسائل مكافحة الشغب من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع التي تستخدم في أرقى الدول الديموقراطية».

وراحت القوى الامنية تحصي جرحاها وبلغ عددهم 37 عسكرياً نقلوا الى المستشفيات بينهم ضابط كانت حاله خطرة ثم أصبحت مستقرة وخرجوا تباعاً، و50 عسكرياً تمت معالجتهم على الارض من قبل الصليب الاحمر اللبناني. أما جرحى الناشطين فأحصى الصليب الاحمر معالجة 65 حالة ميدانياً ونقل 39 حالة غير خطيرة الى المستشفيات القريبة وجلها حالات اختناق وجروح طفيفة.

الأضرار

ساحة المواجهة ظلت حتى ظهر أمس، مقصداً للإعلام والمعنيين بالدولة الى جانب المتضررين. حطام في كل مكان، حجارة وزجاج وأعمدة إشارة مخلوعة من اماكنها وكاميرات مراقبة عائدة لفندق «لو غراي» مهشمة، وحتى آلة لسحب الأموال ITM قرب الفندق لم تسلم من التخريب. وقالت مديرة العلاقات العامة والتسويق في الفندق ريتا سعد لـ»الحياة»: «اغلقنا الابواب الزجاجية وبقي الموظفون داخل الفندق المشغول بالنزلاء بنسبة 40 في المئة. حطموا كل ما طاولته ايديهم، حتى الواجهات الحجر، والكاميرات والمصابيح الخارجية. لم نفعل شيئاً، انها مهمة القوى الامنية. ليست المرة الاولى التي تحصل المواجهات قرب الفندق لكنها المرة الاولى التي نتعرض فيها الى هذا الحجم من الاضرار. لكننا صامدون ولن نقفل، بل ان لدينا مشاريع للتوسع ونمضي بها. هناك 200 موظف يعتاشون من وظائفهم في الفندق الذي نحرص على ان يقدم صورة حضارية عن بيروت ولبنان».

لكن سعد اعتبرت ان المواجهات والبث المباشر من المكان «أدت الى تراجع عدد الحجوزات في الفندق».

أما مطعم «دي تي»، فشغل عدد قليل من رواده القاعة الفضفاضة المطلة على حديقة خارجية غطاها حطام زجاج السور بسبب اصابته بالحجارة. واكتفى المدير المسؤول عن ادارة المطعم بالقول ان «وضعنا صفر، لدينا نحو 40 موظفاً لكن احداً لا يستطيع الوصول الى المطعم بسبب الاجراءات والمواجهات الليلية».

وكان كل من وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص تفقدا ساحة المواجهات من دون الادلاء بتصريح.

وبعد الظهر، باشرت القوى الامنية ورشة إزالة العوائق الحديدية والاسلاك الشائكة والمكعبات الاسمنتية من وسط بيروت، فيما عمل عمال «سوكلين» على رفع الحجارة وحطام الزجاج. وفتحت الطريق مجدداً امام المارة لكن الدخول الى محيط ساحة النجمة بقي محصوراً بالموظفين في المؤسسات التي تقع ضمن المربع الامني.

التوقيفات والاحتجاجات عليها

ونشط المحتجون صباحاً للإحتجاج على مواصلة توقيف زملائهم وانتقلوا الى محيط المحكمة العسكرية المحاطة بإجراءات أمنية مشددة، واعتصموا بعيداً عن اسوارها وبرفقتهم محامون تحدثوا عن «عشرات التوقيفات وعدم امكان حصرها لتوزع الموقوفين ونقلهم من مخفر الى آخر، وخصوصاً الفتيات اللواتي بلغ عددهم 4 ناشطات». وانتظر المحامون إمكان مقابلة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الذي كان يتابع التحقيقات الاولية مع الموقوفين في فصائل قوى الامن الداخلي. ونقلت «الوكالة الوطنية للاعلام» عنه ان «من تبين ان لا جرم عليه يتم تركه». ثم اعلن عن ترك الفتيات الاربع وقاصر وشخص آخر، على ان «القرارات بالتوقيف أو الترك تتخذ تباعاً بعد الانتهاء من ضبط الافادات».

وكان القاضي صقر اعطى تعليماته الى القوى الامنية بالسماح للموقوفين بالاتصال بذويهم وطمأنتهم الى حالهم.

وخرج محامو الحراك المدني بعد لقائهم صقر الى القول: «لا يمكن محاكمة المدنيين امام المحكمة العسكرية، ولا يمكن التعاطي مع الموقوفين بطريقة بوليسية، وطلبنا ان نزود بأسماء الموقوفين وأماكن توقيفهم. وتطبيق الاصول القانونية وترك جميع الموقوفين لانهم موقوفو رأي. وكان الجواب هناك اجراءات قانونية ستتخذ وبناء عليه يتم اتخاذ القرار كل على حدة في ما يتعلق بالموقوفين».

وسأل المحامي حسين صادق من الحراك المدني عن «كمية العنف التي مورست في حق الشباب الموقوفين». وانضمت الناشطات المخلى سبيلهن الى الاعتصام امام المحكمة العسكرية وتحدث بعضهن عن «تعرضهن للضرب خلال التوقيف ووضعهن في غرفة صغيرة جداً مع عاملة أجنبية».

وحمّلت الناشطة نعمت بدر الدين الوزير المشنوق «مسؤولية سلوك القوى الامنية» كما حمّلت وزير العدل أشرف ريفي مسؤولية مواصلة توقيف الناشطين ودعت الى اعتصام امام قصر العدل مساء وقالت: «لن نترك الشارع، يبدو انهم يريديون انهاء تحركنا من خلال التوقيفات»، داعية «جميع المواطنين للالتحاق بنا».

مواقف

وأثارت المواجهات مواقف سياسية أبرزها للرئيس نجيب ميقاتي الذي اعتبر ان الحراك المدني «يعبر عن سخط الناس من الوضع المأسوي ووصلنا الى مرحلة دقيقة باتت فيها المعالجة السريعة اكثر من ملحة، منعاً لانزلاق الوضع الى ما لا تحمد عقباه»، منبهاً الى ان «أي تحرك يخرج عن إطاره السلمي من شأنه تضييع أحقية المطالب ومشروعيتها».

وأكد عضو كتلة «المستقبل» النيابية عاطف مجدلاني ان «ما حصل يسيء للحراك المدني والحركة المطلبية. وأهنئ القوى الامنية على رباطة جأشها وصبرها». وشدّد عضو الكتلة جمال الجراح على انه «مع مطالب الحراك»، لكنه «يختلف معه لناحية الطريقة المعتمدة في الشارع».

ودعا الحزب «الشيوعي» الى «أوسع التفاف شعبي دعماً للحراك»، مطالباً بـ«محاسبة المعتدين على المتظاهرين وإطلاق سراح كل المعتقلين».