IMLebanon

لبنان: النفايات تحشر حوار «المأزومين» اليوم وجدول الأعمال يراوح بين الرئاسة وقانون الانتخاب

   بيروت – محمد شقير

يحضر ملف النفايات بقوة في حوار «المأزومين» اليوم في مبنى البرلمان اللبناني ويحشر المشاركين فيه، أكانوا من الحاضرين أو المعتذرين عن عدم الحضور، في زاوية البحث عن حلول سريعة تبدأ بإيجاد مطامر لمعالجتها وطمرها، إذ لم يعد في مقدورهم الهروب إلى الأمام، وذلك ليس لأن رئيس الحكومة تمام سلام يلاحقهم بالإنذار تلو الآخر بالاستقالة في حال تلكأوا في الاستجابة لطلبه الشروع في معالجة الأزمة، وكان آخرها إمهاله من يعنيهم الأمر بأنهم على موعد الخميس المقبل مع تقديم استقالته وأن هذا الموعد غير قابل للتمديد لأن صدقيته أصبحت على المحك وأن التمهل لن يكون لمصلحته، مع أن مصادر وزارية ونيابية تقول لـ «الحياة» في معرض تعليقها على تهديداته بأن التهديد بيده لكن قرار فرط الحكومة يبقى في مكان آخر في ظل الضغط الدولي والإقليمي للحفاظ عليها.

وتؤكد المصادر الوزارية والنيابية أن الرئيس سلام لم يعد يحتمل التأجيل وأن طغيان المراوحة على الجهود الرامية لحل أزمة النفايات يستنزف رصيده، خصوصاً إذا ما أضيف إلى شل الحكومة، وقدرة رئيسها على دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد للنظر في الكارثة البيئية والصحية التي تصيب لبنان حالياً جراء هطول الأمطار التي أدت إلى جرف النفايات وتعطيل حركة السير في عدد من المناطق اللبنانية بسبب انسداد مجاري الصرف الصحي.

وترى المصادر نفسها أن الرئيس سلام استجاب في السابق لدعوات أطراف سياسيين بضرورة التريث بعد كل تهديد يطلقه ويعرب فيه عن رغبته في الاستقالة لأن الكيل طفح والتعطيل لم يعد يطاق، وتقول انه أبلغ عدداً من الوزراء نيته قلب الطاولة في وجه الجميع لعلهم يتجاوبون مع طلبه ووضع حد لتقاذف المسؤوليات.

ازمة النفايات الضاغطة

وتعتبر أن أزمة النفايات بلغت ذروتها مع هطول الأمطار وتوزعت مأساتها سواسية على كل المناطق، وتقول إن التحذيرات التي كانت صدرت عن وزير الزراعة أكرم شهيب من الكوارث التي ستضرب البلد مع بدء فصل الشتاء إذا ما بقيت الحلول مستعصية جاءت في محلها ويفترض أن تشكل ضغطاً يحاصر المتحاورين اليوم الذين كانوا أجمعوا «ورقياً» على توفير التسهيلات لإيجاد مطامر لطمر النفايات، لكنها سرعان ما تلاشت مع بدء البحث عن أمكنة لتحويلها مطامر تحقق التوازن المطلوب لئلا تبقى محصورة بمناطق ذات غالبية من طائفية دون الأخرى.

وتضيف المصادر عينها أن انكباب أهل الحوار بمن حضر في جلسة اليوم على حسم مسألة إيجاد المطامر وتحديداً في البقاع الشمالي الذي ينتظر من «حزب الله» تحديد مكان يمكن أن يكون في محله وقد يشكل لهم المخرج لتفادي السقوط مجدداً في مستنقع المراوحة بسبب الاختلاف بين فريق يصر على أن تبقى الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية جديد وبين آخر يحاول القفز فوق هذا البند ليطرح قانون الانتخاب الجديد على الطاولة بذريعة أن بند الرئاسة احتل حيزاً أساسياً من النقاش في جلسات الحوار السابقة وانتهى إلى مبادرة كل فريق إلى التقدم من صاحب الدعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بورقة تضمنت مقاربته لمواصفات الرئيس العتيد.

وتلفت إلى أن أقطاب الحوار محكومون هذه المرة بحسم ملف النفايات مع أنه لم يكن في الأساس مدرجاً على الطاولة، وتقول انه اقتحم جدول أعماله لأن المماطلة في توفير الحلول الموقتة له سيعطي هيئات الحراك الشعبي قوة دفع جديدة وسيعيد الاعتبار للمشاركين فيه الذين سيستغلون تقصير الطبقة السياسية في التصدي للنفايات وبالتالي سيدفعون في اتجاه تزخيم تحركهم.

وتؤكد هذه المصادر أن حل أزمة النفايات لم يعد يعتمد على النيات الحسنة لهذا الطرف أو ذاك من المشاركين في الحوار وباتت القضية ملحة وتتطلب إيجاد الحلول الفورية، ولا على إعادة الاعتبار للجنة التي يرعاها شهيب ويطلب منها تمديد مشاوراتها واتصالاتها. وتعزو السبب إلى أن الأخير لن يسمح لكرة نار النفايات أن تستقر في حضنه «وتحرق» اللقاء النيابي الديموقراطي برئاسة وليد جنبلاط الذي هو عضو فيه، وإنما سيبادر إلى رميها لتحرق الجميع سياسياً من دون استثناء…

«صمود» 14 آذار

وتسأل المصادر نفسها ما إذا كان توفير الحل للنفايات سيتيح المجال للمتحاورين للبحث مجدداً في جدول أعمال الحوار وبالتالي من أين سيبدأ في ضوء تأكيد مصدر قيادي في قوى «14 آذار» لـ «الحياة» أن الاجتماع الأخير لأقطابها انتهى إلى التمسك ببند رئاسة الجمهورية وأن لا مجال للانتقال إلى بند آخر، ونقطة على السطر.

وتكشف المصادر أن «14 آذار» ستصمد في موقفها المتعلق بأولوية بند الرئاسة على البنود الأخرى، وتقول إن بعض أطراف قوى «8 آذار» سيحاولون أن يضعوا هذا البند جانباً لمصلحة البحث في قانون الانتخاب، لكن خصومها سيصرون على موقفهم.وتعتقد المصادر أن الحوار سيكون هذه المرة أمام جولة جديدة من «حوار الطرشان» الذي يراد منه شراء الوقت لتبرير الانتظار إلى أن يأتي الفرج من الخارج ويسمح بانتخاب رئيس جديد.

وتقول إن الإنجاز الوحيد للحوار يكمن في التغلب على أزمة النفايات من خلال إيجاد المطامر لأن البنود التي دعي إلى الحوار من أجلها ليست قابلة للحل لأنها جامعة للأزمة في لبنان بكل تشعباتها أكانت محلية أو خارجية. ولا يمكن تأمين الحلول لها طالما أن الرئاسة الأولى ما زالت شاغرة على رغم أنها المفتاح للولوج إليها.

وترى المصادر أن طاولة الحوار ما هي الا الوعاء السياسي الحاضن للقوى السياسية الرئيسة، وتقول إنها تبقى في حال انتظار إلى أن تنفرج دولياً وإقليمياً لأن هذا الانفراج قد ينسحب على لبنان بدءاً بانتخاب الرئيس، وأن ما يحصل في جلسات الحوار ليس أبعد من تبادل الآراء التي لا تخلو من مداخلات نارية لهذا الطرف ضد الآخر طالما أن الظروف الخارجية لا تشجع في الوقت الحاضر على انتخاب الرئيس.

وتعتبر أن هناك ضرورة لهذا الحوار لأن كل طرف يجد فيه السبيل الوحيد لشراء الوقت من دون أن يتمكن من تحسين شروط الانتظار إلا إذا كان يأخذ في الاعتبار ضرورة أن يتدارك الجميع ما هو أسوأ ويبادروا إلى شبك أيديهم بعضها ببعض لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي.

وتؤكد أن البرلمان هو الساحة الوحيدة التي يجب أن يجتمع الجميع فيها للبحث في الإجراءات الناجعة لوقف هذا الانهيار من خلال تصديقه على مجموعة من التشريعات المالية المطلوبة دولياً ويبدو أن البلد في أمس الحاجة إليها.

وتدعو المصادر جميع الكتل النيابية إلى التواضع الذي لن يكون في متناول اليد إلا من خلال إعادة فتح أبواب البرلمان أمام تشريع الضرورة، لا سيما تلك ذات الصلة الوثيقة بأمور مالية واقتصادية، باعتبار أن هذا التشريع من شأنه أن يزود الجسم اللبناني بجرعة من الأوكسجين يفترض أن تنعشه وتبعده عن خطر الانهيار.

وتقول إن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه ركز في محادثاته في بيروت على الاهتمام أولاً بالقضايا الصغرى التي تسهم في وقف الانهيار الاقتصادي باعتبار أن الحلول مؤجلة للقضايا الكبرى المرتبطة بالوضع في المنطقة.

ومع أن لارشيه تطرق إلى ملف انتخاب الرئيس من زاوية السؤال عن المرشحين المصنفين في خانة إمكانية التوافق على أحدهم من دون أن يدخل في الأسماء، فإنه في المقابل رأى أن زيارته المقررة لطهران تنم عن رغبته في استكشاف الوضع في إيران بعد مرحلة التوقيع على الاتفاق النووي وما إذا كانت ستحمل متغيرات غير تلك التي سبقت توقيعه.

وعلمت «الحياة» أن لارشيه أكد للذين التقاهم أنه لا يحمل معه مبادرة إلى طهران وبالتالي سيقوم بجولة استكشافية للوقوف على رأي القيادة الإيرانية وما إذا كان تطبيع علاقتها الاقتصادية بدول العالم بعد الاتفاق النووي سيدفع في اتجاه تبديل موقفها من أزمة الرئاسة في لبنان.

وعليه فإن جلسة الحوار اليوم ستكون مثل الجلسات السابقة، أي تكراراً للمواقف وبالتالي لن تكون جلسة استثنائية وفوق العادة، من دون أن تستبعد المصادر المواكبة العودة إلى الإجماع على معالجة النفايات لأن المشكلة ليست كما يحاول أن يصورها البعض في تعذر تحديد مطمر في البقاع الشمالي، ويعزو السبب إلى أن «حزب الله» كان حدد مكانين يمكن تحويل أحدهما مطمراً وأن المشكلة في عدم تجاوب الآخرين في تحديد مطمر أو اثنين في كسروان وجبيل.

لذلك، تقلل المصادر من الوصول إلى فراغ في الحكومة جراء ذهاب سلام بعيداً في تقديم استقالته مع أنها تتفهم معاناته وشهيب في ملف النفايات، وتدعو إلى الالتفات إلى تشريع الضرورة لتدارك الانهيار الاقتصادي، وتستغرب لجوء وزير التربية الياس بوصعب إلى المزايدة في دعمه لإقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، وتقول إن زميله وزير الخارجية جبران باسيل كان حذر في خلال حضوره جلسات مجلس الوزراء من إقرارها في ظل الصعوبات المالية والاقتصادية التي يقع البلد تحت وطأتها. وتؤكد هذه المصادر أن «شعبوية» بوصعب لن تصرف في مكان لأن من يبحث عن وقف الانهيار الاقتصادي لا يركض وراء إقرار السلسلة التي يمكن أن تتسبب بمزيد من الانهيار.