IMLebanon

الحزن يلف لبنان بعد جريمة برج البراجنة

لف الحزن لبنان بأسره أمس بعدما استفاق اللبنانيون، والعالم معهم، على هول الجريمة التي استهدفت الأبرياء في ضاحية بيروت الجنوبية بتفجيرين إرهابيين في شارع مكتظ في منطقة برج البراجنة مساء أول من أمس، أديا إلى سقوط أكثر من 44 شهيداً و239 جريحاً بعضهم ما زالت حاله خطرة، وخلّفا أضراراً ودماراً في الحي الشعبي الذي كان ضحية التفجيرين الانتحاريين اللذين أعلن «داعش» تبنيهما.

وبدأ أهالي الشهداء تشييع ضحاياهم أمس في الضاحية أو في قراهم، وبينهم العديد من الأطفال كانوا برفقة ذويهم، وسط حال من الغضب والإصرار على عدم الرضوخ للإرهاب، فيما أقفلت المدارس والجامعات الخاصة والرسمية حداداً وتراجعت حركة المرور في الشوارع، وقلّ عدد المصلين في المساجد أثناء صلاة الجمعة خلافاً للعادة. وأزيل ركام الحطام الذي خلفه التفجيران وأضيئت الشموع في مكانه.

ودفعت الجريمة الإرهابية الفرقاء اللبنانيين إلى التشديد على وحدة الموقف وتجاوز الخلافات الناجمة عن الأزمة السياسية المتمادية، وأخذ التضامن الداخلي زخماً جديداً نتيجة الخشية من موجة عمليات إرهابية جديدة تطاول لبنان على وقع التطورات المتسارعة في المنطقة، واستنفرت الزعامات للبحث عما يحصن لبنان تجاه المخاطر، وسط توقعات بتجاوز الخلافات التي حالت دون اجتماع مجلس الوزراء من أجل عقد جلسة قريبة.

وتكشفت تفاصيل جديدة أمس عن الجريمة المروعة التي جاءت حصيلتها من الضحايا كبيرة قياساً إلى التفجيرات المماثلة في اماكن اخرى، فتبين أن التفجير الأول حصل في دراجة مفخخة زنة عبوتها 7 كلغ والثاني وقع نتيجة تفجير أحد الانتحاريين حزامه الناسف الذي يزن 2 كلغ، وفق تصريح للمدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود الذي زار مسرح الجريمة برفقة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر. وعلمت «الحياة» أن الاجتماع الوزاري الأمني الذي ترأسه رئيس الحكومة تمام سلام قبل ظهر أمس تداول في معلومات عن أن الحزام الناسف الذي ضبطته شعبة المعلومات في قوى الأمن صباح أول من أمس في طرابلس على خاصرة موقوف لديها كان يعتزم تفجير نفسه في منطقة جبل محسن (قبل ساعات من جريمة برج البراجنة)، هو نسخة طبق الأصل عن الحزامين الناسفين اللذين استخدما في الضاحية. ورجحت مصادر أمنية أن تكون الأحزمة الثلاثة من تصنيع واحد.

وبينما كان بيان «داعش» أشار إلى 3 انتحاريين نفذوا الجريمة، فلسطينيين وسوري أذاع أسماءهم، قال حمود وصقر إن العملية نتيجة تفجيرين، والتحقيقات تتواصل من أجل التثبت من وجود انتحاري ثالث.

وصدرت أوسع مواقف استنكار دولي وعربي للجريمة الإرهابية عن معظم العواصم، فعبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن سخطه وصدمته، فيما اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس البرلمان نبيه بري مبدياً استعداده لمساعدة لبنان في مكافحة الإرهاب. ودانت الخارجية الأميركية الهجوم الإرهابي ضد مدنيين، مؤكدة دعمها السلطات اللبنانية بالكامل. وشملت الإدانات بيانات واتصالات من وزراء خارجية معظم الدول الأوروبية، إضافة إلى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

ومن أبرز مواقف الاستنكار العربية والتضامن مع لبنان إدانة السفير السعودي علي بن عواض عسيري التفجير الإرهابي، فضلاً عن البحرين والرباط والقاهرة وعمان وبغداد، والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لـ «حماس» خالد مشعل، إضافة الى الفصائل الفلسطينية في لبنان. وجاء الكثير من هذه الاستنكارات في اتصالات مباشرة مع بري وسلام.

وشهدت الجلسة النيابية التي استؤنفت عصر أمس مواقف في اتجاه تغليب التوافق والتضامن، وافتتحها الرئيس نبيه بري بالتشديد على أن «وعي أهل الضاحية أكبر من كيد المعتدين»، مؤكدا أن «الضاحية الشموس عمّدت بالدم انتصار الكتل البرلمانية لوحدة لبنان وصيغة العيش المشترك بعقدها الجلسة التشريعية». وأشار إلى أن «العصابات التكفيرية عادت إلى اعتماد هذا النوع من الإرهاب بترويع الآمنين وارتكاب حفلات الإعدام الجماعية التي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها».

ودعا «الجامعة العربية ومجلس الأمن واجتماع فيينا إلى إعلان لوائح سوداء للمنظمات الإرهابية وإعلان حرب عالمية عليها وعلى مواردها البشرية ومصادر تمويلها وتسليحها وممراتها عبر الحدود السيادية للدول». وقال: «إننا نواجه حربا إرهابية جديدة على حدود مجتمعنا»، مؤكداً أن «لبنان يستدعي دعم كل أشقائه الذين يعانون أيضاً من إرهاب مماثل، وأصدقائه الذين يهددهم الإرهاب، إذ إن القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية تحتاج إلى الأسلحة والأعتدة الأمنية والمزيد من العديد». وقال إن حدود لبنان الشرقية والفيحاء (طرابلس) والعاصمة بيروت وجبله ومجتمعه مهددة بجرائم مماثلة إذا لم ننتقل من الدفاع إلى تجريد الإرهاب وقواعد ارتكازه من عنصرَي المبادرة والمفاجأة».

وأضاف: «الشعب اللبناني وقواه الحيّة مطالبون بإبراز قوة وحدته الوطنية والتفاهم حول قواه العسكرية والأمنية، وتنشيط إدارته الحكومية والعمل الحكومي الى جانب التشريع لتعبئة موارد الوطن». وأكد أن «لبنان يستدعي في هذه اللحظة الوطنية خريطة طريق لحلّ يعتمد على قاعدة الاتفاق على كامل بنود الحوار الوطني الذي دعونا إليه بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية».

وإذ دعا اللبنانيين إلى «اليقظة التامة والحذر من مشاريع الفتنة في مواجهة قوى الإرهاب المنهزمة التي تسعى الى الانتحار لتفجير استقرار لبنان وتحويله الى ساحة مضطربة بين شعبه واللاجئين والنازحين من أشقائه»، اعتبر أن «الإعلان عن أسماء وهوية المفجرين بعيد حصول الجريمة النكراء، وهما فلسطينيان وسوري واحد، دعوة مكشوفة للإيقاع بين اللبنانيين والمقيمين عنده». وكشف عن تلقيه اتصالات تعزية من الرئيس الفلسطيني ومن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل «الذي بعد أن دقق عاد إلي بالتالي: الفلسطينيان ليسا من لاجئي لبنان. السوري أيضاً غير مسجل بين اللاجئين في لبنان. الفلسطينيان هذان ماتا أو قتلا منذ أكثر من سنتين في سورية، وأكد لي هذا الأمر بعد ذلك اتصال الرئيس إسماعيل هنية من غزة».

ورأى سلام أنه «حسناً فعل الرئيس بري بمتابعة التشريع والقيام بما علينا لتحصين الوطن ودعا إلى أن نضع جانباً خلافاتنا».

ودعا سلام إلى «البناء على لحظة التضامن الوطني التي تجلت في موجة الاستنكار العارمة التي صدرت عن جميع الأطراف، من أجل شد اللحمة الداخلية». واتصل رئيس الحكومة بالمعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» حسين الخليل لتقديم التعازي للسيد حسن نصرالله بشهداء التفجيرين في برج البراجنة.