IMLebanon

«مفاجأة بوتين» تضغط على مسار جنيف… وإيران و «حزب الله»

عادت أسراب من الطائرات الحربية الروسية إلى بلادها أمس، بعد يوم من «المفاجأة» التي كشف عنها الرئيس فلاديمير بوتين وتناولت سحب الجزء الأساس من قواته التي أرسلها قبل خمسة أشهر لمنع سقوط الرئيس بشار الأسد. وإذا كانت هذه المهمة قد تحققت فعلاً بعدما استعادت القوات النظامية المبادرة، فإن خلفيات القرار المفاجئ بالانسحاب ظلت محل تحليلات وتكهنات تمحورت حول خلاف بين دمشق وموسكو في شأن تفاصيل «الحل السياسي» الذي تعمل الأمم المتحدة عليه في مفاوضات جنيف الحالية بين النظام والمعارضة، وما إذا كانت إيران على استعداد لخفض وجودها العسكري في سورية وإلى الدفع بـ «حزب الله» لسحب عناصره القتالية من الأراضي السورية في موازاة أي تقدم للمفاوضات بين السوريين.

وستتجه الأنظار مجدداً إلى جنيف اليوم لمعرفة مدى الليونة التي يمكن أن يجدها الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا من وفد الحكومة السورية برئاسة بشار الجعفري، بعدما غابت عن اللقاء الأول الإثنين علامات على قبوله تقديم تنازلات تمس الجوهر، وبالتحديد في شأن «هيئة الحكم الانتقالية». وعرضت المعارضة السورية من جهتها في لقائها الأول مع دي ميستورا بعد ظهر أمس، رؤيتها للحل السياسي، مقدمة مذكرة مفصلة في هذا الشأن، ومبدية استعدادها لمفاوضات مباشرة وجهاً لوجه مع ممثلي النظام، علماً أن المفاوضات الحالية تتم عبر دي ميستورا ومساعديه.

وقال البيت الأبيض أمس إن «المؤشرات الأولية» تدل فعلاً على أن الروس بدأوا تنفيذ انسحابهم من سورية، «لكن لا يزال من السابق لأوانه في هذه المرحلة تحديد مدى تأثير ذلك على الوضع بشكل أوسع»، كما قال الناطق باسم الرئاسة الأميركية جوش إرنست، الذي أضاف أن روسيا لم تخطر الولايات المتحدة مسبقاً بقرارها الرحيل عن سورية. وأشار إلى أن أميركا تركّز على إحداث تقدم في محادثات الانتقال في سورية و «الروس قالوا الشيء نفسه». ويبدو أن هذا الموضوع سيكون محور محادثات جديدة بين الجانبين، إذ أفادت وكالة إنترفاكس الروسية بأن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيزور موسكو الأسبوع المقبل لبحث أزمة سورية مع الرئيس بوتين.

وانعكست تداعيات قرار الرئيس الروسي ليس فقط على مسار مفاوضات جنيف بل أيضاً على الوضع الميداني في داخل سورية، إذ أعلنت «جبهة النصرة» أنها ستبدأ هجوماً على قوات النظام خلال يومين مستفيدة من تراجع القدرات الجوية الروسية المشغولة بترتيبات العودة إلى قواعدها، وسارع «حزب الله» إلى تأكيد أن قوات النظام حققت تقدماً مهماً في محيط مدينة تدمر في وسط البلاد «تحت غطاء جوي روسي»، في إشارة إلى أن خطوة «الانسحاب الجزئي» لا تعني وقف الدعم الروسي للقوات الحكومية. وليس واضحاً بعد كيف سيتعاطى الحزب ميدانياً في سورية مع الانسحاب الروسي، كونه سيكون تحت ضغط متزايد لسحب قواته أيضاً من سورية، وهو أمر ينطبق أيضاً على ميليشيات شيعية عدة تعمل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني وتحارب إلى جانب قوات الأسد. وقال معاون وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في محادثات في طهران أمس، إن خفض عدد القوات الروسية في سورية يأتي في إطار التنسيق بين البلدين وبعد تحقيق «إنجازات ميدانية مهمة في الحرب المشتركة على الإرهاب»، متجاهلاً الإشارة إلى ما إذا كان «حزب الله» سيسحب بدوره فصائل مقاتلة، أو ما إذا كانت إيران ستراجع تواجد الحرس الثوري وأنصاره في سورية.

وذكرت وكالة «فرانس برس» أن أول سرب من الطائرات العسكرية الروسية التي غادرت سورية وصل إلى قاعدة عسكرية قرب فورونيغ جنوب غربي روسيا. ولقي طيارو قاذفات سوخوي- 34 وطائرات النقل تو- 154 العائدون، استقبالاً حاشداً، حيث استقبلهم المئات بباقات الورد والأعلام، بحضور قائد سلاح الجو فيكتور بونداريف وعدد من كبار الضباط. وأكد مساعد وزير الدفاع الروسي الجنرال نيكولاي بانكوف، أن «من المبكر جداً الحديث عن انتصار على الإرهابيين. الطيران الروسي لديه مهمة تقوم على مواصلة الغارات ضد أهداف إرهابية»، كما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية من قاعدة حميميم في شمال غربي سورية. وتابع أن القوات الروسية والسورية تمكنت من «إلحاق أضرار مهمة بالإرهابيين وأربكت تنظيمهم وقوضت قدراتهم الاقتصادية».

وفي نيويورك (الحياة)، رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقرار روسيا، آملاً في أن تكون له «تبعات إيجابية للتحرك قدماً على مسار العملية السياسية». وحمّل في ذكرى انطلاق الثورة، الأطراف السوريين والإقليميين والدوليين المسؤولية عن عدم العمل على حل سياسي للأزمة «واستخدام» سورية في صراعاتهم، لكنه لم يشر إلى أي مسؤولية للأمم المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بمعالجة الجانب الإنساني من الأزمة. وذكّر بان بأن «السوريين نزلوا إلى الشوارع ليطالبوا بالتغيير السياسي لكنهم قوبلوا بالعنف والقمع».

وقال المبعوث الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا في بيان وزع في نيويورك، إن إعلان الرئيس الروسي «تحديداً في يوم بداية جولة المحادثات السورية- السورية في جنيف، هو تطور مهم جداً نأمل أن يكون له وقع إيجابي على تقدم المفاوضات في جنيف التي تهدف إلى تحقيق حل سياسي للنزاع السياسي وانتقال سياسي سلمي في سورية».

وفي مؤتمر صحافي بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق «الثورة السورية» قبل الاجتماع الرسمي الأول مع دي ميستورا، جدد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط تأكيد «حرصنا على أن تبدأ هذه المفاوضات (…) بمناقشة هيئة حكم انتقالي»، معتبراً أن تشكيل حكومة «وحدة وطنية» هو «غير مقبول».