بيروت – ناجية الحصري
يثير «مشروع التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان»، الذي أطلقته «لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني» أمس، والذي سيشكل في حال إنجازه خزاناً غير مسبوق للدولة من المعلومات، الكثير من الأسئلة عن توقيته وإمكان توظيفه سياسياً، ومخاوف من إمكان عدم الوصول الى كل المستهدفين لا سيما في المناطق «المحظورة أمنياً»، وإمكان امتناع فلسطينيين عن المشاركة فيه في غياب التطمينات.
في السراي الكبيرة، أقيمت احتفالية ضخمة بمشاركة لبنانية سياسية وأمنية وقضائية وإدارية وفلسطينية(ممثلي الفصائل والقوى) وديبلوماسية جامعة. وتقدم الحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، وأعلن خلالها إطلاق مشروع التعداد، وحدد 27 الجاري موعداً لساعة الصفر، وسبق جيش من المندوبين اللبنانيين والفلسطينيين (600 شاب وفتاة) الموعد الى الميدان موزعين الاستمارات في 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين وفي 121 تجمعاً لهم خارج المخيمات، على أمل الانتهاء من معظم مراحله نهاية العام الحالي. وتجرى مرحلة تعداد «الأفراد» ممن يعيشون خارج المخيمات والتجمعات، ولا تتجاوز نسبتهم 3 في المئة، في 2018.
والمشروع الذي تدعمه مالياً اليابان وسويسرا و«يونيسيف»، تغيب عنه وكالة «اونروا». فما «سبق أن أحصته الوكالة الدولية لا يتعدى دراسة عينات من اللاجئين للبناء عليها، وبالتالي ما نتج منها» لا يعتبر، وفق قول مدير المشروع عبد الناصر الأيي لـ «الحياة» «احتساباً دقيقاً». ويشمل التعداد كل من يقيم في المخيمات ولا يقتصر على الفلسطينيين انما يشمل لبنانيين وجنسيات أخرى، أما في التجمعات فالتعداد يشمل الفلسطينيين فقط، وهو يرصد وفق الأيي، «الحركة الديموغرافية على الأرض، أما في المناطق التي تعتبر حساسة أمنياً مثل في مخيم عين الحلوة فإن التعداد سيتم بعد معالجة خاصة تشمل التنسيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والجانب الفلسطيني». ولا يشمل التعداد «مناطق لا يقطنها مدنيون وتصنف عسكرية (قوسيا) فهذه لا شغل لنا فيها».
لكن محاذير التعداد كثيرة، تبدأ من إمكان استغلال المعلومة مروراً بسوء تفسيرها وإدخالها في اللعبة السياسية وصولاً الى إسقاط، ربما، صفة لاجئ. ويؤكد الأيي لـ «الحياة» أن محور التعداد «الحفاظ على سرية المعلومات ولن تعطى الى أي جهاز خارج دائرة الإدارة الإحصائية، التزاماً منا بتوصيات دولية توجب اعتماد هذه المعايير، ويمكن الكشف عن مؤشرات نتجت من الإحصاء لكنها لن تشمل أبداً معلومات فردية. وهذا موضوع حساس».
ويحرص المشروع على الوصول الى اللاجئين الذين دخلوا لبنان عبر موجات اللجوء في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي ولا سيما أولئك الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية لتعدادهم. ويقول الأيي «إن الأمر مهم للدولة، وضمانة هؤلاء سرية المعلومة وهناك لجنة توجيهية تتأكد من جودة المعلومات».
الرئيس الحريري وصف المشروع بأنه «إنجاز كبير بدأ مع سلفه الرئيس تمام سلام، وهو يخدم القضية الفلسطينية ويعكس حجم المعاناة الفلسطينية واللبنانية في آن ويؤكد أهمية حق العودة ويعكس حجم المشكلات التي أوجدتها إسرائيل، أمام الرأي العام الدولي». وشدد على وجوب تحقيق «حق العودة، لأن لبنان لا يتحمل هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحق لهم بالعودة لأن المعاناة تزداد في ظل وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري».
وحرص رئيس لجنة الحوار حسن منيمنة على طمأنة الفلسطينيين الى أن «لبنان باق على دعم قضيتكم وصولاً الى إقرار حقكم في بناء الدولة الفلسطينية على أرضكم وعودة اللاجئين». وأوضح أن التعداد «يخرج القضية من خانة التخمين والتقدير الى جداول ووقائع فعلية، بدلاً من التلاعب بالرقم كيفياً لأغراض سياسية». وأكد أنه لا ينبغي ان يكون المخيم بؤرة أمنية أو منطقة عاصية على سلطة الدولة، بل أن يظل قضية اجتماعية وانسانية».
وأوضح أن التعداد سيشمل «عدد السكان وظروف السكن والملكية وتاريخ البناء ومشكلاته وتوافر خدمات البنى التحتية وخصائص الأسر والأفراد والقوى العاملة وحال البطالة وأسبابها والنشاط الاقتصادي الممارس والمستوى التعليمي والصعوبات التي يواجهها ذوو الحاجات الخاصة، كما سيلحظ الحراك السكاني من خلال التوسع العشوائي والانتقال والنزوح الداخلي أو الهجرة والدوافع اليهما».
ونقلت رئيسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني علا عوض مباركة الرئيس محمود عباس ورئيس مجلس الوزراء رامي الحمد لله للمشروع «الذي جاء تتويجاً لجهود مشتركة لدرس الواقع الاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي للسكان الفلسطينيين المقيمين في لبنان». وشرحت المديرة العامة لإدارة الإحصاء المركزي في لبنان مرال توتليان خطة العمل وأهمية المشروع في توفير «قاعدة بيانات أساسية تتيح وضع الخطط والإجراءات الملائمة لحاجات المجتمع اللبناني».