Site icon IMLebanon

«حزب الله» يستهدف «المستقبل» لمصلحة حلفائه ويتوجس من الحجم النيابي لـ «القوات»

  بيروت – محمد شقير

قالت مصادر سياسية لبنانية وثيقة الصلة بالأطراف الرافضين اقتراح «حزب الله» جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس اعتماد النسبية الكاملة، إن تذرع الحزب في دفاعه عن اقتراحه هذا بتأمين صحة التمثيل الشعبي في الانتخابات النيابية وتوسيع المشاركة في البرلمان، لا يعكس كل الحقيقة. ورأت أنه يخطط منذ الآن لمواجهة أي مشروع سياسي يمكن أن يستهدفه، وبالتالي يريد أن يستبق كل الاحتمالات ليكون في وسعه التحكم، من موقع قوة، بالمعادلة في لعبة الحسابات وموازين القوى.

ولفتت المصادر السياسية نفسها لـ «الحياة»، إلى أن «حزب الله» يريد من خلال تمسكه باعتماد النسبية الكاملة، سواء بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة أو دوائر موسعة، تمرير رسالة إلى حلفائه يبدي فيها حرصه الشديد على تأمين حضورهم في البرلمان العتيد، وبذلك يكون قد استحصل منهم على براءة ذمة في حال لم يؤخذ باقتراحه ولقي معارضة من الكتل النيابية الكبيرة.

دوافع الحزب

واعتبرت أن حرصه على إيصال بعض حلفائه إلى البرلمان ممن يلقون صعوبة في حجز مقاعد لهم ما لم يؤخذ بنظام النسبية الكاملة، لا يحجب الأنظار عن الدوافع التي تملي عليه الذهاب إلى أقصى حدود النسبية، بدلاً من موافقته، على الأقل في المدى المنظور، على القانون المختلط الذي يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي. ومن أبرز هذه الدوافع:

– أن تمسكه بالنسبية الكاملة يمكن أن يؤدي إلى تحرير بعض حلفائه من الارتباط بأي تحالف انتخابي من موقع الاختلاف في الموقف السياسي، وهذا ما ينطبق على أكثر من حليف باستثناء تيار «المردة» بزعامة النائب سليمان فرنجية.

– أن الحزب يرى في النسبية الكاملة المعبر الوحيد الذي يحقق له اختراق كبريات الكتل النيابية ذات الغالبية السنية، وتحديداً «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري، إضافة إلى أنه يؤمن له المجيء بنواب كودائع في الطوائف المسيحية.

– أن «إعلان النيات» بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» بات يقلق «حزب الله»، وأن ترحيبه به لا يحجب الأنظار عن توجسه منه، وإلا لماذا بدأ تمرير إشارات سياسية بأنه غير ملزم بتأييد مرشحي «القوات» في حال قرر الثنائي المسيحي خوض الانتخابات على لوائح موحدة في معظم الدوائر اللبنانية؟

– يتصرف الحزب في حساب الربح والخسارة على أن تحالف «التيار الوطني» و «القوات» في الانتخابات سيتيح للأخير حصد مقاعد نيابية جديدة تفوق المقاعد التي يشغلها الآن في البرلمان وعددها 8 مقاعد. بينما الحصة النيابية للتيار سيضاف اليها عدد رمزي من المقاعد.

– بما أن الانتخابات النيابية المقررة مبدئياً في الربيع المقبل، إذا لم يتقرر تأجيلها تقنياً بذريعة انتاج قانون انتخاب جديد، ستكون محكومة بالظروف السياسية التي ستجرى فيها، فإن «حزب الله» يتحسب منذ الآن لأسوأ الاحتمالات السياسية، وهو يراهن من خلال اعتماد النسبية الكاملة على قدرته على قطع الطريق على أي ائتلاف يمكن أن يحصل بين الكتل النيابية في البرلمان الجديد، منه الحصول على 65 مقعداً، أي نصف عدد أعضاء المجلس النيابي زائد واحداً.

– كما أن «حزب الله» يتوجس، وهذا حق «مشروع» له، من احتمال إعادة خلط الأوراق السياسية مع تكوين السلطة من خلال انتخاب برلمان جديد، وهو يحاول طرح النسبية الكاملة التي يمكن من وجهة نظره أن تحول دون حصول تكتل نيابي على الثلث الضامن في البرلمان، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بثنائية من لون طائفي واحد، أي تلك التي تتشكل من «التيار الوطني» و «القوات»؟

لذلك، رأت المصادر السياسية هذه أن توجه «حزب الله» لوضع الكتل النيابية أمام خيارين لقانون انتخاب جديد: النسبية الكاملة في دائرة انتخابية واحدة أو النسبية في دوائر موسعة، ما هو إلا الوجه الآخر لمشروع انتخابي ولد يتيماً وسرعان ما سحب من التداول، وتردد أن الحزب طــرحه فـي محاولـة منه لجس نـبـض الكتل النيابية حياله، ويقوم على انتخاب 75 نائباً على أساس النظام الأكثري و53 آخرين استناداً إلى النسبي.

وسألت المصادر: كيف يوفق «حزب الله» بين تفهمه الهواجس التي عبر ويعبر عنها رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط في أكثر من مناسبة سياسية، برفضه النظام النسبي والإصرار على اعتماد قانون «الستين» مع إدخال تعديلات عليه؟

كما سألت: إذا كان الحزب من خلال إصراره على النسبية الكاملة يتوخى رفع سقوف المفاوضات تمهيداً لتقديم «تنازلات» لن تكون بالضرورة من كيسه الانتخابي، وأيضاً عن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلاله «التيار الوطني» من اقتراحه، خصوصاً أن الرئيس كما أعلن سابقاً يؤسس منذ الآن لخلافة جديدة، لأنه لا ينوي التمديد؟

واعتبرت المصادر أن «التيار الوطني» يقف الآن في منتصف الطريق بين حليفين له لا يلتقيان حتى إشعار آخر، وهما «حزب الله» المؤيد للنسبية الكاملة و «القوات» المتمسك بالقانون المختلط الذي كان توصل اليه مع «اللقاء الديموقراطي» و «المستقبل»، فأيهما سيختار، خصوصاً أن دعوة الوزير جبران باسيل رئيس الجمهورية إلى رعاية حوار في حال عدم التوصل قريباً إلى تفاهم على قانون انتخاب جديد أثارت حفيظة أكثر من طرف سياسي خشية أن تفتح الباب في اتجاه عقد مؤتمر تأسيسي يراد منه إنتاج نظام سياسي جديد.

وقالت إن بعض حلفاء باسيل وأصدقائه كانوا أخذوا عليه أنه لم يقدر الظروف عندما طرح مشروعه الانتخابي في اجتماع اللجنة الرباعية، والذي سرعان ما أُسقط واعتُبر كأنه لم يكن. وأكدت أنه كان في غنى عن طرح مشروع كهذا يزيد من هواجس جنبلاط.

وكشفت أن «القوات» لم يكن في وارد تبني مشروع باسيل، وعزت السبب إلى أن رئيسه سمير جعجع حريص على عدم إقحام نفسه في صدام سياسي مع جنبلاط لأنه يتوخى من أي مشروع تدعيم المصالحة في الجبل التي رعاها البطريرك الماروني آنذاك نصرالله صفير وكان لـ «القوات» دور الشراكة في إنجازها مع جنبلاط شخصياً.

ورأت أن باسيل لم يحسن تدوير الزوايا في طرحه مشروعه الانتخابي، وكان يراهن على أن عدم التعليق عليه من «المستقبل» سيعطيه دفعاً لانتزاع صمت «التحالف الشيعي» في اللجنة بدلاً من أن يشهر سلاحه في وجهه، وهذا ما عجز عن تحقيقه.

تمرير الوقت

وعليه، فإن مهمة اللجنة الرباعية تكمن حالياً – كما تقول المصادر – في تمرير الوقت، ولم يعد لديها ما يشغلها في معاودة اجتماعاتها، وبالتالي فإن لجنة الخبراء المنبثقة منها ستحذو حذوها وستغرق حتماً في مراوحة لن يوقفها الا إحالة المشاريع الانتخابية على مجلس الوزراء، لا سيما أن لا صفة رسمية للجنة التي لا تتمثل فيها الكتل النيابية الأخرى وجاء تشكيلها على وجه السرعة لملء الفراغ في ظل عدم إشغال الحكومة بمناقشة مشروع يتعلق بإعادة تكوين السلطة.

فاللجنة الرباعية ستضطر إلى اتخاذ قرار يقضي بإحالتها على «التقاعد»، ليس لأن لا صفة رسمية لها فحسب، وإنما لعدم قدرتها على التوصل إلى مقاربة بالحدود الدنيا يمكن أن تؤسس لإنتاج قانون انتخاب جديد.

ناهيك بأن أي قانون جديد – وفق المصادر هذه – سيدفع بهذا الطرف أو ذاك إلى مواكبة الظروف السياسية بكل تقلباتها وتطوراتها، فهل سيفعلها مجلس الوزراء، ولو متأخراً، ويأخذ على عاتقه التفاهم على مشروع يحيله إلى البرلمان للنظر فيه، علماً أن منسوب التفاؤل لجهة احتمال إقراره لا يقوم على معطيات بمقدار ما أنه يأتي في سياق البحث عن الإسراع في انجازه لتبرير التأجيل التقني للانتخابات، وإلا أين يصرف هذا التفاؤل فيما التواصل يكاد يكون معدوماً بين من يتصدى لوضع القانون وبين «اللقاء الديموقراطي» الذي تؤكد مصادر قيادية فيه أنها لا تملك معطيات حيال حصول أي تقدم، باستثناء بعض المواقف المغلفة بالتفاؤل الموعود.