توقعت مصادر وزارية أن يوقع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على المرسوم الذي كان وقعه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، قبل سفره أول من أمس إلى الخارج، بدعوة الهيئات الناخبة للاقتراع في الانتخابات النيابية المقررة في 21 أيار (مايو) المقبل تمهيداً لإحالته إلى رئيس الجمهورية ميشال عون للتوقيع عليه، علماً أن مصادر في بعبدا كانت استبقت التوقيع عليه وأكدت أنه لن يوقع على المرسوم كما سبق وأعلن في أكثر من مناسبة، بذريعة أنه ضد إجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ، وبالتالي لا بد من التوافق على قانون انتخاب جديد.
وقالت المصادر الوزارية لـ «الحياة» إن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للاشتراك في الانتخابات النيابية يجب أن يحمل تواقيع عون والحريري والمشنوق، إضافة إلى وزير المال علي حسن خليل لتأمين الاعتمادات المالية اللازمة لتغطية النفقات المترتبة على إجراء الانتخابات النيابية.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن توقيع الحريري على المرسوم سيتم قبل غد الثلثاء أي مع بدء سريان المهلة من أجل التحضير لإجراء الانتخابات في 21 أيار. وقالت من الطبيعي أن يوقع عليه وزير المال لتأمين النفقات المالية لإنجاز الاستحقاق النيابي، مع أن ولاية البرلمان الممدد له تنتهي في 21 حزيران (يونيو) المقبل.
وأوضحت المصادر أن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لا يعتبر نافذاً ما لم يحمل توقيع رئيس الجمهورية. وقالت إن مهلة الـ15 يوماً المنصوص عليها في الدستور للتوقيع عليه من عون لا تسري على مرسوم كهذا لم يصدر عن مجلس الوزراء، وبالتالي يمكنه أن يحتفظ بالمرسوم من دون أن يوقع عليه بذريعة أن دعوة الهيئات الناخبة تتم في 21 آذار (مارس) المقبل باعتبار أنها تأتي قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية البرلمان الممدد له في 21 حزيران.
ورأت المصادر أن إصرار عون على عدم التوقيع بذريعة أن لديه متسعاً من الوقت تمكن الإفادة منه لإنجاز قانون جديد يدفع في اتجاه تعديل المهل قبل هذا التاريخ. وقالت إن رئيس الجمهورية باق على موقفه بعدم التوقيع على مرسوم يقضي بالتمديد للبرلمان الحالي أو إجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون النافذ، وهذا ما كان صرح به أمام مجلس الوزراء في جلسته التي اعترض فيها على طلب الوزير المشنوق تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، على رغم أنه كان تشاور معه في هذا الخصوص عشية انعقاد هذه الجلسة.
وأكدت أن توقيع الحريري على المرسوم لا يعني أبداً أنه يريد حشر رئيس الجمهورية مقدمةً للدخول في خلاف معه. وقالت إنه يحاذر الانجرار إلى أي خلاف ويحرص على التعاون مع رئيس الجمهورية، لكن هناك مسؤولية معنوية تقع على عاتق السلطة التنفيذية التي لا تملك حق الاعتراض على طلب المشنوق دعوة الهيئات الناخبة، وتعزو السبب إلى أن الأخير يحرص على ممارسة مسؤولياته، وبالتالي من غير الجائز في حال رفض التوقيع على المرسوم أن يضع نفسه في مواجهة الحراك المدني الذي سيحمل عليه بالنيابة عن الحكومة مجتمعة التي يجب عليها أن تتحمل مسؤولية أي قرار تتخذه في خصوص تحديد مصير الانتخابات النيابية.
واعتبرت المصادر عينها أن المجتمع الدولي لا يتدخل في تفاصيل أي قانون انتخاب جديد وأن ما يهمه إجراء الانتخابات في موعدها، لأنها من خلال نتائجها تشكل المعبر الوحيد لإعادة تكوين السلطة في لبنان. وقالت إنه سيتشدد في حال تقرر تأجيل الانتخابات من دون أن يكون مقروناً بأسباب موجبة تتعلق بإنجاز قانون جديد يستدعي التأجيل التقني.
وإذ تتعامل مصادر وزارية مع امتناع عون عن التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أنه يهدف إلى الضغط من أجل التوافق على قانون جديد، تسأل مصادر وزارية أخرى عن السر الذي يكمن وراء عدم التوصل حتى الساعة إلى قواسم مشتركة يمكن أن تؤسس للتوافق على قانون جديد.
ورأت المصادر صاحبة هذا السؤال، أن اللجنة الرباعية التي كانت تشكلت لوضع قانون انتخاب جديد لم تحقق أي تقدم، بل راوحت اجتماعاتُها مكانَها بسبب تعدد المشاريع التي ناقشتها في اجتماعاتها الموسعة وأدت إلى تعليق المشاورات، واستعاضت عنها بأخرى ثنائية، فيما ينتظر «اللقاء النيابي الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط من رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن يوافيه بواسطة معاونه السياسي الوزير خليل ما آلت إليه المشاورات في شأن المقترحات إن كان أودعها لدى بري.
حملات … ولا تقدم
وقالت المصادر إن حملات التهليل من حين لآخر باقتراب الوصول إلى توافق على قانون انتخاب جديد لا أساس لها من الصحة ولا يمكن البناء عليها أو صرفها في اتجاه التفاؤل بتحقيق تقدم. وأكدت أنها تبقى في حدود الضغط الذي لن يفي بالغرض المطلوب ما لم يصر إلى اعتراف الجميع بضرورة سحب جميع المشاريع الانتخابية من النقاش، والتركيز فقط على القانون المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري.
وغمزت المصادر هذه من قناة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل وحمّلته مسؤولية التأخر في التوافق على مجموعة من القواسم المشتركة من شأنها ترجيح كفة المختلط على غيره من قوانين الانتخاب. وقالت إن باسيل بطروحاته الانتخابية لا يتناغم مع حليفه حزب «القوات اللبنانية» ولا مع تيار «المستقبل»، وهو يحاول أن يقدم نفسه للرأي العام على أنه الوحيد الذي يدافع عن صحة تمثيل المسيحيين في البرلمان.
باسيل والحائط المسدود
واعتبرت المصادر أن جميع طروحات باسيل اصطدمت بحائط مسدود ولم تلق في اجتماعات اللجنة الرباعية ولا في المشاورات الثنائية أي تجاوب، خصوصاً بالنسبة إلى طروحاته المتعددة حول التأهيل تارة في القضاء وأخرى في الدائرة الانتخابية، وقالت: آن الأوان لباسيل لاستبعاد التأهيل بكل أشكاله، وأن يكون البديل البحث في المختلط.
وفي هذا السياق، سألت المصادر عن الدوافع التي أمْلَت على باسيل أن ينصّب نفسه في الخطاب الذي ألقاه مساء الجمعة الماضي في العشاء الذي أقامه المهندسون في «التيار الوطني»، وكأنه وحده يحمل الميزان ويجيز لنفسه توزيع الحصص وتحديد الأحجام للقوى والتيارات السياسية.
وكشفت عن أنها لم تعرف الأسباب الكامنة وراء إصرار باسيل على استهداف «اللقاء الديموقراطي» في جميع طروحاته الانتخابية، سواء من خلال تعامله مع قانون الانتخاب وكأنه المدخل لتحرير بعض المقاعد النيابية، وهو كان استخدم مثل هذا التعبير في الانتخابات النيابية السابقة عام 2009 في حديثه عن المعركة الانتخابية في جزين، وتسبب له بإشكال يهدأ حيناً ويتفاعل أحياناً في علاقته التي لم تستقم حتى الساعة مع حركة «أمل».
ورأت أن باسيل يخطئ إذا كان ينطلق من أن الحسابات الانتخابية التي كانت وراء انتخاب عون رئيساً للجمهورية يمكن أن تصلح في الوصول إلى قانون انتخاب جديد.
وبكلام آخر -ووفق المصادر الوزارية-، فإن باسيل سيكتشف عاجلاً أم آجلاً أن رهانه على أن ما حصل في الانتخابات الرئاسية سينسحب على قانون الانتخاب لجهة تمرير قانونه، ليس في محله، وأن أي قانون يبقى محكوماً بالظروف السياسية التي يمر فيها البلد، فهل هذه الظروف تسمح له بأن يخاطب الأطراف الأخرى من موقع قوة، على رغم أنه يدرك أنه يغرد وحيداً خارج السرب المكلف بوضع مشروع قانون جديد.
كما أن باسيل ليس هو المؤهل تحديد وزن هذا الفريق أو حجم ذاك في الانتخابات، لأن الأمر متروك للناخبين، وبالتالي لا مصلحة له في التحريض في كل مناسبة على «اللقاء الديموقراطي» وهو يعرف تداعيات هذا التحريض على العلاقة الدرزية- المسيحية في جبل لبنان، وانعكاسه على المصالحة والعيش المشترك بين مكونات أساسية في البلد، وإلا لماذا لا يشارك حزبُ «القوات» في حملاته وهو الذي عمل من خلال البطريرك الماروني آنذاك نصرالله صفير لهذه المصالحة؟ ناهيك عن أن باسيل يريد أن يأتي بقانون انتخاب على قياس طموحاته السياسية، أكانت آنية أو مستقبلية، وهذا ما يتسبب له بإشكالات مع الحلفاء قبل الآخرين.
المشنوق قام بواجباته
تضيف المصادر: لذلك لم يكن أمام الوزير المشنوق سوى القيام بواجباته ليس لرفع المسؤولية عن كاهله ورميها في حضن السلطة التنفيذية فحسب، وإنما لحض من يعنيهم الأمر على أن ضيق الوقت لم يعد يرحم وأن لا خيار سوى الإسراع في إنجاز قانون جديد، وإلا لا مفر من اعتماد القانون النافذ حالياً لإجراء الانتخابات في موعدها، خصوصاً أن رفض الخطوة التي أقدم عليها في المطلق لن تعفي من بيدهم القرار من الإحراج في حال تعذر التوافق على قانون يبرر التأجيل التقني للانتخابات.
وتسأل المصادر: كيف سيكون الوضع في حال اقتربنا من 21 آذار؟ ومن يتحمل تبرير التأجيل بلا مسوغ يتضمن الأسباب الموجبة؟ لا سيما أن الفراغ في السلطة التشريعية ممنوع، ليس لأنه يطاول الموقع الشيعي الأول في الدولة فحسب، وإنما لوجود معارضة من المجتمع الدولي الذي كان لتدخله دور في ترحيل التهديد بالفراغ في البرلمان عن المواقف السياسية واعتبار التهديد به وكأنه لم يكن وأصبح من الماضي.