توزع المشهد السياسي في لبنان أمس، بين بلدة المختارة في منطقة الشوف، التي احتشد فيها عشرات الألوف إحياء للذكرى السنوية الأربعين لاغتيال مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي و»الحركة الوطنية» اللبنانية كمال جنبلاط، وتخللها خطاب لرئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط شدد فيه على طي صفحة الحرب بقوله في أكثر من مقطع في خطابه «ادفنوا موتاكم وانهضوا»، موصياً بالسلم والحوار وحماية المصالحة في الجبل، ومسنداً المسؤولية لنجله تيمور، وبين التظاهرة التي نظمها عدد من الأحزاب وجمعيات في الحراك المدني في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، على مقربة من مقر رئاسة الحكومة، وأجمع الخطباء فيها على إقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون فرض ضرائب جديدة واتهموا النواب والوزراء بالفساد والهدر، ووجهوا إليهم كلمات نابية.
والتقى رئيس الحكومة سعد الحريري المتظاهرين مؤكداً «أن هذه الحكومة ستكون معكم وستقف إلى جانبكم ونحن سنحارب الفساد والهدر وسنوقفهما». (للمزيد)
وفي المختارة، فإن جنبلاط فاجأ الحشود بخطابه الذي ألقاه وسط حضور تقدمه الحريري، وشارك فيه سفراء عرب وأجانب، وحمل الخطاب بعداً عربياً وإسلامياً وقومياً، حضرت فيه القضية الفلسطينية وتجنب الدخول في مهاترات سياسية ذات بعد محلي، وأغفل أي إشارة إلى قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام والسجال الدائر حول موازنة العام الحالي.
وتعامل بعض الحضور مع خطاب جنبلاط وكأنه يودع الحياة السياسية، وأراد منه إسناد المسؤولية إلى نجله الأكبر تيمور، وهو يختتم أربعين عاماً في موقعه السياسي كرقم صعب في السياسة اللبنانية، مع أن البعض الآخر رأى فيه أن رغبة جنبلاط في الغياب عن المشهد السياسي بتفاصيله اليومية لا تعني أبداً أنه في وارد تغييب نفسه عن القضايا الأساسية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
فجنبلاط أراد في خطابه أن ينصف الذين رافقوه في الحياة السياسية، وأن الحضور المتميز للحريري في هذه المناسبة يؤشر إلى التحالف الثابت بينهما. كما أراد أن يمد اليد إلى المسيحيين بتأكيده طي صفحة الحرب في الجبل، إضافة إلى أنه اختار الوقت المناسب لإسناد المسؤولية إلى تيمور، في الفترة التي يمر فيه لبنان في حالة من الاستقرار وينعم بالسلم الأهلي، خلافاً للظروف التي أوصلته إلى الزعامة الجنبلاطية خلفاً لوالده.
وأشار جنبلاط بوضوح إلى هذه الظروف بقوله: «كان قدري أن أحمل على كتفي عباءة ملطخة بالدم. دم المعلم كمال جنبلاط ورفيقيه، ودم الأبرياء الذين سقطوا غدراً في ذلك النهار الأسود المشؤوم». كما حرص على التركيز على القضية الفلسطينية، وأودعها أمانة في عنق تيمور، وهذا ما أراده عندما ألبسه في نهاية خطابه الكوفية الفلسطينية، بدلاً من أن يلبسه العباءة التي كان ألبسه إياها مشايخ الطائفة الدرزية بعد اغتيال والده.
وبالنسبة إلى الحراك الشعبي والحزبي في وسط بيروت. فإن الحريري حاول أن يستوعب التأزم، وشدد أمام المتظاهرين الذين خاطبهم عبر مكبرات الصوت على ضرورة الحوار والتلاقي، داعياً إياهم إلى تشكيل لجنة للقائه، لكن موقفه قوبل بهتافات مضادة تخللها إطلاق هتافات معادية للطاقم السياسي في لبنان، في حين رمى بعض المتظاهرين عبوات بلاستيكية في اتجاه قوى الأمن.