Site icon IMLebanon

الحكومة أمام فرصة مستحيلة لإنجاز قانون الانتخاب

  بيروت – محمد شقير

يداهم الوقت مجلس الوزراء اللبناني وهو يبحث اليوم في مصير قانون الانتخاب في ظل تعدد المشاريع المطروحة، ولم يعد في مقدوره القفز فوق التمديد للمجلس النيابي الذي يحاصر الحكومة التي يفترض أن تجيب عن سؤال واحد هو: ما العمل؟ في حال لم تتوصل إلى تفاهم على قانون جديد بين المشاريع الانتخابية التي ستناقشها، ولو أمهلت نفسها إلى جلسة ثانية يفترض أن تعقد، كما يتردد على ألسنة نواب من كتل نيابية مختلفة، قبل الخميس المقبل كموعد يقال إن رئيس البرلمان نبيه بري قطعه على نفسه لحسم التمديد للمجلس النيابي الممدد له.

فمجلس الوزراء، في جلسته اليوم، يفتقد خريطة طريق بات في أمس الحاجة إليها لتبرير عدم قدرته على إنجاز قانون انتخاب جديد تجرى على أساسه الانتخابات النيابية التي يراد منها إعادة تكوين السلطة في لبنان، كما تعهد رئيس الجمهورية ميشال عون في خطاب القسم، وأيضاً رئيس حكومة «استعاد الثقة» سعد الحريري في بيان حكومته الوزاري.

وقال مصدر وزاري وآخر نيابي لـ «الحياة»، إن الحكومة محشورة، ومعها بالطبع رئيس الجمهورية، ولن تستطيع ترحيل البحث في قانون الانتخاب الجديد الذي سيدرج اليوم بنداً وحيداً على جدول أعمال مجلس الوزراء، إلى موعد لاحق من دون أن تقارب البديل، انسجاماً مع المادة 42 من الدستور التي تنص على إجراء الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة.

لا للتصويت في الجلسة

وأكد المصدر نفسه أن النقاش اليوم سيقارب كل المشاريع الانتخابية من دون استثناء، وإنما تحت سقف «لا» للفراغ و «لا» للتصويت في الجلسة، لئلا يؤدي إلى إقحام البلد في أزمة دستورية وسياسية، وأيضاً «لا» لإجراء الانتخابات على أساس قانون الستين الذي لا يزال نافذاً، لغياب القانون البديل. ورأى أن هذه اللاءات الثلاث لا تكفي لتبرير تفلت الحكومة من تحمل مسؤولياتها.

وعزا المصدر نفسه السبب إلى أن رئيس الجمهورية يرفض حتى الساعة التوقيع على مرسوم يقضي بدعوة الهيئات الناخبة إلى الاشتراك في الانتخابات النيابية قبل نفاد المهلة القانونية لدعوتها، إضافة إلى عدم التزام مجلس الوزراء مجتمعاً ما تعهد به لجهة وضع قانون انتخاب كأساس لإنجاز الاستحقاق النيابي.

وسأل المصدر: «هل يمكن مجلس الوزراء أن يبتدع معجزة التوصل إلى قانون خلال ساعات فيما تقاسمت هذه الحكومة والحكومات السابقة تداعيات العجز، بالتضامن مع المجلس النيابي، عن التوصل إلى قانون جديد؟

ورأى أن استبعاد الوصول إلى معجزة في هذا الخصوص تعفيه من الإحراج المحلي والخارجي، يستدعي من مجلس الوزراء البحث عن صيغة لتفادي الفراغ في السلطة التشريعية بعد 21 حزيران (يونيو) المقبل، موعد انتهاء ولاية البرلمان الممدد له، خصوصاً أن التحالف الشيعي الذي يضم «أمل» و «حزب الله» كان أودع رسالة في هذا الشأن لدى رئيس الجمهورية يحذر فيها من إقحام البلد في مثل هذا الفراغ ويعتبر أن مجرد حصوله سينسحب على السلطات الدستورية الأخرى، أي الحكومة ورئاسة الجمهورية.

ولفت المصدر نفسه، الى ضرورة تحييد مجلس الوزراء عن المزايدات الشعبوية بلجوء هذا الطرف أو ذاك إلى إعفاء نفسه من مسؤولية التأخر في إنتاج قانون انتخاب ورمي الكرة في مرمى الفريق الآخر.

وكشف المصدر النيابي أن رئيس المجلس، كما تردد على هامش انعقاد جلسات مناقشة الحكومة، كان يدرس احتمال الدعوة إلى جلسة نيابية عاجلة فور انتهاء هذه الجلسات وبعد التصديق على المحاضر الخاصة بها، بذريعة أن هناك ضرورة لقطع الطريق على بدء سريان مفعول المهل بدعوة الهيئات الناخبة، وهذا لن يتحقق إلا بالتمديد التقني للبرلمان.

وتردد أيضاً أن بري عدل عن دعوة النواب إلى هذه الجلسة بعد أن تعهدت له الحكومة بلسان رئيسها، بأن مجلس الوزراء سيعقد جلسة تخصص لبحث مرحلة ما بعد التعذر على التفاهم على تفاصيل قانون جديد لا يبقى في حدود المبادئ العامة ويُلحظ فيه الأخذ بالنظام النسبي.

وأكد المصدر النيابي أن الرئيس الحريري ليس في وارد تسجيل موقف إعلامي على خلفية الانجرار إلى مزايدات شعبوية، تحت عنوان التصويت في جلسة الحكومة على واحد من المشاريع الانتخابية المطروحة، لأن ما النفع من تسجيل موقف يقحم البلد في أزمة سياسية مفتوحة، لا سيما أن أي قانون يجب أن يحظى بتوافق المكونات السياسية الرئيسة في البلد؟

فهل تتوصل الحكومة في جلسة اليوم أو في جلسة قد تعقد بعد غد الأربعاء، إلى مخرج قانوني لتفادي الفراغ في السلطة التشريعية، شرط أن يتحمل جميع الوزراء مسؤولية ما سيقره مجلس الوزراء بالتكاتف والتضامن؟

هناك من يقول إن المخرج الذي يمكن أن يتوصل إليه مجلس الوزراء سيكون عبارة عن صيغة مركبة تجمع بين المبادئ العامة التي يفترض أن يتضمنها قانون الانتخاب الذي لن يخلو من اعتماد النسبية من جهة، وبين طلب التأجيل التقني للانتخابات النيابية مع تعهد بإنجاز القانون ضمن مهلة زمنية محددة من جهة أخرى، على أن يترافق هذا المخرج مع مشروع قانون يقضي بهذا التأجيل.

وبكلام آخر، يعتقد المصدر النيابي أن إنجازه سيحال في مشروع قانون يرسل بصفة المعجل إلى البرلمان للنظر فيه، على رغم أنه يتوقع أن يمتد التأجيل التقني إلى مطلع ربيع العام المقبل.

ويؤكد أن لا مفر أمام الحكومة من إعداد مثل هذا المشروع لأنها يجب أن تتشارك مع البرلمان في توفير الغطاء السياسي للتأجيل التقني، على أن يجتمع المجلس النيابي، وربما الخميس المقبل، قبل الدخول في عطلة عيد الفصح، للتصويت عليه واعتباره نافذاً فوراً.

مأزق مقاطعة الجلسة

وبالنسبة إلى ما تردد في اليومين الأخيرين من أن نواب «التيار الوطني الحر» وحزبي «القوات» و «الكتائب» سيقاطعون الجلسة التشريعية للنظر في التأجيل التقني للانتخابات، كخيار لا ثاني له لتفادي المواجهة مع الحراك المدني المعترض على التمديد للبرلمان، أكدت مصادر مقربة من هذه الأحزاب أن لا قرار في هذا الخصوص، لأنها تفضل التريث إلى ما بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء ليكون لديها تصور واضح لما سيقرره، على أن تبني عليه موقفها.

وفي المقابل، يرى مصدر نيابي آخر أن مقاطعة هؤلاء النواب الجلسة التشريعية تعني أن النواب، وغالبيتهم من المسلمين، يركضون وراء التمديد، وبالتالي لا مصلحة للبلد في تطييف التأجيل التقني الذي يدفع في اتجاه استحضار مادة سياسية مشتعلة من شأنها أن تعيد الانقسام في البلد، وإنما هذه المرة بلون طائفي ومذهبي معين.

ويؤكد أن مقاطعة الجلسة تعني أنها فاقدة للميثاقية وهذا ما يدفع إلى تعذر انعقادها وليتحمل كل فريق نيابي وزر الموقف الذي سيتخذه. ويقول إنه يمكن بعض النواب الاعتراض على قرار التأجيل أو التحفظ عنه، في محاولة منهم لحفظ ماء الوجه، لكن مثل هذا الموقف يبقى للاستهلاك المحلي ما لم يترجم من جانبهم خطوت عملية، وإلا كيف يوفقون بين الإفادة من التأجيل التقني وبين الاعتراض عليه؟

لذلك، لن يكون في مقدور أي طرف سياسي -كما يقول المصدر- أن يتصرف مع اقتراب البلد من الفراغ في السلطة التشريعية وكأنه وحده صاحب القرار في ممارسة حق النقض حيال التأجيل، مع أنه سيستفيد من مفاعيله، خصوصاً أن هناك تجربة ما زالت ماثلة للعيان، عندما تعاطى «التيار الوطني» مع التمديد للبرلمان على أنه غير شرعي لكنه سرعان ما انقلب على موقفه وأضفى عليه الشرعية عندما ضمن انتخاب مؤسسه العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

وعليه، إذا كان التمديد للبرلمان أشبه بشرب الكأس المرة، فإن الفراغ يعني حتماً أن البلد سيعاني الأمرّين، لأن إسقاط الوكالة عن البرلمان، بصرف النظر عن التمديد له، يعني إسقاطها عن الموكل إليه، خصوصاً في المؤسسات الدستورية الأخرى، التي كانت استفادت منه.