هل يسابق تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري تجتمع اليوم للبحث في قانون انتخاب جديد، إمكان دعوة رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسة عامة للبحث في «تمديد الضرورة» للبرلمان، استباقاً للمهل القانونية التي تتحكم بتفادي الفراغ النيابي؟
هذا السؤال طرح خلال الأيام الماضية، وخصوصاً أمس، بعد أن وجه بري دعوة إلى هيئة مكتب البرلمان لتجتمع اليوم أيضاً، تحت عنوان «بحث أمور مجلسية»، وسط أجواء بأن هناك احتمالاً لأن يطرح الدعوة إلى جلسة نيابية الخميس المقبل لمناقشة احتمالات الفراغ. وجاءت دعوة بري بعد 3 ساعات من انتهاء جلسة مجلس الوزراء التي ناقشت أفكاراً حول القانون، فيما يبدو متعذراً إنجازه قبل استنفاد مهل التمديد للمجلس النيابي. وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق قال بعد الجلسة: «التمديد حاصل وبعد بكير للخميس».
وقال مصدر وزاري لـ «الحياة» إن مناقشات مجلس الوزراء في قانون الانتخاب أمس «شهدت مبارزة بالحرص على التوافق وعلى الوطن بكثير من اللطافة».
قانون الكونغرس والصواريخ الأميركية
وأوضح المصدر أن الرئيس ميشال عون، بعدما تحدث عن مشاركته في القمة العربية الأسبوع الماضي، وخطابه فيها، اعتبر أن الحضور اللبناني كان موفقاً، ثم تناول وقائع جلسة المناقشة العامة النيابية، وسأل: لماذا كيل الاتهامات من قبل العديد من الفرقاء؟ (حول الفساد…) جميع الفرقاء ممثلون في مجلس الوزراء، فلماذا لا يطرحون هذه الأمور خلال اجتماعاته لمتابعتها؟»، وتناول موضوع قانون الانتخاب، داعياً إلى اجتماعات مفتوحة من أجل الاتفاق على مشروع قانون يحال إلى البرلمان، وأكد أن لا فراغ نيابياً والدستور لا يسمح بحصوله، ويمكن الحكومة أن تتوصل إلى مشروع لأن المواقف باتت معروفة.
وبعد أن تحدث الحريري تبعه وزير المال علي حسن خليل (حركة أمل) الذي أشاد بخطاب عون في القمة العربية، ولفت إلى المعلومات عن أن الكونغرس الأميركي يحضر لقانون عقوبات جديد (ضد حزب الله) يؤذي لبنان اقتصادياً. ودعا إلى تحرك استباقي بإرسال وفد نيابي إلى واشنطن، لبذل جهود تحول دون ذلك. وعقب الوزير المشنوق مقترحاً أن يكون وفداً نيابياً- وزارياً لمخاطبة الكونغرس في هذا الشأن، وتشكيل لوبي لبناني ضد صدوره. وبعد أن هنأ وزير الدولة علي قانصو (الحزب السوري القومي الاجتماعي) عون على خطابه في القمة العربية، معتبراً أنه كان ناجحاً، أثار مسألة استخدام الجيش الأميركي الأجواء اللبنانية لقصف مطار الشعيرات بالصواريخ، سائلاً: هل صحيح أنها مرت فوق لبنان؟ واعتبر أن «علينا الاحتجاج» على ذلك. ورأى قانصو أن قانون الانتخاب يجب أن يأتي ضمن رؤية الإصلاح، وتوجه إلى الرئيس عون قائلاً: «تصرون على الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، لكن من دون إصلاح في قانون الانتخاب، وهذا لن ينجح، والقانون الذي يعتمد النظام الأكثري فشل لأنه زاد المشكلة الطائفية والفساد». وأضاف أن الإصلاح السياسي يبدأ باعتماد النظام النسبي مع الدائرة الواحدة على مستوى لبنان كله، لافتاً إلى أن المختلط بين النظامين النسبي والأكثري لا يقود إلى الإصلاح.
وتناول وزير الدفاع يعقوب الصراف الاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة، مشيراً إلى أن الجيش انتشر على حدود المخيم، منعاً لخروج المسلحين منه ولامتدادهم إلى خارجه. وبالنسبة إلى استخدام الجيش الأميركي الأجواء اللبنانية لقصف سورية، قال الصراف إنه طلب من قيادة الجيش إعداد تقرير في هذا الصدد، بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة (يونيفيل)، تمهيداً لإعلام مجلس الوزراء به.
وتحدث نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني (القوات اللبنانية) عن ضرورة استعجال إقرار قانون الانتخاب، إذ لم يعد جائزاً التأخير، فيما اقترح وزير المهجرين طلال أرسلان أن يضم الوفد الوزاري النيابي إلى واشنطن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لأنه يعرف مداخل الحديث مع المسؤولين هناك وله صلاته مع المعنيين. وأيد أرسلان اعتماد النسبية في قانون الانتخاب، مؤكداً أن الإصلاح الانتخابي هو المقدمة لأي إصلاح. وإذ شدد على اعتماد التوافق لا التصويت في إقرار القانون، طالب بأن تكون النسبية في القانون في دوائر متوسطة بدلاً من الدائرة الواحدة، لأن علينا أخذ هواجس الدروز والمسيحيين كأقليات في الاعتبار. وأيد اقتراح رئيس البرلمان نبيه بري إجراء انتخابات (في هذه الدورة) لإنشاء مجلس شيوخ على أساس التوزيع الطائفي، وفق اتفاق الطائف، على أن ينتخب المجلس النيابي على النظام النسبي في دوائر متوسطة في الدورة الانتخابية المقبلة، ثم خارج القيد الطائفي في الدورة التي تلي، لتحقيق رؤية الإصلاح على مراحل. وأيد قول الرئيس عون إن لا فراغ نيابياً، لأن الدستور يحول دون ذلك.
وبعدما أثنى وزير الأشغال يوسف فنيانوس (المردة) على خطاب عون في القمة العربية، وأشار إلى إيجابيات مؤتمر بروكسيل حول سورية والنازحين، قال: «أميركا تحاصرنا بالعقوبات وبالصواريخ، والوفد النيابي الوزاري إلى واشنطن لمعالجة مسألة العقوبات، نؤيد ضم مصرف لبنان إليه». وأيد الاتفاق على قانون للانتخاب على النظام النسبي وإرساله بسرعة إلى البرلمان.
وهنا تدخل الرئيس الحريري بعدما تكرر الحديث عن الاعتراض على مرور الصواريخ الأميركية في الأجواء اللبنانية قائلاً: «اعتراضنا على هذا الأمر ليس مفيداً، فضلاً عن أن هناك خلافاً بيننا على الموقف من الوضع في سورية، وهذا الأمر سيؤدي إلى انقسام أيضاً. الصواريخ مرت، ونحن لا نستطيع فعل شيء في هذا الصدد، ورأيي ألا نشير إلى هذا الأمر». واعتبر الحريري أنه يجب السعي لمواجهة القانون الذي يحضر في الكونغرس، والذي يؤذي لبنان. وأيد وزير الإعلام ملحم رياشي (القوات) تشكيل الوفد إلى أميركا، وساند موقف الحريري حيال طلب وزراء الاعتراض على مرور الصواريخ الأميركية فوق لبنان، وطالب بتشكيل لجنة وزارية تسرع إعداد مشروع قانون الانتخاب. وتبعه وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي (قوات) الذي أشار إلى أنه مضت 10 سنوات ونحن نبحث في قانون الانتخاب، وهذا لم يعد جائزاً. وليكن هدف الجلسة تحديد آلية تسرع في وضع القانون وتحديد المهل الجديدة، مؤيداً الانطلاق من مشروع القانون الأخير الذي أعده وزير الخارجية جبران باسيل (69 نائباً على النظام الأكثري ينتخبون من طوائفهم في الأقضية، و59 على النظام النسبي في 14 دائرة متوسطة الحجم…)
النسبية الكاملة ومجلس الشيوخ
وحمل وزير الصناعة حسين الحاج حسن (حزب الله) على «إرهاب الصواريخ الأميركية» ضد سورية، وأثنى على خطاب عون في القمة، وطالب بقانون انتخاب على أساس النسبية الكاملة في لبنان دائرة انتخابية واحدة.
وأبدى الحاج حسن انزعاجه من أن بعض الوزراء خاضوا في أحاديث جانبية أثناء كلامه وتوقف عن الإدلاء بمداخلته.
أما وزير العدل سليم جرصاتي (التيار الوطني الحر) فأدلى بمداخلة مطولة عن أن «تطبيق اتفاق الطائف يجب أن تسبقه مرحلة تتم فيها طمأنة المكونات اللبنانية، لتحقيق استكانة الطوائف لنصل إلى دولة المواطنة، على أن تُنشأ بعدها الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية ومجلس للشيوخ». وأصر وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان (المستقبل) على تضمين القانون الكوتا النسائية، فيما عاد الحريري وقال إن «علينا عقد جلسات مفتوحة للوصول إلى قانون جديد والعمل على تطيبق اتفاق الطائف». وقال الوزير جبران باسيل: «كنا اقترحنا مشروع القانون الأرثوذكسي (انتخاب كل مذهب نوابه) الذي ينص على النسبية الكاملة، لكنه رفض. وطرحنا التصويت على القانون، لكن هذا رفض أيضاً. وإذا كان المطلوب التوافق، فيجب تطبيق الدستور واعتماد معايير واحدة، متسائلاً عما إذا كان تطبيق النسبية الكاملة مع إنشاء مجلس للشيوخ يحقق الغرض، داعياً إلى اعتماد النظام المختلط بموازاة إنشاء مجلس للشيوخ. لكن قانصو أيد إنشاء مجلس الشيوخ، لكن مع انتخاب برلمان على النسبية الكاملة «لنخرج من الدوامة، ونصل إلى العلمنة الكاملة لاحقاً». واقترح إلغاء النظام الأكثري من مشروع باسيل.
إلا أن الحريري أوضح «أننا لا يمكن أن نقر النسبية الكاملة دفعة واحدة، وأحياناً عليك أن تخطو خطوة إلى الوراء ثم تعود فتتقدم». وعلق حسن خليل مؤيداً أسلوب التمهل وملاحظاً أن «هناك جزءاً كبيراً من ممثلي الطوائف المسيحية يعتبرون أن عدداً كبيراً من نوابهم ينتخبون من غير المسيحيين، وهذا أمر يجب أن نتفهمه، ولذلك نؤيد اعتماد النسبية المطلقة مع إنشاء مجلس الشيوخ، على أن ننتخب مستقبلاً برلماناً خارج القيد الطائفي مع الحفاظ على المناصفة».
وتدخل الرئيس عون مشيراً إلى أنه لا يحبذ الكوتا للمرأة، مقترحاً فصل النيابة عن الوزارة، بحيث يتم تعيين نساء رديفات لمن يعين وزيراً.
ودعا وزير الدولة لحقوق الإنسان أيمن شقير إلى قانون انتخاب مختلط وفق معايير واحدة لكل الدوائر، على أن يبدأ بعد الانتخابات تطبيق اتفاق الطائف بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ووضع قانون لانتخابات لاحقة لبرلمان خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ وتطبيق اللامركزية الإدارية، «وعندها، فخامة الرئيس، سيسجل التاريخ لك أنك الرئيس الإصلاحي الذي طبق الطائف».
وعلمت «الحياة» أن أكثر من وزير انتقد الدعوة إلى التصويت على القانون في مجلس الوزراء ودعوا إلى التوافق.