بيروت – وليد شقير
تخضع مواقف الفرقاء اللبنانيين من قانون الانتخاب تارة إلى التقلب وأخرى إلى التشدد حيال هذا الخيار أو ذاك. وأدى تباعد الطموحات والحسابات في الأيام القليلة الماضية بين هؤلاء الفرقاء، وحديث المهل التي تدهم الطبقة السياسية، إلى فرز المواقف، بحسب قول بعض المصادر النيابية والوزارية، في شكل شبه نهائي بين توجهين:
– الأول يتبنى مشروع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بقانون مختلط، لكن على مرحلتين الأولى تأهيلية لاثنين من المرشحين وفق النظام الأكثري وفي 26 قضاء، على أن يقترع المسلمون للمرشحين المسلمين، وهكذا بالنسبة إلى المسيحيين، والثانية بالاقتراع على النظام النسبي للاختيار بينهما في 10 دوائر متوسطة الحجم. وهذا التوجه يحظى بتأييد الثنائي المسيحي «التيار الحر» و «حزب القوات اللبنانية» ورئيس الحكومة سعد الحريري وبالتالي «تيار المستقبل»، إضافة إلى «حزب الله» الذي أسرّ إلى بعض الفرقاء أنه إذا كان هناك اتفاق على هذا المشروع بين حليفه «التيار الحر» وبين «المستقبل» فإنه لن يقف ضده، لأنه لا يريد الاختلاف مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
– الثاني يدعو إلى انتخاب برلمان يحفظ المناصفة وفق النظام النسبي في 6 دوائر (محافظات)، على أن يواكبه انتخاب مجلس للشيوخ في دوائر صغرى، لكن على أن يقترع ناخبو كل مذهب للمرشح عن المقعد المخصص لهذا المذهب (ما سمي سابقاً بالنسبة إلى انتخاب البرلمان مشروع «اللقاء الأرثوذكسي»). وهذا المشروع يطرحه رئيس البرلمان نبيه بري، باعتباره يرفض مشروع التأهيل الطائفي للبرلمان. وهو الموقف نفسه لـ «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي يعتبر التأهيل الطائفي ضرباً للشراكة والتعددية في الجبل، ما دفعه لاقتراح مشروعه المختلط بانتخاب نصف النواب وفق النظام الأكثري في 26 دائرة والنصف الثاني وفق النسبي في 11 دائرة.
وتقول مصادر وزارية ونيابية لـ «الحياة» إن الانقسام حول القانون الجديد بات يلخصه هذان الخياران، لكن المعادلة باتت أيضا محكومة بموعد الجلسة النيابية في 15 أيار(مايو) المقبل المطروح على جدول أعمالها التمديد سنة للبرلمان، وبالموقف القاطع للرئيس عون بعدم قبول التمديد دقيقة واحدة، ما يدفع بعض القوى إلى استباق هذا الاستحقاق بمواقف حاسمة، لا سيما الحريري، الذي فهم منه وفد «الحزب التقدمي الاشتراكي» ليلَ الإثنين الماضي أنه ماض في تأييده المشروع التأهيلي، وأنه سيتضامن مع الرئيس عون في رفض التمديد للبرلمان وسيقاطع مع كتلته النيابية جلسة البرلمان للتمديد هذه المرة. كما أنه أوحى بأنه سيوافق على التصويت على المشروع التأهيلي في مجلس الوزراء، معتبرا أن «صيغة التوافق صارت وراءنا وهذا هو الوضع الذي بتنا أمامه»، مبدياً «تقديري واحترامي» للمعارضين للتأهيلي، ولاستمرار الرئيس بري في معارضته. وبقي السؤال حول ما إذا كان «حزب الله» سيوافق على التصويت معه أم لا، معلقاً -على رغم ما نقل عن قياديين فيه- بأنه لن يتشدد في حال وجد إصراراً على التأهيلي.
وشاعت أنباء خلال الأيام الماضية، عن أن هناك نية لدعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع لطرح هذا المشروع والتصويت عليه. وزار الوزير باسيل الحريري في السراي أمس للبحث في آخر المستجدات حول القانون الجديد. وقالت مصادر السراي إن دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد طرحت الأسبوع الماضي، لكن الموعد لم يحسم بعد.
وعلى رغم هذه المعطيات تقول مصادر مطلعة على المشاورات داخل «تيار المستقبل» لـ «الحياة»، إن قيادته عادت إلى التداول في مشروع كان الحريري طرحه في إحدى خطبه عام 2013، في مبادرة من 5 نقاط، تتضمن انتخاب برلمان وفق النظام النسبي بالتزامن مع انتخاب مجلس للشيوخ. وأوضحت المصادر أن هذا المشروع نوقش في اليومين الماضيين بين مجموعة مصغرة من قيادة «التيار» لعله يكون بديلاً من المشروع التأهيلي، خصوصاً أن بعض نواب «التيار» علموا أن عدداً من النواب المعارضين اقتراح باسيل سيطعنون به أمام المجلس الدستوري لأنه يناقض مبدأ المساواة بين اللبنانيين، باعتباره يحرم شرائح منهم من الاقتراع في المرحلة الأولى، وأن هذا الطعن قد يقبل من المجلس الدستوري. وذكرت المصادر لـ «الحياة» أن قيادة «المستقبل» اعتبرت أن معالجة المخاوف المسيحية من أن ينتخب عدد من النواب المسيحيين بأصوات ناخبين مسلمين إذا جرى اعتماد النسبية الكاملة، بانتخاب مجلس للشيوخ وفق النظام الأكثري، على أن يقترع ناخبو كل مذهب لاختيار المقاعد المحصصة لهذا المذهب. ورأى نواب في «المستقبل» أن هذا المشروع يراعي تطبيق اتفاق الطائف على مراحل.
وفيما أشارت المصادر إلى أن الحريري طرح هذه الفكرة البديلة في لقائه مع وفد «الاشتراكي»، كبديل من المشروع التأهيلي، قالت مصادر الأخير إنه أرفق طرحه بتكرار مطلب باسيل بأن تكون رئاسة مجلس الشيوخ لمسيحي، ما حمل «الاشتراكي» على تأكيد أنه في مشروعه لم يقترح مجلساً للشيوخ تفادياً للدخول في بازار حول رئاسته لكن إذا طرح الأمر فإنه لن يقبل بأن يكون لغير الدروز. أما المصادر المطلعة على مداولات «المستقبل» فأوضحت أنه يفترض البحث بالمبدأ أولاً ثم الانتقال إلى مناقشة هوية رئاسته، وعدد أعضائه، وصلاحياته.
وتشير هذه المصادر إلى أن مشروع «المستقبل» قريب من مشروع الرئيس بري وأن هناك تواصلاً من نوابه مع بري حوله، لكنه يختلف عنه بعدد الدوائر في انتخاب البرلمان وفق النسبية الكاملة، إذ يوزعها على 10 أو 11 دائرة، أي المحافظات الثماني القائمة مع تقسيم بيروت إلى دائرتين وجبل لبنان إلى دائرتين إحداهما قضاءا الشوف وعاليه أو إلى 3 دوائر. وقالت المصادر أن هذا المشروع يتجنب مشكلة مع «الاشتراكي» ويكون مخرجاً من المشروع التأهيلي. وردا على سؤال في شأن رئاسة مجلس الشيوخ، رأت المصادر أن الموقع الدرزي في المعادلة «يجب أن يكون مصوناً» و «حزب الله» حريص على ذلك.
وحول معارضة «الثنائي المسيحي» (التيار الحر والقوات اللبنانية) مبدأ اعتماد النسبية الكاملة الذي كان سبب لجوء باسيل إلى اقتراح «التأهيلي»، قالت المصادر إن «التيار» يبدي انفتاحا على فكرة المجلسين، وإن الأمر يتوقف على موقف «القوات».