انتهى الاجتماع التشاوري الذي دعا إليه الرئيس اللبناني ميشال عون أمس، إلى إصدار بيان أكد مجموعة نقاط أبرزها استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني ومجموعة خطوات اقتصادية وإصلاحية وإدارية إضافة إلى مكافحة الفساد لتعزيز الشق الإصلاحي على المستويات كافة.
وبدأ الاجتماع في الحادية بعد أن وصل رؤساء الأحزاب أو ممثلون عنهم تباعاً إلى صالون السفراء حيث انتظر بعضهم بعضاً لينتقلوا بعدها إلى الطاولة المستديرة المُعدّة للاجتماع. وصافحهم عون واحداً تلو الآخر ثم جلس مكانه وبدأ كلمته أولاً ثم أدلى كل منهم بدلوه. وكانت لرئيس البرلمان نبيه بري مداخلة طويلة وفق ما علمت «الحياة». وكان الحضور وصل تباعاً وهم وزير الخارجية جبران باسيل، وزير التربية مروان حماده ممثلاً رئيس الحزب «التقدمي الاشترامي» النائب وليد جنبلاط، الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان، رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» وزير المهجرين طلال إرسلان، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد ممثلاً الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، رئيس الحزب «السوري القومي الاجتماعي» الوزير علي قانصو، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بري، فرئيس الحكومة سعد الحريري. واستأثر حضور فرنجية الذي بدا مزاجه عادياً باهتمام الإعلاميين بسبب القطيعة بينه وبين عون. وحصلت بينه وبين جعجع مصافحة.
ووصف أحد أقطاب اللقاء التشاوري الاجتماع بأنه «أدى إلى كسر القطيعة والجفاء في العلاقة بين بعض الحاضرين، لا سيما النائب فرنجية والرئيس عون، وبين الأول وجعجع حيث تحدث الجميع مع الجميع».
وقالت مصادر في اللقاء إن رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل اقترح تضمين البيان الختامي تثبيت المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب بنص دستوري بعد إنشاء مجلس للشيوخ، إلا أن الرئيس بري أكد أن لا حاجة لإدخال اجتهادات طالما أن هناك نصاً دستورياً ملزماً (بإنشاء مجلس شيوخ يمثل الطوائف عند انتخاب أول برلمان خارج القيد الطائفي)، داعياً إلى الالتزام به، خصوصاً أن الاجتماع لا علاقة له بمناقشة أمور كهذه. وأشارت المصادر إلى أن أكثر من مشارك في الاجتماع أيد وجهة نظر بري فجرى التركيز على «استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني».
وذكرت المصادر أن الوزير قانصو طالب بأن تتواصل الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية من أجل البحث معها في إعادة النازحين السوريين وفي أوضاعهم في لبنان، وأن عدداً من الحاضرين اعتبر أن التوقيت ليس مناسباً لأجل خطوة كهذه في ظل استمرار الحرب في سورية.
وأوضحت المصادر أن جعجع تحفظ على تناول العبارة التي تضمنها البند الأول في البيان عن «تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية»، إذ اعتبر أنه يفترض ضمان المناصفة في المرحلة الأولى قبل اللجوء إلى هذه الخطوة. لكن بري شدد على أن تشكيل الهيئة منصوص عليه في اتفاق الطائف. وأيده في ذلك الوزير حمادة، الذي دعا في الوقت ذاته إلى إعطاء فرصة للبنانيين ليفهموا قانون الانتخاب الجديد ويهضموه بموازاة التركيز على ما تضمنه البيان من وجوب إنقاذ الوضع الاقتصادي وتثبيت الاستقرار الأمني والاجتماعي.
وسألت «الحياة» فرنجية بعد خروجه: «لماذا لم تعقد خلوة بينك وبين الرئيس عون فأجاب: «لم يطلب مني وأنا لم أطلب». وعما إذا كان سيكرر زيارته القصر أجاب: «حين يدعوني الرئيس رسمياً».
وقال: «وجهت لنا دعوة إلى حضور الاجتماع ولبيناها، ونعتبر أن لا شيء شخصياً مع فخامة الرئيس وحضرنا ضمن الموقع السياسي الذي نشغله، وتم الاتفاق على ضرورة تسيير أعمال الدولة وكان الحوار بناء وإيجابياً، وفي أي وقت يوجه فخامته لنا دعوة نلبيها».
ووضع إعلام القصر الصحافيين بتصور عن اللقاء على أنه «بحث كل ما هو ميثاقي، اقتصادي، إصلاحي»، واصفاً إياها بـ «بورشة حكومية وطنية لإنجاز العمل على كل المستويات لطرح أفكار على رؤساء الأحزاب الممثلة في الحكومة والبرلمان ليناقشها مجلس الوزراء ويحولها إلى المجلس النيابي لدرسها وإقرارها».
وعلمت «الحياة» من مصادر متابعة أن «هدف اللقاء إطلاق ورشة سياسية في البلاد من قبل رؤساء الأحزاب الممثلين في الحكومة والبرلمان فلا يضطر أي وزير للتحجج خلال مناقشة بند من البنود بمراجعة رئيس حزبه للوقوف على رأيه للعودة إلى المجلس مجدداً للإجابة فجوابه سيكون جزءاً ما تم اتفق عليه». وكان الجميع هادئاً».
وأكدت أن «هذا اللقاء ليس بديلاً من مجلس الوزراء وتم التوافق على خريطة طريق حول ما هو ملحّ». وشددت على أن «الرئيس عون أراد من اللقاء أن يحصل توافق وتفاهم وهذا ما حصل بدليل أن التعديلات التي أجريت على القضايا التي ناقشها لم تتجاوز بضع كلمات وكانت طبيعية»، لافتة إلى أن «الورقة التي قدمها الرئيس هي ذاتها التي أقرها المجتمعون بعدما أجروا إضافات».
وأكد جعجع لدى خروجه أنها «كانت صبحية جميلة وحصل نقاش حول ورقة العمل، وليس هناك شيء استثنائي وتحفظت على البند الأول».
وأوضح إرسلان أنه «تمت مناقشة الكثير من الأمور العالقة في البلد إن كان على المستوى الدستوري أو القانون وتطوير وتحديث القوانين إلى اللامركزية الإدارية وإلغاء الطائفية، وغيرها من المواضيع المرتبطة بالاقتصاد الوطني والنمو الاقتصادي وعجلة الدولة في شكل أساسي». ورأى أن «المشروع الذي قدمه الرئيس عون هو مشروع متكامل لخطة تطاول المواضيع الأساسية في مفهوم مقاربتنا لبناء الدولة، إن كان على المستوى الدستوري أو مستوى القوانين». وقال: «هذه سياسة لها عناوين سيطبقها المجلس النيابي أو الحكومة في هذه المرحلة واستمرار تطبيقها في المراحل المقبلة، وتم الاتفاق على هذه الوثيقة».
سليمان يسجل تحفظات على اللقاء
دعا «لقاء الجمهورية» جميع القوى وفي مقدمها رئيس الجمهورية الى «قراءة قانون الانتخاب جيداً، والطعن أمام المجلس الدستوري في بعض مواده غير الدستورية التي تعرضت لتشوهات لم تكن موجودة في متن المشروع الأساس المحال الى مجلس النواب عام 2012». واعتبر أن «التشاور في قصر بعبدا جيد، لكن عدم وجود وجوه معارضة يفقده صفته الحوارية». وأعلن الرئيس ميشال سليمان بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي، أن «هناك تحفظات عن لقاء بعبدا لأنه اذا كان لمتابعة العمل في المؤسسات فمن الضروري تطبيق مبدأ فصل السلطات».
الى ذلك، أكد رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل أن «الكتائب ستخوض الانتخابات مهما كان القانون ولدينا كل الثقة بأن الشعب اللبناني سينتفض على الأمر الواقع الذي يعيش فيه والمطلوب أن نوحد الجهود ونشبك أيدينا مع الناس «الأوادم» في البلد لبناء مستقبل أفضل».
ورأى أن «السلطة حاولت أن تتهرب من إقرار قانون جديد لكنها رأت أن الأمر غير مقبول فأقرت قانوناً مشوهاً لدرجة انه سيأتي بنتائج قانون الستين».
البيان الختامي يقر ورقة عمل رئيس الجمهورية: استكمال تطبيق وثيقة الوفاق ورفض التوطين
أقر الاجتماع التشاوري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في قصر بعبدا، ورقة العمل، وتضمنت ثلاثة عناوين: الشق الميثاقي، الشق الاقتصادي والشق الإصلاحي. وقال المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير الذي تلا البيان الختامي للاجتماع: «مع استعادة لبنان عافيته السياسية عبر مسار وطني ميثاقي واستقلالي أدى إلى انتخاب رئيس بإرادة اللبنانيين وتأليف حكومة وحدة وطنية من صنعهم وإقرار قانون انتخابات نسبي جديد بإرادتهم من شأنه إرساء قواعد متقدمة لصحة تمثيل الشعب اللبناني وفاعليته، ترأس رئيس الجمهورية الحادية عشرة والربع قبل الظهر (أمس) اجتماعاً لرؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة بغية البحث في مواضيع أساسية في الدستور تتطلب الإقرار والاستكمال والتطوير كي تدخل حيز التنفيذ، ومواضيع اقتصادية وإصلاحية ملحة تعود بالنفع الكبير على الدولة والشعب والاقتصاد. وبعد التداول، أقر المجتمعون ورقة العمل التي عرضها رئيس الجمهورية، وتضمنت الآتي في الشق الميثاقي: إن لبنان الرسالة يقتضي منا الاتفاق على استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، خصوصاً في القضايا الآتية: 1- المواءمة بين الحفاظ على نظامنا الديموقراطي التعددي، وتصور واضح ومحدد زمنياً، لانتقال كامل نحو الدولة المدنية الشاملة، بما في ذلك كيفية التدرج من تثبيت التساوي والمناصفة بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة، وصولاً إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية.
2 – الحفاظ على مقومات الوطن البنيوية، خصوصاً في ديموغرافيته وجغرافيته، من ضمن وحدته ونهائيته بما يقتضيه ذلك من تسليم جامع بعدم السماح بأي تلاعب بالهوية الديموغرافية للبنان، وضرورة صونها تشريعياً، إقامة وانتشاراً. والأهم التمسك بالنسيج المجتمعي اللبناني كاملاً، بين إنسانه وأرضه. فكما نرفض التوطين المعلن أو المقنع، نواجه أي محاولة لتثبيت أي جماعة غير لبنانية، على أرض لبنان. وكما نكافح الهجرة الخارجية القسرية لأبنائنا، نعمل على وقف الهجرات الداخلية، إن بالنزوح من الريف، أو بنقل سجلات القيد، بما يخلق غيتوات نفسية أو واقعية تؤدي إلى «كنتنة» لبنان وقوقعة اللبنانيين.
3 – ضرورة إقرار اللامركزية الإدارية في أقرب وقت، بهدف تثبيت اللبناني في مواطنه الأصلية، وتأمين حقه الكامل في الإنماء المتوازن على مساحة وطنه. وذلك عبر بناء الدولة العصرية العادلة القوية المساوية بين اللبنانيين في حقوقهم وواجباتهم، وتكريس السعي الفعلي إلى اقتصاد منتج، يؤمن تجذير اللبناني في أرضه».
وفي الشق الاقتصادي، أشار البيان إلى أن «لبنان المعافى اقتصادياً يفرض علينا إطلاق ورشة اقتصادية وطنية تقوم على: أ – وضع وتنفيذ خطة اقتصادية شاملة تنبثق منها الخطط القطاعية، وموازنة الدولة التي يقتضي إقرارها أولاً تأميناً للانتظام المالي للدولة وتصحيحاً تدريجياً لما اعترى هذا الانتظام من شوائب، على أن تؤدي المحصلة إلى تأمين النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحقيق الإنماء المتوازن، والاقتصاد المنتج، وتوفير الأسواق الخارجية تصحيحاً للخلل في الميزان التجاري وحماية الأسواق الداخلية والإنتاج، ومنع الاحتكارات، والاستثمار في القطاعات الاقتصادية العصرية، والتي يمتلك اللبناني فيها قيمة مضافة، مثل المعرفة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتؤدي هذه الخطة إلى إشراك القطاع الخاص عبر إقرار القانون المعد لذلك وتشجيع المبادرة الفردية، واعتماد سياسة تسليفية تشجيعية للقطاعات المنتجة يكون المصرف المركزي عمادها، وترتكز هذه الخطة على الإفادة من ثروة لبنان الكبرى التي هي عنصره الإنساني بمبدعيه ومثقفيه ومجتمعه المدني الناشط، وهي علامة لبنان الفارقة في محيطه. وفي هذا السياق يتوجب إحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي قريباً كإطار للحوار المستدام والتوازن بين قطاعات اقتصادنا الوطني.
ب – أن الحكومة مدعوة إلى وضع هذه الخطة وتنفيذها ومواكبتها عبر لجنة اقتصادية وزارية دائمة من خلال برنامج زمني، تنفيذي وممول، لتأمين البنى التحتية اللازمة لنهضة الاقتصاد الوطني، وخصوصا:
1 – تأمين الكهرباء 24 على 24 من خلال تنفيذ كامل للخطة الحكومية التي تؤدي إلى إزالة أي عجز عن الدولة وخفض الكلفة الإجمالية عن المواطن.
2 – الحفاظ على المياه كثروة استراتيجية للبنان وتأمينها عبر كل الخطط الوطنية المقرة وتنفيذ برنامج إنشاء السدود، وحمايتها والحفاظ عليها وتنظيف مجاري الأنهر.
3 – استثمار الثروة البترولية البحرية بحسب البرنامج الموضوع لها هذه السنة، واستكمال كل أطرها القانونية، بحراً وبراً، والإسراع بإنجاز خط الغاز الساحلي والموانئ الغازية تكريساً لاعتماد لبنان على الغاز وكذلك تكثيف الاستثمار المجدي في الطاقات المتجددة.
4- الإسراع في تأمين الاتصالات السريعة بأعلى جودة وبأرخص الأسعار.
5- تأمين كل أنواع المواصلات ووضع خطة للنقل المشترك وتنفيذها على مراحل وإنشاء الأوتوستراد الدائري وسكة الحديد والمرفأ السياحي والمطار المطور والمعابر البرية الحديثة.
6- تأمين الاعتمادات اللازمة لإنهاء ملف المهجرين».
وفي الشق الإصلاحي، لفت البيان إلى أن «بناء الدولة في لبنان يتطلب منا إصلاحاً في السياسة والمؤسسات والقضاء والإعلام والتربية بالارتكاز على: 1 – اعتماد الشفافية كمعيار عمل أول في حياتنا المؤسساتية العامة.
2 – تفعيل الإدارة من خلال إعادة هيكلتها بدءاً بإجراء التعيينات وفق المعايير الدستورية التي هي الاستحقاق والكفاءة والجدارة والاختصاص.
3 – مساعدة القضاء في أدائه تحصيناً لاستقلاليته وفاعليته.
4 – تفعيل عمل الهيئات الرقابية وجهاز أمن الدولة بتحفيزها على العمل المكافح للفساد.
5 – الإفادة القصوى من موارد الدولة ومقدراتها ومرافقها وثرواتها للمصلحة العامة.
6 – تنفيذ القوانين المقرة وتحديثها،لا سيما تلك المتعلقة بالقضاء والاستثمار والتجارة، وأيضا تلك المعنية بتسهيل أمور ومعاملات المواطن».
واكد البيان أنه «كما أن الدولة لا تستقيم مع فساد، فكذلك لن يستقيم إصلاحها من دون مواكبته بإعلام مسؤول، بجميع وسائله، حر بالمطلق والحقيقة حدود حريته، وتطبيق القوانين هو الضامن للحقيقة». ورأى «أن هذه النقاط تشكل مجموعة أهداف وطنية جامعة لكل اللبنانيين، ونجاحها نجاح للوطن، وليس لأي مسؤول أو فريق فيه، من هنا ضرورة مواكبتها وتنفيذها بإرادة وطنية جامعة وصادقة ضماناً للنجاح».