– محمد شقير
تترقب الأوساط السياسية في لبنان رد فعل طهران على التفاهم الذي توصل إليه الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش انعقاد قمة دول العشرين في هامبورغ في ألمانيا ويقضي بتطبيق وقف إطلاق النار بدءاً من يوم أمس في سياق دفع مسار التأسيس لمناطق خفض التوتر في سورية والذي يشمل المنطقة المعروفة بجنوب غربي سورية المحاذية لمثلث الحدود السورية مع العراق والأردن والقنيطرة القريبة من الجولان السوري المحتل. وتسأل ما إذا كان في مقدورها خرق مثل هذا التفاهم الذي يصنف في خانة توفير الضمانات لكل من الأردن وإسرائيل بتحييدهما عن النيران المشتعلة داخل أكثر من محافظة في سورية.
ومع أن الأوساط السياسية نفسها تتجنب الغوص في طبيعة الرد الإيراني، ومن خلاله «حزب الله» على التفاهم الأميركي- الروسي انطلاقاً من تقديرها أن إيران مضطرة لإجراء حسابات أمنية وسياسية دقيقة قبل أن ترسم خريطة لنفسها للتعامل مع هذا التفاهم على رغم أنه يشكل سداً منيعاً أمام تمدد القوات الإيرانية الى هذه المنطقة الحدودية الحساسة من خلال وجودها العسكري عند نقطة الحدود العراقية – السورية.
وتلفت الأوساط هذه الى أن إيران ستجد نفسها محاصرة بتفاهم واشنطن وموسكو الذي من شأنه أن يشل قدرتها على التغلغل في المنطقة الحدودية السورية المتاخمة للأردن ولإسرائيل، إلا إذا أرادت الدخول في مغامرة عسكرية تعتقد أنها تمكنها من أن تقلب الطاولة على هذا التفاهم وبالتالي تعيد خلط الأوراق الأمنية في هذه المنطقة.
لكن الأوساط السياسية تستبعد، حتى إشعار آخر، احتمال لجوء النظام في إيران الى الانتحار، على رغم أن انخراط الجيش الروسي في الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومنعه من السقوط على يد قوى المعارضة في سورية جاء بطلب مباشر من طهران بعد أن عجزت مع حلفائها الذين استقدمتهم من الخارج وأبرزهم «حزب الله» عن توفير مقومات الصمود له.
وتضيف أن إيران وافقت على مضض على التدخل العسكري الروسي في القتال في سورية الى جانب الرئيس الأسد، مع أنها كانت تدرك أن مجرد تدخل موسكو سينتزع منها ورقة التفاوض حول مستقبل سورية، أو على الأقل سيجعل منها القوة السياسية الأقل تأثيراً على مجريات الصراع السياسي والعسكري في سورية.
إلا أنه لم يكن أمام طهران من خيارات عسكرية بديلة تسمح لها برسم حدود لهذا التدخل الروسي في سورية، على رغم أنها لم تشرك في الحلف الدولي لضرب الإرهاب في سورية، إضافة الى أن المنطقة الساحلية من سورية باتت في قبضة القوات الروسية فيما المفاوضات جارية بين أنقرة وواشنطن من أجل خفض التوتر في منطقة شمال سورية، على طول الحدود السورية مع تركيا، والتي ما زالت عالقة بلا نتائج محسومة بسبب عدم حسم الخلاف حول الوضع الكردي في تلك المنطقة.
وبكلام آخر، فإن مجرد التفاهم بين واشنطن وموسكو على وقف النار في جنوب غربي سورية سيؤدي -بحسب هذه الأوساط- الى تراجع النفوذ العسكري لإيران، وحلفائها في اتجاه مناطق حماة ودمشق وريفها. إضافة الى اضطرارها للالتفات الى داخل العراق بعد سقوط الموصل للتعويض عن رسم الحدود للقوى المتنازعة في سورية والذي أدى الى انحسار دورها.
وتعتقد الأوساط هذه أن التفاهم الأميركي- الروسي سيؤدي حتماً الى منع إيران من التواصل مع الأردن من خلال نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» فيها، وهذا ما يدعو الى السؤال ما إذا كان لدى طهران بدائل تتيح لها في حال استخدامها من تجميع أوراق إقليمية تجد فيها قوة للتفاوض على نفوذها في لبنان وسورية.
وفي معرض الحديث عن احتمال تسخين الجبهة في جنوب لبنان، تستبعد الأوساط اللبنانية التفات طهران على الأقل في الوقت الحاضر الى هذه الجبهة لأن مجرد تفكيرها في تغيير قواعد الاشتباك التي يرعاها القرار الدولي الرقم 1701 يستدعي منها التحسب لرد فعل إسرائيل إضافة الى مدى قدرة لبنان على تحمل تداعيات العودة الى تحريك جبهة الجنوب.
جبهة جرود عرسال
فهل ينطبق التريث في إعادة تسخين الجبهة في جنوب لبنان من خلال «حزب الله» على ارتفاع منسوب التسريبات الأمنية التي تتحدث عن أن الأخير حدد ساعة الصفر للبدء بهجوم واسع لتحرير جرود بلدة عرسال البقاعية من المجموعات الإرهابية والمتطرفة وهذا ما يستدعي السؤال من موقف لبنان الرسمي منه.
وفي معلومات خاصة لـ «الحياة»، فإن «حزب الله» يستخدم ورقة التلويح بشن هجوم على المجموعات الإرهابية في جرود عرسال للضغط نفسياً وإعلامياً على هذه المجموعات لإجبارها على إخلاء المنطقة.
وفي هذا السياق كشفت مصادر لبنانية مواكبة للاتصالات التي جرت في السابق مع المجموعات الإرهابية لإخلاء هذه المنطقة قبل أن تتوقف المفاوضات، أن الضغط النفسي والإعلامي الذي يتوخاه «حزب الله» من تحديد ساعة الصفر للبدء بهجومه الصاعق الماحق ضد الإرهابيين، يكمن في معاودة المفاوضات مع هذه المجموعات، وإنما هذه المرة عبر وسيط سوري تربطه علاقة بالنظام في سورية، وأيضاً بجهات قادرة على ممارسة التأثر على الإرهابيين ما يعني أن الوساطة التي كان بدأها محمد رحمة الملقب «أبو طه العسالي» مجمدة حتى إشعار آخر.
وأكدت المصادر نفسها أنه سبق للوسيط السوري الجديد، وهو رجل أعمال، أن قام بدور فاعل أدى الى الإفراج عن راهبات معلولا واستضافهم في منزله في يبرود قبل أن تتوج المفاوضات في الإفراج عنهم.
ورأت أن الضغط النفسي الذي يمارسه «حزب الله» من جهة والذي يتزامن مع تزخيم القصف وهذه المرة من داخل سورية على جرود عرسال يصب في خانة تسريع المفاوضات على نار حامية. وقالت إن لا علاقة للاتصالات التي يجريها مسؤول أمني لبناني بارز (في إشارة الى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم) بتأمين عودة النازحين السوريين من لبنان الى داخل الأراضي السورية بمقدار ما انها تتصل بإخراج المجموعات الإرهابية من جرود عرسال الى مناطق في سورية تعتبرها آمنة ولا تعرضها للملاحقة من قبل النظام فيها.
أما لماذا تستبعد المصادر عينها لجوء «حزب الله» الى شن هجوم لتحرير هذه المنطقة، في الإجابة عن السؤال ترى أن الأجواء السياسية المحلية ليست مواتية لأي عمل عسكري، مع أن هناك إجماعاً لبنانياً على دحر هذه المجموعات وشل قدرتها على تهديد الاستقرار في البلد.
وتضيف أن «حزب الله» كان أول من دعا الجيش اللبناني الى الدخول الى جرود عرسال وطرد المسلحين منها، لكن قيادته في حينها – اي أثناء ولاية العماد جان قهوجي – لم تأخذ بطلبه واستعاضت عنه بوضع خطة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية أدت الى إطباق الحصار على هذه المجموعات ومنعها من تصعيد عملياتها الانتحارية في الداخل.
وتتابع أن نجاح الجيش والقوى الأمنية في تفكيك الخلايا الإرهابية النائمة وفي اعتقال أبرز مشغليها والعناصر المكلفة القيام بعمليات انتحارية كانا وراء التسبب بإرباكها وعدم قدرتها على تنفيذ مخططها التفجير، والآن تتابع الأجهزة الأمنية ملاحقتها لها وتوقيف العشرات من الإرهابيين وهم يستعدون لاستهداف مناطق عدة بتفجير أحزمتهم الناسفة.
التمييز بين النازحين والإرهابيين
لذلك تعتقد المصادر أنه لا بد من التمييز بين المجموعات الإرهابية وبين النازحين السوريين الذين من واجبهم أن لا يكونوا حاضنة لهم، وأن الإغارة الأمنية المفاجئة التي نفذها الجيش على مخيمين للنازحين، وإن كانت حققت نتائجها الأمنية في ضرب الإرهابيين وقوبلت بغطاء سياسي رسمي وشعبي، فإن ما شابها من إشكالات يستدعي التدقيق فيها من خلال إجراء تحقيق شفاف يحدد الظروف التي أدت الى وفاة 4 شبان سوريين أثناء توقيفهم.
وتقول المصادر هذه إنه سيكون لأي هجوم يستهدف جرود عرسال تداعيات سياسية على الداخل اللبناني يمكن أن ينجم عنها توتر سياسي، وهذا ما لا يشجع عليه رئيس الجمهورية ميشال عون في الوقت الحاضر لئلا ينعكس شللاً على البلد فيما الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري تقوم بكل ما لديها من إمكانات من أجل تحريك العجلة الاقتصادية والإسراع بتنفيذ المشاريع لخلق فرص عمل جديدة للشباب اللبناني ناهيك بتأثيرها السلبي على حركة الاصطياف الناشطة على رغم أنها تقتصر في شكل أساسي على الاغتراب اللبناني.
لقاء الحريري – قائد الجيش
وعليه، فإن لقاء اليوم بين الرئيس الحريري وبين قائد الجيش العماد جوزف عون يأتي في سياق توفير الحماية للمؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى سواء أكانت من الانتقادات التي جاءت رد فعل على مقتل 4 سوريين أثناء توقيفهم أم من بعض الذين يخططون لتجاوز المؤسسات الأمنية مجتمعة وتحميلها أوزار أي رد فعل يقومون به لحسابات إقليمية أو محلية خاصة.
فلقاء الحريري – عون يمكن أن يؤسس لإعادة ترتيب الأوضاع من زاوية التركيز على الحسابات اللبنانية الرسمية على قاعدة تأكيد الأول على توفير الحماية القصوى للمؤسسة العسكرية في موازاة اطلاع الرأي العام على ما سيتضمنه التحقيق الشفاف الذي يجرى حالياً بإشراف القيادة لجلاء ملابسات وفاة السوريين الأربعة وتطويق ذيولها.
كما أنه لا بد من رصد ما سينتهي اليه الاجتماع الوزاري الذي يرأسه الحريري عصر بعد غد الأربعاء للجنة الوزارية المكلفة ملف النازحين والذي يفترض أن يؤدي الى التفاهم على خريطة طريق تتعلق بعودة النازحين على أن يكون عمودها الفقري الأمم المتحدة التي من واجبها أن تأخذ على عاتقها تحديد المناطق الآمنة داخل سورية للبدء بمسيرة عودة النازحين مع توفير كل شروط الحماية والحاجات الضرورية لهم.
وطبيعي أن يؤدي هذا الاجتماع سحب مسألة عودة النازحين أو إعادتهم من السجال الإعلامي والتجاذبات السياسية وحصرها باللجنة الوزارية المختصة باعتبارها الأقدر على التوجه الى الأمم المتحدة والطلب منها وضع خطة مبرمجة تؤمن عودة النازحين لأنه لم يعد في وسع لبنان أن يتحمل أعباء الكلفة الأمنية والسياسية لحجم النزوح بعد أن كان السبّاق في استضافتهم هرباً من الحرب المدمرة في سورية.
فهل يستجيب النظام السوري لطلب الأمم المتحدة في هذا الخصوص بناء لإلحاح الحكومة اللبنانية أم انه سيتصرف على أن هؤلاء النازحين هم الآن خارج التعداد السكاني في سورية، ويحاول أن يغطي موقفه الضمني بفتح مفاوضات بين الحكومتين اللبنانية والسورية وهو يعرف سلفاً أن هذا الطلب موضع خلاف بين اللبنانيين وإن كان يتوخى منه الهروب الى الأمام في مواجهته المرجعية الدولية التي تتمتع بوكالة حصرية لإعادتهم إلا إذا أرادوا العودة بملء إرادتهم ولن يكون أمام لبنان سوى تسهيل انتقالهم الى الداخل.