بيروت – غالب أشمر
أسدل البرلمان اللبناني، ومعه الحكومة، الستار على سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، والمعلمين في القطاعين العام والخاص، بعد خمس سنوات من إدراجها على جدول أعمال الجلسات التشريعية، مع اقرار المادة 20 التي تنص على أنه يعمل في هذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية. وبذلك يكون المجلس النيابي أنهى البحث في تمويل السلسلة، وطوي هذا الملف بعدما اكمل المجلس في جلسته امس درس الجزء الثاني من السلسلة المتعلق بموارد تمويلها وتغطية تكاليفها، فأقر حزمة من الضرائب طاولت الشركات المالية الكبرى وفوائد المؤسسات المصرفية والمالية وأرباحها، وغرامات على الاملاك البحرية، على ان يبدأ تنفيذ القانون المتعلق بها بعد شهر من تاريخه «أوتوماتيكياً» وفق رئيس المجلس نبيه بري «سواء وصلت الموازنة ام لم تصل».
الا ان اقرار السلسلة فتح الباب على سجال حول كلفتها المقدرة، وفق مصادر نيابية لـ «الحياة»، إذ تبدأ العام الجاري بـ1350 بليون ليرة ثم ترتفع تدريجاً الى 1760 بليوناً العام المقبل وصولاً الى 1994 بليون ليرة حتى العام 2019، بعد زيادة فروقات مضافة الى الـ1200 بليون ليرة هي كلفتها الأولية، بعد احتساب كلفة ضم المتقاعدين الى السلسلة، وتأثير ذلك على العجز المالي في الخزينة الذي سيفوق الستة بلايين دولار وحول الضرائب التي رافقتها لتمويل هذه الكلفة.
وكانت الجولة الثالثة والأخيرة انطلقت برئاسة بري وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري بتشريح للسلسلة، وخاض النواب عميقاً في ارقامها وكلفتها وتداعياتها ومصادر تمويلها، وبدأت بمداخلة لرئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل ذكّر فيها بأنه «حصلت سابقا مناقشة وتصويت على المواد المتعلقة بالضرائب ثم رُفعت الجلسة وتراجعت معظم الكتل النيابية عن هذه الضرائب بعد رفع الجلسة، وكان هناك كلام في الاعلام يدعو الى عدم فرض الضرائب، خصوصاً انها تطاول الطبقات الفقيرة والوسطى، كما ان هناك من قال ان هناك سبلاً اخرى لتمويل هذه السلسلة غير فرض الضرائب المجحفة، وقد تحدث رئيس لجنة المال والموازنة عن وفر كبير يمكن ان يتأمّن من الموازنة يصل الى حدود الف بليون ليرة ويمكن تأمين السلسلة من خلاله من دون فرض ضرائب».
وأضاف: «هناك مصادر تمويل كثيرة لا تطاول الطبقات غير الميسورة وتسمح بتمويل السلسلة، لأن كل الضرائب التي اقرت في السابق تطاول المواطنين، من الـtva الى الضرائب على رخص البناء والطوابع المالية وغيرها، وستؤثر مباشرة على حياة المواطن وستؤدي الى الغلاء»، مشدداً على أنه لا يجوز اقرار ضرائب من دون دراسة الاثر الاقتصادي والاجتماعي ومن دون معرفة مدى تأثيرها على تضخم الشركات والمواطن.
ورد بري: «انا حريص مثلك على خزينة الدولة لكن ما اقرّ في المجلس مثبت ولا عودة الى الوراء، وهو غير معنيّ بما حكي في الاعلام. هناك حملة نعرف من وراءها». وعقب الجميل: «وزير المال والحكومة اقرا بالارباح الاستثنائية للمصارف وبأن الضريبة التي دُفعت كافية لتمويل السلسلة وبالتالي لا حاجة لضرائب». واستغرب «سكوت اكثرية الكتل النيابية عن زيادة الضرائب، خصوصاً انها كانت تراجعت عنها في العلن، لكن ما تقوم به في الجلسة اليوم هو العكس، اذ هناك توافق على اقرارها، وهي باقية على اقرار الضرائب السابقة»، طالباً منها ألاّ تسكت عن الهدر والفساد.
فعلق بري مجدداً، قائلاً للجميل: «أنت أيضاً يجب أن تساعدنا، ولنفترض اننا سنحصل على أموال اضافية، فهي ستذهب الى الخزينة، والضرائب التي ستقر ستدخل أيضا خزينة الدولة لتنفيذ مشاريع، وهذا لا يعني أننا نفرض ضرائب على الطبقات الوسطى والفقيرة. من يريد الغاء الضرائب بعد موافقته عليه فليقدم اقتراحاً بذلك».
ودار نقاش حول موضوع التدريس في الساعة، ورفع الاجر ليبقى كما جاء في المادة التاسعة حيث تمت زيادة 3 درجات استثنائية للاساتذة الحاصلين على 3 درجات لتصبح 6 درجات لمن عيّن بعد 1- 1- 2010 وصنف، وايضاً لحمَلة الاجازات الذين يمنحون درجتين استثنائيتين.
وبعدما طلب بري من النواب الاختصار في مداخلاتهم لانه يحضّر لجلسة «أسئلة وأجوبة» بينهم وبين الحكومة، باشر المجلس تفنيد الاجراءات الضريبية. ففي المادة 10 المتعلقة بفرض رسوم على المسافرين براً، وبعد النقاش، تم إقرار المادة بتعديل نصها لناحية فرض رسم ٥٠٠٠ ليرة على المسافرين غير اللبنانيين براً لدى دخولهم الاراضي اللبنانية.
الغاء رسوم بطاقات السفر
كما تم على الاثر اقرار المادة ١١ بالغاء الرسوم على بطاقة السفر السياحية وابقاء الرسوم بقيمتها الحالية اي 6000 ليرة، واقرار المادة 12 التي تفرض على المستوعبات المستوردة من الخارج رسماً مقطوعاً وفقاً لما يأتي: عشرون قدماً 80 ألف ليرة، 40 قدماً 120 ألف ليرة، بالاضافة الى اقرار رسوم على المسافرين عبر الجو وهي: 60 الف ليرة للدرجة السياحية و110 آلاف لدرجة رجال اعمال و150 الفاً للدرجة الاولى و400 الف للطائرة الخاصة.
واستحوذت المادة 13 المتعلقة بالإشغال غير القانوني للاملاك البحرية على حيز واسع من النقاش، فاكد وزير المال علي حسن خليل: «لسنا بصدد تسوية المخالفات على الاملاك العمومية البحرية بل بصدد فرض غرامة مالية من دون اعطائهم اي حق مكتسب»، مشيراً الى ان «اذا لم نقر المشروع اليوم نكون كمن نعطي المخالفين جائزة». واعتبر النائب نواف الموسوي «أننا نكافئ المعتدين من خلال بند الإشغال غير القانوني للاملاك البحرية». أما النائب حكمت ديب فغمز من قناة النائب الجميل سائلاً: «أين رافعو شعار الدفاع عن حقوق الفقراء؟ لم نسمع صوتهم في بند الاملاك البحرية الذي يطاول الاغنياء؟»، فرد الجميل: «نحن مع أي قانون يصحح أي خطأ».
وهنا، تحدث الحريري فأشار الى ان «موضوع الاملاك كانت تجب تسويته منذ 20 عاماً والخطأ أننا كحكومة ومجلس نواب لم نفعل شيئاً على هذا الصعيد وكانت تمكن تسويته منذ عشرين عاماً وربما لم يكن هناك توافق»، معتبراً في المقابل انه «يجب أخذ خطوات لتغطية العجز في السلسلة». ورأى أن «لدينا فرصة حقيقية لاقرار قوانين مجدية ومفيدة كان يصعب اقرارها في السابق لاننا كنا مختلفين سياسياً». واشار الى أنه «اليوم يجب أن تكون البداية لمعالجة هذا الموضوع وطالما ان السلسلة تحتاج الى تمويل فلنبدأ من هنا ربما يكون افضل».
اما الرئيس فؤاد السنيورة، فلفت إلى أن «هذا البند هو إعادة إحياء جزء من الدين المتوجّب على هؤلاء المخالفين الذي أصبح ديناً ميتاً».
وأكد وزير الاتصالا ت جمال الجراح أن «هناك إشغالاً غير شرعي للشاطئ اللبناني، وهذا القطاع يشغل 25 ألف لبناني ويُدخل 500 مليون دولار وينظم العلاقة مع الدولة». وانتهى النقاش في هذا البند، بفرض غرامات على إشغال الاملاك البحرية تدر نحو 100 مليون دولار سنوياً على الخزينة.
وتمنى النائب وائل أبو فاعور «ألاّ تكون الدولة تعطي المواطن بيد وتأخذ منه بيد أخرى»، مشيراً إلى أن «ما يُطرح في موضوع الأملاك البحرية معيب، لكن للأسف هناك مصالح أقوى من الدولة».
شركات الاموال والمصارف
كما تم اقرار المادة 14 المتعلقة بإخضاع جوائز اليانصيب لرسم نسبي قدره 20 في المئة من قيمة الجوائز. والمادة 15 المتعلقة بقانون «ضريبة الدخل» مع الابقاء على نسبة التخمين على الشركات والمؤسسات الخاصة 10 في المئة بعد أن تم رفض رفعها الى 15 في المئة. والمادة 16 لجهة فرض رسم على عقود البيع العقاري بنسبة 2 في المئة. واقرت أيضا المادة 17 عبر فرض ضريبة قدرها 17 في المئة على أرباح شركات الأموال، والمادة 18 التي بموجبها ألغي العفو الذي كانت تحظى به شركات الاموال المسجلة في البورصة بنسبة 5 في المئة، وعادت الضريبة الى 10 في المئة. كذلك اقرت المادة 19 التي تفرض ضرائب على فوائد وعائدات كل الحسابات لدى المصارف وعلى فوائد وأرباح المؤسسات المصرفية والمالية بنسبة 7 في المئة.
ورد الحريري على اعتبار بعض النواب في مداخلاتهم ان ثمة من يحمي «حيتان المال» ويحاول حماية مصالحهم، فاشار الى أن «الكلام عن ان هناك أشخاصا مع الفقراء وآخرين مع الاغنياء مرفوض وغير مقبول، فكلنا مع الناس»، لافتا في المقابل الى ان «الشركات المالية ليست كاريتاس». وقال: «اذا اردنا تأمين فرص عمل للناس فاننا حكومة ومجلساً في حاجة الى القطاع الخاص ونريد ان نحفز الشركات والتجار على الاستثمار وليس هدفنا خفض التخمين عليهم».
ومع انتهاء المجلس من درس موارد السلسلة، أُقرّ قانونُها برفع الايدي. فاعترض الجميل طالباً التصويت بالمناداة بالاسماء. وقال: «هذه هرطقة، وما حصل مخالف للدستور». ورفع بري الجلسة من دون تحديد موعد آخر، بسبب سفر الرئيس الحريري الى واشنطن، على ان يحدد موعداً جديداً بالتشاور مع رئيس الحكومة بعد عودته من الخارج.
الجميل يهدّد بالطعن
وفور انتهاء الجلسة، توجه الجميل مباشرة الى غرفة الصحافة في المجلس في حال انزعاج شديد وعقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه رفضه اقرار أكثر من 15 ضريبة تطاول المواطنين في حياتهم اليومية»، لافتاً إلى ان «بحسب دراسة قمنا بها فإن اسعار السلع سترتفع بين 5 و10 في المئة نتيجة هذه الضرائب». وسأل: «لماذا الذهاب الى جيب المواطن في ظل كل الفساد والهدر؟» .
وإذ سأل: «كيف نتجه الى جيب المواطن في هذا الوضع الاقتصادي؟»، قال: «الضرائب التي أقرت اليوم ليست من أجل السلسلة بل هي من أجل ملء الخزينة لتمويل الانتخابات النيابية».