خطت الحكومة اللبنانية نصف خطوة على طريق التحضير اللوجيستي والتقني لإجراء الانتخابات النيابية في أيار (مايو) المقبل، تمثلت في موافقة مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية مساء أول من أمس برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري على تطوير بطاقة الهوية الحالية الى هوية بيوميترية مزودة ببيانات شخصية عن الناخبين تعتمد في العملية الانتخابية.
ويتوقف إنجاز النصف الثاني من الخطوة على ما سيصدر عن المجلس النيابي في جلسته التشريعية اليوم وغداً في خصوص تلزيم طبع البطاقة البيوميترية بالتراضي نظراً الى ضيق الوقت لأن التأخر في تلزيمها سيفتح الباب أمام العودة الى إجراء الانتخابات باعتماد بطاقة الهوية المعمول بها حالياً أو جواز السفر لمرة واحدة كما ورد في قانون الانتخاب الجديد.
وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية بارزة أن البرلمان سيناقش في جلسته التشريعية مشروع قانون بصفة معجل مكرر أحالته الحكومة على الهيئة العامة من خارج جدول الأعمال يقضي باعتماد الهوية البيوميترية وتلزيمها بالتراضي بكلفة 130 مليون دولار لحساب شركة فرنسية ذات اختصاص في هذا المجال ولديها الداتا المتعلقة بالبيانات الشخصية للبنانيين وكانت تعاونت مع وزارة الداخلية منذ عام 1997.
ولفتت المصادر الوزارية الى أن وزارة الداخلية هي أداة تنفيذية تتولى تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في خصوص الهوية البيوميترية، وقالت إن تلزيم إنجازها بالتراضي أو باستدراج مناقصات يتوقف على ما يصدر عن البرلمان الذي هو سيد نفسه، لا سيما أن التلزيم في جميع الحالات لا يتم إلا بفتح اعتماد من جانب الهيئة العامة في البرلمان.
ومع أنه تردد أن وزراء حزب «القوات اللبنانية» تحفظوا في جلسة مجلس الوزراء عن تأمين طبع الهوية البيوميترية بالتراضي، انسجاماً مع موقفهم حيال استئجار البواخر لتوليد الطاقة الكهربائية الرامي الى إحالته الى دائرة المناقصات لتقول كلمة الفصل في هذا الأمر وبالتالي رفضهم تلزيم جر الطاقة بالتراضي، قالت مصادر وزارية أخرى إنهم تحفظوا عن تلزيم الهوية البيوميترية بالتراضي لكن لم يسجل تحفظهم في محضر الجلسة بناء على إصرار من وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي حذر، كما نقل عنه، من أن التأخير في طبع الهوية الجديدة وتسليمها لأصحابها وعدم الموافقة على التلزيم قبل النصف الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل سيحول دون إجراء الانتخابات باعتماد هذه البطاقة، وأن البديل يكون في العودة الى اعتماد الهوية أو جواز السفر.
وعزا وزير الداخلية موقفه الى ضيق الوقت لأنه كان يفترض حسم كل ما يتعلق بالهوية البيوميترية قبل ثلاثة أشهر لأنه في حينه كان هناك الوقت الكافي لاستدراج عروض لتلزيم تأمينها للناخبين.
حتى أن ممثل «حزب الله» في الحكومة الوزير محمد فنيش، كان أبدى تحفظه عن التلزيم بالتراضي لكنه تجاوب مع الآخرين بعدم تسجيل تحفظه في المحضر لضيق الوقت الذي يسمح لمرة واحدة وبصورة استثنائية بتلزيمها بالتراضي على ألاّ تشكل سابقة يمكن تكرارها لاحقاً. كما أن الوزير ميشال فرعون اعترض على التلزيم بالتراضي لكنه اعتبر أن القرار النهائي سيكون بيد البرلمان.
وعاد المشنوق الى تأكيد أن الداخلية هي أداة تنفيذية ولديها استعداد لإجراء الانتخابات في موعدها، لكن لا بد من أن يؤخذ عامل الوقت في الاعتبار وفي النهاية تتوقف كل الأمور على ما سيتفق عليه سواء بالنسبة الى الهوية البيوميترية أو البحث عن بدائل.
وبالنسبة الى التسجيل الإلكتروني للبنانيين المقيمين في الخارج، وافق مجلس الوزراء على تسجيلهم، واشترط أن تتولى الداخلية التدقيق في لوائح الشطب، بخلاف ما أصر عليه وزير العدل سليم جريصاتي بالنيابة عن وزير الخارجية جبران باسيل، بأن يقتصر الأمر على إطلاع الداخلية عليها استناداً الى المشروع الذي كان وضعه باسيل.
وأبلغ المشنوق مجلس الوزراء بأن الداخلية ستحدد حوالى 400 مركز بمثابة مشاغل موزعة على المحافظات كافة تتولى إنجاز الهوية البيوميترية لطالبيها من الناخبين، إضافة الى تحديد 20 «ميغا سنتر» موزعة على طول الساحل اللبناني تخصص للناخبين للاقتراع في أماكن سكنهم وخارج قيودهم في الدوائر الانتخابية.
لكن مجلس الوزراء لم يحسم موقفه حيال وجود رأيين بين الوزراء حول حق الناخبين في الاقتراع في أماكن سكنهم خارج قيدهم، الأول يشترط التسجيل المسبق للمقترعين لدى الداخلية يحددون فيه المركز الذي يودون الاقتراع فيه، على أن يكون من ضمن المراكز التي ستؤمنها الداخلية. أما الثاني فيشترط عدم التسجيل المسبق للناخبين بذريعة أن مثل هذا التدبير يحررهم من لجوء القوى النافذة الى الضغط عليهم ويتيح المجال أمام رفع منسوب المشاركة في الانتخابات، لا سيما بين المسيحيين.
ويرى الذين يصرون على التسجيل المسبق أن هذا التدبير ضروري لقطع الطريق على إحداث فوضى أمام صناديق الاقتراع يمكن الداخلية أن تتفاداها قبل موعد إجراء الانتخابات، إنما شرطَ إحاطتها بالأرقام الدقيقة لمن سيقترع خارج قيده ليكون لديها الوقت الكافي لتأمين العدد المطلوب على مستوى رؤساء الأقلام ولجان القيد لئلا تتأخر عملية الاقتراع ما يضطرها الى تمديد الوقت في مقابل تراجع عدد المقترعين وفق قيودهم في الــدوائر الانتخابية المحددة لهم.
لذلك، بقي هذا التباين عالقاً بين رأي يدعم تحرير الناخبين من الضغوط وآخر يصر على تفادي الوقوع في حال من الفوضى، وإن كان من يرفض التسجيل المسبق المؤيد من «التيار الوطني الحر» ويتناغم معه تيار «المستقبل»، يتهم من يعارضه في الرأي بأنه يريد أن يستبق العملية الانتخابية برسم خريطة طريق التوجه العام للناخبين في أماكن سكنهم خارج قيدهم.
وعليه، لا بد من أن يحسم الخلاف قريباً في جلسة للجنة الوزارية برئاسة الرئيس الحريري المكلفة البحث في كيفية تطبيق قانون الانتخاب تعقد فور عودته من المملكة العربية السعودية التي توجه إليها ليل أول من أمس في زيارة عائلية لمناسبة عيد ميلاد نجله الأصغر عبدالعزيز، على أن يعود الى بيروت مع انعقاد الجلسة التشريعية اليوم.