بيروت – غالب أشمر
على رغم نقل وقائعها مباشرة عبر شاشات التلفزة، سجلت الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة اللبنانية لعام 2017، في يومها الثاني أمس، غياباً نيابياً ووزارياً لافتاً، إذ باستثناء رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري فإن عدد النواب في كثير من الأوقات لم يتجاوز عدد أصابع اليدين، والوزراء عدد أصابع اليد الواحدة، ما دفع رئيس البرلمان إلى انتقاد هذا المشهد مراراً.
وانسحبت مداخلات النواب في الجولة الثالثة أمس على ما سبقها، سياسياً ومطالب مناطقية، مع اقتراب الانتخابات النيابية، ما خلا تسليط بعضهم الضوء على الأرقام في الموازنة، واقتطاع قطع الحساب منها، والإصلاحات، وكثير من الملاحظات، طاولت مكامن الهدر والفساد، والتسويات والحصص، ما حدا بالنائب اسطفان الدويهي إلى وصف المداولات النيابية بـ «المسرحية والمشهد السوريالي وكأن قدر لبنان أن يكون ضحية مصالح قوى». واعتبار رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل أن «ما يحصل صورة مصغرة للنهج السياسي القائم في البلد».
واعتبر النائب نعمة الله أبي نصر أن «عودة النازحين السوريين بأمان إلى بلادهم، هي الحل، ولا بد من أن تجتمع الإرادة اللبنانية لتحقيق هذا الهدف، وإبعاد الأخطار واحتمالات الانفجار». وقال: «هذا الموضوع الوطني الخطير، لا يحتمل المزايدات الانتخابية والكلام الشعبوي، سواء أتى من وزير مسؤول أم من مرشح للانتخابات».
وأكد النائب زياد أسود «أننا سنقر الموازنة، لكننا لم نصدق القول بالفعل، ولكن السؤال هو أتلك تسوية أم إقرار بالخطأ؟». وأشار إلى أنه لن يناقش «في الأرقام ولا في الإصلاحات ولا في قواعد الانفاق ولن أطالب لجزين لا بزفت ولا بخدمات، علماً أن آخر مرة رأينا الزفت في جزين كانت على أيام غازي العريضي عندما كان وزيراً للأشغال»، معتبراً أن «الساحة مستباحة بطولها وبعرضها، وأن عدم توافر الرغبة بوقف الفساد هو مزحة سمجة جعلت من الدولة خزاناً بفجوة تتسع يوماً بعد يوم».
وأضاف: «أنقل اليكم تحيات الشعب من كل الطوائف والمذاهب، هذا الشعب الذي تعتبرونه بالجيبة لم يعد يثق لا بنا ولا بمجلسنا ولا بحكومتنا، فهو لم يعد موالياً أعمى، هو غير مبال بالإنجازات ولا بضعف الأداء وسوء الإدارة فهو لم يعد تبعياً، لأن حدوده لم تعد تقف عند جلسات علنية غابت لسنوات».
ووصف النائب أنور الخليل، الموازنة «بموازنة فك الاشتباك والارتباط»، وقال: «لا توجد محاربة للفساد ما لم يكن هناك إصلاح حقيقي». وسأل: « لماذا عيّنا وزيراً للفساد؟ ما هو الفساد الذي اوقفه او على الاقل يتعاطى به؟»، وزاد: «سمعنا أن هناك وزيراً للتخطيط فماذا خطط وكيف ولماذا؟ كلنا لا نعلم، إضافة إلى غيرهما من الوزراء». بري ممازحاً: «هذه نسيها زياد أسود».
وأشار الدويهي إلى أنه «عندما تحضر المصالح تطير الخلافات ويتوالى إنتاج الحلول والغائب مصلحة الناس». وأكد أنه «اذا كانت زغرتا ليست قوى وازنة كما يقول البعض، فالكل تفاصيل. القصة حصص ونريد حصتنا، ولن نسمح بأن يكون حضورنا للتوقيع فقط».
ولفت النائب سيمون أبي رميا إلى أنه «في العرف والأصول لدينا جلسات مخصصة لمناقشة الموازنة وسياسة الحكومة، لكن الكثير من المداخلات لاعلاقة لها بالموازنة، هناك انتخابات في أيار (مايو) وهذا المنبر ليس للمزايدات السياسية ولا لشد العصب الطائفي ولا لتسجيل النقاط بين بعضنا بعضاً، بل علينا مناقشة الموازنة»، مؤكداً «إنني أحترم مضمون الجلسة ولن أرد على الهجمات العشوائية والأمور التي قيلت ضد رئيس التيار الوطني الحر (جبران باسيل) للحفاظ على جدّية النقاش». بري: «رديت وخلصت».
الجميل:«نهج الحكومة الرديفة»
وسأل الجميل: «ماذا نقدم للبنانيين اليوم، نقدم لهم مجلس نواب ممدداً له مرتين ونناقش موازنة سنة انتهت وصرفت أموالها«. ورأى أن «هناك هدفين من الموازنة أولاً السماح بجباية الضرائب كما أقرها المجلس الدستوري وهو التفاف على قراره، وثانياً تسجيل انتصار وهمي بإنجاز الموازنة»، مشيراً إلى أن «هناك عدم احترام للنصوص الدستورية والقانونية إذ لا يمكن للمجلس أن يقر الموازنة من دون قطع الحساب»، مؤكداً أن «هذه الموازنة تجسد غياب الرؤية والتخطيط وتكرس جزءاً من نهج السلطة الحاكمة اي نهج الحكومة الرديفة». وأوضح أن «مخالفة الدستور ليست جديدة على النهج القائم اليوم، فعندما قرروا أن الانتخابات الفرعية «مش محرزة» أصبح تطبيق الدستور وجهة نظر، وما زلنا نرى تلزيمات وصفقات بالتراضي بأسعار هائلة، على رغم أن القانون يجبر الحكومة على إجراء مناقصات في دائرة المناقصات».
وأشار إلى أنه «سبق أن رأينا تقصيراً بالتخطيط في أمور مفصلية ومهمة كموضوع النفايات والنائب أكرم شهيب تحدث عن أننا مقبلون على ازمة جديدة وسؤالي ما خطة الحكومة لمعالجة الكارثة البيئية في بحر لبنان؟»، وقال: «عدم جدية التخطيط تمثلت بإقرار البطاقة الممغنطة للتمديد واليوم هناك إجماع أن لا داعي لها والكل يقر اليوم بان الهدف منها كان التمديد»، مشدداً على أن «عدم جدية التخطيط تمثل أيضاً عند إقرار الضرائب من دون دراسة جدوى اقتصادية واجتماعية، فالموازنة تكرس أيضاً نهج الدولة الرديفة، ففي كل شيء لدينا رديف وهناك جيش رديف».
ورأى أن «الموازنة تكرس المحاصصة عندما نصدّق ولا نقوم بأي إصلاح لمعالجة التخمة بالتوظيف، وكل واحد يريد حصته وما سمعناه عن محاصصة في التشكيلات القضائية والديبلوماسية لم نسمعه يوماً، ولم نسمع يوماً أن هناك سفراء محسوبين على فلان بهذا الشكل العلني»، وقال: «موضوع عجز كهرباء لبنان الذي قيمته بليوني دولار سنوياً لم نر إلى اليوم أي إرادة جدية لمعالجة هذه المشكلة ناهيك بتأهيل مكاتب الوزراء والديكور والسفر الذي يكلف الملايين وصفقات البواخر». ولفت الجميل إلى «أننا لم نر خلوة للحكومة لمعالجة الأخطار الأمنية والتهديدات والجو المتوتر بسبب النزوح السوري»، مشيراً إلى أن «السلطة سلمت الاستراتيجية لفريق آخر قرر إبرام صفقة مع داعش تقضي بخروجهم سالمين من لبنان».
وأطلق النائب عاصم عراجي، في مداخلته صرخة تناول فيها «تلوث الليطاني الذي كان نهر الحياة، لكنه تحول اليوم إلى مجرور ونهر للموت»، مشيراً إلى أن 85 في المئة من تلوثه مصدره المجاري الصحية و15 في المئة التلوث الصناعي نتيجة المعامل المنتشرة على مجرى النهر». ولفت إلى «أن الموازنة أقرت مبالغ بـ13 بليون دولار لتأهيل مواقع الكسارات في حين يجب على أصحاب الكسارات المستفيدين، أن يدفعوا وليس الدولة، وهذا المبلغ المقدم للكسارات يجب أن يخصص بالمقابل لوزارة الزراعة لدعم المزارعين، الذين تضرروا في شكل كبير هذا العام نتيجة إقفال أسواق التصدير الخارجية أمام بضاعتهم». وقال: «الفاتورة الدوائية في لبنان هي الأغلى في العالم، لذا علينا أن نضع سياسة دوائية واضحة». وزاد: «في بر الياس 100 ألف نازح سوري، نحن مستعدون أن نستقبلهم، لكن البنية التحتية لدينا من ماء وكهرباء وصرف صحي لم تعد تستوعب». وأكد أن «المدارس لم تعد تتسع للطلاب اللبنانيين الجدد».
«انفصام شخصية»
وأكد النائب كاظم الخير «أننا في حاجة لوضع موازنة 2018، لتضع حداً للوضع الحالي المتردي، ولتحويل الموازنة غير المتوازنة إلى موازنة استراتيجية مع أهداف محددة«. وشدد على أن «اللبنانيين ملّوا من المزايدات، وبعض الجهات السياسية تعاني من انفصام شخصية»، وسأل: «هل يعقل أن نبحث بتوسعة مطار بيروت الدولي، ومطار رنيه معوض مغلق؟».
وأشار النائب عماد الحوت إلى أن «الموارد البشرية هي الثورة الحقيقية للبنان، ولا ينبغي لنا مهما اشتدت الأزمات أن يصنع لنا أحد الأزمة ويدفعنا إلى التسوية ولا نريد أن نفقد منطق الدولة والإحتكام لمنطق الدويلة»، وقال: «الجميع يرى في أفرقاء الحكومة أنهم يحسنون واقعهم قبل انتخابات«.
«البيشمركة والحشد الشعبي»
وأشار النائب نقولا فتوش إلى أنه «في الذكرى الـ25 لتولي نبيه بري رئاسة المجلس نؤكد أنه رجل كل الفصول والمنقذ عندما يدفعون بلبنان إلى شفير الهاوية». وأكد أنه «لا يمكن التصديق على الموازنة، قبل قطع الحساب». وأشار إلى «وجود سندات قيد غير موقعة أو موقعة من الشخص ذاته كمعد ومدون ومدقق للقيد». وعندما قال: «يبدو أن هناك «بيشمركة» في وزارة المال لما يحدث من تضارب بين الإدارة والوحدات النظامية وبلدوزورات كانت تشتغل فيها، فمن كان مسؤول عنها؟»، رد وزير المال علي حسن خليل: «الحشد الشعبي».
وفي الجلسة المسائية لفت النائب ألان عون إلى أن «البعض لا يمكن أن يعيش إلا على السلبيات ودفع الناس إلى اليأس، فالدولة إذا انهارت ستنهار على رؤوسنا جميعاً».
وطالب النائب نواف الموسوي المجلس النيابي «بإقفال ثقوب الخزينة»، مشيراً إلى أن «اللبنانيين لن يقتنعوا بفرض ضرائب عليهم إلا بمكافحة الفساد، وأنه لا يمكن القيام بأي شيء ضد الموظفين الكبار إلا بقرار سياسي».
وسجل النائب أكرم شهيب ملاحظات عدة على موازنة «التعتير»، داعياً إلى «إلغاء النفقات غير المجدية، ومساءلة المصارف عن السياسات المالية التي تعتمدها»، ولفت إلى أن «الإنفاق على الاستثمار هو الأقل في الموازنة، ما يعني أن الإنفاق الحاصل (هو إنفاق) جارٍ»، داعياً إلى «منع التهريب المنظم وغير الشرعي عبر البوابات الرسمية وغير الرسمية»، منتقداً «السفر المكلف، وغالبيته بأبعاد حزبية انتخابية».
وقال النائب بطرس حرب: «إنها التقاء المصالح السياسية أيها اللبنانيون. فلعنة الله على هذا النوع من السياسة التي تسيّرها المصالح الحزبية والشخصية، فتُحوّل الحرام إلى حلال، واللادستوري إلى دستوري».
سلام لعدم التفرّد في السياسة الخارجية
أعلن الرئيس السابق للحكومة اللبنانية تمام سلام أن «سياسة لبنان الخارجية أمر حسّاس ودقيق، لأن للبنان علاقات متينة ومتميزة ومتقدمة مع كثير من الدول، بداية مع المحيط والأشقاء العرب، إضافة إلى علاقاته الإقليمية والدولية، ومن هنا لا بدّ من الاعتناء بهذه السياسة».
وقال سلام لـ «سكاي نيوز عربية»: «المطلوب عدم التفرد وعدم اتخاذ المواقف التي قد ينتج منها بعض الخلل في هذه العلاقات، وحتى بعض الإيذاء والضرر على لبنان». وشدد على أن «التنسيق مطلوب دائماً من المسؤولين لتأتي الأمور بما يحفظ لبنان وبما يعزز هذه العلاقات الخارجية، واليوم يبدو أن هناك بعض الهفوات أو الضعف في التنسيق، ونأمل بأن يتم إصلاح ذلك والعمل على توحيد الكلمة». وعن سياسة وزير الخارجية جبران باسيل، فضّل سلام عدم التعليق آملا «أن تسير الأمور في إطارها الصحيح».