أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون يوم 8 حزيران (يونيو) يوماً لشهداء القضاء في لبنان»، مؤكداً في كلمة ألقاها في قصر العدل في بيروت لمناسبة افتتاح السنة القضائية أن «القضاء صمام الأمان»، مقترحاً «جعل القضاء سلطة منتخبة».
وكان بهو قصر العدل، غص بالقضاة الذين حضروا الاحتفال بناء على مذكرة وجهها اليهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد. فمشاركة عون في افتتاح السنة القضائية 2017- 2018 تحت شعار «باسم الشعب تبنى الدولة»، تحصل لأول مرة منذ 7 سنوات. وحضر الاحتفال رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير العدل سليم جريصاتي ووزراء ونواب وسفراء وشخصيات. واستهل بإزالة الستارة عن نصب تذكاري للقضاة الأربعة الذين استشهدوا على قوس العدالة قبل 18 سنة.
وخاطب عون القضاة بـ «يا حراس العدالة، خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما كانت لندن تقصف بالقنابل والصواريخ النازية، يروى أن تشرشل سأل معاونيه عن وضع القضاء، فأجيب بأنه ما زال يعمل على أكمل وجه، عندئذ اطمأن تشرشل وقال إن بريطانيا بألف خير. وما كان يعنيه رئيس الوزراء البريطاني أن القضاء هو الحجر المفتاح في عقد المؤسسات، إن هو سقط، سقطت معه جميع المؤسسات، وانهارت الدولة بكاملها».
ولفت عون إلى أن «الإشاعات تناولت القضاء في مختلف مواقعه، متهمة إياه بالفساد وعدم الفاعلية، وبالتبعية للسلطات السياسية التي ألغت استقلاليته وفرضت على قسم من القضاة ضغوطاً جعلتهم ينحرفون عن السلوك القويم، ويبتعدون من الأداء الصحيح، وينسون أن عليهم إحقاق الحق في المقاضاة بين الناس». وقال: «عندما تتكاثر الإشاعات وتتكرر، تصبح يقيناً في ذهن الناس، وتشمل الصالح والطالح معاً، وتقتل الحس النقدي عند الشعب، فيحكم على الجميع بالفساد. وهذا أسوأ ما يصاب به مجتمع، لأنه يؤدي إلى فقدان الثقة بين المؤسسات والشعب. ويجب ألا ننسى أن الإنسان سمعة، من هنا، ضرورة أن يتنبه القاضي إلى أنه ينتمي لمجتمع له سلوكه الخاص، وأيضاً له عاداته وتقاليده، وأن يبتعد عن أي تصرف قد يسهل ضرب سمعته».
ورأى أنه «أصبح لزاماً علينا أن نعيد النظر في النظام الذي يرعى مؤسساتنا القضائية، من خلال مقاربة جديدة، فنحصن بذلك استقلاليته ونزاهته. وقد نذهب بالتغيير إلى جعل القضاء سلطة منتخبة فتصبح حكماً سلطة مستقلة مع استقلالٍ إداريٍ، وهكذا نفصل فعلياً بين السلطات مع وضع التشريعات اللازمة لخلق التوازن بينها».
وتحدث عن «الحاجة إلى تعديل قوانين إجرائية غير مفيدة، وما أكثرها. وخصوصاً تلك التي تطيل المهل من دون حاجة، فتتكدس الملفات على الطاولات وفي الخزائن. وبمثل هذه التعديلات نقتصد الوقت ونضمن فاعلية أفضل، فلا يتأخر البت في الدعاوى، فالمواطن لا يستطيع أن يفهم كيف لبعض القضايا أن تأخذ سنوات حتى تصدر أحكام القضاء فيها، كمثل جريمة قتل موثقة بالصوت والصورة، شهدها العشرات بأم العين، ومئات الآلاف عبر الفيديو المصور، ومع ذلك، لم تزل في أدراج المحكمة منذ أكثر من سنتين، ولا أحد يعرف متى تنتهي. أو محاكم المطبوعات مثلاً حيث الجرم يكون في سطر من مقال موقع، وتنام فيها الأحكام لسنوات. وغيرها الكثير من القضايا والدعاوى النائمة. فلنتذكر جميعاً أن العدالة المتأخرة ليست بعدالة، وآن الأوان للخروج من هذه المعادلة».
وانتقل عون إلى الحديث «عما يصدر عبر بعض وسائل الإعلام من اتهامات لمسؤولين في السلطة أو خارجها، أو اختلاق أحداث غير صحيحة قد تسبب قلقاً في المجتمع، كما حصل في الآونة الأخيرة من بث إشاعات طاولت ركائزه الأساسية، كالوضع المالي واستقرار الليرة، والوضع الأمني والمؤسسة العسكرية إضافة إلى إطلاق الاتهامات العشوائية بالصفقات والفساد»، وقال: «يتساءل المواطنون لماذا لا يستمع القضاء للمتهم كشاهد، وفي هذه الحال لا حصانة لأحد، فإن كان صادقاً نوقف مجرماً، وإن كان كاذباً نوقف مروِج إشاعات تمس بسمعة الآخر وتضلل المجتمع».
وشدد على أن «مسؤوليتكم في نهوض الاقتصاد لا تقل أهمية، لأن الأمن وحده لا يكفي لاستقطاب الاستثمارات ما لم يكن متلازماً مع قضاء سليم يحفظ حقوق المستثمرين، ولا يسمح لعامل الوقت أن يضيعها». وقال: «جرت العادة أن من يريد الاستثمار في لبنان يبحث عن غطاء سياسي قبل الشروع بمشروعه، بينما الوضع السليم يفرض أن يكون القضاء هو الغطاء، وصمام الأمان».
ورأى أن «أهم ما يرفع القضاء ويجعله في قمة الارتقاء هو محاسبته لذاته على أدائه، ما يزيل عنه كل الشكوك ويرسم حوله هالة من الوقار والاحترام. ويجب أن تتوافر للقضاء أجهزة مراقبة للأخطاء في الأحكام الناتجة عن عدم الكفاءة أو عن عدم النزاهة أو لأي سبب».
كلمة نقيب المحامين
وكان نقـــيب المحـــامين في بيروت أنطونيو هاشم شدد على أن «ما بين القضاء والمحاماة نقاط تلاق أهمها الاستقلال، والحال لا تستقيم إلا باستقامة القضاء». وأكد دعم استقلالية القضاء والدفاع عن دولة القانون وهذا شأن يتجاوز القضاة إلى العدل والحرية والسيادة وهو ليس ترفاً ولا خياراً وإنما حتمية وجود».
مجلس القضاء الأعلى
ونوه القاضي فهد بـ «فك الأغلال عن مؤسسات الدولة جميعها». وأشار إلى «الخطة الخمسية التي وضعها القضاء للنهوض لتحديث الوسائل وترمي إلى حل النزاعات بالطرق القانونية والمساهمة في توطيد الأمن الاجتماعي وحماية الحريات عبر سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية».
وشدد القاضي فهد على أن القضاة «يبذلون أقصى الجهد، «وإذا صح الحديث عن عدالة متأخرة، فمن المجحف الحديث عن عدالة غائبة». وأكد التمسك بسلطة قضائية مستقلة تبلور ما رسمته المواثيق الدولية وما نص عليه الدستور تحاكي الدول الديموقراطية وتضع حداً لتضارب الصلاحيات».
وزير العدل
وتحدث الوزير جريصاتي عن التقرير الذي وضعه مجلس القضاء الأعلى المفصل عن عمل المحاكم، ولفت إلى «أن قضاة لبنان ينتظرون من الرئيس بري إنصافهم في البرلمان لإعادة ضماناتهم إليهم». وتوجه إلى الرئيس الحريري بالقول: «شكراً لك لوقوفك في كلّ ملفات القضاء وقفة رجل دولة».
وتوجه إلى القضاة بالقول: «الاستقلاليّة تُستحقّ ولا تُمنح كما الهيبة والوقار والثقة فبادروا إلى أداء رسالتكم السامية بتجرّد كما كان أسلافكم، وإلى الابتعاد عن المغريات على أنواعها».