– محمد شقير
توصلت اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف النازحين السوريين في لبنان، في اجتماعها مساء أول من أمس برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، إلى وضع إطار عام يفترض أن يؤدي إلى تصويب النقاش، وصولاً إلى صوغ رؤية حكومية واحدة حول كيفية التعاطي مع هذا الملف، خصوصاً مع المجتمع الدولي، لوقف الاجتهادات لهذا الوزير أو ذاك في شرح موقف لبنان الرسمي حيال القضية.
وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن اجتماع اللجنة توصل إلى تفاهم يقضي باعتماد المسودة التي كانت وضعتها رئاسة الحكومة ممثلة بمستشار الحريري لشؤون النازحين نديم المنلا ووزراء الداخلية نهاد المشنوق والخارجية جبران باسيل والدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، كأساس للتفاهم على رؤية موحدة تضع حداً لتصرفات بعض الوزراء الفردية في مسألة النازحين، وتلزمهم القراءة في كتاب واحد في نقل موقف الحكومة إلى السفراء المعتمدين والدول الداعمة للبنان، لتخفيف الأعباء المالية الملقاة على عاتق الخزينة جراء استضافته النازحين، إضافة إلى المؤسسات الدولية المعنية بهذا الملف.
وكشفت المصادر الوزارية أن الورقة التي تقدّم بها وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة لقيت ترحيباً من معظم أعضاء اللجنة، ومن بينهم وزير المال علي حسن خليل، الذي قال إن وزارته معنية أكثر من الخارجية بهذا الملف، نظراً إلى ما يترتب على خزينة الدولة من أعباء المالية لاستيعاب مئات الألوف من النازحين السوريين.
ولفتت إلى أن النقاش في داخل اللجنة كان بدأ حول المسودة الأولية التي وضعت، وأن مندوب وزارة الخارجية في الاجتماع مدير الشؤون السياسية السفير غدي خوري كان أبدى مرونة في مناقشة ما تضمنته المسودة من بنود، لكن انضمام باسيل إلى الاجتماع كاد يعود بالنقاش إلى المربع الأول بعدما أبدى ملاحظات أخرى غير تلك التي كان أبداها السفير خوري.
وقالت المصادر الوزارية إن المفاجأة كانت في إحضار باسيل ورقة عمل أعدتها وزارة الخارجية، غير تلك المسودة التي شارك فيها مندوب عن الوزارة. وأكدت أن ورقته لم تطرح على النقاش، إضافة إلى أنه لم يوزعها على الوزراء، كما فعل حمادة.
وأشارت إلى أن الحريري أبدى تفهماً لما تضمنته ورقة حمادة التي وصفها بعض الوزراء بأنها ضرورية، معتبرين أن هناك حاجة إليها لترسيم الحدود لوزارة الخارجية في تعاطيها مع ملف النازحين، وتحديداً لجهة أن يبقى دورها محصوراً في نقل الموقف الموحد للحكومة إلى الخارج، باعتبار أن هناك وزارات عدة معنية مباشرة بهذا الملف.
وتقرر أن يصار إلى توزيع أوراق العمل على الوزراء أعضاء اللجنة، مع أن حمادة استبق ردود الفعل على ورقة باسيل، وقال: «إنها لا تعنيني». فيما رأى أكثر من وزير أن بعض البنود في هذه الورقة غير قابلة للنقاش.
وسأل وزراء عن الأسباب التي دفعت باسيل إلى إعداد ورقة غير تلك التي جرى إعدادها، ويمكن أن تشكل مسودة لتفعيل النقاش، وصولاً إلى إنتاج رؤية واحدة للحكومة في ملف النازحين.
وأكد وزراء أن المشنوق طرح بعض ما في هذه المسودة من تدابير وإجراءات، أبرزها شطب كل سوري اسمه مسجل على لائحة النازحين لدى المفوضية العامة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في حال تبيّن أنه يتنقل عبر الحدود اللبنانية- السورية.
ورأى أن صفة النزوح تُنزع عن كل من يتنقل عبر الحدود، بمن فيهم غير المسجلين لدى المفوضية العامة، وشدّد أيضاً على ضرورة الإسراع في تسجيل الولادات السورية في لبنان منذ نشوب الحرب في سورية، وقال إن المفوضية أحصت حتى الآن أكثر من 128 ألف ولادة.
وكشف وزير الداخلية أن عدد النازحين السوريين المسجلين لدى المفوضية العامة وصل إلى مليون نازح، بينهم 79 في المئة نساء وأطفال، إضافة إلى أن 40 في المئة منهم هم دون الـ11 سنة.
وشدّد على ضرورة وضع آلية لتسجيل الولادات الجديدة في سجلات الأجانب في المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية، على أن تتلازم هذه العملية مع تولي المديرية العامة للإحصاء المركزي مهمة القيام بمسح شامل لهذه الولادات.
وجرى نقاش في تشديد العقوبات بحق النازحين المخالفين، سواء العاملين منهم من دون إجازات عمل، أم الذين يفتحون محال تجارية أو مؤسسات غير شرعية. لكن آراء أعضاء اللجنة تفاوتت في مقاربتها لهذا الاقتراح.
كما طرح باسيل ترحيل النازح السوري الذي يعمل بطريقة غير شرعية أو يفتح محلاً، وطلب إلقاء القبض عليهم وترحيلهم، إضافة إلى ترحيل من يحال من النازحين إلى المحاكمة على خلفية أنه ارتكب جرماً ما. لكن اقتراحه لقي معارضة. ونقل وزراء عن المرعبي قوله: «لدينا ملاحظات على معظم الأحكام التي تصدر عن المحكمة العسكرية».
وطلب باسيل أيضاً ترحيل من يعكر صفو الأمن والاستقرار أو يدخل في مشكلات مع آخرين، لكن أحد الوزراء اعترض على طلبه وسأله: «كيف يطبق مثل هذا التدبير في ظل عدم استبعاد أطراف موالية للنظام في سورية وبطلب منه، التحرش بشخص سوري موضع ملاحقة من الاستخبارات السورية، فهل نسلمه؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا القرار؟ إضافة إلى أن القانون الدولي لا يسمح بترحيل شخص إلى بلد تدور فيه حروب متعددة».
وطرح أيضاً من باب النقاش، أن يكون للدولة اللبنانية دور في توزيع المساعدات الدولية على النازحين، إضافة إلى إقفال المعابر الحدودية أمام الدخول الجماعي للسوريين، وتطبيق المعايير الحدودية التي يتولاها الأمن العام اللبناني.
وعاد المشنوق إلى طرح إحصاءات حول العبور من سورية وإليها، وقال إن عدد الذين يغادرون من سورية إلى لبنان هو أقل بقليل من عدد الذين يغادرون إلى سورية.
وشدد الحريري على ضرورة التوافق على ورقة سياسية موحدة، تكون بمثابة الرؤية الوحيدة للحكومة حول ملف النازحين، «لأننا في حاجة ماسة إليها، للتعاطي مع المجتمع الدولي والتوجّه إليه ومن خلاله إلى المؤسسات الدولية».
ومع أن النقاش لم يتطرق أبداً إلى مسألة التواصل مع النظام السوري في خصوص ملف النازحين ولا إلى ما قيل أخيراً من أن الحريري طرح على كبار المسؤولين الروس في زيارته موسكو العمل من أجل تحديد مناطق آمنة في سورية يمكن أن تسمح بعودة النازحين برعاية دولية، فإن المداولات خلصت إلى الاتفاق على أن تُناقَش المسودة التي طُرح بعض بنودها في الاجتماع، من قبل وزراء الداخلية والخارجية والتربية والصحة والمالية والشؤون الاجتماعية، من أجل وضع ما لديهم من ملاحظات عليها تُرسل إلى الوزير المرعبي.
وفور تسلم المرعبي هذه الملاحظات، باعتباره المنسق العام بين الوزارات المعنية بملف النازحين، يُصار إلى عقد اجتماع بينه وبين ممثلين عن الوزارات للتداول فيها، تمهيداً لتوحيد الأفكار ووضعها في مسودة نهائية تُحال إلى الرئيس الحريري، الذي سيدعو اللجنة الوزارية فوراً إلى عقد اجتماع يُخصص لمناقشتها، تمهيداً لإقرارها رسمياً، وبذلك تكون الحكومة توصلت إلى وضع رؤية موحدة لتعاطيها مع ملف النازحين.