بيروت – محمد شقير
يقول رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه لا يتوقع للحوار الذي يرعاه بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» اجتراح المعجزات، وهذا ما أكده في الجلسة الافتتاحية للحوار الذي استضافه في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة. لكنه يراهن على تحقيق خرق من شأنه أن يدفع في اتجاه تنفيس الاحتقان السنّي – الشيعي، لأنه من غير الجائز أن ينتهي الحوار كما بدأ من دون نتائج يمكن التأسيس عليها لتأمين حد أدنى من التواصل الدائم بين الطرفين.
ومع أن بري يتجنب – كما ينقل عنه زواره – الدخول في التفاصيل أو في تسليط الأضواء على البنود التي ستدرج على جدول أعمال الجلسة الثانية للحوار التي تعقد الإثنين المقبل، فإن المصادر السياسية المواكبة للأجواء التي سادت الجلسة التمهيدية تتوقع من الطرفين الشروع في مناقشة التدابير والإجراءات والخطوات العملية لتنفيس الاحتقان، من دون أن تستبعد أن يكون مقروناً في البحث في كيفية مواجهة الإرهاب والتصدي للمجموعات المسلحة التي تتزعمه، إنما على قاعدة ضرورة انضواء الجميع في مشروع الدولة لمكافحته، وهذا ما يصر عليه «المستقبل» لقطع الطريق على أي طرف يمكن أن يستغل التصدي له من ضمن مشاريع خاصة يمكن أن تشكل إحراجاً للحكومة.
وتؤكد المصادر نفسها أن الانتهاء من الاتفاق على الخطوات الإجرائية لتنفيس الاحتقان، والتي لا تقتصر على تبريد الحملات الإعلامية باعتبار أنها تأتي كردّ فعل على الأفعال التي كانت ولا زالت السبب في تأجيج الاحتقان المذهبي والطائفي، يمكن أن يفتح الباب أمام البحث في البند الثاني من جدول الأعمال المتعلق بتوفير المناخ لإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية من دون الدخول في لعبة أسماء المرشحين.
اتفاق المواصفات يخرج عون
وترى أن النقاش في ملف الانتخابات الرئاسية يجب أن يكون محصوراً في التوافق على مواصفات الرئيس العتيد. وتعتقد أن مجرد موافقة الطرفين على هذه المواصفات من دون الدخول في أسماء المرشحين، سيتيح لاحقاً البحث مع الشركاء الآخرين، خصوصاً المسيحيين في إمكانية التفاهم على رئيس توافقي.
وتعتقد المصادر عينها أن مجرد الاتفاق على المواصفات سيقود حتماً إلى إخراج رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من حلبة المنافسة على رئاسة الجمهورية أسوة بالمرشحين الآخرين المصنفين على خانة أنهم لفريق دون الآخر.
وتسأل هذه المصادر ما إذا كان لدى ممثلي «حزب الله» في الحوار الاستعداد للاتفاق على تحديد موحد للمواصفات التي يجب أن يتمتع بها رئيس الجمهورية الجديد، لأنه بذلك يتخلى عن دعمه للعماد عون ويترك للأخير اتخاذ القرار النهائي، وبالتالي سيقف إلى جانبه في حال قرار الاستمرار في المعركة أو أن تترك له الحصة الكبرى في تسمية الرئيس العتيد في مقابل عزوفه عن خوضها؟
وتضيف: «أن مجرد القفز فوق الاتفاق على مواصفات الرئيس لمصلحة الدخول في أسماء المرشحين، سيؤدي إلى تعليق البحث في الملف الرئاسي على رغم أن لا نية لدى الطرفين بالدخول في صفقة ثنائية حول اسم الرئيس يمكن أن تثير حساسية الأطراف المسيحيين، مع أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي يدعم الحوار وهو كان أبلغ من يعنيهم الأمر بأنه لا يمانع في أن يمهد تفاهم «المستقبل» و «حزب الله» على اسم أحد المرشحين، الطريق لفتح حوار يشارك فيه الجميع لعلهم يتوصلون إلى اتفاق في هذا الخصوص».
وتكشف هذه المصادر أن السفير البابوي لدى لبنان غبريال كاتشيا يتناغم في موقفه مع تمنيات البطريرك الراعي، لكن هناك من يحاذر الدخول في لعبة الأسماء لئلا يشكل استفزازاً للمسيحيين يمكن البعض أن يستغله للتحريض على الحوار السنّي – الشيعي.
وفي هذا السياق تؤكد المصادر أن لا اعتراض على الاتصالات الجارية لتحضير الأجواء أمام اللقاء المرتقب بين العماد عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، خصوصاً أن «المستقبل» كان نصح قيادة «التيار الوطني الحر» في مستهل الحوار الذي جمعهما منذ أكثر من عام، بأن هناك ضرورة لبدء حوار مسيحي – مسيحي.
جعجع وعون يواكبان
مع أن هذه المصادر لا تريد أن تستبق ما سيؤدي إليه الحوار بين عون وجعجع، إلا أنها في المقابل تتمنى في حال تقرر انعقاد اللقاء بينهما بأن يشكل فرصة جدية لمواكبة الحوار القائم بين «المستقبل» و «حزب الله» باعتبار أن الحوارين يتعلقان بالقضايا السياسية التي لا زالت عالقة وأبرزها انتخاب الرئيس.
إلا أنها تسأل عما إذا كان لدى عون كل الاستعداد للبحث مع جعجع في اسم مرشح آخر لرئاسة الجمهورية يمكن أن يؤدي إلى تزخيم هذا الحوار ومواصلته أم إنه باقٍ على موقفه عدم الانسحاب لأي مرشح بذريعة أنه المرشح القوي؟
المواصفات وفق مرجع روحي مسيحي
وتنقل المصادر عن لسان مرجع روحي مسيحي بارز قوله أمام عدد من زواره الذين جاؤوا لتهنئته بعيدي الميلاد ورأس السنة، أن المرشح القوي لا يكون بالصوت العالي ولا بالنبرة الحادة وإنما في قدرته على أن يكون مدعوماً من الجميع وفي الوقت نفسه جامعاً بين اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية.
كما تنقل مصادر أخرى عن لسان سفير دولة كبرى، قوله أمام زواره، في إشارة إلى العماد عون، أنه يتصرف على أنه يعيش في كوكب آخر ويبني توقعاته على أحلامه، وقد بدأ يتصرف على أن المملكة العربية السعودية ستعمل بكل ما لديها من قوى لإقناع جعجع بتأييده…
ومع أن كلام عون أمام هذا السفير جاء أثناء وجود جعجع في زيارة رسمية للمملكة، فإنه تجنب الإجابة عن سؤال لزائره عن المبرر الذي دفع بعدد من نوابه وقيادات في «التيار الوطني» إلى شن حملة عليها بذريعة أنها تضع فيتو على انتخاب رئيس للجمهورية.
أما في شأن إمكانية الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» حول قانون الانتخاب الجديد، تقول المصادر أنها تستبعد أن يبادرا إلى مقاربته وتعزو السبب إلى جملة من الاعتبارات أبرزها:
– ورد في محضر الجلسة النيابية التي خصصت للتمديد للبرلمان، فقرة واضحة وفيها أن لا إقرار لقانون انتخاب جديد قبل أن يصار إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد.
– إن إقرار أي قانون انتخاب سيلقى اعتراضاً من رئيس الجمهورية الجديد، لأن من دون موافقته لا يمكن تمريره وهذا ما تبين عندما اعترض رئيس الجمهورية ميشال سليمان قبل انتهاء ولايته على «مشروع اللقاء الأرثوذكسي» ما حال دون إقراره…
لذلك، فإن إقرار أي قانون انتخاب جديد سيصطدم بمعارضة إسلامية – مسيحية لأنه من غير الجائز أن يشعر الشارع المسيحي بأن «الأمور ماشية» في البلد في ظل استمرار الشغور في الرئاسة الأولى، وبالتالي وكما جرت العادة سيكون للرئيس العتيد رأي في هذا القانون لأن أي حكومة جديدة ستشكل مع انتخابه ستطلب استرداده من المجلس النيابي.
كما أن أي قانون انتخاب يتطلب توقيع الرئيس عليه ولن ينوب عنه مجلس الوزراء مجتمعاً في التوقيع، هذا إضافة إلى أن تركيبة الحكومة الحالية لن تسمح بإقراره لأن من حق أي وزير أن يعارض إقراره، فكيف إذا كان للرئيس سليمان ثلاثة وزراء من المحسوبين عليه هم نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، ووزيرا المهجرين آليس شبطيني والشباب والرياضة عبد المطلب الحناوي؟
وعليه، فإن إصرار بعض الكتل النيابية على ضرورة التفاهم على قانون انتخاب جديد بذريعة أنه جرى التوافق على هذا الأمر في جلسة التمديد للبرلمان، سيصطدم بما ورد في محضر الجلسة لجهة ترحيل إقراره إلى ما بعد انتخاب الرئيس، إضافة إلى أن الغالبية النيابية لن تأخذ بالرأي القائل بإقرار القانون في الهيئة العامة على أن يؤخر نشره في الجريدة الرسمية إلى ما بعد ملء الشغور الرئاسي.