يتهيأ لبنان لأيام حرجة على صعيد أزمته السياسية، بعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت لتقديم استقالته الى رئيس الجمهورية ميشال عون، إثر اجتماعه مساء أمس مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، خصوصاً أن هذه العودة تفتح باب البحث في معالجة الأسباب السياسية التي أعلنها الحريري للاستقالة، لا سيما تدخلات إيران و «حزب الله» في الدول العربية.
وفيما جاء قرار وزراء الخارجية العرب ليضع سقفاً يصعب تجاوزه لمطالبته الحكومة اللبنانية بضبط حركة «حزب الله» الإقليمية كونه شريكاً فيها، فإنه يعيد إلى الواجهة المطالبة العربية ومطالبة العديد من القوى السياسية اللبنانية بعودة لبنان إلى التزام سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، في ظل مقدار من التوتر في علاقته بدول الخليج العربي، بفعل انغماس الحزب في عدد من الحروب الإقليمية (للمزيد).
وفي وقت ينتظر أن يلقي الموقف العربي بظلاله على أي مشروع تسوية جديدة محتملة تحدد مسار تأليف الحكومة الجديدة، سواء برئاسة الحريري أم بغيره، وعلى رغم دعوة الأمين العام لـ «حزب الله» إلى تجاهله أول من أمس، فإن ترقب موقف رئيس الحكومة المستقيل هو سيد الموقف. فهو ترك الكلام إلى ما بعد لقائه الرئيس عون اليوم، إثر الانتهاء من مراسم الاحتفال بالذكرى الـ74 للاستقلال، في عرض عسكري يحضره كبار المسؤولين ويليه حفل استقبال بوجود بري والحريري إلى جانب عون في القصر الرئاسي. ورجحت مصادر مطلعة أن يعقد الحريري خلوة مع عون وأن ينضم إليهما رئيس البرلمان نبيه بري، لبحث المرحلة المقبلة، تمهيداً لإطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المقبل كي يؤلف الحكومة. ويحضر الحريري المناسبة وهو مستقيل بعد أن حضرها السنة الماضية كرئيس مكلف تشكيل الحكومة، إلى جانب الرئيس تمام سلام.
وتلقى الرئيس عون أمس سلسلة من برقيات التهنئة بالاستقلال، أبرزها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرؤساء الأميركي دونالد ترامب (أبرق إلى بري أيضاً) والفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان. وتمنى الملك سلمان لرئيس الجمهورية «الصحة والسعادة، وللشعب اللبناني اطراد التقدم والازدهار». كما تلقى برقية مماثلة من ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
وقال قائد الجيش العماد جوزيف عون للعسكريين في أمر اليوم للمناسبة: «إن الأوضاع السياسية الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، تستدعي منكم التحلّي بأقصى درجات الوعي واليقظة، والمواظبة على تدابير الحفاظ على الاستقرار الأمني، لأنّ هذا الاستقرار يشكّل قاعدةً صلبة لإعادة إنتاج الحلول السياسية المنشودة».
وأعلن مكتب الرئيس ماكرون أمس، أنه جدد تأكيد «ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته ومساندة سياسة لبنان بالنأي بالنفس عن أزمات المنطقة». وأكد «أهمية أن تعمل دول المنطقة في شكل جماعي لخفض التوترات»، وأشار إلى أن ماكرون تحدث إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
وجددت الخارجية الفرنسية أمس دعوتها «حزب الله» إلى «التخلي عن السلاح وإلى أن يتصرف كحزب يحترم بالكامل سيادة الدولة اللبنانية التزاماً منه بالقرارات الصادرة في هذا الشأن عن مجلس الأمن». وأكد الرئيس الإيراني روحاني في الاتصال مع نظيره الفرنسي أمس (رويترز)، أن «حزب الله جزء من شعب لبنان ومحبوب جداً في بلده. أسلحته دفاعية فقط ولا تستخدم إلا في مواجهة هجوم محتمل». ونُقل عن روحاني قوله إن «فرنسا يمكنها القيام بدور مثمر، باتباع نهج واقعي وحيادي». وكان مسؤولون إيرانيون هاجموا تصريحات فرنسية رافضة تدخلات إيران في المنطقة، وانتقدوا برنامجها للصواريخ الباليستية.
وفي وقت توقفت مصادر سياسية عدة في بيروت أمام قول نصرالله إن حزبه سيقوم بمراجعة الموقف بعد نجاح قواته مع الميليشيات الحليفة والجيش السوري في السيطرة على مدينة البوكمال الحدودية بين سورية والعراق واستعادتها من «داعش»، ليقرر «إذا كانت هناك حاجة لوجود هذا العدد من كوادره في العراق ليلتحقوا بأي ساحة أخرى»، فإن أوساطاً مقربة من الرئاسة كانت تحدثت عن إمكان انسحاب جزء من قوات الحزب من سورية والعراق، بناء لتمنٍ من الرئيس عون، لتجنيب لبنان المزيد من الضغوط الغربية والعربية عليه، بعد استقالة الحريري، وفي ظل الحديث الروسي عن تكثيف مساعي الحل السياسي. إلا أن قيادات سياسية لبنانية معارضة لسياسة الحزب استبعدت ذلك، مكررة القول إن أي انسحاب للحزب من ساحات القتال ليس قراره بل يعود إلى القيادة الإيرانية، التي تبدو متمسكة بأدواره الإقليمية طالما المواجهة مفتوحة بين طهران وواشنطن ودول الخليج العربي.
وكانت أوساط ديبلوماسية أجنبية تساءلت أمام بعض السياسيين اللبنانيين عما يعنيه نصرالله بالانتقال إلى ساحات أخرى، مشككة بالتلميح الذي عبر عنه نصرالله.
وكان الحريري التقى السيسي في القاهرة بحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري ومدير الاستخبارات المصرية خالد فوزي ومدير مكتب الرئيس المصري اللواء عباس كامل. وتابع الجانبان بعد خلوة بين الرئيسين، مداولاتهما حول الأوضاع اللبنانية والإقليمية إلى مائدة العشاء.
وينظم «تيار المستقبل» الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم استقبالاً شعبياً للحريري أمام منزله حيث تتوافد الحشود من المناطق كافة للترحيب بعودته.