نزع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري فتيل الاشتباك السياسي من جلسة مجلس الوزراء أمس بسحبه مشروع القانون الذي اقترحه وزير الخارجية جبران باسيل لتعديل قانون الانتخاب لجهة تمديد المهلة القانونية لتسجيل المغتربين اللبنانيين أسماءهم من أجل الاقتراع خارج لبنان إلى منتصف شباط (فبراير) المقبل، من جدول الأعمال وإحالته على اللجنة الوزارية المكلفة بحث تطبيق قانون الانتخاب والتي ستجتمع الإثنين المقبل.
وكان عدد من الوزراء عارضوا مشروع باسيل لأسباب تفاوتت بين ضرورة تجنب أي تعديل على قانون الانتخاب لأنه يفتح الباب على طلب فرقاء آخرين لتعديل مواد أخرى تتعلق بغير المواد المتعلقة بتسجيل المغتربين للاقتراع، أو لأن تمديد المهلة لهؤلاء سيؤدي إلى تغيير في المهل القانونية وإجراءات عمليات الاقتراع المقررة في 6 أيار (مايو) المقبل، خصوصاً أن آخر مهلة لنشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة هي في 5 شباط، أي قبل 90 يوماً من عمليات الاقتراع كما يفرض القانون، فضلاً عن أن الأول من شباط يفترض أن يشهد بداية التدقيق في قوائم الناخبين والذي يجب أن ينتهي قانونياً في 10 آذار (مارس).
وهيأ الحريري لفكرة سحب مشروع باسيل من التداول في الجلسة في اجتماع منفرد عقده مع كل من باسيل ثم مع وزير المال علي حسن خليل قبل انعقاد مجلس الوزراء، وأبلغ كلاً منهما أنه سيقوم بهذه الخطوة، خصوصاً أن الساعات الأربع والعشرين الماضية شهدت تصعيداً في المواقف بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري نتيجة الخلاف على عدم توقيع وزير المال على مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994 المستمر منذ أسابيع، والذي أضيف إليه مشروع باسيل تعديل قانون الانتخاب الذي يعارضه بري ووزراؤه، ووزيرا «حزب الله»، إضافة إلى وزيري «اللقاء النيابي الديموقراطي» مروان حمادة وأيمن شقير، اللذين كانا ينويان مقاطعة الجلسة احتجاجاً على استبعاد بنود تربوية من جدول أعمال مجلس الوزراء منها تعيين 207 أساتذة ناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، لكن رئيس «اللقاء» النائب وليد جنبلاط تمنى عليهما حضور الجلسة للوقوف إلى جانب بري في رفض التعديل، ثم الانسحاب من الجلسة بعدها. كذلك يعارضه وزير «المردة» يوسف فنيانوس ولا يشجع عليه وزراء «القوات اللبنانية» خشية من إخلاله بالمهل القانونية خصوصاً أن تمريره يحتاج إلى تصويت البرلمان عليه في وقت لا دورة عادية للمجلس النيابي، والأمر يحتاج إلى فتح دورة استثنائية.
وقال مصدر وزاري لـ «الحياة» إن ما أقدم عليه الحريري هو إدارة الأزمة المتصاعدة بين عون وبري. وأوضح آخر بأن التأزم تحت السيطرة «بالريموت كونترول» وله سقف لا يمكن تخطيه.
إلا أن الجلسة لم تمر من دون سجال على بعض البنود. فعند طرح بند يتعلق بتعيين 106 حراس للأحراج كانوا نجحوا في امتحانات رسمية، بناء لاقتراح وزير الزراعة غازي زعيتر(حركة أمل)، عارضه الوزير باسيل قائلاً إن التوظيف يزيد من العجز في الموازنة في وقت تطالبنا الهيئات الدولية بخفضه. وأوضح المصدر الوزاري أن عند مناقشة بند يتعلق بتعيين 58 قنصلاً فخرياً بناء لاقتراح من وزارة الخارجية، دافع عنه باسيل إلا أن حمادة عارضه قائلاً: «ترفضون تعيين أساتذة ناجحين بحجة عدم التوازن الطائفي وتعيين الحراس بحجة العجز في الموازنة، ثم تطرحون تعيين قناصل. أنت لا تهتم إلا لوزارتك». وعارضه وزراء آخرون، ما أدى إلى سقوط هذا البند أيضاً.
وأوضح المصدر الوزاري أن وزير المال علي حسن حليل أبلغ الحريري أنه مضطر لمغادرة الجلسة لأنه مرتبط بمواعيد وطالب بطرح بند مشروع التعديل على قانون الانتخاب، فجرى تقديمه وقال الحريري إنه سيسحبه ليبحث في اللجنة الوزارية المعنية وهو يحتاج إلى إحالته إلى مجلس النواب، فأجابه باسيل ممازحاً: هل المقصود تجاوز البند؟ فرد الحريري: الإثنين تبحثه اللجنة الوزارية. ووافق باسيل على سحبه.
وأبلغ مصدر وزاري آخر «الحياة» أن نقاشاً حصل حول تلزيم توسيع مطمري برج حمود وكوستا برافا للنفايات فلاحظ وزير الدفاع يعقوب الصراف أن كلفة توسيع الأول تبلغ 30 دولاراً للمتر الواحد فيما تفوق الكلفة في الثاني الضعف، وطالب وزير مكافحة الفساد بإجراء مناقصة بدل تلزيم العملية بالتراضي، وبعد نقاش اتفق على أن يتم التفاوض مع المتعهد لخفض السعر في «كوستا برافا».
الجلسة
وكان الحريري استهل جلسة مجلس الوزراء بالقول: «من يسمع ما يصدر في وسائل الإعلام من مواقف وتصريحات حادة بخصوص ما يطرح من مواضيع وملفات في مجلس الوزراء، يعتقد في قرارة نفسه بأن هناك مشكل معقد في ما بيننا وأننا على خلاف مستعص ولا نتكلم مع بعضنا بعضاً».
وأضاف قائلاً: «لكن الحقيقة والواقع غير ذلك تماماً، فمجلس الوزراء يناقش أموراً وقضايا عديدة ويأخذ قرارات تهم تسيير أمور الناس والبلد. ونحن لسنا فريقاً سياسياً واحداً وهناك وجهات نظر مختلفة. لكن ما يصدر في الإعلام بهذه الطريقة لا يصب في مصلحة الناس ولا يخدم البلد. وفي اعتقادي أن هناك أموراً لها أولويات وتتطلب حلولاً قبل الأخرى. وأتمنى على الجميع التروي وتهدئة المواقف السياسية والتحلي بالحكمة وكل الأمور المطروحة يمكن إيجاد الحلول لها من خلال التحاور والنقاش الهادئ، وليس بانتهاج المواقف الحادة والحملات التي تؤدي إلى ردات فعل من هنا وهناك وخلاصتها الحاق الضرر بالمواطن ومصالح الناس».
وأوضح الوزير بيار بو عاصي بعد الجلسة أن المجتمعين «ناقشوا البنود الواردة في جدول الأعمال وتم إقرار بعضها وتأجيل البعض آخر ليصار إلى بحثها بعمق». وعن البند المتعلق بقانون الانتخاب، قال: «تم إرجاؤه ليبحث في اللجنة الوزارية المختصة بدراسة قانون الانتخاب، وعلى الأرجح الإثنين المقبل».
وعن سبب تحويله إلى اللجنة مجدداً، قال: «الموضوع لم يكن في اللجنة الوزارية، الوزير باسيل طرحه كمشروع قانون وسيدرس في اللجنة الوزارية».
وعما حصل بين حمادة وباسيل داخل الجلسة، قال: «أتركه لتفاصيل الجلسة ولست مخولاً نقل أجواء الجلسة».
وقيل له إن «التصريحات قبل الدخول إلى الجلسة كانت صاخبة وفجأة هدأت، فهل جرت اتصالات سياسية وماذا حدث؟»، فرد قائلاً: «هذا هو لبنان، الأمور تتوتر في بعض الأحيان، وهذا أمر طبيعي في السياسة وهذا ما ذكره الرئيس الحريري اليوم في مستهل الجلسة، ولكن أجواء الجلسة كانت ممتازة واتخذنا خلالها قرارات تخدم مصالح المواطنين وهذا هو الأهم».
وعن مصير حراس الأحراج الذين فازوا بمباراة الخدمة المدنية، قال: «حراس الأحراج مواطنين وتم سحب الملف من قبل وزير الزراعة المعني به لتتم دراسته على نحو أكثر عُمقاً».
وقال وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي: أتوجه بالتهنئة إلى أهلنا في عكار وبعلبك الهرمل وجبيل وكسروان لإقرار إنشاء فروع للجامعة اللبنانية في هذه المناطق».
وقال وزير المال علي حسن خليل لدى مغادرته الجلسة: «موقفنا واضح وأي فتح لعملية التعديل على قانون الانتخاب، تشكل خطراً على إجراء الانتخابات في موعدها، ولن نوافق على ذلك، ومصرون على إجرائها في موعدها». ولفت إلى أنه «إذا دعا الرئيس الحريري إلى جلسة للجنة قانون الانتخابات سنحضر ونشارك».
وأشار وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى «أنّنا سنناقش تمديد مهل تسجيل المغتربين للانتخابات الإثنين المقبل، وسنعمل بناء لقرار اللجنة الوزارية المكلفة تطبيق قانون الانتخابات«، موضحاً أن «لضيق الوقت، أُحيل البند 24 إلى اللجنة الوزارية المكلفة تطبيق قانون الانتخابات، وذلك لا يعني أنّه سقط إذ من الممكن أن يمرّ أو أن يسقط، وإداريّاً هناك صعوبة في تطبيقه».
ورأى حمادة، أنّ «المخجل هو رفض تعيين 106 من حراس الأحراج، في وقت يريدون تعيين 58 قنصلًا فخرياً، واقترحت تجميد أي تعيين من الآن وحتّى الانتخابات».
وقالت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين، أنها طرحت خلال الجلسة «قضية منع المحجبات من التقدّم لبعض الوظائف العامة، وأعطى رئيس الحكومة تعليماته لتأكيد منع ممارسة أي تمييز ضدّ النساء المحجبات في الوظائف العامة».
قبل الجلسة
وكان باسيل سأل قبل الجلسة: «كيف يتهموننا بمحاولة تأجيل الانتخابات ونحن كنا ضد التمديد؟»، فيما أكد وزير الأشغال يوسف فنيانوس أن «موقفنا موحد مع حركة «أمل» وأي تعديل هو تأجيل للانتخابات».
ورأى وزير العمل محمد كبارة أن «أي تعديل على القانون قد يفتح الباب لتعديلات أخرى»، مشيراً إلى أن «هذا يعرض الانتخابات للتأجيل وسنبحث في الموضوع».
وقال وزير الدولة لشؤون المجلس النيابي علي قانصو إن «لا وقت للتعديلات»، سائلاً «من سيقوم بذلك؟». وقال: «لا جاهزية ولا وفاق سياسي حوله وكما يقول المثل المصري: «بعد ايه».
وأعرب وزير المهجرين طلال إرسلان عن تأييده لمشروع باسيل تمديد مهلة تسجيل المغتربين، أما وزير الصحة غسان حاصباني فقال: «التمديد لتسجيل المغتربين فكرة جيدة ولكن علينا أن نبحث في المهلة المتبقية، لا سيما أننا في حاجة لفتح دورة استثنائية ثم جلسة عامة لاقرار التعديل ثم نشره في الجريدة الرسمية«. وقال بو عاصي: «نؤيد كل ما يعزّز حظوظ اقتراع المغتربين ولكن يجب درس الإمكانات العملية لذلك».
ولفت حمادة «إنني حضرت لاتخاذ موقف من بند تمديد المهل من أجل التضامن مع الرئيس بري والتصويت ضد بند التمديد للمغتربين وسأغادر بعدها لأنني لا أزال على مقاطعتي حتى بحث الملف التربوي».
وعلّق وزير الصناعة حسين الحاج حسن على الموضوع قائلاً: «تفاءلوا بالخير تجدوه»، فيما قال وزير الشباب والرياضة محمد فنيش إن «موقفنا من تمديد المهل نعلنه في جلسة الحكومة«.
وكان الوزير المشنوق أكد «أننا سنناقش تمديد التسجيل للمغتربين لكن الأمر صعب إدارياً».
وأشار وزير الطاقة سيزار أبي خليل إلى أن «مسألة بعض العاملين في شركات مقدمي الخدمات ليست على جدول الأعمال».