IMLebanon

تبرّم سلام من شلل الحكومة يشمل الجميع

– وليد شقير

طرح استياء رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام من الخلاف الذي حصل في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أول من أمس للبت في دفتر الشروط من أجل تلزيم معالجة النفايات في مناقصات ستجريها وزارة البيئة لاختيار الشركات التي ستتولى هذه المهمة ومنها شركة «سوكلين» التي تتولى الأمر منذ سنوات، مسألة أداء الحكومة وانعكاس استمرار الخلافات في شأن أكثر من ملف، تعطيلاً لممارستها سلطاتها وتسيير شؤون البلاد في أكثر من قضية بسبب الآلية التي اتفق عليها عند حصول الشغور الرئاسي، آخر شهر أيار (مايو) من العام الماضي. وهي آلية قضت بموافقة وزرائها الـ24 على المواضيع التي تطرح على مجلس الوزراء، وباشتراط موافقتهم جميعاً على أي قرار يتخذ في ظل غياب رئيس الجمهورية الذي تنوب الحكومة مجتمعة عنه بصلاحياته.

القشة

ويلاحظ أكثر من مصدر وزراي وسياسي أن تعبير سلام عن انزعاجه من الخلاف الذي حصل باعتراض أحد وزراء حزب «الكتائب» على مشروع دفتر الشروط لتلزيم معالجة النفايات، عبر إبلاغه الوزراء أنه سيعلّق الدعوة إلى مجلس الوزراء إلى أن يُبَت ملف النفايات، باعتباره ملفاً حيوياً، هو «القشة التي قصمت ظهر البعير»، في ما يخص الخلل الذي يعاني منه عمل الحكومة.

وتتفق مصادر رسمية وسياسية على القول إنه صحيح أن الخلاف على ملف النفـــايات أزعجه لأنه جرى اتفاق قبل جلسة أول من أمس بين وزارة البيئة ممثلــــة بالوزير محمد المشنوق وبين حزب «الكتائب» على معالجة اعتراضات وزرائه على دفتــر الشروط في ما يخص موضوع تــوزيع مطامر النفايات فيه، لكن أحد وزراء الحزب، ألان حكيم عاد فاعترض على ما اتفـــق عليه، لكن رد فعل سلام أتى نتيجة ماحـــصل على هذا الصعيد، وبسبب تبرمه المتــواصل ضمناً، مع تجنبه التعبير عن ذلك إعلامياً، من إعاقة عمل الحكومة وما يسميه هو طريقته «تباطؤ إنتاجها»، من باب اعتداله في استخدام التعابير.

وتقول مصادر وزارية إنه بغض النظر عن التفاصيل التقنية المرتبطة بملف النفايات التي كانت موضوع الخلاف في جلسة الخميس، فإن تراكم الخلافات يزيد من شللها، فيما سلام يسرّ في بعض لقاءاته مع بعض زواره، بما يتجنب إثارته علناً من أن اعتماد صيغة موافقة الـ24 وزيراً على قرارات الحكومة والتي أنتجت 24 فيتو، جعلت من كل وزير رئيساًَ، بل دفعت بمرجعيات الوزراء إلى التصرف على هذا الأساس فبات كل فريق ووزير «فاتح على حسابه».

ويقول الزوار وبعض محيط سلام إنه يعدد أحياناً الأمثلة، التي يضيف عليها بعض من سيلتقونه نقاطاً أخرى، ومنها: انزعاجه من السجال الذي دار أخيراً بين وزير الاقتصاد ألان حكيم ووزير الصحة وائل أبو فاعور، وانطلاق المنافسة بين الوزراء في هذا الملف واتخاذها أحياناً منحى دعائياً، الارتباك الذي ظهر في مواقف الفرقاء الحكوميين إزاء التفاوض على ملف العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«جبهة النصرة»، الذي أدى إلى التأرجح في تصريحات قيادات ووزراء بين رفض التفاوض والمقايضة وبين القبول بهما غير آبهين بحساسية الموضوع وبحاجة رئاسة الحكومة إلى التحفظ في مرحلة التفاوض بحيث وضعه البعض في موقع الرافض لأمور، لا يمكنه البوح بموقفه الفعلي في شأنها انطلاقاً من دوره في الإمساك بالملف، تصرف بعض الوزراء في قضايا ومسائل تفترض العودة إليه والتنسيق معه سواء في شكل علني أو بعيداً من الأضواء وسواء في السياسة الداخلية أم في السياسة الخارجية حيث يتصرف أحياناً الوزير جبران باسيل من دون العودة إليه.

مرجعية الوزراء

ويقول مصدر سياسي إن سلام قام في معظم الأحيان بتغطية مبادرات لوزراء نسقوا معه، وفي حالات حصل ذلك على رغم عدم تنسيقهم معه، لكنهم لم يبادلوه التصرف معه كمرجعية. والتبرم لديه يشمل كل الفرقاء، الحلفاء مثل غير الحلفاء بمن فيهم «تيار المستقبل» فضلاً عن «حزب الله» الذي سبق أن فاتحه في شأن وجوب إفساحه المجال أمام استكمال تطبيق الخطة الأمنية في البقاع، لأنه لا يجوز أن تطبق الخطة في مناطق تتشدد معها القوى الأمنية، بينما يبقى المخلون بالأمن أحراراً في مناطق أخرى، كما تشمل اعتراضات سلام أيضاً الفريق الوسطي ولا سيما الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتصرف أحياناً على أن زعيمه هو مرجعية وزرائه وليس رئيس الحكومة.

وفيما يأخذ بعض القوى السياسية على سلام أنه ذهب بعيداً في مراعاة الوزراء وأنه كان عليه أن يحزم أمره وعدم تقييـــد نفسه بالحاجة إلى التوافق، التي اعتمــدها كمبدأ في ممارسة السلطة في ظل الشغور الرئاسي، فإن بعض من يلتقونه يشيرون إلى أنه مع إدراكه للحاجة إلى ذلك يخشى أن تتصاعد الخلافات، ويدير العلاقة مع الوزراء بحكمة حتى لا يقود ذلك إلى تفجير الحكومة فيزيد الطين بلة وتتعـــطل أعمالها أكثر. إلا أن الداعين إلى أن يكون حازماً أكثر يعتبرون أن الفرقاء في الحكومة بحاجة إليه، أكثر مما هو في حاجـــة إليهم، لأن الجميع يخشى الفراغ الحكـــومي. لكــن سلام يؤثر القيام بحسابات بعيـــدة المدى، إذا طال الشغور الرئاسي وهو ما يجعله يردد في كل جلسة لمجلس الوزراء أن انتخاب رئيس الجمهورية هو الحل الوحيد لما تعانيه المؤسسات، لأن ذهاب أي خلاف إلى تطيير الحكومة يجعل الفراغ يمتد إلى السلطة التنفيذية ويقود عملياً إلى تفريغ السلطة التشريعية من مضمونها وصلاحياتها، خصوصاً أن الفريق الذي ينتمي إليه، أي 14 آذار و «المستقبل» يتفادى المغامرة بالحكومة ولا يريد التفريط بالتوازن في السلطة التنفيذية الذي أعادته إليها استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كانت من لون واحد، ومع ذلك فإن المطالبين بأن يأخذ سلام المبادرات، بغض النظر عن مواقف الفرقاء في عدد من الملفات وأبرزها قضية العسكريين المخطوفين والمقايضة في شأنهم، فضلاً عن ملف التنقيب عن النفط بعيداً من خلفيات المحاصصة التي تقف وراء توجهات غير فريق معني به.

وتقول مصادر سياسية متابعة لأحوال الحكومة إن ما حصل في شأن ملف النفايات ريما يكون مناسبة لتصويب الأمور بحيث يستعيد سلام بعض المبادرة، مهما كانت اعتراضات البعض.

وبينما ترى مصادر مقربة من سلام أنه خلافاً لاعتقاد البعض فإن العودة عن الاتفاق الذي جرى بعد الشغور الرئاسي بأن يوافق الـ24 وزيراً على قرارات الحكومة ويوقعوا جميعاً على المراسيم التي تصدرها والقوانين التي تقر في البرلمان، فات عليها الأوان، تعتبر مصادر وزارية أنه يمكن اللجوء إلى إعادة النظر الجزئية بهذا الاتفاق بحيث يعتمد توافق الـ24 وزيراً في القضايا الوطنية الكبرى والمسائل الحساسة، على أن يعتمد التصويت بالأكثرية المطلقة أو بأكثرية الثلثين وفق ما ينص عليه الدستور بالنسبة إلى القضايا الأخرى العادية أو الأقل شأناً، مثل ملف النفايات.

ناقوس الخطر الاقتصادي

لكن مصادر سياسية بارزة وبعض الأوساط الاقتصادية تلح على الحاجة إلى إيجاد مخرج لجمود الحكومة وآلية اتخاذ قراراتها، لا سيما أن العام الحالي يطرح مع بدايته استحقاقات اقتصادية ومالية مهمة لقوننة البت بملفات اقتصادية مصيرية وبوقف الهدر في عشرات ملايين الدولارات التي تخسرها الخزينة نتيجة استرخاء الإدارة اللبنانية، لأن تعاظم الدين العام في البلد بات خطيراً في ظل الانكماش الاقتصادي، وأن على سلام أن يدق ناقوس الخطر في هذا المجال وينبري إلى ضع خطة نهوض على المدى القصير تستفيد من إيجابيات موضوعية، ومنها خفض العجز في الفاتورة النفطية جراء انخفاض أسعار النفط، لاتخاذ تدابير ناجعة في إدارة الدين العام.

وقالت مصادر سياسية أنه يفترض ألا ينتظر سلام انعكاس الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» أو التسويات الخارجية، على أداء الحكومة لأن نتائج كل ذلك قد تطول. وتشير هذه المصادر إلى أن «حزب الله» طرح في الاجتماع الأخير للحوار مع «المستقبل» مسألة تفعيل عمل الحكومة لكن الأخير فضّل أن يبحث الأمر داخل الحكومة ومع رئيسها.