كرر الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بعد انتهاء استشاراته غير الملزمة مع الكتل النيابية لاستمزاج رأيها في تركيبة الحكومة وبرنامجها والحقائب التي تطالب بها هذه الكتل، تأكيده أن الفرقاء كافة يرغبون في ولادتها بسرعة، وأنهم مع تسهيل إنجازها. وأطلق انتهاء اللقاءات مع الكتل والنواب الـ128، بدء مرحلة التأليف الفعلية التي عادة تتم من خلال المشاورات السرية واللقاءات الجانبية التي تعقب الاجتماعات الرسمية، بهدف «طبخ» التشكيلة النهائية.
وإذ وصف الحريري أطروحات بعض الكتل بأنها نوع من «رفع السقف» للتفاوض على الحصص الوزارية، وأبدى تفاؤله بقرب إنجاز تشكيل الحكومة، عَكَست مطالب بعض الكتل العقد الماثلة أمام التأليف، بينما شددت الأكثرية على قيام حكومة موسعة. وقال الحريري: «الجميع يحق له أن يطلب ما يريد، وأنا أستمع… ولا أحد يريد وضع العصي في الدواليب، لذلك يجب أن نتفاهم بأسرع وقت، وأنا متفائل جداً». وزاد: «بعضهم يطالب بحكومة من 30 وزيراً أو 32، حتى أن بعضهم طرح حكومة من 10 أو 16 وزيراً، لكن ذلك لا يعني أن هذا ما سيحصل».
وبينما قالت مصادر نيابية إن شهوات التوزير والحصص تضخّم حجم الحكومة في شكل يعدّ سابقة، إذا تم الأخذ بالمطالب كافة، أشارت إلى أن مهمة الحريري الدقيقة بدءاً من اليوم هي «عقلنة» هذه المطالب، باقتراح صيغة توفق بين التمثيل الواسع لأطياف البرلمان كما أفرزتها الانتخابات النيابية، وقيام فريق قادر على النهوض بالوضع الاقتصادي الذي وصفه بأنه «الأخطر»، وعلى مواجهة ما سماه الحريري «التحديات الإقليمية».
وقال مصدر وزاري لـ»الحياة» إن الحكومة الجديدة ستواجه ظروفاً هي الأكثر تعقيداً منذ عقود على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومنها التهديدات الإسرائيلية باستهداف لبنان وسلاح «حزب الله» فيه، فضلاً عن العقوبات الأميركية والخليجية على الحزب وإيران والصراع في سورية.
ويمكن تلخيص حصيلة استشارات أمس على النحو الآتي:
– إن التنافس بين «التيار الحر» وحزب «القوات اللبنانية» على الحقائب وعدد الوزارات، ظل العقدة الأبرز. وقال رئيس التيار جبران باسيل إن «تكتل لبنان القوي» الذي يضم 22 نائباً من دون الحلفاء، و29 معهم، طرح «حصتنا من دون المرور بحصة رئيس الجمهورية أو سواه». ومع أنه اقترح توزيع الحقائب السيادية (الأربع أي الداخلية، الخارجية، الدفاع والمال) على الطوائف الصغرى، طالب بوزارتي المال والداخلية لتكتله. أما «القوات اللبنانية» فدعت إلى مساواتها بـ»التيار الحر» في عدد الوزراء وفق نتيجة الانتخابات. وقال نائب رئيسها النائب جورج عدوان، إن كتلة «الجمهورية القوية» تمثل رئيس الجمهورية في موقف يهدف إلى قطع الطريق على تبرير التفاوت بين عدد وزرائها وبين عدد وزراء «التيار الحر» عبر التمييز بين حصة الأخير وحصة الرئيس ميشال عون مؤسس «التيار».
في المقابل، طالب «التكتل الوطني» الذي يضم «تيار المردة» ونواباً مسيحيين ومسلمين (7) بالأشغال أو الطاقة أو الاتصالات وبحقيبة أخرى خدماتية، وبتمثيله بوزير مسيحي وآخر مسلم.
وفي وقت هدفت مطالبة «التيار» بالحقائب السيادية للطوائف الصغرى إلى إيكال إحداها (الدفاع) إلى النائب طلال أرسلان من الحصة الدرزية التي يصر الحزب التقدمي الاشتراكي على أن تنحصر بمن يختارهم رئيس الحزب وليد جنبلاط، فإن أرسلان الذي كان نجح وحده في الانتخابات بالتحالف مع «التيار الحر» انضم إليه 3 نواب مسيحيين من تكتل «لبنان القوي»، ليطالب بعد لقائه الحريري بتمثيلهم بدرزي، وكان النواب المسيحيون الثلاثة الذين حضروا لقاءه مع الحريري حضروا أيضاً مع «تكتل لبنان القوي». إلا أن مصادر «الاشتراكي» قالت لـ»الحياة» إنه يصر على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة في حكومة من 30 وزيراً، وإذا كان هناك إصرار على توزير أرسلان فليكن من الحصة المسيحية، كما حصل سابقاً حين تخلت القيادة الشيعية عن أحد وزراء حصتها لمصلحة توزير فيصل كرامي.
– إن كتلة نواب «حزب الله» (14 نائباً) طالبت بوزارة «وازنة» لم تحدد ما هي، وباستحداث وزارة للتخطيط، من دون الإصرار على أن يكون ذلك بسرعة. وعلمت «الحياة» أن الحريري أبلغ الكتلة أن حقيبة وزارة الدولة لشؤون التخطيط في الحكومة السابقة يمكن تفعيلها. ووصفت مصادر نيابية اللقاء مع الرئيس المكلف بأنه كان هادئاً، الأمر الذي عكسه رئيس الكتلة محمد رعد في تصريحه حين قال إن الكتلة «أكدت استعدادها للتعاون الإيجابي معه». واستبعد تأثير العقوبات على الحكومة.