صدمة في سيول… وشكوك بعد قمة سنغافورة بتعهد مبهم لـ «نزع النووي»
ترامب يتودّد وكيم ينتزع «ضمانات أمنية»
أحدث إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف المناورات العسكرية السنوية «الاستفزازية» التي تنفذها واشنطن وسيول، صدمة لدى كوريا الجنوبية، وطغى على نتائج القمة التاريخية التي جمعت ترامب بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة أمس، خصوصاً أن تعهد جانبَيها «نزع سلاح كاملاً» في شبه الجزيرة الكورية، قوبل بتشكيك وتكهنات بأن الرئيس الأميركي قدّم تنازلات لبيونغيانغ (راجع ص 7).
وكان لافتاً أن القادة الجمهوريين والديموقراطيين في الكونغرس لم يحتفلوا بنتائج القمة، اذ وصفها زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بأنها «خطوة أولى كبرى» في العلاقات بين واشنطن وبيونغيانغ، مستدركاً أن «الخطوات المقبلة في المفاوضات ستختبر هل يمكننا التوصل إلى اتفاق يمكن التحقق منه». وأضاف: «نحن وحلفاؤنا يجب أن نكون مستعدين لاستعادة سياسة الحدّ الأقصى من الضغط» على الدولة الستالينية.
اما الرئيس الجمهوري لمجلس النواب بول راين، فوصف النظام الكوري الشمالي بأنه «وحشي»، معتبراً أن «الوقت وحده سيحدد هل هو جدي هذه المرة، وفي الوقت ذاته يجب أن نستمر في تطبيق أقصى ضغط اقتصادي» عليه. وانتقد تشاك شومر، زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ، اتفاق ترامب – كيم، معتبراً أنه لا يتضمّن تفاصيل.
وبعد محادثات دامت 5 ساعات، بدأت ثنائية واختُتمت موسعة على غداء عمل، وقّع ترامب وكيم بياناً مشتركاً ورد فيه أن الرئيس الأميركي «التزم تقديم ضمانات أمنية إلى كوريا الشمالية، وأكد الزعيم كيم جونغ أون مجدداً التزامه الصارم والجازم نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية». لكن هذه التزامات سابقة لبيونغيانغ، عامَي 1994 و2005، لم تطبقها، كما ان البيان لا يشير الى نزع للسلاح النووي «قابِل للتحقق ولا عودة عنه»، وهذا ما كانت الولايات المتحدة تصرّ عليه قبل القمة.
ورغم إعلان كيم أن بيونغيانغ ستدمّر موقعاً رئيساً لاختبار محرّكات صواريخ، نبّه دانيال راسل، ابرز ديبلوماسيي الخارجية الأميركية في شأن آسيا سابقاً، الى أن غياب أي إشارة في البيان الى الصواريخ الباليستية الكوريا الشمالية، «فاضح»، وتابع: «مبادلة دفاعنا عن كوريا الجنوبية بوعد، تمثل اتفاقاً غير متوازن كان ممكناً أن يبرمه رؤساء سابقون، لكنهم لم يفعلوا».
كما لم يتطرّق البيان الى العقوبات على الدولة الستالينية، ولا الى إبرام معاهدة سلام رسمية تنهي الحرب الكورية (1950-1953)، ولا إلى حقوق الإنسان. كما أنه غامض في شأن مواعيد تنفيذ بنوده، مشيراً الى مفاوضات لاحقة سيتولاها وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو.
وقال فيبين نارانغ، استاذ في «معهد ماساشوستس للتكنولوجيا»، ان «كوريا الشمالية لم تقدّم أي جديد في تعهداتها منذ 25 سنة. ليس هناك ما يدعو الى الاعتقاد بأن القمة ستؤدي الى نتيجة اكبر على مستوى نزع السلاح النووي».
وأعلن ترامب ان محادثاته مع كيم كانت «نزيهة، مباشرة ومثمرة»، مشيداً بـ»علاقة خاصة» يبنيانها. واعتبر ان الزعيم الكوري الشمالي «موهوب جداً ومفاوض جيد جداً… قام بأول خطوة شجاعة نحو مستقبل افضل لشعبه»، لافتاً الى أن القمة جرت «في شكل أفضل من توقعات الجميع». وأضاف في مؤتمر صحافي: «مستعدون لكتابة فصل جديد بين بلدينا». واعلن استعداده للتوجه «في الوقت المناسب» الى بيونغيانع، مشيراً الى ان كيم قبِل دعوة لزيارة واشنطن.
وسُئل عن التزام كوريا الشمالية «نزعاً كاملاً للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية»، فأكد ان عمليات تفتيش ستُنفذ، وأن العقوبات ستبقى مطبقة على الدولة الستالينية في انتظار رفع «تهديد» الأسلحة الذرية. وأكد ان عملية نزع السلاح النووي «ستبدأ قريباً جداً».
وفاجأ ترامب الصحافيين بإعلانه انه سيوقف المناورات العسكرية السنوية مع سيول، ووصفها بأنها «استفزازية جداً» بالنسبة الى بيونغيانغ. واضاف: «فيما نجري مفاوضات حول اتفاق شامل، أعتقد بأن تنفيذ مناورات ليس مناسباً». ورأى ان ذلك «يوفّر كثيراً من المال»، مشيراً الى انه يريد سحب الجنود الأميركيين من كوريا الجنوبية «في وقت ما».
وبدا واضحاً أن الجيش الأميركي فوجئ بإعلان ترامب، لكن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) حرصت على تأكيد أن ترامب تشاور مع الوزير جيمس ماتيس في هذا الصدد قبل إدلائه بتصريحاته أمس، علماً ان ماتيس كان شدد قبل ساعات من القمة على ان ملف القوات الاميركية في كوريا الجنوبية لن يكون جزءاً من أي نقاش في سنغافورة.
وتحدّث ترامب مع الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن بعد القمة امس، فيما يصل بومبيو الى سيول اليوم لمحاولة تبديد مخاوفها. لكن مسؤولاً كورياً جنوبياً علّق على تصريحات ترامب، قائلاً: «صُدمت عندما وصف التدريبات بأنها مستفزة، وهي كلمة يُستبعد جداً أن ينطق بها رئيس أميركي».
اما كيم، فوصف القمة بأنها «مقدمة جيدة للسلام»، مشيراً الى انه وترامب قررا «تجاوز الماضي»، وزاد: «سيشهد العالم تغييراً كبيراً». وتعهد «طيّ صفحة الماضي» بعد تجاوز «عراقيل كثيرة».
وأثارت نتائج القمة ترحيباً عاماً، اذ تحدثت كوريا الجنوبية عن «نهاية الحرب الباردة»، فيما أعلنت الصين «بدء تاريخ جديد». لكن روسيا نبّهت الى ان «الشيطان يكمن في التفاصيل»، فيما حذرت ايران كوريا الشمالية من أن ترامب قد «يلغي الاتفاق قبل عودته إلى بلاده».