IMLebanon

الحريري «صامد» في تصوره للحكومة المتوازنة

 

شكل اجتماع الرئيس المكلف سعد الحريري ورؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، مساء أول من أمس علامة فارقة في المشهد السياسي اللبناني، في ظل التعقيدات التي تحيط بتشكيل الحكومة الجديدة، وما يتردد عن ما يرافق جهود حلحلة العقد من تباين بين الحريري وفريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و «التيار الوطني الحر» على الصلاحيات في عملية التأليف، على خلفية الشروط والشروط المضادة في تقدير حصص الفرقاء الذين يفترض أن تضمهم التشكيلة الحكومية.

وتقول مصادر معنية بالاجتماع الرباعي لـ «الحياة» إن البيان المقتضب الذي صدر عن مكتب الحريري الإعلامي كان «ناعماً» ويتجنب ذكر موضوع الصلاحيات، إذ اكتفى بالإشارة إلى أن «وجهات النظر كانت متوافقة حيال مختلف الملفات، إذ أكد الجميع على أهمية التعاون مع الرئيس المكلف والتضامن على دعمه في مهمته لتأليف الحكومة العتيدة وما يلي التأليف من مسؤوليات». إلا أن هذه المصادر، على التكتم حول ما بحثه المجتمعون، رأت أن مجرد اجتماع الرؤساء الأربعة رسالة إلى سائر الفرقاء حول التفاف الرموز السنية حول الحريري من خلال نص البيان على «التضامن على دعمه».

وتشير المصادر إلى أن ما سبق الاجتماع أظهر أن هناك ضغوطا على الحريري كي يقدم التنازلات عن ما يراه قيام حكومة متوازنة، عبر دعوات من قبل بعض نواب «التيار الحر» ونائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي لتحديد مهلة للرئيس المكلف في التأليف، (لا ينص عليها الدستور) إذ إن الأخير اقترح في تصريح علني صيغة لسحب تسميته للتأليف عبر مجلس النواب بعد رسالة من رئيس الجمهورية، بحيث يعيد الرئيس عون الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للتأليف.

تفاهم مع عون

وفي المقابل، تقول أوساط الرئاسة لـ «الحياة» إن الرئيس عون «ليس في وارد ما يحكى عن وضع مهلة للحريري وعن البحث عن بديل له بفعل تأخير التأليف نتيجة عقد تمثيل «القوات» والتمثيل الدرزي، وأن الرئيسين يتعاونان على تفكيك العراقيل إلى أقصى الحدود». كما أن مصادر مطلعة على أجواء الحريري أوضحت لـ «الحياة» أن سلوكه الحذر والهادئ يدل إلى أنه «يسعى إلى استيعاب الأمور وعمليات الضغط والابتزاز التي تحصل وإذا كان هناك من تهويل عليه عبر مواقف إعلامية وتصريحات من هنا أو هناك، فإنه لا يأخذ بها لعلمه الكامل بأن لا أفق لها، ولذلك يتابع إشاعة أجواء التفاؤل بإمكان حلحلة العقد. ولفتت المصادر إلى أن الحريري وغيره من المنغمسين في عملية التأليف يعتبرون أن كل التهويل والابتزاز الذي يحصل «سيصبح خلفنا بمجرد ولادة الحكومة فيتبين كم أن الضغوط لا مفعول لها». وجاءت ملاحظة المصادر ذاتها على خلفية الاعتقاد بأن ولادة الحكومة «قد تقترب من خواتيمها من دون استبعاد وجوب التعاطي بحذر مع هذا الاستنتاج إذا أراد فريق ما الإبقاء على نمط العرقلة ووضع العصي في الدواليب».

وعن اجتماعه برؤساء الحكومة السابقين أول من أمس قالت مصادر واكبت الاجتماع ، إن الرؤساء الأربعة اتفقوا على التكتم على مواضيع البحث، لكنها أوضحت مما توفر لديها من معطيات عما دار خلاله، لـ «الحياة» أن الحريري عرض شريط الاتصالات التي أجراها من أجل معالجة العقد، وأن «لقاءه الأخير بالرئيس عون الخميس الماضي كان جيداً وأن لا مشكلة بينه وبين رئيس الجمهورية». وخرج الرؤساء الثلاثة السابقون بانطباع، وفق هذه المصادر بأن الحريري ملتزم مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» في شأن مطلبه حصر تسمية الوزراء الدروز الثلاثة، في حكومة يصر على أن تبقى ثلاثينية ولا تتعداها إلى 32 وزيراً، كما سبق أن اقترح رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل وكذلك الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله الجمعة الماضي. وأضافت المصادر أن الحريري كرر ما سبق أن أبلغه للرئيس عون بأنه لا يعقل تجاوز الحجم الذي حصلت عليه «القوات» في الانتخابات التي لا بد من مراعاة تمثيلها على هذا الأساس، وهو صامد على اقتناعه بموقفه مما يسمى عقدتي تمثيل «القوات» و «الاشتراكي». إلا أن المصادر لم تتوافر لديها معلومات عما إذا كان الحريري أبلغ رؤساء الحكومة السابقين بعدد الوزراء الذي يقترحهم لتمثيل «القوات»، وإن كان الانطباع الذي تكون لدى هؤلاء بأن مسألة الحقيبة السيادية لم تحسم بعد، كذلك مسألة نيابة رئاسة الحكومة المتنازع عليها بين «القوات» وبين عون و «التيار الحر» .

لا ثلث معطل

وذكرت المصادر أن التوجه العام في إحداث التوازن في تأليف الحكومة سيحتم عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل فيها. وقالت إن الحريري لا يترك مناسبة إلا ويؤكد على التمسك باتفاق الطائف والذي بات دستوراً ينص على أنه هو من يشكل الحكومة بالتنسيق مع رئيس الجمهورية وأنه لن يفرط بالصلاحيات التي أعطيت له في هذا الشأن.

أما في شأن ما تضمنه بيان المكتب الإعلامي للحريري عن الاجتماع الرباعي في شأن تضامنهم حول «ما يلي التأليف من مسؤوليات» قالت المصادر إنهم توقفوا أمام الأوضاع المقلقة في المنطقة وما يرافقها من تطورات دراماتيكية توجب البقاء على التضامن والتنسيق، إضافة إلى ملاحظتهم بأن موقع رئاسة الحكومة يجب أن يتمتع بالاستقرار والثبات أمام المهمات الملقاة على الحريري لجهة معالجة الوضع الاقتصادي الصعب، خصوصاً أن موقعي رئاسة الجمهورية والبرلمان يتمتعان بهذا الاستقرار الذي يوجب عدم إخضاعه أمام المحطات المقبلة للهزات والتهويل من النوع الذي يشهد الوضع السياسي بعض فصوله في عملية التأليف. وعليه قالت المصادر المعنية بالاجتماع الرباعي إن الرؤساء الأربعة تطرقوا إلى كلام السيد نصر الله عن اعتماد معيار التمثيل بإعطاء كل كتلة من 4 نواب وزير وبتمثيل العلويين والسريان. وفي تقدير المصادر إياها أن نصر الله رفع سقف مطالبه من أجل تمثيل حلفائه، ليوحي بأنه يطرح قضية تمثيلهم ويبرئ ذمته إذا جاءت الحكومة مغايرة لطموحاتهم. لكن المصادر نفسها دعت إلى التعاطي بحذر مع هذا الاستنتاج مخافة أن يؤدي ذلك إلى تضخيم مطالب التمثيل فيزيد عوامل تأخير الحكومة، في إطار قد يتعدى التهويل.

وفي المقابل، أبلغت مصادر سياسية بارزة «الحياة» بأن «حزب الله» أسر لبعض القوى السياسية التي تتواصل معه حول عملية التأليف أنه «على تفاهم كامل مع الحريري»، وأنه لهذا السبب حيد الرئيس المكلف حين تحدث عن عدم الأخذ بوحدة المعايير في الحصص الوزارية حين حرص على القول إنه لا يقصد الرئيس الحريري.

باسيل والحريري واستعصاء «القوات»

وفي سياق منفصل عن اجتماع رؤساء الحكومة السابقين، قال مصدر لصيق بمفاوضات تأليف الحكومة لـ «الحياة» إن لقاء الوزير جبران باسيل أمس مع الحريري ثم اللقاء المنتظر بين الرئيس عون ورئيس «القوات» سمير جعجع، سيحددان مدى الحلحلة للعقد القائمة. وأكد المصدر أنه بات على «التيار الحر» أن يراجع تشبثه بتقزيم حصة «القوات» الوزارية، التي وبحكم توافقها مع الحريري المقتنع بمطالبها، وتتفهمه في ذلك قوى أخرى منها الثنائي الشيعي، بات يصعب تحجيمها من قبل قيادة «التيار الحر». فهي لن تقبل بأي تسوية على حسابها، والحريري لن يقبل بحكومة من دون حصة يعتبرها مقبولة لها ومن دون الأخذ بمطالب جنبلاط فيها.

وأضاف المصدر أن الكثير مما يقوم به باسيل ضد «القوات» له علاقة بتحييد الأنظار عن تساؤلات داخل «التيار» عن جدوى السياسة التي يتبعها، لا سيما بعد إعلان جعجع تهدئة الحملات الإعلامية بناء على تمنٍّ من الحريري، فيما باسيل وبعض من يؤيده في «التيار» يواصلون حملتهم ضد «القوات».

وتربط المصادر مواصلة باسيل هجومه على «القوات» بهدفه، «التغطية» على تناقضات أخذت تتعمق داخل «التيار بينه وبين بعض الناشطين والقياديين البارزين الذين يعتبرون أنه ذهب بعيداً في تحديد توجهات الحزب من دون التشاور مع أحد، وأن هناك من يعتقد في الحلقة القيادية الضيقة في «التيار» أن باسيل يفتح معارك مع قوى كثيرة في الوقت ذاته، منها «القوات» على رغم تفاهم معراب ويهدد بذلك المصالحة المسيحية- المسيحية، ما يؤدي إلى الإكثار من خصومات العهد. وتشير المصادر إلى أن منتقدي هذه السياسة من زملاء باسيل باتوا يسألون هل هذا عهد ميشال عون أم أنه عهد جبران؟ وذكرت المصادر أن بعض قادة «التيار» يرون أنه بات مطلوباً الفصل بين رئاسة «التيار» وبين تبوئه حقيبة وزارة الخارجية.