IMLebanon

اتفاق عون – الرياشي ينهي العقدة المسيحية؟ العهد يرمي عرقلة الحكومة على جنبلاط

 

بيروت – وليد شقير

هل يؤدي اتفاق رئيس الجمهورية ميشال عون مع حزب «القوات اللبنانية» على حصتها في الحكومة إلى حل ما يسمى العقدة المسيحية في تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري، أم أن هذه العقدة ستبقى قائمة لأن البحث سينتقل إلى حصة «التيار الوطني الحر» والرئيس عون التي يمكن أن تكون مدار خلاف هي الأخرى؟

يأتي السؤال بعد «انتزاع» وزير الإعلام ملحم الرياشي، كما تقول أوساط «القوات»، موافقة رئيس الجمهورية على أن تتمثل هي بـ4 وزراء، من ضمنها حقيبة سيادية. فنجاح المفاوض الرياشي بحنكته وطول نفسه في الاتفاق مع عون على ذلك خلال زهاء 35 دقيقة من لقائه به الخميس الماضي موفداً من رئيس الحزب سمير جعجع حاملاً تنازلات حول حصته الحكومية، يفترض أن يحدث خرقاً في جدار الأزمة. لكن توقع الحلحلة بعد ذلك لم يكن في محله على ما يبدو. فالمواقف المعلنة والضمنية لا توحي بأن ما سمي تنازل «القوات» وقبول عون به، سيسهل استئناف الاتصالات للبناء على هذا التطور. وتفيد معلومات بأن الرياشي حين أبلغ عون تخلي «القوات» عن مطلب الحصول على 5 وزراء والاكتفاء بأربعة، وبالاستغناء عن نيابة رئاسة الحكومة لمصلحة حقيبة سيادية، أجابه رئيس الجمهورية بأن موقع نائب رئيس الحكومة كان أساساً من حصته، وأنه تنازل عنه في الحكومة المستقيلة لتعويض «القوات» عن حقيبة سيادية في حينها ولتسهيل تأليف الحكومة الأولى في عهده. وأفادت مصادر معنية بالمفاوضات التي جرت بين عون والرياشي «الحياة»، بأن الأول أكد أمام وزير الإعلام أنه يريد استرجاع موقع نائب رئيس الحكومة، على رغم أنه لا يعني شيئاً ولا صلاحيات له وهو بمثابة وزارة دولة بلا حقيبة. وتعتبر «القوات» أن جعجع قبل بالمنصب في ذلك الوقت مع علمه المسبق بذلك، تسهيلاً لمهمة العهد في بدايته، على رغم أن اتفاق معراب كان ينص على أن تتقاسم «القوات» و «التيار الحر» المناصب الوزارية مناصفة وعلى تقاسم الحقائب السيادية بحيث تكون واحدة لكل من الفريقين.

وعلمت «الحياة» أنه عندما وافق عون الرياشي على الحقيبة السيادية مقابل تخلي جعجع عن نيابة رئاسة الحكومة وأحاله على الحريري ليتفق معه، قال له: «لا مانع لدي. وإذا كان معروفاً لمن ستؤول وزارتا المال والداخلية (لحركة «أمل» و «المستقبل»)، تبقى وزارتا الخارجية والدفاع. لست أنا من يهب أو من يحجب. راجعوا الرئيس المكلف في شأنها فهو الذي يوزع الحقائب ويشكل الحكومة».

ولم يتأخر الرياشي في الاتصال بالحريري بعد جعجع، فور انتهاء لقائه الرئيس عون، لإبلاغه بالنتيجة، فأبدى الرئيس المكلف إيجابية حيال قبول الأخير بحصول «القوات» على الدفاع أو الخارجية معتبراً أن لا مشكلة لديه في ذلك، خصوصاً أنه لم يكن هو من كان يمانع في ذلك.

وفي حسابات «القوات» أن ما وافق عليه عون يشكل تغييراً عما سعى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إليه، أي حصر حصتها بـ3 وزراء وعدم ممانعته حصولها على 4 حقائب شرط ألا تكون الرابعة من حصة «التيار». وتعتبر أوساط «القوات» أن سبب إسقاط اتفاق معراب من جانب باسيل هو إصراره على الإخلال بما يتضمنه في شأن تقاسم الحقائب بالتساوي، وحين طلب الرئيس عون من جعجع التواصل معه اعتمد أسلوب مقاطعتها تجنباً للبحث في إحياء الاتفاق سواء لجهة عدد الوزراء الذين يحق لها الحصول عليهم أم لجهة الحقيبة السيادية، واكتفى بالتسريبات من دون إعلان موافقة رسمية على ذلك. وتقول هذه الأوساط أن ما دفع جعجع إلى إيفاد الرياشي مجدداً إلى عون، استمرار باسيل في مقاطعته وإحجامه عن الحوار مع «القوات» بعدما كان رئيس الجمهورية اقترح عليه الأمر.

وإذا كان هذا التطور يحسم حجم «القوات» في الحكومة ويعالج العقدة المسيحية (إذا لم يطرأ ما يعاكس ذلك في مطالب «التيار الحر»)، فإن أوساطاً منغمسة في اتصالات تفكيك العقد تخشى من أن يكون ما حصل رمياً للكرة إلى ملعب الأخير. ويقول مرجع سياسي في هذا المجال إنه لطالما اتفق الحريري مع عون على صيغة لحلحلة العقد، لكنه في نهاية الاجتماع كان الأخير يطلب منه التفاهم مع الوزير باسيل، فيجري نسف الاتفاق.

 

وفي كل الأحوال فإن ما جرى التوصل إليه بين عون والرياشي يعني وفق المصادر المتابعة، حصول «التيار» على 7 وزراء وعون على 3 أي 10 وزراء، مقابل 4 وزراء لـ «القوات» ووزير لـ «المردة» في الحكومة الثلاثينية ما يقفل الباب على الحصة المسيحية (إذا حصل عون على وزير سني فإن الحريري سيحصل على وزير مسيحي بدلاً منه). وتضيف المصادر نفسها: «على رغم أن باسيل كان يسعى إلى 11 وزيراً من هذه الحصة، فإن نفي عون أول من أمس الرغبة في الثلث المعطل لأنه ليس في حاجة إليه، يعدل الحسابات في أحجام التمثيل المسيحي عما كانت قبل اتفاق عون مع الرياشي».

 

وزراء «الاشتراكي»

 

وتلفت هذه المصادر إلى ما تسرب عن مصادر مقربة من الرئاسة أمس عن أن المعرقل الرئيسي للتأليف هو النائب السابق وليد جنبلاط. وتشير أيضاً إلى ما نقل عن الرئيس عون أول من أمس أن «الحزب الاشتراكي» يريد الوزراء الدروز الثلاثة لكي يمسك بالميثاقية داخل مجلس الوزراء، وأي قانون لا يعجبه يستخدم الفيتو الميثاقي. وقال قاصداً «الاشتراكي»: «هؤلاء الذين خسروا حجمهم المنفوخ لم يتقبّلوا الحقيقة بعد، والبعض ذهب إلى التهكم والعناد والتمترس خلف حصرية تمثيل الطائفة لامتلاك الفيتو الميثاقي، وتجربتنا مع هؤلاء في مجلس الوزراء غير مشجعة». وكان رأى في خطابه في عيد الجيش الأربعاء الماضي «أن تكون الحكومة جامعة للمكوِّنات اللبنانية، من دون تهميش أي مكوِّن، أو إلغاء دوره، ومن دون احتكار تمثيل أي طائفة».

 

وتعتبر المصادر أن عون و «التيار الحر» يركزان الآن الحملة على مطلب جنبلاط أن ينحصر الوزراء الدروز الثلاثة في الحكومة بمن يسميهم هو، نتيجة إصرارهما على تمثيل النائب طلال أرسلان الذي تحالف مع «التيار» في الانتخابات وهو حالياً عضو في «تكتل لبنان القوي». وتعتقد المصادر بأن توزيره يحقق الثلث زائداً1 للتيار عوضاً عن تحقيقه عبر التمثيل المسيحي. لكن العقبة تبقى هنا في التزام الحريري مطلب جنبلاط وعدم نيته التفريط بالعلاقة معه.

 

وتصر المصادر على ربط عرقلة تأليف الحكومة والرغبة في الحصول على الثلث المعطل، بالتحضيرات المبكرة للانتخابات الرئاسية. وتقول إن الأوساط السياسية كانت في الأسابيع الماضية تتحدث عن ذلك استناداً إلى مؤشرات وتقديرات، لكن الرئيس عون أوضح الأمر كما نقلت عنه صحيفة «الأخبار» يوم الجمعة حين قال رداً على سؤال عن سبب فتح معركة الرئاسة باكراً: «ربما لوجود شخص في رأس السباق اسمه جبران باسيل يطلقون عليه كل أنواع الحروب، وهذه الحروب لا تزعجه ولا تزعجني».

 

وتعتبر أن عون بذلك أعلن رغبته في توريث صهره، ما يفسر السعي إلى الإمساك بقرار الحكومة، من طريق الثلث المعطل بضم أرسلان أو من يمثله إليها، بعدما تعذر ذلك عبر الحصة المسيحية. ومع أن هناك من يستغرب هذا الربط لأن الحكومة لن تبقى حتى نهاية العهد حتى يطمح «التيار الحر» للإمساك بقرارها من طريق الثلث المعطل لأنها سترحل بعد الانتخابات النيابية في أيار (مايو) 2020 وقبل الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تجرى في خريف العام نفسه، فإن المصادر المعنية بمسار التأليف تتحدث عن إمكان بقائها بعد الانتخابات كحكومة تصريف أعمال لتعذر تشكيل حكومة جديدة قبل الاستحقاق الرئاسي، كم هو حاصل الآن. كما أنها يمكن أن تتولى سلطات الرئاسة في حال تعذر الاتفاق على مرشح توافقي للمنصب الأول، كم حصل عام 2014 عند انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وحل الفراغ الذي تولت حكومة الرئيس تمام سلام ملأه، حتى انتخاب عون.

 

وتختتم بالقول إن قدرة التعطيل في الحكومة تتيح لصاحبها أن يقوم بالمقايضات وفرض التسويات، في مواجهة المرشحين البارزين الآخرين: سليمان فرنجية وسمير جعجع.