IMLebanon

استراتيجيا الحريري تتجنب السجال مع عون لأنه سيجلس في النهاية مع أركان حكومة الوفاق

بيروت – وليد شقير

بلغ السجال الإعلامي والسياسي حول المسؤولية عن تأخير تأليف الحكومة اللبنانية درجة جديدة من التوتر في الأيام القليلة الماضية مع دخول رئيس الجمهورية ميشال عون، بألسنة مقربين منه أو زواره، على خط التصريحات والتسريبات الإعلامية في هذا الشأن، متبنياً وجهة نظر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ومدافعاً عنه، ومؤكداً أنه ينتظر من الرئيس المكلف سعد الحريري أن يقدم له التشكيلة الحكومية «المطابقة للمواصفات التي حددها بمعايير موحدة» في خطابه في عيد الجيش في 1 آب (أغسطس).

ولمح عون أيضاً إلى أن «التعدي على الصلاحيات يحصل من غيره حين يسعى إلى حجب التمثيل الصحيح»، فضلاً عن انتقاده لمراعاة الحريري مطالب «القوات اللبنانية» التوزيرية، مشيراً إلى أن اتفاق معراب سقط و «لم يحصل معه حتى يلتزم به».

 

وتحجم أوساط الحريري ومصادره عن الرد على التلميحات التي تتناول دوره في تشكيل الحكومة في ما يبدو إصراراً على تجنب الاحتكاك مع الرئيس عون وفريقه، خصوصاً أنه سبق له أن صرح أكثر من مرة أن لا خلاف معه وأن أحداً لن يستطيع الإساءة للعلاقة بينهما.

 

إلا أن مصادر في كتلة «المستقبل» النيابية تقول لـ «الحياة»، إن عدم نزول الرئيس المكلف إلى حلبة السجالات يعود إلى تمسكه بالاستراتيجية التي وضعها لنفسه في شأن تأليف الحكومة وتقوم على 3 ركائز:

 

1- إصراره على حكومة وفاق وطني لاعتقاده أن خشبة خلاص البلد من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها هي في المشروع الاستثماري الإنمائي الذي وضعه وانعقد مؤتمر «سيدر» في فرنسا لدعمه، وبالتالي يرى أن إنجاح تنفيذه يقوم على هذه الصيغة الحكومية، لأن في البرلمان الجديد 6 كتل نيابية رئيسة، أي واحدة منها تكون خارج الحكومة قادرة على أن تحول اعتراضها على المشاريع التي يفترض المضي فيها تطبيقاً لـ «سيدر»، إلى ما يشبه الفيتو. ولذلك فهو يريد أن تكون هذه الكتل معه على طاولة مجلس الوزراء لإنجاح مشروع إنقاذ الاقتصاد. وتضيف المصادر: «ليس عن عبث يتمسك الحريري بحكومة الوفاق ويستبعد حكومة الأكثرية، وبالتالي هو ليس في صدد كسر أي من كتلتي «القوات اللبنانية» و «الحزب التقدمي الاشتراكي» في شكل يضطرهما إلى البقاء خارج الحكومة ليعارض نوابهما مشروعه من خارجها».

 

2- إن الحريري يعتقد أنه مهما اختلف مع هذا الفريق أو ذاك، ومهما تعرض للابتزاز من هذه الكتلة أو تلك، فهو عاجلاً أم آجلاً يسعى إلى التوافق مع هؤلاء جميعاً في الأسابيع أو الأشهر المقبلة وسيكون مضطراً للجلوس معهم إلى طاولة مجلس الوزراء. فلماذا يقحم نفسه في مزيد من التوتر والسجال مع أي منهم الآن؟

 

3- إن الحريري يعرف جيداً ما هي صلاحياته الدستورية في تأليف الحكومة وسيبقى متمسكاً بممارستها وفق الأصول. ومع إدراكه أن ولادتها تأخرت وليست قريبة، فإنه مصمم على تشكيلها وفق مقاييس التوافق وليس الأرقام والأعداد كما سبق أن قال أكثر من مرة.

 

وتشير المصادر إلى أن لا مبرر لتوجيه الانتقاد إلى الحريري بأنه يتدخل في التمثيل المسيحي وباتفاق معراب بين «القوات» و «التيار الحر»، فهو يطرح وجهة نظره في صيغة الحكومة والحصص انطلاقاً من الاستراتيجية التي وضعها ولا يستند إلى اتفاق معراب في ذلك.

 

وحول ما ينقل عن الرئيس عون حول استهداف العهد من الخارج في الموضوع الحكومي، تشدد مصادر كتلة «المستقبل» لـ «الحياة» على نفي أي تدخل خارجي، وتوضح أن «أسباب العراقيل محلية وموضوعية. هناك فرقاء يريدون حصة معينة وهناك فريق لا يريد إعطاءهم تلك الحصة والحريري يعمل على التوفيق بين المتنازعين».

 

وتضيف المصادر نفسها: «حديث التدخل الخارجي غير صحيح. وليس هناك من الدول من يهتم لوضعنا والدول منشغلة عنا بأزمات أكبر من تجاذباتنا المحلية. والدليل ما يجري تداوله على ألسنة الجميع حول الأوزان والتمثيل وفق نتائج الانتخابات، حتى أنه نقل عن الرئيس عون عدم استبعاده عامل معركة رئاسة الجمهورية حين نسب إليه قوله أنها فتحت باكراً لاستهداف الوزير باسيل باعتباره على رأس السباق نحو الرئاسة».

 

ويضيف مصدر وزاري على ما قالته مصادر كتلة «المستقبل»، أنه «إذا كان المقصود المملكة العربية السعودية بذلك فإن المؤكد أنها غير مهتمة بالغوص في تفاصيل تأليف الحكومة على الإطلاق». ويؤكد المصدر الوزاري أن الجانب السعودي هو الأكثر حرصاً على الابتعاد عن موضوع تأليف الحكومة لأن من يلتقي المسؤولين في المملكة يدرك أنهم تعلموا من تجربة إقحامهم في عملية انتخابات رئاسة الجمهورية، أولاً حين طرح ترشيح رئيس «المردة» سليمان فرنجية، وقيل إنهم باركوا هذا المخرج، لكنه لم ينجح، ثم حين طرح عليهم ترشيح العماد عون ولم يمانعوا في نهاية المطاف. وبالتالي هم لا يريدون تكرار تجربة التدخل في الوضع الداخلي المعقد ويتركون للبنانيين تدبير أمورهم.

 

«حزب الله» والأحزاب

 

لكن الجديد في السجال الدائر حول المسؤولية عن تأخير الحكومة ما صدر أول من أمس عن «هيئة التنسيق للقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية»، التي تضم «حزب الله» وسائر الأحزاب والقوى الحليفة للنظام السوري ومحور الممانعة. فقد رأت الهيئة أن «فريق 14 آذار برئاسة الرئيس المكلّف سعد الحريري يتحمّل المسؤولية عن تعطيل التشكيل من خلال اختراع واصطناع العقد عبر تضخيم تمثيل البعض، وطرح شروط تتناقض مع نتائج الانتخابات النيابية».

 

وأكدت الأحزاب التي يشارك في لقاءاتها أحياناً «التيار الحر» وتجتمع عادة في كنف «حزب الله»، أن «فريق 14 آذار يتحمّل المسؤولية عن تفاقم الأزمات، وهو يغلّب مصالح الدول الخارجية على مصالح لبنان وشعبه ويسعى إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات، للإبقاء على هيمنته على السلطة».

 

وفي وقت رأت أوساط مراقبة أن في هذه الحملة لهجة جديدة وبمشاركة «حزب الله» الذي آثر الصمت طوال الأسابيع العشرة الماضية، قللت مصادر كتلة «المستقبل» لـ «الحياة» من أهمية ما تضمنه بيان الأحزاب، معتبرة أن الحزب ربما يكون ساير بعض الأحزاب الموالية لسورية في هذا البيان، إلا أن المعطيات الموجودة تشير إلى أن من مصلحته تأليف الحكومة وليس الدخول في صدام مع الرئيس المكلف.