IMLebanon

العهد يستعيض عن تفاهم «معراب» وتسوية الحريري بالالتصاق بـ «حزب الله» والانفتاح على الأسد

بيروت – وليد شقير  

يكثر الحديث في بعض المواقف اللبنانية الصادرة في الأسابيع الأخيرة عن الخشية من الوصول إلى أزمة نظام حكم في لبنان نتيجة العقبات التي تسبب التأخير في تأليف الحكومة.

 

 

وما يدفع بعض القيادات والنواب إلى هذه الخشية هو الاستغراق في التعاطي مع هذه العراقيل على أنها تارة مشكلة تحديد أحجام القوى السياسية التي يفترض أن تتألف منها الحكومة، وأخرى أزمة تنازع على الصلاحيات في تشكيل الحكومة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري.

 

وإن كانت إثارة مسألة الصلاحيات تقترن في كل مرة بتأكيد كل من عون والحريري على أن كلاً منهما يتمسك بصلاحياته ويحترم صلاحيات الآخر، فإن تكرار هذا الحديث يخفي في رأي بعض الأوساط المراقبة وجود أزمة كامنة لا يريد أي منهما وكذلك سائر القوى السياسية، الانزلاق إليها، نظراً إلى خطورة الانتقال إلى بحث لا طائل منه في تعديل اتفاق الطائف وبالتالي الدستور. ولذلك يفضّل معظم القادة المعنيين حصر الأزمة على أنها حكومية، محصورة في الزمان والمكان، بظروف سياسية آنية، وليست دستورية تتعلق بنظام الشراكة بين الطوائف والمكونات اللبنانية. وما يعزز وجهة النظر هذه أن معظم التحليلات يربط الفرملة في استيلاد الحكومة إما بالتنازع المبكر على احتلال موقع الرقم الصعب في المعركة المبكرة على رئاسة الجمهورية، وتحديداً بين رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، من دون إغفال المرشح الذي نافس الرئيس عون في الدورة الماضية سليمان فرنجية، أو بالظروف الإقليمية ولا سيما الحصار الذي تتعرض له إيران و «حزب الله» من قبل إدارة دونالد ترامب. وكلا هذين العاملين سياسيان لا علاقة لهما بتركيبة النظام السياسي حتى يتم توصيف الأزمة على أنها أزمة نظام. كما أن الرئيس عون سعى إلى قطع الطريق على التأويلات في هذا الصدد فأكد التزامه الطائف ودعا إلى تطبيقه منتقداً الذين يريدون تنفيذه في شكل استنسابي.

 

إلا أن الأوساط السياسية التي تخشى على رغم كل هذه الحجج من أن تكون أزمة الحكومة أعمق من الظرف السياسي الآني سواء كان محلياً أو إقليمياً، ترى أن المنحى الذي تسلكه العقد السياسية قد يأخذ البلد إلى تأزيم جديد مفتوح على احتمالات تزيد من تعقيد أوضاعه السياسية والاقتصادية.

 

تفاهم معراب وليونة الحريري

 

وتستند هذه الأوساط إلى جملة ظواهر لدعم وجهة نظرها، منها:

 

1 – إن قيادات إسلامية ومسيحية مناوئة لسياسة «التيار الوطني الحر» تلفت إلى أن بعض قياداته لم يخف الطموح إلى تعديل النظام والطائف في الحملات التعبوية التي سبقت الانتخابات النيابة في أيار (مايو) الماضي، حيث صرح بعض نواب «التيار» إلىجمهور الناخبين، بأن الرئيس عون «القوي» استطاع أن يسترجع صلاحيات نزعها منه الطائف، بالممارسة ومن دون تعديل الدستور. وفي حين جاء ذلك من باب استنهاض الجمهور المسيحي إلى جانب مرشحي «التيار»، فإن الأوساط التي تخشى من الرغبة في تعديل الطائف تعتقد بأن عون وباسيل يتصرفان مثلما تصرف الأول في ثمانينات القرن الماضي حين أصر على تبوؤ الرئاسة الأولى، وانزلق البلد إلى مرحلة جديدة من الحرب الأهلية، وإلى حرب مسيحية- مسيحية، ما أدى إلى اتفاق لوقف الحرب التي خاضها الجنرال في حينها، في الطائف، كانت نتيجته تقليص صلاحيات الرئاسة. وتقارن هذه القيادات بين تعطيل عون وحزبه انتخابات رئاسة الجمهورية عام ٢٠٠٨، ثم بين أيار ٢٠١٤ وتشرين الأول (أكتوبر) عام ٢٠١٦، من أجل أن ينتخب هو رئيساً للجمهورية، وبين المرحلة الحالية التي يتشدد فيها رئيس الجمهورية وتياره تجاه الحجم التمثيلي لـ «القوات اللبنانية» و «الحزب التقدمي الاشتراكي»، لحسابات تتصل بتحويل باسيل إلى رقم صعب في الزعامة المسيحية، كي يكون مرشحاً إلزامياً، في حين يرى وزير فاعل أن تكرار سيناريو عون الذي كان «حزب الله» إلى جانبه حتى النهاية من قبل باسيل، متعذر لاختلاف الظروف.

 

لكن مصدراً قيادياً مسيحياً يعتبر أن احتدام الصراع الخفي على الصلاحيات لمناسبة أزمة تأليف الحكومة يختلف عن عام ٢٠١٦، لأنه إذا صح أن عون استرجع صلاحيات نزعها الطائف من الرئاسة، فإن ذلك حصل نتيجة الزخم الذي جاء به نتيجة تحالفه مع «القوات اللبنانية» حيث كان تكتل هذا التحالف يضم ١٣ – ١٤ وزيرًا مسيحياً في الحكومة، فيما هو الآن على خلاف كبير مع «القوات»، بلغ حد إسقاطه و «التيار الحر» اتفاق معراب على تقاسم المناصب الوزارية والإدارية… ويضيف المصدر القيادي المسيحي بأن «القوات» باتت متشددة إزاء توجه فريق «التيار الحر» نحو الاستئثار بالتمثيل المسيحي، وخوضه المعارك ضد حصتها الوزارية، بحيث يذهب الأخير نحو مزيد من الالتصاق بـ «حزب الله» في الموقف من القضايا الإقليمية، من أجل كسب وده في معركة الرئاسة المقبلة. كما أن المصدر نفسه يشير إلى أن الرئيس عون بدا قوياً في المرحلة الماضية لأن الرئيس الحريري أبدى ليونة مع «التيار الحر» ومع الرئيس عون، لتقطيع المرحلة الماضية وإنجاح حكومته في بداية العهد. لكن الحريري، وفق قول المصدر القيادي المسيحي، لم يعد في مناخ التساهل إزاء «التيار» كالسابق، أولاً لأن حجم «القوات» النيابي صار ضعف ما كان عليه، وثانياً لأن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أثبت قدرته على اجتذاب السواد الأعظم من الكتلة الناخبة الدرزية، وثالثاً لأن مسايرته «التيار» في الانتخابات وتحالفه معه في غير دائرة، كلفاه خسارة عدد غير قليل من مقاعد «المستقبل» النيابية بسبب امتعاض جمهوره من خطاب «التيار الحر» التعبوي الذي لم يوفر قناعات «المستقبل» نفسه. ويتعزز هذا الشعور لدى أوساط «المستقبل» مع «الإنذارات» التي يوجهها فريق «التيار الحر» للحريري بين الفينة الأخرى، تارة بسحب التكليف منه، وأخرى بالدعوة إلى حكومة أكثرية. وآخرها ما نقل عن عون قوله إنه سيكون له موقف بعد الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل من عدم حسم الحريري خياراته الحكومية. ففريق رئيس الجمهورية يرى أن على الرئيس المكلف أن يختار بين «التيار الحر» وبين «القوات» وجنبلاط، حتى لو أدى به الأمر إلى الاختلاف معهما.

 

المسيحيون والطائف والتحالفات

 

2 – يقول المصدر القيادي المسيحي نفسه إن الخشية هي من أن يؤدي تطابق عون و «التيار» مع «حزب الله» في السياسة الإقليمية بسبب معركة الرئاسة الأولى، إلى ترجيح فكرة تعديل اتفاق الطائف في اتجاه اعتماد المثالثة المسيحية السنية الشيعية في النظام السياسي، بحيث يزداد ذوبان المسيحيين أكثر في التركيبة اللبنانية، بعد اتفاق الطائف الذي أعطاهم حق المناصفة، فيكون ثمن الحصول على تأييد «حزب الله» للرئاسة المزيد من التخلي عن الدور المسيحي المميز في لبنان والمنطقة. ويتفق بعض القيادات الإسلامية مع القيادي المسيحي نفسه على التوجس من توجه كهذا، على رغم اعتقاد قيادات أخرى (مسيحية وإسلامية) أن دون ذلك الكثير من العقبات لأن الطائف يتمتع بحماية دولية وعربية، لا تنتج معاكستها سوى مزيد من الإضعاف للمسيحيين في التركيبة اللبنانية. ولا تخفي غير جهة غربية مراقبتها لما يجري حالياً من زاوية اعتقادها بأن الرئيس عون «ليس من المعجبين بالطائف».

 

3 – أن قيادات إسلامية تعتقد بأن مسايرة الرئيس عون النظام السوري وإصراره مع باسيل على التطبيع معه، يخالف اتفاقه مع الحريري على سياسة النأي بالنفس، وأنه وحلفاء سورية يستندون إلى التطورات الميدانية الراهنة في سورية، التي لم تثبت على معادلة واضحة بعد. فالتسوية على انتخاب عون رئيساً قضت بأن هذا الموضوع الخلافي لن يجد معالجة له إلا في حال جرى التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وهو ما لم يحصل بعد. وفي الانتظار قضت التسوية ألا يقوم عون بالانفتاح على النظام السوري. إلا أن هذه القيادات ترى أن اندفاع عون وباسيل للتطبيع مع الأسد يعود إلى أنهما يميلان أساساً إلى نظرية تحالف الأقليات في المنطقة، التي تخبو أحياناً ثم تعود حيناً آخر، الأمر الذي يتسبب بنزاع داخلي يقحم لبنان في صراع إقليمي هو أضعف من أن يتحمل نتائجه، مهما كانت صفة القوة في «تكتل لبنان القوي» ولدى رئيس الجمهورية.