على رغم دخول شهر أيلول (سبتمبر) يومه الثالث والذي كان رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون حدده سقفاً له لإطلاق موقف يعجل في تأليف الحكومة ووضع الأمور في نصابها، فإن المشاورات تراجعت وفق مصادر متابعة لـ «الحياة» في الساعات الماضية، ولم تشهد أي تحرك من شأنه أن يحدث أي اختراق في جدار أزمة التأليف، ورحلت حركة الاتصالات إلى الأيام المقبلة، لما بعد زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري القاهرة والتي تستمر يومين. وعلى وقع هذه المراوحة يعيش اللبنانيون «انتظاراً ثقيلاً» على ما تقول المصادر لـ «الحياة». إذ إن الأنظار تترقب انعقاد اللقاء بين الرئيس المكلف ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والذي سيكون مقدمة للزيارة المرتقبة للحريري لقصر بعبدا للاجتماع مع رئيس الجمهورية، وتقديم مسودة تشكيلة حكومية. وحذرت المصادر من «التداعيات السلبية على الواقع الاقتصادي والمالي الصعب والآخذ بالتفاقم والتدهور سريعا»، قائلة: «الأزمات الاجتماعية لدى الناس لم تعد تحتمل وقد لامست الخطر ولذلك لا يمكن أن يبقى البلد رهينة تشكيل الحكومة».
وفي هذا السياق، وسط غياب أي مؤشر لحدوث أي خرق جدي يشي بولادة قريبة للحكومة المنتظرة دق المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي، وزير المال علي حسن خليل ناقوس الخطر، مقراً بأن «هناك تحدياً كبيراً على المستوى الإقتصادي، هذا ما يضعنا أمام مؤشرات خطيرة وصعبة تتطلب أكثر ما تتطلب وجود قيادة تنفيذية للبلد متمثلة بتشكيل حكومة جديدة باسرع وقت ممكن». وقال: «أصبح من الواجب علينا وعلى كل القوى السياسية والأحزاب والكتل النيابية مقاربته بمنطق جديد واستثنائي يلاقي التحديات الكبرى التي نواجهها اقتصادياً ومالياً، أقول خلافاً لمن يشكك باستقرارنا المالي في لبنان أنه لا مشكل على هذا الصعيد، صحيح أننا أمام أزمة متعلقة بارتفاع نسبة ديننا وبكلفة هذا الدين وما يترتب على هذا الأمر من تراكم للعجر، لكننا نقوم بالتنسيق مع المصرف المركزي بإدارة الشأن النقدي والمالي بما يجعلنا مطمئنين إلى استقرار هذا الوضع، لكن علينا أن نعي أنه بموازاته وبمقابله أيضاً»، أصبح من الملح أن نخرج من منطق المراوحة، ومن منطق رفع الأسقف والتحديات لكي نضع المصلحة الوطنية على الطاولة، في إطار النقاش الجاد والمسؤول ومقاربة كل الملفات التي تعيد ترميم اوضاعنا، والوقت في هذا المجال ليس كثيراً ولا يمكن أن نستمر بإهداره من دون جدوى».
وفي المواقف، اعتبر الوزير ميشال فرعون أن «محطات تأليف الحكومة تمتحن التزامنا باتفاق الطائف وحسن تطبيق الدستور، إضافة إلى التسويات السياسية التي رافقت الاستحقاق الرئاسي، بما فيه النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الملفات العربية والإقليمية الساخنة». وقال: «لا نستطيع أن نفصل بعض المواقف والمطالب عن صراع المحاور، فالحوار الخارجي يسهل التأليف أما التشنج الخارجي الحالي فيعقده».
وعبر فرعون عن ثقته بـ «الرئيس المكلف سعد الحريري وقدرته على تقويم الخطوات الضامنة للتأليف الناجح، من دون الخضوع لأي إملاء، وفصل الخيط الأبيض عن الخيط الأسود أي المواقف المنطقية التي تصب في خانة تحصين التفاهم والاستقرار من بعض المطالب التي لا تبشر باحترام مصالح لبنان أولاً، أما التفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف فيؤمن الحفاظ على ثوابت التسوية ومنع وقوع لبنان في قلب الكباش الإقليمي والأزمة السورية».
أما عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور فأكد أن «لا حزب حاكم ولا حاكم أو فرد مطلق في لبنان، وعلى الذين تستهويهم هذه الأدوار أن ينظروا إلى ما آلت إليه تجارب الاستئثار والاحتكار والاقصاء والسيطرة على الحياة السياسية في الدول والاقطار»، معتبراً أن «الاستعصاء الحالي في تشكيل الحكومة مرده إلى قضية واحدة وعقدة واحدة تمنع تشكيل الحكومة هي عقدة الاستئثار والتحكم والاحتكار والسيطرة لمن ظن أن مشروعه السياسي لا يقوم إلا على إلغاء الموقع للقوى السياسية التي لا تعجبه ولا تؤيده ولا تسير مساره ولا تنحني لمشيئته».
ولفت أبو فاعور خلال تمثيله رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي« وليد جنبلاط في افتتاح مقر وكالة داخلية البقاع الغربي في الحزب في بلدة جب جنين إلى أن «في لبنان درة تاج الدستور هي في اتفاق الطائف الذي حقن الدماء بين اللبنانيين وادخل لبنان في زمن المصالحة والشراكة، ويجب أن لا يظن أي فريق حاكم أن بمقدوره أن يعيد عجلة الزمان اللبناني إلى الوراء، فكفى تدميراً وتجويفاً وانتهاكاً للطائف بأعراف تحاول أن تتفادى الإعلان الواضح الصريح باستهداف الطائف. كفى تهديداً لرئيس الحكومة المكلف بهرطقات دستورية وبانقلابات من هنا أو من هناك، التكليف تكليف دستوري غير قابل للعزل، وتكليف رئيس الحكومة لا ينزعه منه إلا المجلس النيابي ولا يجوز أن نحول مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري مهمة مستحيلة ونقول له من جانب آخر تنح فانت لا تستطيع تشكيل الحكومة».
«حصان طروادة للعهد وتوجهاته»
وفي المقلب الآخر، غرد الوزير طلال أرسلان عبر «تويتر»، فقال: «كل من يحاول طرح ما يسمى بأسماء وسطية في التمثيل الدرزي هو حصان طروادة للعهد وتوجهاته، ولن نقبل بها لا في الشكل ولا في المضمون كما هو تآمر على التوجهات الاستراتيجية للدروز في خضم التآمر على المنطقة بأسرها»، وأكد أن «هذا أمر محسوم ولن نناقش به أحداً مع العلم أنه لم يطرح علينا في شكل رسمي، فتحسباً مسبقاً له علينا أن ننبه منه للإيضاح فقط لا غير».
وشدد أمين سر تكتل «لبنان القوي» النائب ابراهيم كنعان على أن «كلام رئيس الجمهورية دفع في اتجاه جديد لإنتاج حكومة، ونحن متجهون الى تفاوض سريع يؤدي الى قرار بالتعاون مع رئيس الحكومة»، لافتاً إلى أن «المؤشرات تقول إن اجتماع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سيسبقه تشاور مع تكتل «لبنان القوي» بشخص رئيسه الوزير جبران باسيل ليبنى على الشيء مقتضاه».