اذا كان تصعيد حملات المزاعم والتهديدات الاسرائيلية للبنان تحت ذريعة كشف قواعد ومنصات صاروخية ثقيلة قرب مطار رفيق الحريري الدولي ومناطق اخرى في الضاحية الجنوبية بدأ يشكل عامل قلق طارئاً جديداً للبنانيين، فان الجمود الذي شل الى حدود واسعة المساعي المتصلة بأزمة تأليف الحكومة لا يقل اثارة للقلق من الحملات الاسرائيلية. ولعل اللافت في هذا السياق انه وسط العد العكسي لاحياء ذكرى مرور سنتين على انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في نهاية تشرين الاول الجاري، لم تبرز أي معطيات جدية عن ضمان انتهاء ازمة تأليف الحكومة الجديدة بدليل ان الكلام على طرح تفعيل حكومة تصريف الاعمال قد اتخذ بعداً جدياً للغاية في الايام الاخيرة وباتت قوى سياسية عدة تعيد النظر في مواقفها السابقة التي كانت متحفظة عن توسيع مفهوم تصريف الاعمال للحكومة المستقيلة.
ووسط هذه الاجواء أعرب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أسفه لتأخر عملية تأليف الحكومة والاجواء التي تثار حولها. ونقل عنه زواره انه لم يضع العراقيل في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري بل على العكس طالبه بوضع معايير موحدة واعداد الصيغة الوزارية التي يريد وانه لم يتعد على صلاحياته بل مارس حقه في ابداء ملاحظاته على التشكيلة الحكومية.
وبدا الرئيس عون متأكداً من ان ضغوطاً خارجية تعوق عملية التأليف ويتردد صداها عبر معارضات داخلية وهو امر لا يؤمن مستقبل البلاد. وردد أمام الزوار انه لن يتدخل في عمل الرئيس المكلف وانه لن يقدم تنازلات اضافية لان التنازلات تجر غيرها وانه قدم تسهيلاً في منصب نائب رئيس الوزراء الذي يعينه الرئيس عرفاً. ورأى ان مقصده فهم خطأ عندما تحدث في رحلة العودة من نيويورك داعيا الرئيس المكلف أي أن يقدم تشكيلته وفق معايير واضحة ومن يعترض ليخرج من الحكومة. وقال انه لم يتقصد توجيه رسائل الى أحد بل حث الرئيس الحريري على اعتماد أي معايير يريدها وان تكون منصفة وعادلة لوضع مسودة تشكيلته، وان الرئيس عون مستعد للقبول بها اذا راعت النسبية الناتجة من الانتخابات النيابية أو أي معايير أخرى موحدة وانه مستعد لتوقيعها واذا اعترض أي فريق بما فيه الفريق المحسوب عليه فليستقل. والرئيس عون، استناداً الى زواره، لا يزال متفائلاً، اذ ان لكل تأخير نهاية والحكومة المقبلة ستمضي في محاربة الفساد وتنفيذ خطة اقتصادية وفي العمل على توفير الكهرباء وتطبيق مشاريع “سيدر”، لكن التأخير المتعمد لن يشكل عامل ضغط عليه لدفعه الى تنازلات اضافية.
المواجهة والجولة
في غضون ذلك، سجلت “المواجهة الصاروخية ” الاعلامية الديبلوماسية بين لبنان واسرائيل تطوراً جديداً أمس حين اطلق وزير الخارجية جبران باسيل الرد الديبلوماسي الاول في مواجهة الاتهامات والمزاعم الاسرائيلية حول اقامة “حزب الله” منصات وقواعد صاروخية في مواقع ملاصقة لمطار رفيق الحريري الدولي من خلال دعوة السفراء العرب والاجانب في لبنان لاطلاعهم على الموقف الرسمي اللبناني من المزاعم الاسرائيلية ومن ثم تنظيم رحلة معاينة ميدانية للديبلوماسيين للمواقع التي تحدثت عنها اسرائيل كقواعد منصات صاروخية لـ”حزب الله” وتكذيب هذه المزاعم بالمعاينة والمشاهدة الحسية. وشملت الجولة ملعب نادي العهد الرياضي قرب المطار وملعب الغولف القريب من طريق المطار وموقعاً ثالثاً.
وأبلغ باسيل السفراء في لقاء موسع في الخارجية أن “اسرائيل لا تحترم منظمة الامم المتحدة ولا تطبق قراراتها وفي لبنان لم تحترم القرار ١٧٠١ وقد انتهكت أرضنا وجونا وبحرنا ما يقارب ١٥٠٠ مرة خلال الاشهر الثمانية الاخيرة”. وقال: “رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يستخدم منبر الامم المتحدة لتبرير خرق اسرائيل القرارات الدولية وهو ومن دون اي براهين، يقول إن هناك ثلاثة مخازن صواريخ قرب مطار بيروت”، معتبراً ان “إسرائيل تسعى لتبرير عدوان آخر على لبنان بمزاعم عن مواقع صواريخ حزب الله”. واذ اكد ان “لبنان ملتزم القانون الدولي والقرارات الدولية وبالـ1701″، أضاف ان لبنان “لا يلتزم الحياد عندما يتعلق الامر بالدفاع عن ارضه وشعبه ويملك حق المقاومة حتى تحرير كل اراضيه المحتلة”. و”نقول لحزب الله إنّ نَشر المصانع ان كان صحيحاً فهو لا يصب في مصلحة المطار ولبنان ولكن نرجّح ألا يكون صحيحاً”، اذ “لا بعقل وحكمة حزب الله ولا بمصلحة لبنان يمكن ان يتم تخزين صواريخ من النوع الذي زعمته اسرائيل من غير ان تكون مرئية”. ودعا باسيل السفراء للذهاب والكشف على المواقع التي يتحدث عنها نتانياهو، قائلاً: “سنذهب الى المواقع التي تحدث عنها نتنياهو قرب مطار بيروت وستكونون شهوداً على كذب نتنياهو”.
وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي واصل حملته الدعائية المركزة فكتب عبر “تويتر” رسالة وجهها “الى فندق الساحة”، قائلاً: “يقع فندق الساحة ذو التصميم الفني والذي يبدو وكأنه قرية لبنانية أصيلة على بعد أقل من أربعة كيلومترات عن مطار رفيق الحريري. فهل يعي طاقم الفندق انه في أقل من أربعة كيلومترات من الفندق الرائع حاول حزب الله إقامة بنية صاروخية؟ وهل ستنظم جماعة نصرالله رحلات مجانية الى مستنقعها الإرهابي؟”.
وفي وقت لاحق توجّه ادرعي الى باسيل مباشرة سائلا بالعربية العامية: “إنّو شو… بدك تقول يا باسيل للسفرا؟ المفروض أول شي توقف إرهاب حزب الله وتسحب سلاحه من قرب مطار بيروت؟ فحصت منيح إذا الحزب الإلهي بعدو مستملك المواقع اللي كشفنالكن عنا أو على عينك يا تاجر؟”.
منع مؤتمر ؟
وعلى رغم هذه التحديات الدقيقة التي تجتازها البلاد، بقي هناك هامش متاح أمام ممارسات تحمل ملامح ضغوط سياسية على فئات معارضة. وفي هذا السياق كشف “لقاء سيدة الجبل ” المعارض للسلطة مساء أمس انه تحضيراً لعقد خلوته الثالثة عشرة كلف نائب رئيس اللقاء بهجت سلامه القيام بالاتصالات اللازمة مع إدارة فندق “البريستول” وجرى الاتفاق على الحجز المبدئي ثم تمّ تأكيد الحجز للمؤتمر يوم الاحد 7 تشرين الاول 2018. وقال إنه بعد اجتماعه الاسبوعي أمس ُ”اعلن موضوع الخلوة بعنوان: “رفع الوصاية الايرانية عن القرار الوطني اللبناني من أجل حماية الدستور والعيش المشترك”. وفي تمام الساعة 3:20 من بعد الظهر بعد توزيع نص البيان ونص الدعوة على وسائل الاعلام تلقّينا رسالة من إدارة فندق البريستول تعتذر فيها عن استقبال الخلوة”. واستنكر اللقاء “هذا الاعتداء السافر على حقّ التعبير وحرية العمل السياسي للأفراد والجمعيات. فالأمور واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى تفسير إضافي. ولقد ألغى فندق عريق له تاريخ في استقبال لقاءات متنوعة خلوةَ لقاءٍ مرخّص شرعي قانوني سلمي لأن عنوانها “رفع الوصاية الايرانية عن القرار الوطني اللبناني”. وشدد على “اننا لن نتوقف وسنتابع نضالنا وسنعلن عن موعد الخلوة ومكانها لاحقاً”.