Site icon IMLebanon

قصر بعبدا يستضيف الرؤساء: أجندة مفتوحة لبحث الخلافات وإيجاد العلاجات

 

 

الحدث في بعبدا اليوم، الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري يلتقون بعد طول افتراق واختلاف حول مجموعة من الملفات السياسية، وبعدما مرَّ البلد في قطوع كاد يطيح بكلّ شيء لو لم يتمّ تدارُك الأمور في اللحظات الأخيرة. في الشكل يعوَّل على الصورة الجامعة للرؤساء أن تشيع مناخاً مريحاً يساهم في تنفيس بالونات الهواء الأصفر الذي ضَرب لبنان في الآونة الأخيرة. وأمّا في المضمون، فالعنوان العريض الذي يُظلله هو «المصالحة والمصارحة». اللقاء ينعقد بلا جدول أعمال محدّد، إلّا أنّ ما حصَل في الأيام الأخيرة هو البند الأساس الذي يفرض نفسَه فيه وسيشكّل منطلقاً لبحثِ كلّ النقاط الخلافية، علَّ الرؤساء يتمكّنون من بناء مساحات مشتركة حولها، والوصول إلى حلول وسطى حول الملفّات الخلافية، خصوصاً تلك التي تسبَّبت بالأزمة الأخيرة.

موعد اللقاء الرئاسي محدّد في الحادية عشرة قبل الظهر، وعلمت «الجمهورية» أنّ هذا اللقاء قد يبدأ ثنائياً بين عون وبري، إذ قد يتأخّر وصول رئيس الحكومة لبعض الوقت عن الموعد المحدّد لارتباطه برعاية الاحتفال الخاص بإطلاق استراتيجية الرؤية الجديدة لـ«OGERO» في السراي الحكومي.

وإذا كان يَطيب للبعض أن يُسقط على اللقاء الرئاسي وصفَ «غسل قلوب» إلى جانب المصالحة والمصارحة، فإنه يكتسي أهمّية بالغة في هذه المرحلة، ويعوّل عليه أن ينجح، ليس في اللقاء لمجرّد اللقاء والتقاط صورة الرؤساء الثلاثة جنباً إلى جنب، بل في بناء الأرضية الصالحة لتفكيك صواعق الاحتقان من النفوس المشحونة وما رافقَها من ممارسات على الارض، وكادت تذهب بالبلد الى ما لا تُحمد عقباه على كلّ الصُعد.

أجواء الرئاسات الثلاث توحي بإيجابيات، ونيّات بالنأي بالبلد عن أيّ المناخات السلبية، ورغبات معلنة بضرورة تجفيف مصادر التوتير، ومقاربة اسبابها بما تتطلبه من تحسُّسٍ بالمسؤولية، بالاستفادة من تجربة الايام الاخيرة التي استعاد فيها البلد أشباح الحرب الأهلية.

وإذا كان عون، بحسب أجواء القصر الجمهوري يعوّل على أن يخرج اللقاء بنتائج مثمرة ومريحة يَشعر بها كلّ اللبنانيين، فإنّ أجواء عين التينة تعكس بدورها الأملَ في فتحِ صفحة جديدة على مستوى كلّ البلد، وعلى كلّ الصعد. ويقارب بري اللقاءَ بإيجابية ويُنقل عنه قوله: «إن شاءَ الله خير، وتفاءَلوا بالخير تجدوه». فيما عكسَت أجواء بيت الوسط ارتياحاً للجوّ التوافقي، مع تشديد الحريري على الحاجة دائماً الى التلاقي وحلِّ كلّ الامور بالحوار.

وسط هذه النيات الإيجابية السابقة لانعقاد اللقاء والتي أشاعت في الساعات الماضية أجواء إيجابية على الخط الحكومي عزّزت احتمال عقدِ جلسةٍ لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا بعد غدٍ الخميس وبجدول أعمال فضفاض، علمت «الجمهورية» أنّ بعض الوزراء تلقّوا إشارات في فترة بعد ظهر أمس حول أنّ رئيس الحكومة بصددِ توجيه دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، ولكن من دون تحديد متى سيتمّ ذلك.

وعشيّة اللقاء الرئاسي في بعبدا، يَبرز السؤال حول مصير القضايا الخلافية الحسّاسة التي تحرّك البلد على إيقاعها منذ ما قبل نهاية العام الماضي، وتحديداً قضية مرسوم الأقدمية. وقالت مصادر مواكِبة للتحضيرات «إنّ اللقاء كناية عن «أجندة مفتوحة»، ما يعني أنّ كلّ الأمور على الطاولة».

وأكّدت «أنه في ظلّ المناخ الإيجابي السائد، يمكن افتراض أنه سينسحب على النقاشات والمقاربات، ما يمكن أن يؤسّس لمعالجات جذرية وتحديداً للملفات التي تتطلّب تراجعات متبادلة عن المواقف المتصلبة، والاقترابَ من حلول وسطى حولها، إلّا أنّ ذلك لا يلغي أيضاً احتمالَ أن يقرّ الرأي الرئاسي على إبقاء بعض الملفات الحسّاسة على رفّ التجميد، من دون تطوير الخلاف السياسي حولها».

وأشارت المصادر «إلى أنّ أولوية النقاش الرئاسي ستتركّز على التهديدات الإسرائيلية الأخيرة باجتياح لبنان، وكذلك حول الحقل الغازي التاسع واعتبارِه ملكاً لإسرئيل، والبحث هنا سينطلق من تقرير قيادة الجيش حول الاجتماع العسكري الثلاثي في الناقورة أمس، والذي بَحث في موضوع بناء اسرائيل لجدار على الحدود الجنوبية في المنطقة المتنازَع عليها بين لبنان وإسرائيل وبطريقة تبدأ بقضمِ الارض برّاً وتصلُ في تهديدها الى الثروة النفطية اللبنانية في البحر.

وهو الأمر الذي أكّد عليه الجانب اللبناني في الاجتماع لناحية رفضِ الحكومة اللبنانية لإنشاء هذا الجدار كونه يمسّ السيادة اللبنانية، خصوصاً وأنّ هناك أراضيَ على الخط الأزرق يتحفّظ عليها لبنان. كذلك عبَّر «عن شجبِ الحكومة لتهديدات بعض قادة العدو ومزاعِمهم حول عدم أحقّية لبنان باستغلال البلوك البحري النفطي رقم 9»، مشدّداً على أنّ هذا البلوك يقع بكامله ضِمن المياه الإقليمية والاقتصادية اللبنانية، كذلك عرض لخروقات العدو الجوّية والبحرية والبرية لأراضي لبنان وطالبَ بوقفِها فوراً.

إنطلاق الترشيحات

من جهةٍ ثانية، انطلقت مرحلة الترشيحات للانتخابات النيابية المقبلة، ودوّنَت بورصة التسجيل أمس أسماء مرشحين. وترافقَ ذلك مع تأكيد وزارة الداخلية مجدّداً على أنّ قطار الانتخابات قد انطلق في اتجاه هدفِه بجهوزية تامّة ومِن دون عوائق.

فيما نُقل عن رئيس المجلس تأكيده أيضاً «أنّ الانتخابات بأمان ولا خوفَ عليها وستجري في موعدها»، مشيراً إلى «أنّ لبنان كما هو مهتمّ بانتخاباته، فالعالم كلّه مهتم أيضاً بالانتخابات وضرورة إجرائها، وهو ما يؤكّد عليه كثيرون من الرؤساء والمسؤولين في الدول الغربية».

«القوات»

إلى ذلك، أسِفت مصادر «القوات اللبنانية» لِما سمّته «الكلام المتداوَل، ولو على نطاق ضيّق، عن تأجيل الانتخابات، فيما الانتخابات حاصلة حتماً، والاستعدادات لخوضِها انطلقت لدى معظم القوى السياسية».

وأكّدت لـ«الجمهورية» أنّ «القوات» التي استكملت جهوزيتَها الانتخابية تواصِل حركتها التفاوضية مع أكثر من طرف سياسي من أجل توحيد الرؤية الانتخابية بعدما عملت مع تلك الأطراف على إعادة توحيد النظرة السياسية».

واعتبَرت «أنّ الأزمات التي شهدها لبنان في الأشهر الأخيرة دلّت على متانة الوضع السياسي، خلافاً لِما يروِّج له البعض، وأنه في اللحظة التي كادت تتفلّت فيها الأمور تمّ استدراك الوضع سريعاً، لأن لا مصلحة لأيّ طرف بانهيار الاستقرار الذي يشكّل مصلحةً مشتركة للجميع».

وأكّدت المصادر أنه «لا يجب لأيّ خلاف سياسي أن يخرج من المؤسسات الدستورية إلى الشارع، لأنه يسيء إلى صورة الدولة والمؤسسات، فيما كلّ الأزمات قابلة للحلّ تحت سقف الدستور والمؤسسات».

واعتبَرت «أنّ انتقال الأولوية في لبنان إلى الانتخابات النيابية لا يعني إطلاقاً إهمالَ الملفات الحياتية التي تهمّ الناس والحيوية والسيادية لجهةِ السهر على سياسة النأي بالنفس وإبقاء لبنان بمنأى عن صراعات المحاور»، وشدّدت على «أنّ الحكومة وحدها مسؤولة عن السيادة والثروات اللبنانية»، واعتبَرت ما صَدر من مواقف عن «حزب الله» بأنّ «المقاومة تحمي الثروةَ النفطية» يشكّل انتهاكاً للسيادة وخروجاً عن سياسة النأي بالنفس وتجاوُزاً فاضحاً لدور الحكومة». وكرّرت ما كان سبقَ لرئيس «القوات» سمير جعجع أن أكّده بأنّ الحكومة اللبنانية بوكالتها عن الشعب اللبناني بأسره تتولّى حصراً هذا الملف من دونِ تدخّلِ أيّ طرف آخر لبناني أو غير لبناني فيه، لتبقى المسألة مسألة حقوقٍ وطنية لبنانية بدلاً من أن تنقلبَ جزءاً مِن الصراع الكبير في المنطقة».

سجال

وفي ما بدا أنّه سجال انتخابي، لفتَ أمس، قصفٌ سياسيّ بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، تمثّلَ في هجومٍ عنيف شنّته النائبة ستريدا جعجع على وزير الطاقة سيزار أبي خليل على خلفية «توظيفِ الوزير 5 مياومين في شركة كهرباء قاديشا بناءً على طلبِ جهةٍ سياسيّة محلّية» وقالت: «ليس بغريب أن تظهر الخدمات الانتخابيّة جهاراً كلّما اقتربنا من الانتخابات النيابيّة في بلد يَحكمه نهجُ الزبائنيّة السياسيّة، إلّا أنّ العجيب هو أن تطلّ برأسِها في وزارة من يدّعي مكافحة الهدرِ والفساد، فوزارةُ الطاقة والمياة تقع في المحظور من جديد، وهذه المرّة عبر خدمات انتخابيّة تلبيةً لرغبات حالمٍ بكرسيّ في مجلس النواب وحليفٍ انتخابي مفترَض».

وردّ أبي خليل على جعجع بقوله: «‏جواب واحد: لو تمَّ الأخذ بمطالبها غير المقبولة لكانت انتفَت الزبائنية».

تفاهُم مار مخايل

على صعيدٍ آخر، تُصادف اليوم الذكرى الثانية عشرة لتوقيع التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، بين الرئيس عون والأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، في كنيسة مار مخايل في الشياح. ولوحِظ في هذا الإطار صدور بيانٍ عن الحزب، من دون أن يصدر بيان مماثل عن «التيار».

حيث أعاد الحزب وصفَ التفاهم بـ«الحدث التاريخي» الذي «جَمع قلوبَ وعقول وإرادات فريقين كبيرين وأساسيَين من اللبنانيين كانت مفاعيله حاسمةً في تحقيق الأمن والسلم الأهلي والاستقرار السياسي، وهو لعبَ دوراً كبيراً في معالجة الكثير من القضايا الشائكة على المستوى المحلي، ليكونَ بذلك نموذجاً يُحتذى في بناء العلاقات بين القوى السياسية في لبنان.» وجدّد التزامَه التامّ بالتفاهم، مشدّداً على استمرار السير فيه وصولاً لتحقيق الأهداف الكبرى التي يَطمح إليها والنهوضِ بلبنان وأبنائه نحو مستقبلٍ أفضل».

عون

وقال النائب آلان عون لـ«الجمهورية»: «إنّ هذا التفاهم سَلك مساراً متدرّجاً من تفاهمٍ إلى تحالفٍ، بعدما مرّ بتجارب عدة قرَّبت بين الفريقين ووَطّدت العلاقة وزادت الثقة بينهما، وهو حقّقَ الكثير على المستوى السياسي كتمتينِ الاستقرار الداخلي وحماية السلم الأهلي في عزّ المواجهة الإقليمية بين معسكرَي ٨ و١٤ آذار، كما وإعادة إرساء شراكة حقيقية في البلد تُوّجت بوصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية.

ولولا صلابة هذا التفاهم لَما تمكّنا من تجاوزِ الكثير من المشاكل التي كان آخرَها بعضُ التداعيات الخطيرة للأزمة بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل». وعلى رغم تشكيكِ الكثيرين بها، فإنّ هذه العلاقة قابلة للاستمرار. فصحيح أنّها تتعرّض للاختبار أو لهزّات أحياناً، إنّما هي تختزن داخلها ما يكفي من إرادة وقناعة للمحافظة عليها».

أضاف عون: «في هذه الذكرى، يَختبر تفاهم مار مخايل مدى قدرته على الاستمرارية على مستويَين:

– الأوّل في ظلّ إطارٍ سياسيّ جديد لم يعُد فيه هذا التفاهم حصرياً بين «التيار» و«حزب الله»، فالتسوية الرئاسية شرّعت الأبواب على تفاهمات أخرى مع «المستقبل» و«القوات» وغيرِهم، وليس هدفها استبدال التفاهم مع «حزب الله» بل استكماله على المستوى الوطني.

– والثاني، هو في ظلّ تطوّراتٍ سياسية لم يعُد فيها التفاهم محصوراً بالاستراتيجيات والمواجهات الإقليمية، بل هو يواجه استحقاقاتٍ وشؤوناً داخلية وإدارةَ الدولة وممارسة السلطة مع كلّ ما تحمله من تناقضات وتباينات وتعقيدات وتشعّبات بين مختلف الأفرقاء».