برهنَ رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية الذين عقدوا قمّتهم الروحية الأولى بعد انتخاب المفتي الجديد للجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى في بيروت، أنّ اللبنانيين بإمكانهم الاتفاق على مبادئ وطنية وثوابت سياسية ومُسَلّمات دولتية وقيَم إنسانية مشترَكة، كما أكّدت القمّة في البيان-الوثيقة الصادر عنها على «تثبيت أسُس وركائز الدولة اللبنانية في مؤسساتها الدستورية والسياسية والأمنية، واحترام ميثاق الطائف نصّاً وروحاً باعتباره ميثاقاً وطنياً جامعاً بين اللبنانيين جميعا». وإذا كانت الرسالة الأساسية للقمّة التأكيد على العيش المشترك في لحظة الفرز والضمّ والتعصّب والتطرّف، فإنّ الرسالة الأخرى التي لا تقلّ أهمّية تمَثلت في زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى دار الفتوى للتهنئة بانتخاب دريان، في إشارةٍ واضحة وقوية إلى أنّ كلّ المحاولات الرامية إلى وضع الجيش في مواجهة السُنّة ساقطة، خصوصاً مع تطوّر الأحداث في عرسال، وأنّ الجيش هو لكلّ اللبنانيين مسيحيّين ومسلمين في عرسال وفي كلّ المناطق اللبنانية. وفي موازاة الرسائل الميثاقية الوحدوية علمَت «الجمهورية» أنّ الاتصالات التي تمَّت بين مختلف القوى السياسية أفضَت إلى الاتفاق على تحديد موعد لانعقاد الجلسة التشريعية يوم الأربعاء المقبل، وعلى أبعد تقدير الخميس، قبل عيد الأضحى المبارك، وإنّ الساعات المقبلة ستشهد اجتماعات واتّصالات حثيثة لتذليل ما تبقّى من عقبات أمام الاتفاق على بنود جدول الأعمال الذي تتصدّره «السلسلة».
فيما ينكفئ النشاط السياسي في البلاد لصالح تتبُّع التطورات العسكرية في العراق وسوريا مع استمرار التحالف الدولي في تنفيذ ضرباته ضد مواقع «داعش» وأخواتها، يترقّب الجميع كلمة رئيس الحكومة تمام سلام مساء اليوم أمام رؤساء وزعماء وقادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي سيتناول فيها التحديات البارزة التي تواجهها البلاد وفي مقدّمتها موضوع الإرهاب وملفّ النازحين السوريين، وكلمته خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان قبل أن يجتمع فجر غد مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية الاميركي جون كيري.
وفي موازاة ذلك، اتّجهَت الأنظار إلى باريس التي قصدَها أمس النائب وليد جنبلاط والتي كانت شهدَت لقاءات عدّة أجراها الرئيس سعد الحريري مع أركان تياره من أجل مواكبة التحديات الأمنية ووضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال الجلسة التشريعة ومصير اقتراح القانون المعجّل المكرّر للتمديد النيابي في ظلّ إصرار الحريري على عدم جواز إجراء الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس جمهورية.
وأمّا محَليّاً فتنقّلت الأحداث الأمنية من البقاع مروراً بالشمال وصولاً إلى طرابلس، في وقتٍ واصلَ أهالي العسكريين المخطوفين تحرّكهم، فيما يترقّب الجميع ما سيحمله اليوم الجمعة من تطوّرات في ظلّ المخاوف من تحريك الساحة أمنياً بعد دعوة «هيئة العلماء المسلمين» إلى الاعتصام في كلّ المناطق تحت شعار: «لا لذبحِ عرسال»،
قائد الجيش
وفي هذه الأجواء، قصَد قهوجي دار الفتوى، للتهنئة بانتخاب دريان والشرحِ له عن سُبل معالجة الأزمة في عرسال والشمال»، وأكّد حرصَ الجيش الكامل على أمن أبناء عرسال وسلامتهم، نافياً وجود أيّ حصار عليها وأهلها، مشيراً إلى أنّ ما يقوم به الجيش هو منعُ المسلحين من الاعتداء على المواطنين فيها». كذلك أكّد «أنّ الجيش يعمل بكلّ جدّ لتأمين أمن اللبنانيين في جميع المناطق اللبنانية من دون تفرقة ولا تمييز».
عرسال
وكان الجيش دهمَ أمس أحد مخيّمات النازحين السوريين وأوقفَ عناصر من «جبهة النصرة» ومئات اللبنانيين والسوريين المشتبَه بتورّطهم بالاعتداء عليه، وفي هذه الأثناء حاولَ ثلاثة عناصر يستقلّون درّاجة ناريّة إحراق مخيّم آخر تابع للنازحين بالقرب من المخيّم الأوّل، فأطلقَ الجيش النار باتّجاههم، ما أدّى إلى إصابتهم بجروح، وتمّ توقيفهم ونقلهم الى المستشفى للمعالجة.
ولاقت إجراءات الجيش اعتراضات في صفوف النازحين، وتضامنَ معهم عددٌ من أبناء عرسال، ورفعَ النازحون علماً لـ»داعش» مقابل مبنى بلدية عرسال.
أمّا «النصرة» فهدّدت اللبنانيين عبر «تويتر» بالقول: «إنّ جيشكم يرسم طريق مستقبلكم بدخوله عرسال وإهانتِه أهلَ السُنّة، فهل أنتم مستعدّون لدفع ثمن ثقتكم به؟ ننتظر جوابكم». ودعت هيئة العلماء المسلمين إلى التحرّك قبل أن ينفجر الوضع.
وعلى الأثر عقدَت الهيئة اجتماعاً طارئاً اعتبرت بعده أنّ «هناك مَن يريد تفجير الأوضاع وإغراقَ البلد في بحر الفِتن»، وأهابَت بـ»قيادة الجيش اللبناني وضعَ حدّ لأيّ تجاوزات، والعملَ على معالجة الموضوع بالحكمة والسرعة، حفاظاً على سمعة المؤسسات والوطن، وقطعاً لدابر الفتنة». وأعلنَت أنّ «غداً (اليوم) الجمعة سيكون يومَ «لا لذبحِ عرسال».
وفيما نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر أمنية قولها إنّ «الجيش احتجزَ نحو 450 شخصاً يشتبه أنّهم من المتشددين الإسلاميين، أشار بيان الجيش مساءً إلى توقيف 22 شخصاً للاشتباه بانتمائهم الى منظمات إرهابية شاركت في القتال ضدّه، و36 شخصاً لدخولهم الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية وعدم حيازتهم على أوراق ثبوتية.
مصدر أمني رفيع
إلى ذلك، أكّد مصدر أمنيّ رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش نفَّذ مداهمات في مخيّمات النازحين في عرسال استكمالاً لمهمته بتنظيف البلدة والمحيط من الإرهابيين والقضاء على البؤَر التي قد تأويهم، مع مراعاته العالية للنازحين». وقال إنّ «الجيش أبقى 58 موقوفاً، 36 منهم لا يحملون أوراقاً ثبوتيّة، و22 للاشتباه بانتمائهم لمنظمات إرهابيّة»، لافتاً إلى أنّ «التحقيق مع هؤلاء قد يتوصّل الى معرفة مكان العسكريين المحتجزين، ومخطّطات المجموعات الإرهابيّة».
وتعليقاً على دعوة «هيئة العلماء المسلمين» إلى نجدة عرسال اليوم، أكّد المصدر أنّ «عرسال ليست محاصَرة، وأنّ المؤَن تدخلها بشكل طبيعي وأهلها يتنقّلون بحرّية، بينما الجرود محاصَرة لأنّها تأوي إرهابيين». ورحَّب بأيّ «تحرّك لتأييد عرسال لأنّها بلدة لبنانية تقف مع الجيش، وهي أكثر مَن عانى من تصرّفات الإرهابيين».
وأكّد المصدر أنّ «الجيش على جهوزية تامّة للتعامل بحكمة ورويّة مع أيّ تظاهرة لنجدة البلدة اليوم، وهو في حال تأهّب تامّ، وسيحمي التظاهرات التي قد تخرج من المساجد أو في المدن بشكل سلمي، لكنّه حذّر من أنّ أيّ تعرّض لمراكز الجيش أو عناصره سيواجَه بالطريقة المناسبة». وسأل المصدر: «إذا كان العنوان التضامن مع عرسال فأهلاً وسهلاً، لأنّها ليست محاصَرة، لكن هل يريدون التضامنَ مع جرود عرسال حيث يوجد الإرهابيون، فليقولوا ذلك بصراحة؟»
وأشار المصدر إلى أنّ «رفع علم «داعش» في عرسال هو حادث فردي، ولا دخلَ لأهالي البلدة فيه، والجيش عالجَه بسرعة مع الفاعليات والأهالي لكي لا يعطيَ الإرهابيين مادّة لاستغلاله أو إيقاع الفتنة بين الأهالي والجيش».
وفيما خصَّ الاعتداءَ على الجيش في طرابلس، أكّد المصدر الأمني أنّ «الجيش أوقفَ 20 شخصاً مع مضبوطاتهم، والتحقيقاتُ مستمرّة معهم، ويعمل على اعتقال آخرين وتنفيذ مداهمات»، مشيراً إلى أنّ «تحرّك مخابرات الجيش السريع وإلقاء القبض على المتّهمين بإطلاق النار على مراكز الجيش، يُظهر الجهوزية العالية وأنّ الوضع الأمنيّ مضبوط»، لافتاً إلى أنّ «الجيش اتّخذَ إجراءاته لضبط الوضع اليوم تحسُّباً لأيّ طارئ في المدينة بعد صلاة الجمعة».
أبو فاعور
إلى ذلك، أوضحَ الوزير وائل أبو فاعور أنّ «ما تقوم به الدولة عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية لا يستهدف النازحين كنازحين بل يستهدف بعضَ الخلايا والمجموعات أو بعض الأفراد الذين يشكّلون خطراً على الدولة اللبنانية».
وأكّد «عدم وجود نيّة بالتضييق على النازحين السوريين»، وقال إنّ الموضوع الأساس الذي يطرحه سلام مع قادة الدوَل الذين التقاهم وسيلتقيهم، هو الوضع اللبناني العام، وتحديداً موضوع الخاطفين. وقد شكّلَ هذا الموضوع محورَ لقائه مع الرئيس التركي وغيره من الرؤساء والمسؤولين الدوليّين، لأنّ الأمر لم يعُد موضوعاً محَليّاً، كما أنّ قنوات التفاوض ليست محَلية».
في طرابلس وصور
وفي طرابلس، واصلَ الجيش إجراءاته الأمنية بعد الاعتداءات التي طاوَلت مراكزَه أخيراً، وداهمَ تجمّعات النازحين السوريين في منطقة أبي سمرا، واعتقلَ 20 شخصاً من المشتبه بهم. أمّا في صور، فلاحقَ الجيش في منطقة معركة عدداً من المطلوبين لارتكابهم أعمالاً جرمية سابقة.
تشريع و«سلسلة»
وعلى خطّ التشريع، يُنتظَر أن ينعقد ظهر اليوم اجتماعٌ أخير بين وزير المال علي حسن خليل وعضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان لوضعِ اللمسات الأخيرة على صيغة الحلّ المنتظَر لمشكلة سلسلة الرتب والرواتب، والذي بات معروفاً أنّه يتضمّن الآتي:
1- زيادة 1 في المئة على الضريبة على القيمة المضافة TVA
2- تقسيط دفع المستحقّات للمستفيدين من السلسلة مقسّطة على سنتين، على أن يبدأ تسديد الدفعة الأولى ابتداءً من تاريخ إقرار السلسلة من دون أيّ مفعول رجعي.
3- إعطاء 6 درجات على الرواتب للمعلّمين والموظفين الإداريين.
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زوّاره مساء أمس إنّه لن يدعو إلى جلسة تشريعية، والتي سيسبقها حُكماً اجتماعٌ لهيئة مكتب المجلس، إلّا بعد أن يتسَلّم الحلّ المنتظر للسلسلة وعليه «باراف» جميع الأفرقاء المَعنيين.
وأشار إلى أنّه سيطرح في هيئة مكتب المجلس كلّ مشاريع واقتراحات القوانين الموجودة لدى رئاسة مجلس النواب ليتمّ تحديد الضروريّ منها تمهيداً لدرسه وإقراره، وبالطبع فإنّ مشروع قانون السلسلة هو البند الأوّل، لأنّه كان طُرِح في جلسة سابقة وأُقِرَّت بعضُ موادّه، ورُفِعت الجلسة يومَها ولم تُقفَل، على أن يتمّ استكمال البحث في جلسة جديدة.
مصادر نيابية
وقالت مصادر نيابية بارزة لـ»الجمهورية» إنّه في حال أُنجِز الاتفاق على السلسلة فإنّ هيئة مكتب المجلس تجتمع الاثنين على أن تنعقد الجلسة منتصف الأسبوع.
وأشارت المصادر إلى أنّ لقاءً سيُعقَد قريباً بين برّي ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة مخصّصاً أصلاً للبحث في الاستحقاق الرئاسي، أذ سيرافق وفد من 14 آذار السنيورة إلى عين التينة حاملاً مبادرة 14 آذار الرئاسية. ولم تستبعِد المصادر أن يتوَّج هذا اللقاء في مستهله بالاتفاق المنتظَر على السلسلة.
الجميّل
وعلى خطّ موازٍ، يعقد رئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميّل مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم في البيت المركزي للحزب، يحدّد فيه موقفَ الحزب من الجلسة التشريعية، ويشرح أسباب تمسّكه بموقفه من مقاطعة جلسة «تشريع الضرورة» قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في اعتبار أنّ المجلس الذي يمكن أن يوفّر النصاب للجلسة لبَتّ قوانين واقتراحات قوانين لا يمكن التقليل من أهمّيتها والحاجة إليها كما بالنسبة إلى التمديد لمجلس النواب، يمكنه أن يوفّر النصاب لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
وأنّه لا يمكن لقيادة الحزب أن تفهم هذا المنطق وكيفية التعاطي مع ملفّ بهذا الحجم بمثل هذه الخفّة التي تهدّد التركيبة المؤسساتية في البلاد وتهدّد باستمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية إلى أمدٍ بعيد.
وكان الجميّل رأسَ أمس اجتماعاً مشتركاً لوزراء ونوّاب الحزب خُصِّص للبحث في هذه التطوّرات وخلفياتها، فأصَرّ المجتمعون على موقفهم من الجلسة التشريعية متمسّكين بالأسباب الموجبة التي قادت إليه بعيداً من منطق العمل على القطعة والبحث عن مكاسب آنيّة تمسّ جوهر الحياة السياسية والدستورية في البلاد من أجل مصالح آنيّة زائلة أمام حجم الأخطار التي تهدّد البلاد.