الجمهورية : الإستحقاق الرئاسي بانتظار برّي .. وإتصالات تُمهِّد لحراك مطلع السنة الجديدة
مثلما انقضَت عطلة الميلاد المجيد من دون ان تشهد أي تطورات ملموسة على مستوى الملفات الداخلية الكبرى، يتوقع ان ينسحب الموقف نفسه على عطلة رأس السنة، على أن يبدأ مطلع الشهر المقبل حراك على مستوى الاستحقاق الرئاسي سيكون رئيس مجلس النواب نبيه بري محوره الاساسي، فيما تبقى الاهتمامات منصَبّة على جبهتي الجنوب وغزة في ظل توقعات البعض بتوسّع نطاق الحرب الدائرة عليهما بين رجال المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وقوات الاحتلال الاسرائيلي.
قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ هناك اتصالات جارية بعيداً عن الاضواء بين بعض المرجعيات والقيادات السياسية من شأنها ان تمهّد الاجواء للحراك الذي ينتظر ان يقوم به رئيس مجلس النواب نبيه بري على جبهة الاستحقاق الرئاسي. ودعَت المصادر الى رصد المواقف المرتقبة في الايام المقبلة ومطلع السنة، ومنها المواقف التي سيعلنها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مطلع الاسبوع المقبل في الذكرى السنية لاغتيال قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني، وذلك من اجل استكشاف طبيعة المرحلة المقبلة بشقّيها الداخلي والاقليمي.
وكانت عطلة عيد الميلاد المجيد قد حفلت بتوترات شديدة في قطاعات الجنوب الشرقي والاوسط والغربي، ترافقت مع جمود سياسي خَرقته أمس زيارة وفد من قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة «اللقاء الديموقراطي» برئاسة النائب تيمور جنبلاط لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في بنشعي في حضور النائب طوني فرنجية وقياديين من «المردة». وبحسب تصريحات النائب فرنجية الابن والنائب اكرم شهيّب كان هناك تباين حول بعض الامور «التي لا تفسد للود قضية ولا تقطع التواصل».
وعلمت «الجمهورية» من مصادر الحزب الاشتراكي انّ زيارة جنبلاط تأتي من ضمن اللقاءات التي يعقدها مع القوى السياسية في سياق سياسة الانفتاح والحوار للتوافق على ما أمكَن من ملفات تساهم في حلحلة الازمات القائمة، لذلك شمل البحث كل المواضيع القائمة وليس فقط موضوع تعيين رئيس اركان الجيش واعضاء المجلس العسكري. بل مواضيع التوتر في الجنوب وحرب غزة ورئاسة الجمهورية والوضع الاقتصادي والمعيشي إضافة الى امور اخرى.
واكدت المصادر «انّ إثارة موضوع تعيين رئيس للأركان كان في سياق الحديث وليس حصراً، وان لا مشكلة في المبدأ لدى «المردة» بالتعيين في مجلس الوزراء اذا حصل توافق وذلك من اجل انتظام عمل المؤسسة العسكرية ومتابعة مسؤولياتها الوطنية خصوصاً في ظروف الوضع الامني والجنوبي ونحن ايضا مع التوافق، لكن اولوية تيار «المردة» ما زالت رئاسة الجمهورية، وهنا كان مَكمن التباين إذ بقي موقف جنبلاط نفسه من المرشحين للرئاسة مع الاقرار بأنّ سليمان فرنجية مرشح طبيعي للرئاسة».
واشارت المصادر الى «انّ التوافق على ان ملء الشغور يجب ان يُطاول كل المؤسسات بدءاً من رئاسة الجمهورية وصولاً الى كل الادارات بما فيها الجيش وحاكمية المصرف المركزي. وان تيار «المردة» يفضّل إجراء التعيينات في ظل رئيس للجمهورية ولكنه قد يخرق القاعدة في حال الضرورة كحالة الشغور في الجيش». وقالت: «لم يعد هناك متّسع من ترف تضييع الوقت نظراً لصعوبة الاوضاع السائدة».
وبعد اللقاء، قال شهيّب: «انّ زيارتنا هي في إطار سعينا لإخراج لبنان من الوضع الصعب الذي يمر به». وأضاف: «نشكر صاحب هذه الدار على دوره الدائم في حفظ هرمية قيادة الجيش، إن بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون أو بالسعي للحفاظ على رئاسة الأركان والمجلس العسكري وذلك صوناً للمؤسسة العسكرية الأم التي حافظت على وجودها وعلى السلم الأهلي على رغم من الظروف الصعبة والدقيقة، والتي تقوم بدورها كاملاً في الدفاع عن لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي». وأشار الى أنه «إذا كان هناك بعض التباين في المواقف بيننا وبين تيار «المردة»، فهذا لا يلغي الود والإحترام والتقدير والتواصل فيما بيننا تأكيداً على العلاقة التاريخية والوطنية التي تربط المختارة بهذه الدار».
وبدوره رحّب النائب طوني فرنجية بجنبلاط والوفد المرافق، مؤكداً «أن الدار هي دارهم على رغم من بعض التباينات في وجهات النظر بين «المردة» و»الاشتراكي»، التي لا تمنع التواصل الدائم فيما بيننا، وذلك انطلاقاً من إيماننا بالحوار وبلغة التواصل». كذلك اكد التلاقي بين الجانبين على «أن لا خروج للبنان من نفقه الأسود من دون التواصل والحوار بين مختلف الأفرقاء». وأشار إلى «أنّ تيار «المردة» يؤكد حرصه الدائم على مختلف مؤسسات الدولة اللبنانية على رغم من علامات الاستفهام التي يطرحها حول مبدأ التعيينات في ظل غياب رئيس الجمهورية». واستذكَر «كيف أننا في كل مرة نبحث عن الحلول المُجتزأة في حين أن الحلّ الفعلي هو بالتوصّل الى انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام الى المؤسسات اللبنانية». وقال: «بالنسبة الى ما يتعلق بالتمديد لقائد الجيش العماد عون، رأينا أنّ البديل عنه هو الذهاب بالبلاد الى المجهول وهذا ما دفعنا الى الموافقة على هذا التمديد. واليوم، نلمس أن هناك حرصا كبيرا لدى المؤسسة العسكرية ولدى الحزب التقدمي الاشتراكي على المجلس العسكري، وذلك حفاظاً على انتظام العمل في صفوف الجيش. وانطلاقاً من هنا، نؤكد اننا مستمرون في الحوار مع جميع المعنيين لإيجاد الحل الملائم لهذا الموضوع منعاً لأي تأثير سلبي على حسن سير العمل في المؤسسة العسكرية».
بعد لقاء بنشعي
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ ملف التعيينات العسكرية ما زال في مكانه ولا تقدم على مستوى اقتراب التفاهم على الصيغة التي ستعتمد لضمان إمرار هذه التعيينات في مجلس الوزراء الميدان الوحيد لهذه العملية من ألفها الى يائها. وقالت: «انّ العقدة الكبرى ستكون عند وصول المشاورات الى حائط مسدود أمام مجلس الوزراء اذا لم يتجاوَب وزير الدفاع العميد موريس سليم مع الوساطات الجارية لاقتراح الأسماء التي يزكّيها قائد الجيش تمهيداً ليطرحها على مجلس الوزراء وهو امر متعذّر حتى اللحظة، وقد يزيد من التضييق الذي يمارسه «التقدمي» مع حلفائه على التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل الذي يصرّ، مُتكئاً على موقف وزير الدفاع، على رفض تقديم أي اقتراح».
الطعن الثاني
وفي المقابل قالت المصادر المطلعة لـ«الجمهورية» ان موافقة «حزب الله» على التعيينات باتت على قاب قوسين او ادنى من ان تكون محسومة لجهة القبول او الرفض. فالعملية بلغت حدودا نهائية خصوصا ان هناك اقتراحاً يقول إنه اذا لم يتقدّم وزير الدفاع باقتراحاته في مهلة أقصاها منتصف كانون الثاني المقبل فسيقدم رئيس الحكومة ومعه مجلس الوزراء الى البت بالأسماء المطروحة للتعيينات الجديدة، الأمر الذي سيفجّر الوضع مجدداً وقد يفتح الطريق أمام طعن آخر قد يتقدم به وزير الدفاع او أي ضابط آخر من المتضررين بالتعيينات أمام مجلس شورى الدولة تزامناً مع اقتراب التيار من التقدم بالطعن بقانون التمديد لقائد الجيش امام المجلس الدستوري.
«الخيار الثالث» عسكرياً
وتأسيساً على هذه المعادلات المتناقضة اشارت مراجع معنية ومُطّلعة عبر «الجمهورية» الى صعوبة إمرار التعيينات العسكرية ما لم تظهر النتائج المترتبة على الطعن بقانون التمديد لعون لئلّا تأتي الخطوتان متعارضتان. فإنْ عَبرَ القانون برفض المجلس الدستوري قد لا يكون هناك مجال للتعيينات لإبقاء قائد الجيش أسير الاراضي اللبنانية طالما أن ليس هناك من بديل في قيادة الجيش، وإن تمّ الطعن سيتراجع الجميع لتعيين رئيس الاركان فيكون البديل بالوكالة لقائد الجيش من دون اي اعتراض باعتباره خطوة لا بد منها وهي امر واقع، كونه من الخيارات التي لا يمكن تجاوزها عسكرياً.
الوضع الجنوبي
وعلى الجبهة الجنوبية تواصَل التوتر خلال الايام الماضية في كل قطاعاتها، لكنه كان عنيفاً امس، سواء في الاعتداءات الاسرائيلية التي استهدفت الاماكن السكنية واوقعت اصابات بشرية، او في عمليات المقاومة التي شملت ردوداً بقصف تجمّعات لجيش الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنات الحدودية ما أوقعَ اصابات كثيرة في صفوف الجنود الاسرائيليين باعتراف المتحدث العسكري ووسائل الاعلام الاسرائيلية التي أشارت الى استخدام المقاومة غير مرة صواريخ مضادة للطائرات وأخرى من نوع «بركان» ذات القوة التدميرية الكبيرة.
واشار إعلام اسرائيلي الى صواريخ استهدفت قوات إسرائيلية حاولت إخلاء جريح في مستوطنة «أدميت» في الجليل الغربي». فيما اعلنت قناة 12 العبرية انفجار طائرة انتحارية في الجليل الأعلى. كذلك اعلنت فرق الاسعاف الاسرائيلية عن 4 إصابات إحداها خطيرة إثر سقوط صاروخ مضاد للدروع قرب «إقرث» عند الحدود مع لبنان. فيما اعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن إطلاق صاروخ دفاع جوي للمرة الثانية من لبنان في اتجاه طائرة لسلاح الجو.
واستهدف القصف الاسرائيلي تلة المطران، منطقة حمامص في سردا، ووطى الخيام، وأطراف بلدة عيترون ومنطقة الطراش في بلدة ميس الجبل. فيما شنّت مسيّرة غارتين متتاليتين على منطقة مفتوحة بين بلدتي جبشيت وشوكين، واستهدف القصف المدفعي الفوسفوري مرتفع بلاط. بينما أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل جندي أصيب بجروح قبل أيام.
وذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية انّ 9 جنود إسرائيليين أصيبوا بجروح ما بين خطيرة ومتوسطة بإطلاق صاروخ مضاد للدبابات من لبنان. وأعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة أهداف تابعة لـ«حزب الله»، وأقرّ بإصابة 9 من جنوده أحدهم بحالة خطيرة، في حين أصيب 8 غيرهم بجروح تتراوح بين طفيف ومتوسطة الخطورة، وذلك إثر استهدافهم بصاروخ مضاد للمدرعات أُطلق من لبنان.
«حزب الله»
ونعى «حزب الله» مساء امس شهيدين جديدين له، هما: هادي حسن عوالا من بلدة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأحمد حسن الديراني من بلدة قصرنبا في البقاع.
واكد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله أننا «أعددنا لكل مرحلة خطتها، ولكل مواجهة أسلحتها، وهذا ما يعرفه العدو جيداً من خلال الميدان. ولذلك فإنّ المقاومة الاسلامية تثبت اليوم معادلات جديدة تتعلق بحماية شعبها».
وشدّد فضل الله، خلال احتفال تكريمي أقامه «حزب الله» لأحد عناصره في محلة الحوش، أنه «على العدو أن يدرك أنّ المنزل بالمنزل وأنّ الحقل بالحقل وأنّ استهداف المدنيين سيرد عليه بنحوٍ سريع وحاسم، وانه إذا كان يمتلك قوة تدمير وسلاح جو، فإننا نملك الإرادة والعزيمة والقرار الذي ننفّذه في كل يوم. وعلى العدو أيضاً أن يعرف أن كل نوع من أنواع المواجهة سيقابَل بمعادلة في الميدان، وهذا يتم تثبيته في كل يوم».
المستوطنون
ونظّم المستوطنون في الشمال عند الحدود مع لبنان تظاهرة امس، مطالبين الحكومة والجيش الإسرائيليين بتقديم إجابات حول الوضع الراهن وطريقة العودة الى قراهم». فيما قالت وسائل اعلام عبرية اخرى انّ الضربات المباشرة عند الحدود مع لبنان خَلّفت أضراراً كبيرة في الممتلكات وانّ الكلفة تتجاوز تلك التي في جنوب «إسرائيل» (قطاع غزة من فلسطين المحتلة).
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية انّ المئات من سكان الشمال تظاهروا للمطالبة بتغيير الواقع على الحدود مع لبنان، واشارت الى انّ هذا الاحتجاج جاء بفِعل إغلاق الطرق طوال الوقت خشيةً من صواريخ «حزب الله». واعتبرت انّ الشمال ينهار، وان الروتين هناك أصبح أكثر تعقيداً، وان رؤساء السلطات غاضبون جداً من الوضع على الحدود مع لبنان.
وفي هذا الاطار اكد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ايلون ليفي انه «يجب إبعاد «حزب الله» عن الحدود وفق القرار الدولي الرقم 1701 ونقول له تراجع»، مشيراً الى انّ «إسرائيل لا تريد حرباً على جبهتين لكننا سنفعل كل ما يلزم لضمان أمننا».
الى ذلك ذكرت إذاعة «كان ريشيت بيت» الإسرائيلية أنّ المواقف المعلنة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، في شأن المسافة التي تطالب إسرائيل بإبعاد «حزب الله» في لبنان إليها، مختلفة عمّا يدور في الأروقة المغلقة.
وأوضحت الإذاعة أنه خلال جلسة لمناقشة التطورات، عُقدت في الآونة الماضية في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي، تبيّن أنه بخلاف الرسائل المعلنة الصادرة عن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، بالنسبة الى ما يتعلق بإبعاد «حزب الله» إلى عمق لبنان، فإنه من خلال الاتصالات التي تجريها إسرائيل مع الولايات المتحدة وفرنسا، تمرّر رسائل أخرى مختلفة كلياً، خصوصاً فيما يتعلق بالمسافة التي يجب إبعاد «حزب الله» إليها. وكشفت أنّ الرغبة هي إقامة منطقة عازلة حتى نهر الليطاني وإبعاد «حزب الله» إلى ما بعده، من منطلق الإدراك بأنه دون ذلك لن يوافق سكان الشمال على العودة إلى بيوتهم القريبة من الحدود. وعليه فإنّ إسرائيل ستعمل من أجل تنفيذ قرار الأمم المتحدة 1701 في شكل كامل هذه المرة، وفق ما أبلغ نتانياهو لأعضاء اللجنة.
وأشارت الاذاعة إلى أنه بعد نحو أسبوع من ذلك، في جلسة أخرى للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وصل مسؤول سياسي كبير واعترف أمام اللجنة بأنّ إسرائيل تتحدث في العلن عن خط الليطاني، ولكن في الاتصالات مع الوسطاء الأميركيين والفرنسيين توضح أنها ستكتفي بإبعاد «حزب الله» إلى الحد الأدنى المطلوب، لعدة كيلومترات عن الحدود فقط، لافتة إلى أنه تم إبلاغ أعضاء اللجنة أيضاً أنه في وضعٍ من هذا النوع لن يتم إخلاء البُنى التحتية التابعة لـ«حزب الله» من المنطقة، ولا في المساحة الممتدة إلى النقطة التي سيبتعد إليها الحزب