تدرّج الوضع في المنطقة، من الدوران في حلقة التوتّر الشديد والقلق في أعقاب الضربة الإيرانية لإسرائيل، إلى الدوران في بحر واسع من التحليلات والتفسيرات الاقليمية والدولية، حول ما بدا انّه هجوم اسرائيلي على مدينة اصفهان الإيرانية.
اللافت في هذا السياق، أنّ اسرائيل لم تعلن تبنّيها رسمياً لهذا الهجوم، فيما واشنطن أعلنت رسمياً على لسان وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، انّ الولايات المتحدة لم تشارك في أي هجوم. كما أنّ ايران لم تتهم إسرائيل مباشرة، ونفت تعرّضها لهجوم من خارج أراضيها، ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين إيرانيين تأكيدهم انّ الهجوم نُفّذ بطائرات مسيّرة صغيرة يرجح ان تكون أُطلقت من داخل إيران.
مسؤولية إسرائيل!
الّا انّ كلّ الدلائل تشير إلى إسرائيل، وهو ما اكّدته اولاً، واشنطن، فيما وسائل الاعلام الاميركية كانت اول من كشف عن مهاجمة اسرائيل لأهداف في ايران، وانّ واشنطن كانت على علم بهذا الهجوم. وثانياً، الإعلام الغربي، حيث نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» نقلاً عمّا سمّته مصدراً مطلعاً بأنّ إسرائيل ارادت عبر الهجوم إيصال رسالة أنّ بإمكانها الوصول الى أي مكان تريده في إيران، مشيرةً الى انّ الهجوم أصاب هدفاً عسكرياً كان متورطاً في القصف على اسرائيل السبت الماضي. وثالثاً، الإعلام الاسرائيلي الذي اعلن انّ الهجوم الإسرائيلي استهدف 9 أهداف في قاعدة جوية تابعة للحرس الثوري الايراني، ونفّذته طائرات بصواريخ بعيدة المدى.. ورابعاً، سخرية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي وصف الهجوم بالضعيف و«المهزلة».
خفض التصعيد
على أنّ الترويج الرسمي الإيراني عن أنّ ايران ستحقق في حقيقة الهجوم على أن تعلن نتائجه لاحقاً، وكذلك ترويج الإعلام الاسرائيلي عن تقديرات الاجهزة الأمنية الاسرائيلية بأنّ الهجوم على ايران انتهى، مع محافظة اسرائيل على حال من التأهّب العالي، أفرزا مساحة واسعة من الإعتقاد بأنّ التوتر التي تفاقم منذ الهجوم الإيراني على اسرائيل فجر السبت – الأحد الماضي، مضبوط تحت سقف «خفض التصعيد وعدم الإنزلاق الى مواجهة واسعة»، وهو ما بدأت تؤشر إليه تحليلات وتقديرات المعلّقين والمحللين السياسيين والخبراء العسكريين.
وإذا كانت تلك التقديرات والتحليلات قد أدرجت الردّ الإيراني على استهداف القنصلية الايرانية في دمشق، والردّ الإسرائيلي على الردّ الإيراني، بالشكل «المضبوط» الذي حصلا به، ضمن حدود «المواجهة المحدودة دون ملامسة الأطراف المعنيّة سقف الحرب المباشرة والواسعة»، وهو الامر الذي يخفّض تلقائياً من منسوب حبس الأنفاس في المنطقة عمّا كان عليه غداة الضربة الإيرانية لإسرائيل فجر السبت – الأحد الماضيين. الّا أنّ التقديرات نفسها تبقي على حيّز واسع من الحذر الشديد. وتتجنّب الجزم بنزع وشيك لفتيل توتر وصل الى درجة عالية من الاشتعال بين ايران واسرائيل. حيث، في ظل هذا الواقع، تبقى الخشية قائمة من خطأ في التقدير من هذا الجانب أو ذاك، ينحى بالمنطقة برمّتها الى مسار دراماتيكي.
ترييح جبهة لبنان
وتبرز في هذا السياق، قراءة عسكرية للتطورات الأخيرة، تستخلص انّ المواجهة بين ايران واسرائيل التي خرجت من الظل الى العلن، ورسّمت بينهما قواعد اشتباك وردع جديدة، رادعة للطرفين من الإنزلاق الى حرب ومواجهة شاملة. والردود العسكرية التي حصلت سواءً على اسرائيل او على إيران، تعكس بمحدوديتها، وبما لا يقبل أدنى شك، رغبة مشتركة من قبل الجانبين الإيراني والإسرائيلي بعدم الإنزلاق الى حرب قاسية. يضاف الى ذلك موقف الإدارة الاميركية التي اعلنت التزامها بخفض التصعيد، ومارست ضغوطاً في كل الاتجاهات، لاحتوائه ومنع توسيع دائرة الصراع في المنطقة.
وبحسب القراءة العسكرية، فإنّ التأثيرات المباشرة لضبط التصعيد بين ايران واسرائيل، قد لا تنسحب على ميدان غزة، بل قد تلمس على جبهة لبنان، ليس لناحية ترييحها بوقف العمليّات العسكرية، وهو أمر وكما هو معروف، مرتبط بتطورات الحرب في غزة، بل لناحية خروجها من دائرة الإحتمالات الحربيّة الخطيرة، التي تزاحمت بعد الضربة الايرانية لاسرائيل، وأنذر ارتفاع وتيرة التصعيد فيها، وكذلك وتيرة التهديدات والاعتداءات الاسرائيلية، بانحدار هذه الجبهة إلى مواجهة واسعة تتجاوز باشتعالها خط المواجهة القائم الى العمق في كلا الجانبين.
لا تصعيد واسعاً
في موازاة ذلك، نفى مصدر رسمي مسؤول ما جرى ترويجه في الأيام الاخيرة عن تلقّي لبنان بعد الضربة الايرانية رسالة تحذيرية من ضربة اسرائيلية واسعة للبنان، وقال لـ«الجمهورية»: «لم نسمع بشيء من هذا القبيل». وأضاف: «اسرائيل تستصعب الحرب على لبنان، وهذا ما تؤكّده مستوياتها العسكرية وكل المحللين والمعلّقين الاسرائيليين، ونحن أيضاً لا نريد الحرب، لكن المؤسف هو أنّ هناك في لبنان من يستسهل هذه الحرب لا بل يتمنّاها».
ورداً على سؤال قال: «المواجهة القائمة مع اسرائيل، ما زالت ضمن قواعد الاشتباك، والمقاومة برغم توسيع اسرائيل لدائرة اعتداءاتها، لم تخرج عن هذه القواعد ولا تريد أن تنزلق الامور الى حرب واسعة».
اضاف: «بصورة عامة، المواجهات في الجنوب محصورة في النطاق المعروف، ولا أتوقع تصعيداً واسعاً. اولًا لأنّ اسرائيل عالقة في غزة. ولأنّها ثانياً، باتت عالقة اكثر في الجبهة الجديدة مع إيران. وثالثاً، وهنا لا أكشف سراً، فإنّ الأميركيين لا يريدون الحرب ويمنعون من التورّط فيها، فهم يدركون، كما إسرائيل، أنّ جبهة الجنوب صعبة، وتأثيراتها واضحة على امتداد الجبهة، ولذلك، هم يواصلون مع الفرنسيين على وجه الخصوص، بذل الجهود والمساعي مع كلّ الأطراف لخفض التوتر الذي ما زال مضبوطاً ولو من دون الإعلان عن ذلك».
ورداً على سؤال آخر، أعاد المصدر التأكيد على «أنّ جبهة الجنوب مرتبطة بجبهة غزة، وفي اعتقادي أنّ الامور في اتجاه الاتفاق على هدنة، وعلى الرغم من التعثرات الآنية، لن تطول كثيراً، والهدنة هذه المّرة ستجرّ هدنات حتماً. واما ما يعنينا في لبنان، فإنّ التسوية السياسية للجبهة الجنوبية، هي التي سترسو في نهاية المطاف، وخصوصاً أنّ الاميركيين جادون في بلوغ هذه التسوية، ونحن أيضاً جادون في إصرارنا على التطبيق الكامل وغير المجتزأ للقرار 1701».
باريس: استقرار لبنان
إلى ذلك، حضر لبنان بكلّ ملفاته في قصر الإيليزيه، خلال المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون.
استمر اللقاء بين ماكرون وميقاتي لنحو ساعة، انضمّ اليه بعده العماد عون ورئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال تييري بوركهارد، حيث استُكملت المحادثات إلى مأدبة غداء تكريماً لرئيس الحكومة.
ميقاتي
وقال ميقاتي بعد اللقاء: «عبّرت لماكرون عن شكر لبنان لوقوف فرنسا الدائم الى جانبه ودعمه في كل المجالات. كما شكرته على الجهود التي يبذلها باستمرار من أجل وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان ودعم الجيش بالعتاد والخبرات، لتمكينه من تنفيذ مهامه كاملة. وتطرّقنا بشكل خاص الى ملف النازحين السوريين، وشرحت لماكرون المخاطر المترتبة على لبنان بفعل الأعداد الهائلة للنازحين. وجدّدت المطالبة بقيام المجتمع الدولي بواجباته في حل هذه المعضلة التي ستنسحب تداعياتها على اوروبا خصوصاً».
اضاف: «وقد تمنيت على ماكرون ان يطرح على الاتحاد الاوروبي موضوع الاعلان عن مناطق آمنة في سوريا، بما يسهّل عملية اعادة النازحين الى بلادهم، ودعمهم دولياً واوروبياً في سوريا وليس في لبنان».
وحول الملف الرئاسي، أوضح ميقاتي: «جدّدت التأكيد انّ مدخل الحل للأزمات في لبنان هو في انتخاب رئيس جديد لاكتمال عقد المؤسسات الدستورية والبدء بتنفيذ الاصلاحات الضرورية».
معلومات
ووفق معلومات لـ«الجمهورية» من باريس، فإنّ أجواء اللقاء كانت إيجابية جداً، عبّر خلالها الرئيس ميقاتي عن تقديره للدور الفرنسي تجاه لبنان، والجهود التي يبذلها الرئيس ماكرون للحفاظ على أمنه واستقراره، وتوفير الدعم المطلوب للجيش اللبناني، وكذلك للدور الفاعل الذي تبذله باريس لإتمام استحقاقاته الدستورية وفي مقدمها إنتخاب رئيس الجمهورية، سواءً عبرها مباشرة، او من خلال شراكتها في اللجنة الخماسية.
واشارت المعلومات، الى انّ الحديث تطرّق الى التطورات الاخيرة في المنطقة، والتوتر المستجد على الخط الايراني- الاسرائيلي، حيث شدّد ميقاتي على دعم الأصدقاء للبنان وفي مقدّمهم فرنسا، وممارسة الضغط على اسرائيل لوقف اعتداءاتها. كما أثار ملف النازحين السوريين في لبنان، طالباً الدعم الفرنسي لحلّ هذه المسألة.
وبحسب المعلومات، فإنّ الرئيس ماكرون عكس بشكل واضح أنّ لبنان يشكّل اولوية بالنسبة اليه، وعبّر عن عاطفة ملحوظة تجاهه. مشّدداً، انطلاقا من العلاقة التاريخية بين البلدين، على حرص فرنسا الشديد على لبنان الذي سيبقى أولوية، وانّها إلى جانبه في تلمّس الحلول لأزمته، وانّها ملتزمة بدعم الجيش اللبناني في كافة المجالات، وبتمكين لبنان من إعادة انتظام حياته السياسية بتوافق أطرافه السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، تضع في رأس قائمة اولوياتها خطوات علاجية واصلاحية عاجلة وشاملة، كسبيل اساسي لمعالجة أزمته المالية والاقتصادية.
وإذ اكّد أن ليس لباريس أي مرشح معيّن لرئاسة الجمهورية، شدّد على وحدة موقف اللجنة الخماسية وقال: «انّ على اللبنانيين أن يسعوا الى الإفادة من الدعم الدولي في هذا الاطار لإتمام الاستحقاق الرئاسي». لافتاً إلى توافق اميركي- فرنسي على مقاربة الحلول المقترحة.
وبحسب المصادر عينها، فإنّ ماكرون، قارب بحذر ما وصفه بالوضع المقلق في منطقة الشرق الأوسط، مكرّراً في الوقت نفسه، رغبة فرنسا بخفض أجواء التصعيد على جبهة الجنوب اللبناني، ومشدّداً على الحاجة الملحّة لكل ما يرسّخ الأمن والاستقرار في لبنان، ويبعد عنه شبح الحرب الدائرة في غزة. وهو الأمر الذي يؤكّد الضرورة الملحّة لالتزام كل الاطراف بمندرجات القرار 1701. مؤكّداً في هذا السياق على مبادرة الحل في الجنوب التي قدّمتها فرنسا في شباط، مع بعض التعديلات التي تأخذ في الاعتبار الواقع الراهن والمستجدات.
اما في ما خصّ ملف النازحين السوريين، فقد كان ماكرون متفهماً للموقف اللبناني، والمعاناة التي يتكبّدها لبنان من جرائه، ووعد بالمساعدة في حل هذه المشكلة على مستوى الاتحاد الاوروبي.
دعم الجيش
وتشير المعلومات، إلى انّ قائد الجيش أطلع الرئيس الفرنسي على وضع الجيش والتحدّيات التي يواجهها في ظلّ الازمات السياسية والامنية والاجتماعية، اضافة الى الحرب الدائرة في الجنوب. وبناءً على ذلك، اكّد الرئيس ماكرون استمرار دعم بلاده للجيش اللبناني بكل الوسائل المتاحة لتمكينه من القيام بمهماته في كل لبنان بما فيها الجنوب.
وسبق ذلك، اجتماع عقده قائد الجيش مع قائدي الجيشين الفرنسي والايطالي، وجاء استكمالاً لاجتماع روما قبل فترة، حيث قدّم قائد الجيش دراسة عن حاجات الجيش اللوجستية والمادية. وأفيد بأنّ قائدي الجيشين الفرنسي والايطالي قاربا الطرح اللبناني بإيجابية. حيث أُفيد عن توجّه الى تشكيل لجنة مشتركة لبنانية- فرنسية- ايطالية ودول أخرى، لدراسة حاجات الجيش، وسبل توفيرها. على ان يسبق ذلك قرار سياسي لوقف اطلاق النار في الجنوب، فيما ستتولّى فرنسا وايطاليا العمل في اتجاهه.
الوضع الميداني
ميدانياً، لازم التوتر الشديد منطقة الحدود الجنوبية، انما بحدة أقل مما كانت عليه خلال الايام القليلة الماضية، حيث تواصلت الاعتداءات الاسرائيلية على المناطق والبلدات اللبنانية، وافيد عن سلسلة غارات نفّذها الطيران الحربي الاسرائيلي على عيترون بالقرب من مرج العبد، ومنطقة المشاع بين مجدل زون والمنصوري، وعيتا الشعب. وترافق ذلك مع قصف مدفعي طال بلدات بليدا، خراج بلدة رميش واطراف كفر شوبا.
في المقابل، أعلن «حزب الله» انّ المقاومة الاسلامية استهدفت التجهيزات التجسسية في موقع بياض بليدا، والتجهيزات التجسسية في مواقع الرادار في مزارع شبعا، وتجمعاً لجنود العدو في محيط موقع الراهب، وتجمعاً لجنود العدو في رويسات العلم في تلال كفر شوبا، ونعى الحزب الشهيد محمد حسن السيد عبد المحسن فضل الله (ابو هادي) من بلدة عيناثا، وسكان بلدة خربة سلم.