قطع الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، فور وصوله الى لبنان، الشك باليقين، واكد ان لا مبادرة حوارية بين يديه لا في بيروت ولا في فرنسا ولا في اي دولة أخرى. وفي لقاءاته التي استهلّها في السرايا الحكومية كان واضحاً انه يبحث عن مخرج او عن مضمون للتقرير الذي سيرفعه الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي سيحمله الى لقائه مع الرئيس الاميركي جو بايدن على هامش الاحتفال السنوي بذكرى إنزال النورماندي.
طَغت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان على المشهد السياسي امس، حيث باشَر لقاءاته مع المسؤولين الرسميين والكتل النيابية في زيارة تنتهي عصر اليوم. وقد استهَلّها بزيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يرافقه السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو. وحضر اللقاء مستشارا رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس والسفير بطرس عساكر. وجرى خلال الاجتماع، بحسب المعلومات الرسمية، «البحث في المساعي التي تبذلها فرنسا لحل ازمة الرئاسة في لبنان والجهود التي تقوم بها اللجنة الخماسية في هذا الاطار».
وفيما ذكرت المعلومات أنّ لودريان شدد خلال لقائه ميقاتي على ضرورة تفعيل دور اللجنة الخماسية ولم يحمل أي طرح جديد أو مبادرة حوارية، قالت مصادر السرايا الحكومية لـ«الجمهورية» انّ لودريان تحدث عن ضرورة ايجاد حلول، وسأل عن الامكانات المتوافرة لإيجاد مخارج. واكد دعمه لدور المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية واستمرار عملها، مشدداً على ان لا خلافات بين اركانها. وقال انه «لا بد من ان نصل في مرحلة ما الى فتح الابواب امام الحل»، مشدداً على «ضرورة تفعيل دور المجموعة الخماسية وايجاد المخارج للوضع الراهن ولملاقاة الحلول في ظروف وتوقيت معينين».
وأشارت معلومات المتابعين للزيارة الى أن لا جديد في جعبة لودريان وان الزيارة لا تتخطى كونها زيارة استطلاعية وسريعة، وهو ناقشَ عمل المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية في لبنان والطروحات التي تقدمها وأثنى على عملها، وناقشَ سبل التوصّل الى حلول في الملف الرئاسي.
وقد انتقل لودريان من السرايا الحكومية الى كليمنصو حيث استقبله الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الحالي النائب تيمور جنبلاط. وجرى خلال اللقاء «البحث في آخر المستجدات، والمساعي الفرنسية على خط الملفات والأزمة اللبنانية»، بحسب بيان للحزب التقدمي.
كما التقى الموفد الفرنسي رئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية في حضور النائبين طوني سليمان فرنجية وفريد هيكل الخازن. وبحسب بيان للمكتب الاعلامي لـ«تيار المردة»، «ناقش الاجتماع الذي طغت عليه أجواء صريحة وإيجابية، آخر المستجدات السياسية في المنطقة، بما فيها فلسطين ولبنان، كما تم البحث في الجهود التي تبذلها فرنسا في ما يتعلق بالملف الرئاسي اللبناني».
وسيزور لودريان اليوم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثم رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على ان يلتقي عدداً من الكتل النيابية لا سيما منها تكتل «اللقاء النيابي المستقل» الذي يضم كتلة «الاعتدال الوطني» وكتلة «لبنان الجديد». كذلك سيلتقي ايضاً سفراء المجموعة الخماسية للبحث في الخطوات التي حققتها. واعتذر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عن استقبال لودريان لوجوده خارج لبنان.
وعشيّة لقاء لودريان مع تكتل «الاعتدال الوطني»، قال عضو التكتل النائب أحمد الخير: «زيارة جان ايف لودريان محاولة فرنسية متجددة ومشكورة، بالتنسيق مع أصدقاء لبنان في اللجنة الخماسية، لمساعدة لبنان على الخروج من حالة إدمان الفراغ، ولمزيد من حَض الأفرقاء اللبنانيين على بذل ما يلزم من جهود لاقتناص الفرص التي قد تكون مواتية لإنهاء أزمة الفراغ الرئاسي».
جونسون الى واشنطن
من جهة ثانية، وفي جولتها التي تسبق مغادرتها لبنان الى الولايات المتحدة الاميركية للمشاركة في اجتماع موسع لسفراء بلادها في المنطقة والعالم مطلع حزيران المقبل، زارت السفيرة الأميركية ليزا جونسون كلّاً من قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وتناولت بالبحث معهما الأوضاع العامة في لبنان وتحديدا ما يتصل بالمساعدات التي يتلقاها الجيش والقوى الامنية الاخرى من الادارة الاميركية وفق البرامج المرسومة، وتطرّق البحث الى التطورات الامنية في لبنان والأحداث الجارية في المنطقة.
وكانت جونسون قد زارت الاثنين الفائت رئيس مجلس النواب نبيه بري حيث جرى عرض للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين، كذلك التقت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب.
ملف النازحين
وعلى صعيد ملف النازحين إستبقَ مفوض الشؤون السياسية والخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل انتهاء مؤتمر بروكسل الخاص «بدعم سوريا والمنطقة»، بإعلان رفض الاتحاد اعادة النازحين السوريين من لبنان وسواه من دول مضيفة الى سوريا، وتأكيد دعم هذه الدول بمبالغ شبه رمزية لا تُغني ولا تُسمن من جوع. ثم أعلن امس الإتحاد الأوروبي «تمديد أنظمة العقوبات ضد سوريا إلى مطلع حزيران 2025»، ما يعني عدم تجاوب اوروبا مع خطة لبنان لإعادة النازحين.
الموقف الاوروبي متوقع ومحسوب، لكن السؤال كيف سيتعاطى لبنان معه؟ وهل يستمر بتطبيق الاجراءات المقررة لترحيل اللاجئين والنازحين غير الشرعيين؟
لم يتطرق مجلس الوزراء في جلسته امس الى سبل مواجهة قرار الاتحاد الاوروبي، لكن وزير التربية وزير الاعلام بالوكالة عباس الحلبي قال لـ«الجمهورية» بعد الجلسة: «ان الحكومة قررت تشكيل لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الحكومة للتواصل مع الحكومة السورية، وسيسمّي مجلس الوزراء اعضاءها في جلسته المقبلة، وستكون مهمتها التنسيق مع سوريا من اجل إعادة النازحين، وباتت لدينا معايير موحدة لترحيل النازحين غير المسجلين رسمياً وغير الحاصلين على إقامات شرعية والموجودين لأسباب اقتصادية والمحكومين بجرائم مختلفة. لكن بالطبع الدولة عاجزة عن ترحيل مليوني نازح دفعة واحدة ولن يصدّق احد انه يمكننا ذلك، لكننا نعمل على تخفيف وجود غير الشرعيين منهم قدر المستطاع».
واضاف الحلبي: «لدى لبنان قرار سياسي سيادي وسينفذه ولا نريد إذن الاوروبي وغير الاوروبي لتنفيذه، والاجراءات التي قررتها الحكومة والجهات المعنية ستستمر».
وفي سياق الحركة حول الموضوع، وبعد عرضه خطة عمل الحكومة التي تمّ عرضها امام مؤتمر بروكسل الاوروبي، يستأنف الوزير عبد الله بوحبيب اليوم لقاءاته في العاصمة البلجيكية بلقاء وزيرة خارجية بلجيكا ووزيرة التعاون الدولي، ومسؤولين آخرين، على أن ينتقل بعدها الى باريس لإجراء لقاءات ومواعيد «مقررة سابقاً» تتعلق بمسألة النزوح السوري وقضايا أخرى تهمّ الطرفين اللبناني والفرنسي.
الجنوب
على صعيد الوضع الميداني في الجنوب، تراجعت نسبياً حدة المواجهات من الجانبين على ما كانت عليه من يوم السبت الماضي من حِديّة، وقد استهدفت المدفعية الاسرائيلية المزارعين في سهل مرجعيون، كما استهدفت وادي حامول واطراف بلدة الناقورة. وطاول القصف أطراف كفرحمام وراشيا الفخار فيما حلّق الطيران الحربي الاسرائيلي فوق مزارع شبعا والعرقوب واغار على بلدة مارون الراس.
واعلن «حزب الله» انه شن صباح امس «هجوما ناريا مركزا ومن مسافة قصيرة بالصواريخ الموجهة وقذائف المدفعية والأسلحة المباشرة، استهدفَ موقع رامية وحاميته وتجهيزاته وتموضوعات جنوده وحقق فيه إصابات مباشرة».
واعلن بعد الظهر «استهداف انتشار لجنود إسرائيليين في محيط موقع السماقة بتلال كفرشوبا وتحقيق إصابة مباشرة». ثم استهدف عند الغروب موقع السماقة مجدداً بالاسلحة المناسبة.
واعلنت وسائل إعلام إسرائيلية «تقريراً أولياً عن انفجار طائرة بلا طيار انتحارية في «هاردوف» (مزارع شبعا اللبنانية المحتلة)، وإطلاق صواريخ من لبنان في اتجاه منطقة «أفيفيم»، فيما دوّت صفارات الإنذار في مستعمرتي مسكفعام والمطلة في إصبع الجليل.
ولاحقاً، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريح له من منطقة الحدود مع لبنان: «اننا ملتزمون بإعادة السكان سالمين إلى منازلهم».
وقالت القناة 12 العبرية انه «بعد 8 أشهر من الحرب، حددت وزارة الحرب الإسرائيلية 930 حالة ضرر بالمباني في 86 مستوطنة في الجليل الأعلى والغربي، ويقدّر عدد من المسؤولين في وزارة الحرب أنه في المجتمعات التي عانت أكبر الأضرار، لن يتمكن السكان من العودة إلى منازلهم إلا بعد مرور عام على انتهاء القتال».
وبحسب وزارة الحرب الإسرائيلية، توزعت الأضرار الـ930 في المستوطنات الشمالية بين المنازل والمباني العامة والبنى التحتية، وتمّ تصنيف 318 ضرراً على أنه ضرر جسيم. وبعد كيبوتس المنارة ( 130 تقريرًا عن الأضرار)، فإنّ المستوطنات التي تعرضت لأكبر الأضرار هي: كريات شمونة (124 تقريرًا عن الأضرار)، شلومي (113 تقريرًا عن الأضرار)، عرب العرامشة (99 تقريرًا عن الأضرار) وشتولا (62 تقريرًا عن الأضرار). والسبب في الضرر الأكبر الذي لحق بهذه المستوطنات هو قربها من الحدود، وخطوط الرؤية الملائمة لـ«حزب الله»، ووجود قوات الجيش الإسرائيلي في داخلها.
وقال رئيس مجلس الجليل الأعلى الإقليمي: «هناك مجتمعات بكاملها لن تتمكن من العودة إلى ديارها في نهاية الحرب، ونحن في المجلس نقدّر أن العدد يتراوح بين 2 إلى 4 مستوطنات، وبدأنا نحاول تقديم الحلول لهم داخل أراضي المجلس، الواقع هنا لا يُطاق، أجهزة إنذار وصواريخ وصواريخ مضادة للدروع ونيران».
اما رئيس منتدى خط النزاع عند الحدود الشمالية مع لبنان فقال: «هناك بالفعل عدد لا بأس به من العائلات على طول خط النزاع لن تعود إلى منازلها حتى لو أُعيد بناء المستوطنات، رفع الناس أيديهم وقرروا الانتقال من هذا المكان، إنه أمر مؤلم».
وقال مراسل القناة 12 العبرية في الشمال: «من لا ينظر إلى ما يحدث في الجليل الآن، قد يُصدم بنهاية الحرب عندما تنهار المنطقة بأكملها اجتماعياً واقتصادياً».
واضاف: «في كل يوم يمر، يغادر مزيد من العائلات من الشمال في شكل دائم، إن ترميم هذه الأرض لا يقتصر على بناء المنازل أو الأعمال التجارية فحسب، بل يشمل مجتمعات بكاملها تم تفكيكها وستستغرق عملية إعادة البناء أجيالاً».
قرار «سياسي بامتياز»
من جهة ثانية وفي خطوة لافتة في توقيتها وشكلها والمضمون، قرر المجلس الدستوري في جلسة عقدها صباح أمس بكامل اعضائه العشرة «قبول الطعون الثلاثة في قانون التمديد للبلديات شكلاً، ورد المراجعات أساساً»، بعدما نال سبعة أصوات من عشرة.
وبرر المجلس قراره بـ«تحصين القانون المطعون فيه بتفسيره بأنه خلال فترة التمديد وعند زوال الظرف الاستثنائي، يسنّ المجلس النيابي قانونا جديدا يحدد فيه موعد الانتخابات». وهو ما عَدّته مراجع قانونية ودستورية عبر «الجمهورية» بأنه قرار «سياسي بامتياز». فالطعون حملت ملاحظات أساسية ومتينة تمسّ القانون في شكله وجوهره ما يؤدي الى الطعن به»، لكنّ المجلس على ما يبدو برّر قراره بالعودة الى «منطق المصلحة العامة» لاستحالة العودة الى اجراء الانتخابات في ظل الظروف الراهنة التي تمنع اجراءها على مساحة لبنان دفعة واحدة». كما ان الاقرار بشل البلديات سيؤدي الى معضلة تتعدى ما هو اخطر مما تعانيه اليوم من صعوبات مادية وادارية.
وكان المجلس قد التأم بجميع اعضائه، برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب وحضور نائب الرئيس القاضي عمر حمزة والأعضاء القضاة: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، البرت سرحان، رياض أبو غيدا، ميشال طرزي، فوزات فرحات، الياس مشرقاني وميراي نجم. وقد خالف القرار ثلاثة من اعضائه هم: طرزي ومشرقاني وسرحان.
ولفت القرار في خاتمته الى ما تقتضيه الأصول، فهو قرار غير قابل لأي شكل من اشكال المراجعة، وقد وجبَ أن «يبلّغ الى رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب، رئاسة مجلس الوزراء وأن يُنشَر في الجريدة الرسمية».