انتهى اليوم اللبناني ـ القبرصي الطويل باستيعاب الأزمة الناشبة بين لبنان وقبرص، والذي قد يُتوّج بزيارة مسؤول قبرصي رفيع للبنان قريباً. ولم ينسحب هذا المشهد على الجبهة الجنوبية التي بقيت مفتوحة على كل الاحتمالات، نتيجة استمرار التهديد الاسرائيلي وتخوف واشنطن من احتمال نشوب حرب واسعة على هذه الجبهة في حال تلاشي الفرص المتاحة لهذا الامر. في الوقت الذي يستمر الاستحقاق الرئاسي دائراً في الحلقة المفرغة.
نقلت شبكة CNN عن مسؤول أميركي رفيع قوله أمس، انّ «احتمال اندلاع حرب بين إسرائيل و«حزب الله» يتزايد مع تلاشي فرص التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحركة «حماس». وأضاف «انّ إسرائيل أبلغت إلى واشنطن مخاوفها من تعرّض القبة الحديدية لهجمات واسعة النطاق من «حزب الله».
وفي هذه الأثناء نقل موقع «أكسيوس» عـن مصادر مطلعة، انّ اجتماع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين مساء الثلثاء كان سيئاً. وقال هوكشتاين، إنّ «الاتهامات في شأن حجب الأسلحة كاذبة». واضاف، انّ «الخلاف الجديد بين نتنياهو وإدارة بايدن يعرقل جهود التهدئة وتجنّب الحرب مع «حزب الله». واعتبر انّ تصرف نتنياهو «يخلق فجوة بين الحليفين تؤدي لتآكل الردع الإسرائيلي في نظر حزب الله».
وذكر الموقع، انّ فريق بايدن كان غاضباً ومصدوماً من نتنياهو، وانّ مسؤولين قالوا إنّه «غير متزن».
وقالت هيئة البث الاسرائيلية («كان»)، انّ الولايات المتحدة حذّرت لبنان من انّها ستدعم أي هجوم إسرائيلي عليه إن لم يوقف «حزب الله» هجماته اليومية على شمال إسرائيل».
وذكرت الهيئة في تقريرها، انّ هوكشتاين شدّد على أنّ إنهاء النزاع بين «حزب الله» وإسرائيل بطريقة ديبلوماسية وبسرعة «أمر مُلحّ». ونقلت عنه قوله لمسؤولي لبنان، إنّه «إذا لم يوقف «حزب الله» هجماته اليومية على شمال إسرائيل، فقد يجد نفسه هدفاً لعملية إسرائيلية محدودة». واوضح أنّ «هناك حاجة إلى حل ديبلوماسي لإجبار «حزب الله» على التراجع عن الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، وإلّا فإنّ إسرائيل يمكن أن تشنّ هجوماً محدوداً بدعم من الولايات المتحدة».
الى ذلك، قال الاتحاد الأوروبي امس «نعمل مع الأطراف الإقليمية لمنع نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله». ولكنه اضاف حسب قناة «العربية»: «لا نستطيع وقف أي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله». وتابع: «سنساعد الجيش اللبناني في المحافظة على السلام في جنوب البلاد». واستكمل: «آخر ما يحتاجه لبنان حرباً طويلة الأمد». واعتبر انّ «أي تهديد للدول الأعضاء (في الاتحاد) غير مقبول». وذلك في إشارة الى التحذيرات التي وجّهها الامين العام لحزب الله إلى قبرص أمس الاول.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تلقّى اتصالاً امس من وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، تمّ خلاله البحث في العلاقات بين البلدين والوضع في لبنان والمنطقة.
وخلال الاتصال، أبدى كاميرون «استعداد بلاده للقيام بأي اتصالات ومساع لتخفيف حدّة التوتر في جنوب لبنان وتثبيت الهدوء والأمن والاستقرار».
عملية برية
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن الرئيس السابق للمكتب الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب نيتزان نورييل، قوله «إنني أعتقد أنّه في غضون أسابيع قليلة سنشهد عملية إسرائيلية في لبنان وستستمر أشهراً». وأشار إلى أنّ «العملية البرية للجيش الإسرائيلي سيكون هدفها دفع «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، على مسافة نحو 30 كيلومتراً من الحدود الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة». وأضاف أنّ «العملية ستترافق مع غارات جوية عبر الأراضي اللبنانية، ليظهر لهم الثمن الذي سيدفعونه».
وأوضح نورييل أنّ «التصريحات الإسرائيلية تعني أنّه نفد صبرنا. وإذا لم تتمكنوا من التوصل إلى اتفاق يمكننا التعايش معه، (الحرب) هي خطوتنا التالية». وقال: «الناس، خصوصاً بعد 7 تشرين الأول، يخشون سيناريوهين: هجوم بري أو صواريخ على منازلهم»، وأعرب عن اعتقاده أنّ «التوترات قد تستمر إلى ما بعد أيلول». واعتبر أنّ «القرار يعود إلى نتنياهو، لذلك فإنّ الأمر يبدأ وينتهي مع نتنياهو».
من جهتها، أشارت المسؤولة السابقة في استخبارات الجيش الإسرائيلي ساريت زيهافي، إلى أنّ «اسرائيل «مهتمّة بوقف إطلاق النار أكثر من الحرب وخصوصاً إذا واجهت حملة متعدّدة الجبهات تديرها إيران».
في حين قال وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني، إنّه إذا أصرّت إسرائيل على أخطائها وقرّرت توسيع رقعة الحرب إلى أماكن أخرى في المنطقة من بينها لبنان، «فعليها أن تعلم أنّ طاقات جديدة ستُفعّل ضدّها».
اغتيالات وردود
وعلى الجبهة الجنوبية وبعد ليل من الاعتداءات على قرى الجنوب وعمليات مؤثرة للمقاومة ضدّ المواقع الاسرائيلية في الاراضي المحتلة، وبعد هدوء صباحي امس ساد القرى، أغارت طائرة اسرائيلية مُسيّرة بأربعة صواريخ على سيارة في بلدة دير كيفا، ما ادّى الى سقوط عباس ابراهيم حمزة الذي نعاه «حزب الله» «شهيداً على طريق القدس». فيما وصفه الجيش لإسرائيلي بأنّه «قائد عمليات منطقة جويا في «حزب الله».
وأغار الطيران الحربي الاسرائيلي على مرتفعات الريحان، فيما تعرّضت أطراف بلدة كفركلا وتلة العزية في اتجاه ديرميماس لقصف مدفعي قبيل مراسم تشييع الشهيد وهبي إبراهيم، وطاول القصف مدينة الخيام، فيما تعرّضت منطقة بئر كلاب في مرتفعات اقليم التفاح لقصف جوي بصاروخين. وعصراً اغارت طائرة مسيّرة على سيارة بيك آب على طريق حناويه في قضاء صور، وسقط جريحان، فيما اغار الطيران على بلدة يارون. واعلنت «المقاومة الإسلامية» انّها قصفت «ثكنة زرعيت» بعشرات صواريخ الكاتيوشا، وموقع رويسات العلم بالرشاشات الثقيلة وتجمعاً للجنود داخل موقع السماقة في مرتفعات كفر شوبا. كذلك قصفت موقع «زبدين» في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وموقع الناقورة البحري. وافادت قناة 12 العبرية انّ 25 صاروخًا انطلقت من لبنان وسقطت في الجليل الغربي.
الأزمة مع قبرص
في غضون ذلك، نجحت الاتصالات التي نشطت امس في مختلف الاتجاهات في استيعاب الأزمة السياسية ـ الديبلوماسية التي نشبت خلال اليومين الماضيين بين لبنان وقبرص بعد تحذير الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله السلطات القبرضية من استخدام اسرائيل قواعدها العسكرية والجوية لشن اي عدوان على لبنان، وزادتها بلبلة معلومات عن إقفال السفارة القبرصية في لبنان، تبين انّها غير صحيحة، وانّ الاقفال كان مقرّراً سلفا وليوم واحد لإجراءات تتعلق بتأشيرات السفر، وستعاود السفارة عملها المعتاد اليوم..
وقد حوصرت الأزمة وعولجت في مهدها، بنتيجة مواقف صدرت عن مسؤولين قبارصة كبار، وعن وزارة الخارجية اللبنانية. فبعدما كان صدر اول تعليق قبرصي على كلام نصرالله من تل ابيب مساء امس الاول على لسان سفير قبرص لدى إسرائيل كورنيليوس كورنيليو، الذي قال بكلام تهديدي وتحذيري: «بالطبع سنردّ على تهديدات نصرالله، ونحن نعمل بتنسيق وثيق مع إسرائيل»، عمل الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس على تلطيف كلام سفيره فقال: «إنّ قبرص غير متورطة في أي نزاعات عسكرية، وتضع نفسها كجزء من الحل وليس المشكلة. وأنّ ممرنا الإنساني نحو غزة هو شهادة على التزامنا بالسلام والاستقرار، فقبرص ليست جزءاً من المشكلة، بل هي جزء من الحل». واضاف: «أنّ قبرص لديها قنوات ديبلوماسية مفتوحة مع كل من حكومة لبنان وحكومة إيران. والحكومة ستعالج القضية عبر القنوات الديبلوماسية».
ولاحقاً، قال المتحدث باسم الحكومة القبرصية انّه «لن يتمّ منح أي دولة الإذن بإجراء عمليات عسكرية عبر قبرص. وأنّ علاقات جمهورية قبرص مع لبنان ممتازة». واكّد أنّ «قبرص ليست منخرطة ولن تشارك في أي صراعات حربية» .
وفي هذه الاثناء، اكّدت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان «انّ العلاقات اللبنانية- القبرصية تستند إلى تاريخ حافل من التعاون الديبلوماسي، وانّ التواصل والتشاور الثنائي قائم وبوتيرة مستمرة ودائمة على أعلى المستويات بين البلدين بهدف البحث في القضايا ذات المصالح المشتركة».
واتصل وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بنظيره القبرصي كونستانتينوس كومبوس، وأكّد له «تعويل لبنان الدائم على الدور الإيجابي الذي تلعبه قبرص في دعم الاستقرار في المنطقة». فردّ كومبوس مؤكّداً مضمون البيان الصادر عن الرئيس القبرصي أمس، من انّ بلاده «تأمل ان تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة». وشدّد على «انّ قبرص ليست في وارد التورط بأي شكل من الأشكال في الحرب الدائرة في المنطقة». وأوضح انّ قرار إقفال السفارة القبرصية ابوابها ليوم واحد أمس «كان محدّداً مسبقاً لأسباب ادارية تتعلق بنظام التأشيرات، وهي ستعاود العمل كالمعتاد بدءاً من الغد (اليوم).
وشدّد الوزيران على «عمق علاقات الصداقة التي تربط البلدين واهمية تعزيز التعاون الثنائي بينهما لما فيه مصلحة الشعبين».
وتوقّعت مصادر انّ يزور مسؤول قبرصي رفيع المستوى بيروت قريباً لعقد اجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين «لوضع الامورفي نصابها، واستكمال البحث في ما بدأه الرئيس القبرصي خلال زيارته الاخيرة لبيروت حول موضوع الهجرة غير الشرعية للاجئين من لبنان».
حراك «التقدمي»: لا إيجابية
على الصعيد الرئاسي، بدا انّ الاستحقاق الدستوري لا يزال في عطلة العيد، لكن خرقه استقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط مع وفد من «اللقاء» وقيادة الحزب، وجرى عرض لآخر تطورات الأوضاع السياسية والمستجدات، لا سيما منها المساعي المتصلة بالملف الرئاسي وأجواء الإتصالات التي أجراها «اللقاء الديموقراطي» مع الأطراف السياسية والكتل النيابية.
وقال عضو «الحزب التقدمي الاشتراكي» غازي العريضي بإسم الوفد انّ «تيمور بيك نقل موقف «اللقاء الديموقراطي» والحزب التقدمي الإشتراكي وخلاصة الإتصالات والمشاورات التي جرت مع كل الكتل النيابية، في محاولة للوصول الى تفاهم والخروج من المأزق للوصول الى إنتخاب رئيس للجمهورية ثم تشكيل حكومة وإعادة إطلاق عمل المؤسسات». واضاف: «لم نتوصل في هذه المرحلة إلى نتائج إيجابية كما كنا نأمل، لكن التحرك لن يتوقف، إذ لا خيار أمامنا كلبنانيين إلّا التشاور بعضنا مع بعض لنصل إلى النتيجة المرجوة، آخذين في الإعتبار الواقع الداخلي الصعب والمأزوم على كل المستويات، وما يحذّر منه الكثيرون من زوال الكيان اللبناني، وأيضاً ما يجري في المنطقة والتداعيات السلبية التي يمكن أن تصل إلينا».
وختم: «لذلك الدعوة بالنسبة إلينا هي هي، ونحن سنواصل تحرّكنا مجدداً، بنَفس طويل وبصبر، هذا هو خيار الحزب الأساسي، وهذا هو التوجّه الذي نستند إليه، والتجارب كما سبق وذكرنا أكثر من مرّة، خضنا كل التجارب وكنا نذهب دائماً إلى إتفاقات، نأمل أن تنتهي المسألة بهذا الشكل في أقرب وقت».