IMLebanon

الجمهورية: الطروحات الخلافية لتسخين السجال وشَل المجلس… نصرالله: جاهزون للأسوأ

 

لا حدّ مرسوماً لدوران عقارب الساعة الرئاسية، حتى الآن قطعت مسافة عشرين شهرا من الفراغ في رئاسة الجمهورية، وها هي توشِك أن تتجاوز نصف مسافة الشهر الحادي والعشرين، تدور وتدور على حريّتها، بلا لجام او زمام، وتُراكم ايّاماً ميّتة في عداد التعطيل، مستمدة قوّتها وحيويتها من حلبة خاوية من السياسة، وطافحة بمجموعة عقارب سياسية تلسع كل جهد او مبادرة او محاولة او وساطة تسعى الى رسم خط النهاية لهذا الدوران العبثي، وقرع جرس الانتخاب.

عقارب الساعة مستمرة في دورانها في حلقة التعطيل، وليس من يوقفها؛ تجاوزت حتى الآن سنتين وشهرين من عمر المجلس النيابي، وكلّ يوم إضافي يموت يعزّز اكثر فأكثر المقولة التي تردّدت وما زالت تتردد بأنّ هذا المجلس بخريطته السياسية الأكثر صدامية والأقلّ انتاجية من بين كلّ المجالس النيابية السابقة له، ليس مقدّراً له أن يحظى بشرف انتخاب رئيس للجمهورية.

 

واذا كانت أشهر التعطيل الـ21 قد أكدت بما لا يقبل أدنى شك استحالة استخراج الترياق الرئاسي من سمّ العقارب السياسية، إلا أنّ مفعول هذا السمّ ليس دائماً بل هو مؤقت مهما طال أمده. وبالتالي، فإنّ الرهان يبقى على الزمن لينطق بكلمته السحرية أمام مغارة التعطيل؛ إما في لحظة استفاقة مفاجئة للنائمين على حرير التعطيل تفتح الباب الرئاسي، وإما في لحظة تفرضها ظروف يصبح فيها طابخ السمّ آكله، ولا تنفع فيها لا عراضات ولا مزايدات ولا شعبويات ولا استعراضات ولا اصطفافات ولا خداع الناس بعناوين وشعارات فارغة.

 

ملهاة

والى أن تحين تلك اللحظة، تتوالى فصول الملهاة على المسرح الرئاسي، ووقت اضافي يهدر بتكرار اسطوانة مهترئة بمفرداتها وعناوينها وشعاراتها الفارغة، مَلّ اللبنانيون سماعها، بل لا تعدو اكثر من محاولة تذكيرية بوجود مكرّرها لا اكثر ولا أقل.

 

اللجنة الخماسية، وكما يؤكّد كل العاملين على خطّ المبادرات والوساطات، أزاحَت الحمل عن كاهلها، وما يسمّى مسعاها اصطدم بعائق اساسي تجلّى في الخلافات العميقة في وجهات النظر بين اطرافها ومفاضلات متناقضة لبعض اسماء المرشحين، وفيتوات معلنة وغير معلنة على بعض الاسماء. ما جَعلها عاجزة عن تسويق مهمتها بين التناقضات السياسية.

 

وعلى ما هو مؤكد للمراجع المسؤولة فإنّ اللجنة الخماسية انكفأت بشكل نهائي الى خلف المشهد الرئاسي بعد اجتماعها الأخير في السفارة الاميركية منتصف ايار الماضي، وخَلصت فيه إلى بيان ختامي ألقت فيه مسؤولية اتمام الاستحقاق الرئاسي على اللبنانيين. ومنذ ذلك الحين صار الشغل بالمفرّق يُعبَّر عنه في مقاربات خجولة لهذا الملف من قبل بعض اطرافها. حتى أن هذه المقاربات قد تدخل في استراحة لبعض الوقت، خصوصاً أنّ لا شيء لا آنياً ولا لاحقاً في يد الخماسية لتقدّمه، وأجندتها للمرحلة المقبلة تلحظ سفرات واجازات صيفية خاصة لبعض سفرائها في بلدانهم.

 

تسخين السجال

وإذا كانت كلّ الحراكات الداخلية بدءاً بما سُمّيت مبادرة الاعتدال، ثم مبادرة اللقاء الديموقراطي، ثم مبادرة التيار الوطني الحر، ثم ما سُمّيت بخريطة المعارضة بالامس، قد انتهت الى مصير واحد هو الفشل في إحراز اي تقدم يذكر على الخط الرئاسي، الا انّ الفارق بينها، على ما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، هو ان الحراكات السابقة رغم انها فشلت الا انها طرحت بسلاسة وانتهت بسلاسة، خلافاً لـ»خريطة المعارضة» التي قدمت في اليومين الماضيين، ولم يتأخر الوقت حتى واكَبها خطاب ساخن واتهامات لفريق الممانعة تصدرها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

 

وبحسب المسؤول عينه انّ ما سمّيت «خريطة المعارضة» لم تكن اكثر من محاولة للتذاكي على القوى السياسية لتسويق طرح «القوات اللبنانية» التي تُدرك قبل غيرها انه طرح خلافي مع سائر القوى السياسية. وبالتالي، فإنّ القصد من طرح هذه الخريطة الخلافية، ليس فتح المعبر الرئاسي، بل إبقاء السجال حول الملف الرئاسي ساخناً ومعلقاً على خطّ التوتر العالي، كغطاء واضح للهروب من التوافق الذي لا مفر منه في نهاية المطاف لإتمام الاستحقاق الرئاسي».

 

عُرف جديد: شلّ المجلس

وربطاً بطرح «القوات» المسمّى «خريطة المعارضة»، لاحظت مصادر مجلسية مسؤولة انه اذا كانت هذه الخريطة قد لحظت اعتراضا واضحا على فرض اعراف جديدة مثل الحوار او التشاور السابق للانتخابات الرئاسية على نحو ما يدعو إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الا انها في جوهرها تقود الى فَرض عرف جديد غير مألوف في الانتخابات الرئاسية السابقة، أي عقد جلسة انتخاب مفتوحة الى حين انتخاب رئيس الجمهورية. ولنسلّم معهم بإجراء مشاورات مفتوحة على هامش الجلسة، فهذه المشاورات يمكن ان تصل الى توافق سريعاً، ويمكن ايضا الّا تصل الى توافق لا في يوم ولا في اسبوع ولا في شهر وربما اكثر من ذلك، ونتيجة كلّ ذلك هي شلّ المجلس النيابي وتعطيل دوره التشريعي، خصوصاً ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية، وفقاً للمادة 75 من الدستور، يفقد صفته التسريعية ويصبح هيئة ناخبة «يترتب عليها انتخاب الرئيس من دون مناقشة او اي عمل آخر».

 

لا جديد فيها

وكانت مجموعة نواب المعارضة قد أجرت سلسلة لقاءات في مجلس النواب مع عدد من الكتل النيابية ونواب مستقلين وتغييريين، وكان اللافت في غضون تلك اللقاءات التقييم الذي قدمه عضو اللقاء الديموقراطي النائب وائل ابو فاعور لـ«خريطة المعارضة»، حيث قال بعد لقاء نواب المعارضة وفدَ نواب اللقاء الديموقراطي في المجلس أمس: «إستمعنا إلى الطرح الجديد الذي يحملونه. الأمر الإيجابي أن هناك تحركا داخليا، ولكن في ما يتعلق بالطرح فللأسف لم نر أن هناك عناصر وأفكاراً سياسية جديدة ممكن أن تقود الاستحقاق السياسي قُدماً».

 

وقال: «لنعد إلى تاريخنا اللبناني القريب ولنر كم من المرات عقدت جلسات حوار وأدّت إلى نتائج إيجابية. لا يصحّ أن نقول اليوم إنّ الحوار يثير الكثير من الهواجس بينما شاركنا في حوارات سابقة، ولم نسجّل أي سوابق ولم نُمأسِس هذا الحوار ولم نخلق سوابق دستورية أو مؤسسات جديدة تنازع المؤسسات الدستورية، لذلك موقفنا كلقاء ديمقراطي أننا نرى في الحوار معبرا جيدا يجب أن يقتنع فيه الجميع للوصول إلى تفاهم حول انتخاب رئيس، لأنّ توازنات المجلس هي هكذا وتوازنات الوطن هي هكذا، ويجب عدم استسهال استمرار الفراغ الدستوري في رئاسة الجمهورية وتأثيراته السلبية على حاضر لبنان ومستقبله.

 

التيار يتجاوَب

واعلن التيار الوطني الحر تجاوبه مع اقتراحي نوّاب المعارضة في سبيل التشاور لانتخاب الرئيس. وقال: يمكن للبعض اعتبار ما تمّ تقديمه من نواب المعارضة من نصٍّ مكتوب للاقتراحين كعُرف جديد يتمّ ادخاله على الدستور، فيما نحن لا نعتبره كذلك طالما كلّنا متفقون وملتزمون، كلاماً وكتابةً، على عدم اعتبار اي صيغة تشاور عرفًا دستوريًا جديدًا، بل هي حالة استثنائية تستدعي القيام بمحاولة للتفاهم على الرئيس والاّ انتخابه بالتنافس الديمقراطي».

 

وناشَد التيار «الجانبين المتنازعين على هذه الشكليّات، المعارضة والممانعة، وجوب تَخطّيها كما يبدي استعداده لتقديم الحلول المناسبة لها، طالما انّه اصبح متوافقاً عليه ان الاساس هو التشاور في محاولة للتفاهم على رئيس توافقي، وفي حال فشل ذلك، فإنّ الالتزام من الجميع هو تأمين النصاب اللازم لعقد جلسات ودورات متتالية تضمن انتخاب الرئيس كما هو منصوص عنه في الدستور».

 

ترقّب المفاوضات

امّا على المقلب الجنوبي، فالوضع على حاله من الغليان على امتداد المنطقة الحدودية، فيما توجّهت الانظار امس الى الدوحة رصداً للمفاوضات الرامية الى إنضاج صفقة لإنهاء الحرب بين اسرائيل وحركة «حماس»، تتمدّد تلقائياً الى جبهة لبنان.

 

وعلى ما يُجمع كل المراقبين فإنّ مفاوضات الصفقة باتت في مرحلة الحسم، والساعات القليلة المقبلة كفيلة بأن تحدّد المسار إمّا في اتجاه توسيع مساحة الامل في انتهاء الحرب الممتدة من غزة الى جنوب لبنان، او في اتجاه توسيع مساحة القلق من انفجار واسع يُدخل المنطقة برمّتها في أتون حرب لا احد يعرف كيف تبدأ ولا كيف ستنتهي واي تداعيات او متغيرات او تحولات ستنتج عنها.

 

وحتى ساعات ما قبل انعقاد المفاوضات، كان الغموض مُتسيّداً كل تقديرات المعلّقين والمحللين، خصوصا انها تقاطعت على إثارة شكوك في جديّة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في بلوغ هذه الصفقة. الا انها برغم ذلك، وكذلك برغم تصعيد التهديدات من مستويات اسرائيلية مختلفة، لا تلغي احتمال بلوغ ايجابيات تؤسس لاتفاق خلال الايام القليلة المقبلة.

 

الى ذلك، وفيما ركّز الاعلام الاسرائيلي على اهمية الصفقة، مشدداً على العمل لإنجاز صفقة تبادل للاسرى ووقف اطلاق النار، مُنبّهاً الى ان الصفقة امر سيئ لكن البديل اسوأ بكثير»، قال زعيم المعارضة الاسرائيلية انه لا يمكن استمرار الحرب إلى الأبد ولا يمكن تجنيد الاحتياط طويلاً واقتصادنا لا يتحمّل. ونقلت صحيفة معاريف عنه قوله: أعتقد أن «حماس» اتخذت خطوات لجعل صفقة إعادة المختطفين ممكنة.

 

نصرالله: وقف العدوان

الى ذلك، اعلن الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أن «حركة حماس تفاوِض عن نفسها وعن كل محور المقاومة، وما توافق عليه نقبل به جميعاً». ولفت الى ان «الاطراف الدولية تدرك أن وقف إطلاق النار في شمالي إسرائيل مرتبط بوقف العدوان على غزة».

 

واكد نصرالله في كلمة له في الاحتفال التأبيني الذي أقامه «حزب الله» للقيادي محمد نعمة ناصر «الحاج أبو نعمة» في مجمع الإمام المجتبى في الضاحية الجنوبية أمس «ان العدو سيضطر الى وقف الحرب».

 

واشار الى أن مساحة رفح 64 كلم2 والمدينة الادارية 27 كلم2. وفي هذه المساحة الضيقة هناك عدة فرق اسرائيلية متمركزة وكانوا قد أعلنوا عن 3 اسابيع للحسم، اليوم لقد مر شهران و4 ايام من دون حسم، ومَن يهددنا باجتياح جنوب الليطاني فلينظر إلى ما يجري في رفح حيث فشل في تحقيق نصر».

 

واكد أن «إبعاد حزب الله 8 أو 10 كيلومترات عن الحدود كما يقول العدو لن يحلّ مشكلته»، وتوجّهَ الى الجيش الاسرائيلي بالقول: «عندما تطلّ دباباتك تعرف من ينتظرها.. رُماتنا ماهرون». وقال: «اذا حصل وقف لإطلاق نار في غزة سنوقف اطلاق النار في الجنوب من دون اي مفاوضات، ولكن اذا اعتدى علينا الاسرائيلي فنحن جاهزون للرد، ويجب ان نبقى حذرين والبناء على أسوأ الاحتمالات، ونحن نستعد بشكل دائم، واذا اراد نتنياهو الاستمرار بالمعركة فإنه سيأخذ كيانه الى الخراب».

 

الوضع الميداني

ميدانياً، الاعتداءات الاسرائيلية على وتيرتها العالية، وترجمت بغارات جوية عنيفة وقصف مدفعي وفوسفوري على العديد من البلدات، ولقد ترافقَ ذلك مع تحليق مكثف للطيران الحربي الذي وصل في طلعاته الى اجواء العاصمة بيروت وخرق جدار الصوت.

 

وشملت الغارت الجوية بلدة الطيبة على أربع دفعات متتالية، ومنزلاً في ساحة بلدة طير حرفا. وطال القصف المدفعي والفوسفوري احراج الهبارية ما أدى الى اندلاع حرائق.

في المقابل اعلن «حزب الله» ان المقاومة الاسلامية استهدفت امس مرابض مدفعية العدو في الزاعورة في الجولان السوري المحتل.

 

اسرائيل تتوعّد

الى ذلك، دعا وزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الى «ضرب «حزب الله» ولبنان بلا رحمة»، فيما نقلت شبكة «سي ان ان» عن رئيس المجلس الإقليمي للجولان أوري كالنر قوله: «لقد فقدنا أرواح سكان من مجتمع الجولان، لذلك ندعو حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي إلى حماية سكان الجولان، ووقف سياسة ضبط النفس، ومهاجمة أعدائنا بالقوة، واستعادة الأمن لسكان الشمال والجولان. يجب ان ينتقل الهجوم إلى الجانب الآخر من الحدود، إلى أراضي العدو».

الا انّ معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيليّ «INSS» نشر تقريراً عن الأضرار المحتملة للجبهة الداخلية في حالة اندلاع حرب واسعة النطاق مع «حزب الله». وقال التقرير: من المرجّح أن تكون الحرب التي تهدف إلى إزالة تهديد «حزب الله» طويلة، ولها عواقب وخيمة على سكان إسرائيل والبنية التحتية الحيوية». مشيراً الى أنّ لدى الحزب القدرات العسكرية اللازمة لشن حرب طويلة الأمد للغاية، وربما تستمر لعدة أشهر، وتسبّب أضراراً جسيمة لإسرائيل».

 

واشار التقرير الى انه في أي قرار يتخذ في إسرائيل بشأن توسيع نطاق الحرب في الشمال، ينبغي إيلاء اعتبار جدي للمناخ العام الحالي في إسرائيل، والنقاش العام والسياسي العام، بما في ذلك حول مستقبل الحرب في غزة، والتراجع الواضح في قدرة إسرائيل على الصمود. ومن الضروري مراعاة الرأي العام الإسرائيلي ومستوى موافقة الجمهور على هذه الحرب وأهدافها. ما دامت الحرب في غزة مستمرة، يجب على إسرائيل تجنّب الانجرار إلى حرب متعددة الجبهات وشديدة ويجب أن تنظر بعناية في التوقيت المناسب لمثل هذا الاحتمال الخطير. بطبيعة الحال، إذا بدأ «حزب الله» تصعيداً كبيراً أو تَسبّب فيه بوضوح، فيجب على إسرائيل الرد بطريقة محسوبة ومتناسبة»، واذا اندلعت حرب شاملة مع «حزب الله»، فيجب على إسرائيل أن تسعى جاهدة لتشكيل هذه الحرب لتكون قصيرة المدّة ومحصورة إقليمياً قدر الإمكان، بهدف إلحاق أقل قدر ممكن من الأضرار المادية والمعنوية بالجبهة الداخلية الإسرائيلية».

 

الى ذلك، اشار الاعلام الاسرائيلي الى أنّ «حزب الله» هو من يضع قواعد اللعبة في الشمال، ويحتجز منطقة كاملة من الأرض كرهينة، ومن أجل استعادة صورة إسرائيل، خاصة في نظر الجمهور الإسرائيلي داخلياً، ينفذ الجيش الإسرائيلي اغتيالات ضد أشخاص في «حزب الله» أو «حماس» والذين يحلّ مكانهم أشخاص بشكل أسرع من استبدال مخزن السلاح. وفي النهاية، إسرائيل تتعثر وتتعثر وتتعثر من دون استراتيجية، والحكومة لا تقدم حلاً حقيقياً وطويل الأمد، وفي هذه الفوضى، من يدفع الثمن هم الجنود الذين يسقطون».