IMLebanon

الجمهورية: الحراك الرئاسي في مواجهة رافضي التوافق وصفقة التبادل تسابق التصعيد

 

طالما أنّ أطرافاً داخلية ما زالت متمَوضعة في مربّع التعطيل، وترفع البطاقة الحمراء عمداً في وجه رئاسة الجمهورية، وتزرع الألغام السياسية والشعبوية في طريقه، فلا يعوّل على أيّ حراك أو جهد لتحريك الملف الرئاسي وحسمه في المدى المنظور، وضمن فترة لا تتعدّى نهاية السنة الحالية.

أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري إطلاق مبادرته للتوافق، وحدّد فيها المسار الإلزامي لانتخاب رئيس للجمهورية عبر أوسع توافق داخلي عليه، لكن قبل أن يجفّ حبرها، بادرت “القوات اللبنانية” إلى التجييش ضدّها وبناء المعوّقات في طريقها، وقطع طريق الحوار أو التشاور الذي ينشده بري كأمر لا بُدّ منه وواجب لتلمس سبيل الخلاص الرئاسي.

وعلى ما تؤكّد أجواء عين التينة لـ “الجمهورية” فإنّ رئيس المجلس كان مرتاحاً لردود الفعل على مبادرته، ولاسيما موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. إلى جانب سائر الأطراف التي تؤكّد على التوافق كعبر الزامي نحو رئاسة الجمهورية، إلّا أنّه لم يفاجأ بموقف “القوات” باعتبار هذا الموقف طبيعي لمن لا يريدون انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة انتظام الحياة السياسية وانتظام عمل المؤسسات الدستورية في لبنان.

حراكات
بحسب معلومات “الجمهورية” فإنّ مبادرة الرئيس بري، جاءت في ظلّ الحديث عن حراك مرتقب للجنة الخماسية، كرافد مسبق لهذا الحراك، لإعادة إنضاج الملف الرئاسي، ووضعه على سكة الحسم، وإنهاء فترة الشغور في رئاسة الجمهورية التي قاربت على السنتَين. أمّا الغاية الأساس من إطلاقها في هذا التوقيت بالذات، فلكون انتخاب رئيس للجمهورية بات يُشكّل أولى وأهم الضرورات اللبنانية في ظرف هو الأصعب في تاريخ لبنان، وأنّ مصلحة هذا البلد تقتضي مواكبة التطوّرات الراهنة في المنطقة، وما قد يبرز من تحدّيات ومستجدات، بأعلى قدر من الانتظام والتماسك الداخلي سياسياً ورئاسياً وحكومياً.
وسبق الإعلان المتجدّد لمبادرة بري اللقاء المطوّل الذي عُقِد في عين التينة بين الرئيس بري والسفير السعودي وليد البخاري، الذي وصف بري أجواءه بالجيدة، وقال أنّ الملف الرئاسي كان البند الوحيد في هذا اللقاء، مشيراً إلى أنّ السفير عرض أجندة تحرّك الخماسية المنتظر خلال الأيام المقبلة.

ورداً على سؤال لـ “الجمهورية” قال بري أنّ مبادرته تفتح الطريق إلى انتخابات رئاسية في أسرع وقت ممكن. والجلوس على طاولة التشاور اليوم قبل الغد للتوافق على ما يؤمّن مصلحة للبنان. وهذه المصلحة تمكن أولاً في انتخاب رئيس للجمهورية، بالتالي فإنّ الكرة في ملعب سائر الأطراف للتجاوب والسير في الاتجاه المعاكس للتعطيل.
وفيما أمل بري أن يفضي حراك “الخماسية” المنتظر إلى إيجابيات تسرّع في حسم الملف الرئاسي في وقت قريب. كشفت مصادر موثوقة لـ “الجمهورية” أنّ الأسبوع الثاني من الشهر الحالي قد يشهد في بداياته لقاء لسفراء “الخماسية” في دارة السفير السعودي وليد البخاري، الذي تفيد بعض المعلومات بأنّه سيعود إلى بيروت في 11 أيلول. ويُشكّل هذا الاجتماع تتمة لاجتماع الرياض السعودي الفرنسي بين المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء للشؤون الخارجية المكلّف ملف لبنان الدكتور نزار العلولا والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في حضور السفير البخاري.

آن أوان تقدير المصلحة
إلى ذلك، قال مسؤول كبير لـ “الجمهورية” أنّ حراك “الخماسية” يعكس اهتماماً دولياً متجدّداً بلبنان، خلافاً لكل المقولات التي ألقت بالملف اللبناني على رصيف الإهمال، ربطاً بما شهدته المنطقة من تطوّرات حربية من غزة إلى جنوب لبنان.
ولفت المسؤول عينه إلى أنّ هذا الحراك، يُشكّل من جهة رسالة حرص على لبنان، ومن جهة ثانية رسالة صريحة إلى كل الأطراف تحث على أنّه آن الأوان لتقدير مصلحة لبنان، وهذا يضع الجميع أمام امتحان الاستفادة من الفرصة المتجدّدة التي يتيحها هذا الحراك لإنهاء الأزمة الرئاسية.

ورداً على سؤال عن صحة ما يتردّد عن أنّ الهدف المركزي لحراك “الخماسية” هو فتح الطريق أمام ما يسمى “الخيار الجديد” خارج نادي الأسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية، قال المسؤول عينه: “لا يوجد أي حديث عن خيارات قديمة أو جديدة، فما نلمسه هو أنّ ثمة حراكاً للخماسية كعامل مساعد للبنانيّين للتعجيل في إنجاز الملف الرئاسي بالتوافق في ما بينهم. وهذا الأمر تتيجه مبادرة الرئيس نبيه بري ضمن آلية محدّدة بتشاور لأيام معدودة لا تتعدّى الأسبوع يصار خلالها إلى التوافق على مرشح أو إثنين أو أكثر، على أن يدعو رئيس المجلس بعد ذلك إلى جلسات متتالية بدورات متتالية بنصاب كامل انعقاداً وانتخاباً (حضور ثلثَي أعضاء مجلس النواب وما فوق)، وذلك حتى يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية”.
واعتبر المسؤول عينه أنّ دعوة المعارضة إلى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، من شأنها أن تعطّل عمل المجلس النيابي وتشلّه بشكل كامل. ربما يريد بعض الأطراف أمام رئاسة جمهورية معطلّة، ووضع حكومي غير مكتمل وخاضع لأضيَق حدود تصريف الأعمال، أن يسحب الشلل إلى المؤسسة الوحيدة التي مازالت قائمة بكامل بنيتها، وهذا ما لا يمكن أن يسمح به رئيس المجلس.
وعن موقف الرافضين لمبادرة بري، قال المسؤول عينه: هذا يؤكّد أنّ بعض الأطراف المعطّلة تراهن على الحرب في المنطقة، بأن تحدث متغيّرات من شأنها تغلب منطقها وتأتي برئيس للجمهورية بحسب مواصفاتها. وهذا معناه أنّ هذه الأطراف لا تريد التوافق لا الآن، ولا في أي وقت لاحق، وتبحث دائماً عن المواجهة ومحاولة إلغاء الآخرين. وهذا بالتأكيد رهان خاسر قد لا يدفع ثمنه سوى المراهنين.

يشار في هذا السياق إلى معلومات تفيد بأنّ واشنطن في قلب الحراك المتجدّد، وكشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ “الجمهورية” أنّ النظرة الأميركية إلى الملف الرئاسي تتسم باستعجال حسمه، بعيداً عن المواصفات الاستفزازية أو التحدّي من هذا الطرف أو ذاك، بل مع مواصفات توافقية، تفضي إلى رئيس للجمهورية على صلة بكل الأطراف ولا يُشكّل استفزازاً أو تحدّياً لأي طرف. وفي لبنان شخصيات كثيرة تتحلّى بهذه المواصفات.

رهان على المفاوضات
إقليمياً، على الرغم من الوقائع الحربية المتدحرجة من غزة إلى الضفة الغربية وصولاً إلى جبهة جنوب لبنان التي تتزايد فيها سخونة الاعتداءات الإسرائيلية على المناطق اللبنانية، فإنّ تقديرات المحلّلين تبقي الرهان قائماً على نجاح المفاوضات في كسر المماطلة الإسرائيلية المانعة بلوغ تسوية تنهي الحرب، ولو تطلّب ذلك بعض الوقت. وتسلّط الأنظار على الداخل الإسرائيلي الذي يشهد تحرّكات وضغوطات متزايدة، من شأنها أن تشكّل عاملاً ضاغطاً يسرّع الوصول إلى صفقة تبادل بين إسرائيل وحركة “حماس”، تفضي إلى اتفاق على وقف لإطلاق النار، ينسحب تلقائياً على جبهة لبنان، ويطوي صفحة الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” اسماعيل هنية.
وإذا كانت بعض التقديرات رجّحت احتمال المراوحة على كلّ جبهات المواجهة إلى ما بعد تبلور الصورة الرئاسية الأميركية بعد الانتخابات المقرّرة يوم الثلاثاء في الخامس من تشرين الثاني المقبل، فثمة تقديرات معاكسة يُبديها ديبلوماسيّون غربيّون، تغلّب احتمال أن تحقّق مفاوضات التسوية اختراقاً جدياً، قبل الانتخابات الأميركية.

ورجّح هؤلاء الديبلوماسيون تزخيم جولات المفاوضات في المدى القريب المنظور، وفي أجندة الإدارة الأميركية دفعٌ قوي في هذا الاتجاه، إذ إنّ إدارة الرئيس جو بايدن رسمت ما بدا أنّه سقف لهذه الحرب المستمرة منذ 11 شهراً، وقالت صراحة إنّها حققت ما هو متوخّى منها وبات من الملحّ والضروري والمصلحة لإسرائيل، قبل أيّ طرف آخر، إنهاء الحرب والدخول في صفقة تبادل تنهي الحرب. ويرد الديبلوماسيّون الغربيّون الاستعجال الأميركي لإنهاء الحرب، إلى خشية لا تُخفيها الإدارة الأميركية من تطوّرات، وربما مفاجآت غير محسوبة تسقط المنطقة برمّتها في حرب واسعة. ويأتي في سياقها الردّ الإيراني على اغتيال هنية، وإن كان مضبوطاً حتى الآن.

تقليل احتمالات الرد
واللافت في مقابل ذلك، ما نقلته مصادر ديبلوماسية عربية عن أجواء إحدى دول الوساطة لإنهاء حرب غزة، بأنّها تلقت تأكيدات من مسؤولين إيرانيِّين بأن الردّ على اغتيال هنية قد تقرّر، أمّا توقيته فمرتبط بتقدير القيادة الإيرانية، ولا توجد أي معطيات حول هذا التوقيت. إلّا أنّ تقديرات المسؤولين في الدولة الوسيطة، تقلّل من احتمالات الردّ القريب، ربما لتقدير إيراني بأنّ الردّ في الوقت الراهن، قد يمنح نتنياهو عاملاً يسعى إليه للخروج من أزمته الداخلية والتحرّر من الضغوط الهائلة المتفاقمة ضدّه ولاسيما بعد مقتل الأسرى الستة قبل أيام قليلة. وفي رأيهم أنّ هذه الضغوط قد تسرّع في التسوية، ويقود المنطقة إلى خارج مسار الحرب.

 

نكسات وإنهاك
ولعلّ من موجبات التسريع بالوصول إلى تسوية، هو أن غالبية الإسرائيليِّين وبنسبة تفوق الـ 82 في المئة وفق استطلاع معهد الديموقراطية الإسرائيلي، يؤيّدون التوصّل إلى اتفاق لإعادة الأسرى. بالإضافة إلى ما بدأ الإعلام الأميركي يسلّط النظر عليه، إذ كان لافتاً في هذا السياق ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن تزايد النكسات العسكرية التي تواجهها إسرائيل، إذ تجد نفسها منهكة في حين تخوض ما يُعادل حرباً على 3 جبهات: في قطاع غزّة، وضدّ حزب الله جنوبي لبنان، ومؤخّراً في الضفة الغربية.