بين مواقف الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله التي تمسكت بمعادلة وقف العدوان الاسرائيلي على غزة مقابل وقف النار على الجبهة الجنوبية اللبنانية، والتوعد بالردّ على مجزرتي «البايجر واللاسلكي»، وبين استمرار التهديد الإسرائيلي بالحرب الشاملة، بدت الجبهة الجنوبية مفتوحة على احتمالات شتى، على وقع استمرار حرب الاستنزاف بين المقاومة وإسرائيل، في الوقت الذي سيجتمع مجلس الامن الدولي اليوم للنظر في الشكوى اللبنانية ضدّ العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان.
فصلٌ جديد من المعركة الديبلوماسية يخوضها لبنان اليوم في مجلس الأمن، عبر انتزاعه إدانة لإسرائيل من الدول الأعضاء، حيث سيتمكن من اكتساب ارضية لهذه الإدانة ضدّ اسرائيل، بحسب ما اكّد مصدر حكومي بارز لـ«الجمهورية»، موضحا انّ لبنان الرسمي طلب انعقاد مجلس الأمن بعد مجزرة الـpagers واستجاب على الفور مجلس الأمن لهذا الطلب، وارسل الموافقة بعد ساعة، وسيستمع المجلس لخطاب وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي سيلقي كلمة لبنان وحكومته. وقال المصدر: «لا ننتظر صدور قرار، لكن إدانة عامة لاسرائيل ومطالبتها بوقف عدوانها على المدنيين هو خطوة إيجابية لنا».
وأضاف المصدر: «صحيح هذه الإدانة ليست قراراً لكنها ستحقق للبنان مكاسب ديبلوماسية في معركته ضدّ اسرائيل، إذ لا يستطيع العدو ان ينتهك القانون الدولي وسيادة بلد إلى هذا الحدود، وتسير فيه من دون اي تحّرك، والمهمّ أننا سنضع علامة سوداء لها في مجلس الأمن، وهذا في حدّ ذاته خرق كبير، فنسبة تمثيلها بالتأكيد سيتأثر عبر المؤسسات الدولية وعبر برامج الأمم المتحدة وسيتراجع. نحن نقوم بجهدنا لإيصال الصوت -يقول المصدر- والهدف هو اكتساب أصوات مؤيدة ديبلوماسياً من الدول الأعضاء ما يؤسس في المستقبل لضغط داخل مجلس الأمن لانتزاع قرار لوقف إطلاق نار فوري عند أوانه».
سيناريو الانتقام
اعتبرت اوساط متابِعة انّ محتوى خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله شكّل الردّ الأولي على الهجوم السيبراني الإسرائيلي الغادر، في انتظار الردّ الميداني الذي ستراه العين قبل أن تسمع به الأذن، وفق ما ما اورده نصرالله.
ولفتت الاوساط الى انّ الامين العام للحزب تعمّد ان يُبقي سيناريو الانتقام محاطاً بستار كامل من الغموض والكتمان، وهو خصّص له فقط بضعة اسطر في ختام الخطاب، ما يؤشر بوضوح الى انّ الحزب يحضّر رداً استثنائياً، تاركاً للعدو ان يتخبّط في ظلام الاحتمالات المجهولة من دون إعطائه اي إشارة تفسيرية، وذلك ترجمة للتكتيك المختلف الذي بدأ الحزب اعتماده بعد دخول المواجهة مع العدو الأسرائيلي مرحلة جديدة.
وبمعزل عن الردّ، أشارت الاوساط إلى انّ الخطاب نجح في تفنيد مكامن الإخفاق الاستراتيجي للهجوم الإرهابي الإلكتروني وتشريح العجز عن تحقيق الأهداف المتوخاة منه، مع الإقرار في الوقت نفسه بقسوة الضربة التي وجّهها العدو إلى المقاومة من الناحية التكتيكية. واعتبرت انّ نصرالله أفقد الهجوم الاسرائيلي المتفلت من الضوابط كل جدواه ومفاعيله، بمجرد ان جزم من ناحية باستحالة فصل المسارين المتلازمين بين غزة والجنوب قبل وقف العدوان على القطاع، وتحدّى من ناحية أخرى نتنياهو وغالانت بأنّهما لن يستطيعا إعادة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال ما لم تتوقف الحرب على غزة، علماً انّ فصل الجبهتين وإعادة النازحين هما الغاية الأساس من توسعة العدوان على الجبهة الشمالية.
وكان السيد نصرالله قال في كلمة متلفزة امس: «بنية المقاومة لم تتزلزل ولم تهتز». وأضاف: «ليعرف العدوّ أنّ ما حصل لم يمسّ لا بنيتنا ولا إرادتنا ولا نظام القيادة والسيطرة ولا حضورنا في الجبهات». واكّد «اننا قبلنا التحدّي منذ 8 تشرين الأول واليوم نقبله، وأقول لنتنياهو وكيان العدوّ لن تستطيعوا أن تعيدوا سكان الشمال إلى الشمال وافعلوا ما شئتم». وقال: «إذا أردتم إعادة المستوطنين فالسبيل الوحيد هو وقف العدوان على غزّة». وتوجّه إلى الاسرائيليين قائلاً: «ما ستقدمون عليه سيزيد تهجير النازحين من الشمال وسيبعد فرصة إعادتهم». وقال: «لا شك أنّ العدوان الذي حصل عدوان كبير وغير مسبوق سُيواجه بحسابٍ عسير وقصاصٍ عادل من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون».(…) وبالنسبة للحساب العسير فالخبر هو في ما سترونه لا في ما ستسمعون ونحتفظ به في أضيق دائرة». وختم: «قيادة العدوّ الحمقاء النرجسية الهوجاء ستودي بهذا الكيان إلى وادٍ سحيق».
الموقف الإسرائيلي
وبعد قليل من مواقف نصرالله، اشار وزير دفاع إسرائيل يوآف غالانت، مساء امس الخميس، إلى أنّه «في المرحلة الجديدة من الحرب هناك فرص كبيرة ومخاطر كبيرة أيضا». واعتبر أنّ «حزب الله يشعر بأنّه ملاحق»، مؤكّداً أنّ «عملياتنا ستتواصل».
وقال: «أجرينا سلسلة من المناقشات المهمّة في الأيام الأخيرة، هذه مرحلة جديدة في الحرب، فيها فرص كبيرة ولكنها تنطوي أيضاً على مخاطر كبيرة». وأضاف: «يشعر «حزب الله» بالهزيمة وسيستمر تسلسل عملياتنا العسكرية.. هدفنا هو إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. ومع مرور الوقت، سيدفع «حزب الله» ثمناً متزايداً». واضاف: «في الوقت نفسه سنواصل وننفّذ الجهود لإعادة المختطفين إلى منازلهم وإسقاط حماس».
وكان غالانت، اعلن في وقت سابق امس أنّ «مركز الثقل ينتقل إلى الشمال». فيما أفاد قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أوري غوردين «أنّ إسرائيل تنوي تغيير الوضع الأمني الراهن في شمال البلاد».
وتزامنت هذه التصريحات الاسرائيلية مع تحريك الفرقة الـ98 إلى المنطقة الشمالية، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها «جيروزاليم بوست»، التي أشارت إلى أنّ هذه الخطوة تأتي «تحسباً لاحتمال اتساع نطاق النزاع بين إسرائيل وحزب الله».
في واشنطن
وعلى صعيد الموقف الاميركي، علمت «الجمهورية» من مصدر ديبلوماسي رفيع، انّ قرار تأجيل زيارة وزير الدفاع الاميركي لويد أوستن لإسرائيل هذا الأسبوع هو «نتيجة لتوترات المنطقة وبعض مشكلات الجدولة لدى بعض القادة في المنطقة».
وذكرت النائبة الديموقراطية في الكونغرس الأميركي أوكازيو كورتيز، أنّ «تفجير إسرائيل أجهزة اتصال في لبنان أدى لإصابة وقتل أبرياء». وشدّدت على أنّ «الهجوم الإسرائيلي في لبنان ينتهك القانون الإنساني الدولي»، مضيفة: «الكونغرس يحتاج الى تقرير كامل عن الهجوم الإسرائيلي في لبنان».
وإلى ذلك، نقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين، قولهم إنّ «واشنطن وضعت خططًا لإجلاء أميركيين وغيرهم من غير المقاتلين من لبنان». وأشاروا إلى أنّ «إحدى الخطط تتضمن إجلاء نحو 50 ألف مواطن أميركي ومقيم وعائلاتهم إلى قبرص».
الموقف الفرنسي
في غضون ذلك، قدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التعازي بالشهداء الذين سقطوا جرّاء العدوان الإسرائيلي الاخير، خلال اتصال هاتفي مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، مجددًا «موقف فرنسا المؤازر والداعم لتجاوز الأوضاع الراهنه التي يمرّ فيها لبنان».
بدوره، شرح برّي لماكرون تفاصيل الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بحق لبنان، متمنيًا «دعم فرنسا لموقف لبنان في الأمم المتحدة». ومكرّراً تأكيد «ضرورة أن يبادر المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة وعلى لبنان قبل فوات الآوان».
في هذه الأثناء، سيزور الموفد الفرنسي جان ايف لودريان بيروت الثلاثاء المقبل، ويعقد لقاءات تتجاوز رئيسي مجلس النواب والحكومة الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وعدد من القيادات الحزبية والسياسية.