اتضح من مسار العدوان الاسرائيلي المتواصل على لبنان، أن لا إمكانية لاتفاق قريب على وقف لاطلاق النار، إذ انّ المواجهات مستمرة بضراوة على الجبهة الجنوبية، بحيث انّ رجال المقاومة يصدّون كل المحاولات الإسرائيلية لاجتياح المنطقة الحدودية ويردّونها على أعقابها، فيما تستمر إسرائيل في اجتياحها الجوي لسماء لبنان قاصفة الضاحية الجنوبية والكثير من المدن والبلدات والقرى في الجنوب والبقاع، موقعة المجازر ومسوية منازل ومباني بالأرض ومخلّفة دماراً كبيراً في الممتلكات.
وفي غضون ذلك، أبلغت أوساط رسمية واسعة الاطلاع إلى «الجمهورية»، انّ الوقائع المتوافرة لديها تفيد بأنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو «لو أُعطي لبن العصفور الآن لن يوقف إطلاق النار، خصوصاً انّه لم يحقق بعد اي إنجاز استراتيجي، وبالتالي سيستمر في المعركة لمحاولة تحقيق أهدافه». وشدّدت الاوساط على «أنّ الكلمة الفصل هي حالياً للميدان الذي وحده يستطيع إلزام نتنياهو بالتراجع والقبول بوقف النار من خلال إنجازات المقاومة».
وإلى ذلك، تحدثت مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية»، عن رسائل وجّهتها الولايات المتحدة أخيراً إلى المرجعيات الرسمية اللبنانية، تناشد فيها لبنان إعلان الالتزام الواضح بالقرار 1701 والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، أي نشر الجيش اللبناني وحده مع قوات «اليونيفيل» في منطقة جنوب الليطاني وتسليم الأمن على الأراضي اللبنانية إلى القوى الشرعية وحدها. ومطلوب من «حزب الله» التزام هذا الموقف جدّياً وعملياً، وفي أقرب وقت ممكن قبل فوات الأوان، لأنّ لا مجال لإقناع إسرائيل بوقف الحرب ما لم يتحقق هذا الهدف، ومن مصلحة لبنان توفير الوقت والخسائر وتجنّب العواقب التي تنتظره في هذا المجال.
وتخوفت المصادر من إمعان إسرائيل في المغامرة، مستفيدة من تغطية أميركية محتملة لعملياتها ضدّ «حزب الله»، وربما إيران، بالتزامن مع زيارة وزير دفاعها يؤاف غالانت للعاصمة الأميركية، المقرّرة اليوم.
الموقف الاميركي
واتضح أمس التشجيع الاميركي لإسرائيل على الاستمرار في الحرب، حيث اعلنت وزارة الخارجية الاميركية أنّها «تأمل في رؤية حل ديبلوماسي للنزاع في الجنوب»، مؤكّدة «حق إسرائيل في استهداف بنية «حزب الله» التحتية». وأشارت إلى أنّ «حزب الله لا يزال يرفض تطبيق القرار 1701، والذي ينص على انسحابه إلى ما وراء نهر الليطاني». وقالت إنّ «على اللبنانيين أن يتمكنوا من كسر قبضة «حزب الله» على مقدرات بلدهم». وذكرت انّ واشنطن «تجري نقاشات مع حلفائها في المنطقة للبحث في سبل التطبيق الكامل للقرار 1701».
ولاحقاً، اعلن البيت الأبيض، أننا «نواصل إجراء مناقشات مع إسرائيل في شأن ردّها على الهجوم الإيراني»، مؤكّداً «اننا نسعى للتوصل لوقف لإطلاق النار لتمكين النازحين من العودة على الحدود الإسرائيلية- اللبنانية». وأكّد «أننا ملتزمون بأمن إسرائيل، والرئيس الاميركي جو بايدن بحث أمس (الثلاثاء) مع الرئيس الإسرائيلي الحاجة إلى السلام في المنطقة»، لافتاً الى أنّ «العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أقوى من أي وقت مضى».
وفي سياق متصل، يستقبل المستشار الألماني، أولاف شولتس، السبت المقبل في برلين، الرئيسين الأميركي والفرنسي، جو بايدن وإيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، للبحث في التصعيد السائد في الشرق ألأوسط، والحرب الروسية- الأوكرانية، بحسب ما أفاد مصدر حكومي ألماني.
واشنطن ونتنياهو
ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم انّ «إدارة الرئيس جو بايدن أصبحت غير واثقة مما تقوله حكومة إسرائيل عن خططها العسكرية والدبلوماسية»، مشدّدين على انّ «إدارة بايدن لا تعارض ردّ إسرائيل على الهجوم الإيراني لكنها تريد أن يكون مدروساً».
وشدّد مسؤول اميركي على انّ «ثقتنا في الإسرائيليين منخفضة للغاية في الوقت الراهن ولسبب وجيه»، موضحاً انّ «إدارة بايدن فوجئت مرّات عدة بالعمليات العسكرية أو الاستخبارية الإسرائيلية». واضاف: «لم يتمّ التشاور مع واشنطن أحياناً أو تمّ إخطارها قبل تنفيذ العمليات بقليل».
ولاحقاً، اعلن البيت الأبيض، أننا «نواصل إجراء مناقشات مع إسرائيل في شأن ردّها على الهجوم الإيراني»، مؤكّداً «اننا نسعى للتوصل لوقف لإطلاق النار لتمكين النازحين من العودة على الحدود الإسرائيلية- اللبنانية». وأكّد «أننا ملتزمون بأمن إسرائيل، والرئيس الاميركي جو بايدن بحث أمس (الثلاثاء) مع الرئيس الإسرائيلي الحاجة إلى السلام في المنطقة»، لافتاً الى أنّ «العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أقوى من أي وقت مضى».
تحذير مزدوج
وفي هذه الاثناء، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من «أننا على حافة حرب واسعة في لبنان، وحان الوقت لوقفها ويجب احترام سيادة وسلامة أراضي كل الدول».
وفي موقف أممي، أضاف الى التحدّيات القائمة تجاه رفض اي عمل عسكري إسرائيلي في اتجاه الاراضي اللبنانية المزيد منها، باعتباره خروجاً على مضمون القرارات الدولية، كما بالنسبة الى عمليات عناصر «حزب الله» في نطاق عملها، اصرّ كل من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس – بلاسخارت ورئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو على إصدار بيان مشترك في ذكرى الثامن من تشرين الأول 2024، اكّدا فيه على عدم «تجاهل مصير نداءاتهما المتكرّرة لضبط النفس، وحماية المدنيين، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والعودة إلى وقف الأعمال العدائية، والانخراط في عملية سياسية مستندة إلى تنفيذ القرار 1701».
وبعد التذكير بمرور عام على حرب «الإلهاء والإسناد» وتبادل إطلاق النار بصورة شبه يوميّة عبر الخط الأزرق، منذ أن بدأ «حزب الله» بإطلاق صواريخ نحو مزارع شبعا، في انتهاك لوقف الأعمال العدائية وقرار مجلس الأمن 1701 (2006). عام فَقَد فيه الكثير من البشر أرواحهم واقتلع آخرون من ديارهم ودُمّرت حياتهم، بينما لا يزال المدنيون على جانبي الخط الأزرق يتوقون إلى الأمن والاستقرار. واعتبرا «أن كلّ صاروخ أو قذيفة تُطلق، أو قنبلة تُلقى، أو غارة برية تُنَفّذ، تُبعد الأطراف أكثر عن الغاية المتوخاة من قرار مجلس الأمن رقم 1701 (2006) كما تُباعد بينهم وبين خلق الظروف اللازمة من أجل ضمان الأمن الدائم للمدنيين على جانبي الخط الأزرق. مما لا شك فيه أنّ زيادة حدّة العنف والتدمير لن تحل القضايا الجوهرية ولن تجلب الأمن لأي طرف على المدى الطويل».
إصرار أممي
وقالت مصادر أممية لـ«الجمهورية» انّ للنداء المشترك أهمية بالغة في ظل الفشل في ترتيب اي وقف للنار، وانّ هذا الموقف يترجم حرص المجتمع الدولي على الأمن والسلام في لبنان وضرورة حماية مهمّة «اليونيفيل» لتقوم بمهماتها باحترام مَن تعهّد بتسهيلها من كل الأطراف اللبنانيين والإسرائيليين.
ولفتت المصادر الى انّ الامم المتحدة ما زالت تدعم تنفيذ مضمون البيان الاميركي – الفرنسي المشترك المدعوم دولياً واممياً، ليرى النور توصلاً الى وقف للنار يعيد النازحين الى جانبي الحدود وضمان احترام سيادة لبنان ووحدته.
بوريل
وفي السياق، اكّد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، امس أنّ «الوضع في لبنان يزداد سوءًا يومًا بعد يوم»، مشدّدًا على «ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار». وأوضح بوريل أمام البرلمان الأوروبي، أنّ «الوصول إلى وقف لإطلاق النار يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية»، مشيرًا إلى أنّ «نحو 20% من اللبنانيين أُجبروا على النزوح وفقًا للأرقام المتاحة». واعتبر أنّ «الجيش اللبناني لا يمكنه أن يكون قوة موازية لحزب الله ولا أن يضمن سلامة أراضي البلاد».
الموقف الاسرائيلي
وفي خضم استمرار العدوان، أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، انّه «اغتلنا أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين، كما قضينا على وريث وريث نصرالله». واعتبر انّ «حزب الله صار أضعف الآن مما كان عليه منذ سنوات طويلة»، مضيفاً: «هناك طريق أفضل للبنان، ولا تتركوا حزب الله يدمّر دولتكم». واعتبر انّ «حزب الله حوّل لبنان مستودعاً للأسلحة والذخيرة وقاعدة عسكرية أمامية لإيران».
وتوجّه إلى اللبنانيين قائلاً: «حرّروا بلادكم من حزب الله. فإسرائيل لا تستهدف بلدكم بل إيران».
من جانبها أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أنّه «رغم إعلان نتنياهو اغتيال هاشم صفي الدين، فإنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا تؤكّد ذلك».
وفي سياق متصل، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: «ربما تمّ القضاء على خليفة نصرالله». واعتبر أنّ «حزب الله أصبح منظمة بلا قيادة»، لافتاً إلى أنّه «تمّت تصفية نصرالله ولم يعد هناك أحد يتخذ قرارات في حزب الله». وأضاف: «حزب الله مكسور ويفتقر إلى قدرات الأوامر والسيطرة ولا يملك قدرات نارية كبيرة». وأشار إلى أنّه «عندما ينقشع الدخان عن سماء لبنان ستدرك إيران أنّها خسرت كنزها الثمين».
موقف «حزب الله»
وفي المقابل، شدّد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في كلمة متلفزة، على أنّ «الاجتماع الكبير من قبل الكيان الصهيوني ومعه أميركا هو للضغط علينا من أجل أن نخشى ونخاف ونحن لن نخشى ولن نخاف». واعتبر أنّ «طوفان الأقصى هو حدث استثنائي وبداية تغيير وجه الشرق الأوسط».
وأكّد قاسم أنّ «لبنان كان مستهدفاً ونتنياهو أعلن مراراً أنّه يريد الشرق الأوسط الجديد». وقال: «حرب العدو علينا لن تمسّ إرادتنا وتصميمنا على المواجهة.. يمكن لنتنياهو أن يقول إنّه يريد الحرب ولكن ليس في امكانه أن يحقق اهدافه منها»، مشيراً إلى أنّ «نتنياهو يقول إنّه سيعيد مستوطني الشمال ونقول له إننا سنهجّر أضعافهم». وشدّد على أنّ «هذه الحرب هي حرب من يصرخ اولاً، ونحن أهل الميدان ولن نصرخ بل ستسمعون صراخ العدو».
وقال قاسم: «لنا ملء الثقة بقيادة الأخ الأكبر (رئيس مجلس النواب) نبيه بري. أنت الأكبر بنظر الأمين العام والأخ الأكبر بنظر كل حزب الله»، مضيفًا «نؤيّد الحراك السياسي لبري تحت عنوان وقف إطلاق النار»، وشدّد على أنّ «لا محل لأي نقاش قبل وقف إطلاق النار». وأعلن «أننا سننجز انتخاب الأمين العام وفق الآليات التنظيمية وسنعلن ذلك في حينه». واكّد أنّ «القيادة والسيطرة وإدارة الحزب والمقاومة منتظمة بدقة وتخطينا الضربات». وأعلن قاسم أنّ المواجهة البرية في الجنوب، مشدّداً على «أننا نريد أن يحصل الالتحام وسنكبّد العدو الإسرائيلي خسائر كبيرة وستتزلزل الأرض بإذن الله تحت أقدامه»، موضحاً أنّ هذه الخسائر قد تكون مقدّمة لإنهاء الحرب». وقال: «نحن أهل الصمود، لا يفكرن أحد أننا سنغادر مواقعنا وبنادقنا، وستسقط إسرائيل».
«اللقاء الديمقراطي»
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي في ظل الضغوط والتحدّيات التي تواجهها مبادرة بري ـ ميقاتي ـ جنبلاط، واصل نواب «اللقاء الديمقراطي» جولاتهم وزار النائبان مروان حمادة وراجي السعد موفدين من الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الصرح البطريركي في بكركي، لإطلاعه على حصيلة المشاورات التي أطلقها الحزب مشدّداً على ضرورة العمل من أجل «وقف الحرب وفصل جبهة غزة عن جبهة لبنان» وهي خطوة تبدأ بـ«انتخاب رئيس للجمهورية وممارسة ضغط على المجتمع الدولي من أجل وقف الحرب في لبنان».
وعلمت «الجمهورية» أنّ الجولة لم تنته بعد، وستشمل بقية المراجع الروحية لتكوين رأي عام شامل يضمن الغطاء الشامل الذي يحتاجه القرار بالسعي إلى رئيس توافقي. وقد لقي الوفد تجاوباً لدى الراعي واستعداده لكل ما يمكن القيام به واضعاً امكاناته في هذا الاتجاه الوطني لحماية جميع اللبنانيين من دون استثناء».
كتلة «الاعتدال»
وفي إطار تحركها ضمن الخطة التي وضعتها، واصلت كتلة «الاعتدال الوطني» جولتها على الكتل النيابية، والتقى وفد منها ضمّ النواب احمد الخير وسجيع عطية ومحمد سليمان أمس كتلة «اللقاء الوطني» في مكتب النائب ميشال المر والتي تضمّ اليه النواب طوني فرنجية وفريد الخازن ووليم طوق.
وقال النائب الخير لـ«الجمهورية»، انّ «الاجتماع مع كتلة «اللقاء الوطني» جاء في إطار جولة «كتلة الاعتدال» على مختلف الكتل النيابية والتي تهدف إلى التشاور في الملف الرئاسي في ضوء المستجدات الراهنة والعدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث انّ هناك ضرورة للاتفاق على انتخاب رئيس لجمهورية تحت مبدأ الرئيس التوافقي في ضوء المبادرة التي اطلقها الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي، ونحن خلال لقاءاتنا نتطلّع على أجواء الكتل النيابية وطروحاتها حول الأسماء وغيرها، لكي نعمل لاحقاً على تكوين قواسم مشتركة وتقاطع على أسمين او ثلاثة أسماء تمهيداً للإتفاق على انتخاب احدها رئيساً».
وأضاف: «الاجتماع مع كتلة اللقاء الوطني كان إيجابياً وقد بحثنا في الاستحقاق الرئاسي وتحدث الزملاء بلغة العقل والمنطق حول الواقع الذي يعيشه البلد، وأكّدوا انّ مرشحهم هو رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، لكنهم مع ذلك سلّطوا الضوء على نقطة أساسية وهي أنّهم لن يقفوا في وجه اي مسار توافقي، بل يحضرون جلسة الانتخاب، وسيكونون شركاء في إدارة التسوية التي ستنتج انتخاب الرئيس».