IMLebanon

الجمهورية : الجبهة الإيرانية الإسرائيلية: جهوزية وحبس أنفاس… العدوان بلا خطوط حمراء… ولا مبادرات لوقفه

 

 

أكثر الأسئلة تداولاً في هذه الفترة هو: متى تتوقّف الحرب الإسرائيلية على لبنان، وكيف؟ يواكبه سؤال آخر: إلى أين يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يصل في لبنان؟

 

ويوازي ذلك حبس للأنفاس ممتد على مساحة العالم، وترقّب لغليان الجبهة الإيرانية- الإسرائيلية، وأي اتجاه ستسلكه، حيث تبدو إسرائيل وكأنّها قاب قوسَين أو أدنى من مهاجمة إيران رداً على هجومها الصاروخي، وتمارس أعلى قدر من السرّية والتكتم حول بنك الأهداف المستهدفة في الداخل الإيراني. فيما تفيد التقارير في المقابل، بأنّ إيران قد أعدّت نفسها لهذا الهجوم، واتخذت إجراءات احتوائية، بالتزامن مع جهوزية للردّ على الردّ. ويبرز هنا ما أعلنه الحرس الثوري أمس بـ”أننا أطلقنا 200 صاروخ في عملية الوعد الصادق، ومستعدّون لإطلاق آلاف منها، وقادرون على استهداف المراكز العسكرية والأمنية والاقتصادية للكيان الصهيوني. وعلى إسرائيل ألّا تتجرّأ على فعل أي شيء لأنّنا قادرون على تدميرها في لمحة بصر”.

تحديد وجهة الجبهة الإيرانية- الإسرائيلية مرهون بما ستحمله الأيام، وربما الساعات المقبلة، وخصوصاً أنّ التهديدات متواصلة بوتيرة متسارعة، وأمّا الدخول في لعبة المواعيد في ما خصّ نهاية العدوان وما يبيته نتنياهو، فمجازفة غبية، وقمّة الغباء تكمن في الانسياق خلف منجّمي المنابر وقارئي الفناجين السياسية في تقديراتهم التي تزيد غباش الصورة، وفي مبالغات وتخيّلات لسيناريوهات «هيتشكوكية» تعمّم الإرباك وترعب الناس.

 

وما من شك في هذا الوضع، أنّ أكبر خدمة تُقدّم للناس في هذه الفترة هي وقف هذا العدوان النفسي الذي يشنّه «فطاحلة» التنجيم والتحليل الفارغ على اللبنانيِّين، بأيّ طريقة، لأنّ وطأة هذا العدوان ومخاطره توازي، بل ربما تفوق وطأة وخطورة القصف والغارات الجوية.

 

الأفق مجهول

 

الواقع قاتم، والأفق مجهول، تتجلّى فيهما حقيقة خلاصتها أنّ أحداً لا يستطيع أن يقدّر المدى الحقيقي لهذه الحرب وتداعياتها، كما لا يستطيع أن يقدّر ما يخبئه العقل الحربي الإسرائيلي لهذا البلد، والمدى الذي يريد أن يصل إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنْ من خلال إعلانه أنّه لا يريد وقف إطلاق النار ومستمر في ضرب بنية «حزب الله»، أو من خلال دعوته اللبنانيّين إلى الانتفاض على «الحزب» وما تستبطنه من محاولة لتوتير الداخل اللبناني، أو من خلال الترويجات الموازية له، التي تدأب المستويات الإسرائيلية على إطلاقها حول أهداف أبعد من الهدف المعلن للعملية البرية بإعادة سكان الشمال، وآخرها إعلان جهوزية إسرائيل لتطبيق القرار 1559 ونزع سلاح «حزب الله» وليس القرار 1701، وفق ما كشف الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا إيلاند للقناة 12 العبرية، التي نقلت عنه قوله: «هكذا فقط يمكن أن ندخل في مفاوضات مع لبنان، وغيره سنتابع القتال».

 

لكن، برزت في موازاة ذلك، دعوة زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، الحكومة الإسرائيلية، إلى «التفكير في الخيارات الدبلوماسية، في ظل القلق من تداعيات النزاع على الأمن القومي والاقتصاد الإسرائيلي».

 

وأشار إلى أنّ إسرائيل تمرّ في أفضل وضع بشأن لبنان منذ 8 تشرين الأول، معبّراً عن أهمية استغلال هذه الفرصة للدعوة إلى تسوية سياسية. ومشدّداً على أنّ الوضع الحالي يتطلّب تحرّكاً سريعاً لتفادي تفاقم الأوضاع في المنطقة، مقترحاً أنّ الحوار السياسي يُعدّ الخيار الأفضل لتحقيق الاستقرار».

 

وضع «حزب الله»

 

وفيما تقارب واشنطن وضع «حزب الله» على أنّه بات ضعيفاً، ومتناغماً في هذا التقدير مع ما ذهب إليه نتنياهو بأنّ الحزب صار أضعف ممّا كان، برز موقف روسي أمس، عبّرت عنه المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي قالت: «وفقاً لتقييمنا فإنّ «حزب الله» بما في ذلك الجناح العسكري، لم يفقد تسلسل قيادته، ويؤكّد أنّه ما زال منظّماً على الرغم من الضربات الإسرائيلية».

وفي موازاة ذلك، أبلغ مصدر أمني مسؤول إلى «الجمهورية» قوله: «من يسمع تقييمات المسؤولين الإسرائيليِّين، ومن يراقب الإعلام الإسرائيلي والغربي، يساوره الاعتقاد بأنّ «حزب الله» مُني بهزيمة ساحقة ولم يَعُد قادراً على التنفّس، وبات من الصعب عليه أن تقوم له قائمة نتيجة مسلسل الصدمات التي تلقّاها. لا ننفي هنا أنّ الحزب تعرّض إلى أقوى ضربات في تاريخه، لكن هذا الأمر يخالفه ميدان المواجهات العسكرية الذي يتحدّث لغة أخرى تؤكّد أنّ «حزب الله» موجود في الميدان بكامل قوته، وصعّب على إسرائيل عمليتها البريّة التي أطلقتها منذ أكثر من أسبوع ومنعها أقله حتى الآن من تحقيق أي تقدّم أو اختراقات نوعية وتجاوز ما تسمّى الحافة الأمامية. وأكثر من ذلك، فإنّ تطوّرات اليومَين الماضيَين أبرزت أنّ «حزب الله» طوّر أسلوبه في الهجمات الصاروخية، من استهداف القواعد والمواقع العسكرية إلى استهداف المدن، مثل حيفا، وقلب المستوطنات».

 

تصعيد

 

ميدانياً، استمرّ العدوان الإسرائيلي على وتيرته التدميرية واستهداف المدنيّين في العديد من المناطق الجنوبية والبقاعية، وتصاعدت المواجهات على الجبهة الجنوبية، مع محاولات متتالية للجيش الإسرائيلي التوغل في اتجاه البلدات المحاذية للخط الحدودي، ولاسيما في مارون الراس وبليدا وميس الجبل، حيث دارت اشتباكات عنيفة مع «حزب الله»، الذي أعلن عن إحباط سلسلة محاولات تسلّل متعدّدة قام بها الجيش الإسرائيلي، بالتزامن مع استهدافه «مستوطنات الشمال» بصليات صاروخية كثيفة وصولاً إلى حيفا، فتحدّث الإعلام الاسرائيلي عن أنّ الصواريخ سقطت وسط مستوطنة كريات شمونة، وأدّت إلى سقوط قتيلَين وجرحى واندلاع حرائق في عدد من المباني، فيما صفارات الإنذار دوّت في 30 مستوطنة. وأعلن الإعلام الإسرائيلي عن إصابة شموئيل بوخاريس (مستشار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش) في معارك الجنوب.

 

لا سياسة ولا ديبلوماسية!

 

أمّا في الميدان السياسي، فإنّ الملف المتقدّم، هو الملف الإنساني، الذي استوجب حراكاً حكومياً مكثفاً لتوفير متطلّبات الحجم غير المسبوق من النازحين، وتدارك أي إشكالات يمكن أن تحصل في نقاط النزوح. فيما عادت سائر الملفات الداخلية وفي مقدّمها الملف الرئاسي إلى التموضع في المقعد الخلفي خارج مائدة المتابعات، وذلك بعد فشل المحاولة الأخيرة لتحريكه في اتجاه الحسم الايجابي بانتخاب رئيس للجمهورية.

 

وما يجري من حراكات على هذا الصعيد لا يعدو أكثر من حفر في صخر صلب. وضمن هذا السياق، تطوّع «تكتل الإعتدال» بتحرّك على «الكتل التي يوجد بينها تقاطع في الأفكار، بهدف الإجماع على اسم شخصية إنقاذية وسيادية تحظى بشبه توافق عام بين المكوّنات كلها للخروج من هذا المأزق».

 

أمّا على خطّ الأولويات الاخرى التي فرضتها تطوّرات العدوان الإسرائيلي، فإنّ الأمور تراوح على خط النار، فوق الدمار الشامل الذي عمّمته إسرائيل على أجزاء كبيرة من لبنان في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. فيما «اللغة الديبلوماسية التي يمكن أن يُعوّل عليها لوقف حرب إسرائيلية بلا خطوط حمراء ضدّ المدنيّين، ما زالت معطّلة، وفق ما كشف مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، الذي أشار إلى «أنّ حركة الاتصالات والمشاورات مستمرة على أكثر من خط دولي، إلّا أنّها لم ترقَ حتى الآن إلى جدّية يُبنى عليها، وهذه الجدّية لا يبدو أنّها قد تتبدّى في المدى المنظور، وخصوصاً في ظل ما يبدو أنّه انكفاء دولي متعمّد عن ممارسة أيّ جهد ضاغط لوقف الحرب أو لوضع عوائق أمام السلوك التدميري الذي تنتهجه إسرائيل».

 

ولفت المسؤول عينه إلى «أنّ الأميركيّين لا يبدون مستعجلين لفتح المسار السياسي، ففي النقاش معهم يركّزون على أولوية الحل الديبلوماسي كسبيل لإعادة السكان على جانبَي الحدود، وهو ما سيشكّل أساساً لتحرّك ستطلقه الولايات المتحدة الأميركية، من دون أن يقدّموا أي التزام بموعد معيّن لانطلاق هذا التحرّك في المدى المنظور، لا على أساس المبادرة الدولية التي رعتها واشنطن وباريس ووقّعت عليها مجموعة من الدول، مع أنّهم ما زالوا يقولون أنّهم متمسكون بها. ولا على أساس أي طرح آخر لوقف اطلاق النار».

 

وأكّد «أنّ الجلي وبكل وضوح في الموقف الأميركي هو أنّهم يراقبون تطوّرات العملية البرية لجيش العدو، وما يمكن أن تفرزه من وقائع، وقالوا علناً أنّهم يؤيّدون أن تضرب إسرائيل بنية «حزب الله»، لكنّ هذه الجبهة على أهميتها لا تشكّل الجبهة الأساس بالنسبة إليهم، بل إنّ أولويتهم الساخنة هي الجبهة الإيرانية – الإسرائيلية وما تنطوي عليه من مخاطر وتداعيات على مستوى المنطقة بشكل عام».

 

بري: لا تقدّم

 

وأكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس «أنّ لا تقدّم إيجابياً في شأن وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان». مجدِّداً التمسك بـ«ثوابت اللقاء الثلاثي في عين التينة»، ولافتاً إلى أنّ الجانب الفرنسي وكذلك البريطاني معنا في هذا الموقف، فيما يقول الأميركيّون أنّهم معنا، لكنّهم لا يفعلون شيئاً لوقف العدوان».

 

ميقاتي: الاتصالات مستمرة

 

إلى ذلك، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمام زواره أمس: «قد يعتقد البعض أنّ الجهود الديبلوماسية قد توقفت، وهناك ما يشبه الموافقة الضمنية على مضي إسرائيل في عدوانها، لكنّ هذا الانطباع غير صحيح، فنحن مستمرّون في إجراء الاتصالات اللازمة، وأصدقاء لبنان من الدول العربية والأجنبية يواصلون أيضاً الضغط لوقف إطلاق النار لفترة محدّدة للبحث في الخطوات السياسية الأساسية وأهمّها التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، وإجبار العدو الإسرائيلي على تنفيذه».

 

وتلقّى ميقاتي أمس إتصالاً من رئيس الحكومة الكويتية عبّر فيه عن تضامن الكويت أميراً وحكومة وشعباً مع لبنان، مؤكّداً أنّ توجيهات أمير الكويت تقضي بدعم لبنان بكل ما يحتاج إليه في هذا الوقت العصيب».

 

الموقف الأميركي

 

إلى ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية «إنّنا سنعمل كل ما بوسعنا من أجل مساعدة الرعايا الأميركيّين على مغادرة لبنان وسنواصل تسيير الرحلات من أجل ذلك».

 

وأضاف: «إنّنا نؤمن بحق إسرائيل في تنفيذ هذه العمليات المحدودة لإضعاف قدرات «حزب الله» والقضاء على المسلحين».

 

وأشار إلى «أنّنا نريد أن نصل إلى وقف إطلاق النار وحل ديبلوماسي يشمل موافقة «حزب الله» على الالتزام الكامل بقرار مجلس الأمن 1701». ولفت إلى «أن إسرائيل تسعى إلى دفع قوات «حزب الله» بعيداً عن الحدود». خاتماً: «إنّنا ندعم دائماً حق إسرائيل في ملاحقة المنظمات الإرهابية بما في ذلك حركة حماس في غزة».

 

تحذير أوروبي

وحذّر مصدر ديبلوماسي أوروبي من «انزلاق المنطقة إلى آتون الحرب الشاملة في ظلّ التصعيد المتبادل بين إسرائيل من جهة و«حزب الله» وإيران ومحورهما من جهة ثانية، مع انسداد أفق الحلول الديبلوماسية حتى الساعة، وتوقّع أن توجّه إسرائيل ضربات جوية على أهداف عسكرية في إيران، لكن بضربة «محدودة» تمكّن إيران من استيعابها لتفادي ردّ الفعل الإيراني القوي، إذ إنّ قائد المنطقة الوسطى الأميركي الجنرال إريك كوريلا جاء إلى المنطقة ليضبط الردّ ويمنع التهوّر الإسرائيلي في قصف أهداف حيوية إيرانية تستدرج ردّ فعل إيرانياً كبيراً وتتدحرج كرة النار باتجاه الحرب الشاملة».

 

وكشف المصدر، أنّ نتنياهو ماضٍ في عملياته العسكرية، ويعتبر أنّه حقق إنجازات وأعاد ترسيخ صورة النصر بعد عامٍ من النكسات والضربات منذ 7 أكتوبر، ولذلك الحل لهذا التصعيد غير المسبوق بين «حزب الله» وإسرائيل قد يكون بتطبيق القرار 1701 وابتعاد قوات «حزب الله» باتجاه شمال الليطاني ونشر القوات الدولية والجيش اللبناني ووقف الأعمال الحربية ووقف إطلاق النار، تمهيداً لمفاوضات على النقاط العالقة والمتحفظ عليها من قبل لبنان».

 

إلّا أنّ المصدر شدّد على أنّ الولايات المتحدة الأميركية وضعت خطوطاً حمراً لإسرائيل لا يمكن تجاوزها، خصوصاً في الردّ المرتقب على إيران. والسبب وفق المصدر أنّ الولايات المتحدة رتّبت المنطقة وفق نظام من المصالح الحيوية والقواعد العسكرية والتحالفات الواسعة مع دول المنطقة، ولا تريد العبث بأمن واستقرار الشرق الأوسط والخليج».