تتّجه الأنظار اليوم إلى الرياض انتظاراً لما ستقرّره القمة العربية ـ الإسلامية برعاية القيادة السعودية في شأن غزة ولبنان، في وقت يستمر العدوان الإسرائيلي عليهما بلا انقطاع، مخلّفاً مزيداً من المجازر التي طاولت امس الكنيسة في البقاع وعلمات في جبيل، حيث سقط فيها عشرات الشهداء والجرحى، فضلاً عن إلحاق مزيد من الدمار في المساكن والممتلكات، وذلك على مرأى عالم لا يحرّك ساكناً. فيما يدور حديث عن زيارة جديدة مرتقبة للموفد الاميركي آموس هوكشتاين، سعياً للوصول إلى هدنة تتيح البحث في حلول انطلاقاً من تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي يتمسّك لبنان به بلا أي تعديل، فيما تحاول إسرائيل الضغط لفرض تعديله بما يقوّض السيادة اللبنانية.
كشفت مصادر رسمية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ الوقت الفاصل عن تسلّم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مقاليد الحكم رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل، لن يكون في الضرورة وقتاً ضائعاً لا يمكن فعل شيء خلاله لإنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، كما قد يفترض البعض. وأشارت إلى انّ إدارة جو بايدن تظل ناشطة حتى 18 كانون الثاني المقبل، وفي مقدورها، إذا امتلكت الإرادة السياسية اللازمة، ان تتحرّك ديبلوماسياً خلال هذه الفترة بتنسيقٍ معين مع ترامب، لترتيب اتفاق على وقف إطلاق النار.
وكشفت المصادر، أنّ هناك احتمالاً بأن يرسل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت قريباً ورقة مقترحات محدّدة لوقف إطلاق النار. ولكنها شدّدت على أنّ المطلوب هو الشغل على الإسرائيليين والضغط عليهم لخفض سقفهم، لأنّ العِقَد موجودة لديهم، لا في بيروت التي تتمسك بتطبيق القرار 1701 بلا تعديل.
الإنفراج المحتمل
وتردّدت معلومات عن زيارة لهوكشتاين لإسرائيل، في غضون أسبوع، حاملاً نسخة منقّحة عن مشروعه لوقف الحرب مع لبنان. وتحظى هذه الزيارة بدعم إدارة بايدن الراغبة في تحقيق إنجازات سياسية في الإقليم، قبل انتهاء الولاية. كذلك تحظى بدعم ترامب الذي يريد من أي اتفاق محتمل لوقف الحرب أن يسمح بدخول لبنان في مناخات التطبيع التي عمل لها في ولايته الرئاسية السابقة، والتي يحضّر لاستئنافها بعد تولّيه مقاليد الرئاسة مطلع السنة المقبلة.
ووفق مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية»، ربما يحظى الانفراج المحتمل على الجبهة بين إسرائيل ولبنان بتغطية إيرانية، بعدما تواردت معلومات عن إشارات إلى حوار غير مباشر على وشك الانطلاق بين طهران ومقرّبين من الرئيس الأميركي المنتخب، ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على ملفات إقليمية عدة، ومنها لبنان.
لكن المصادر تتخوف من السلوك الإسرائيلي في ما يخصّ التسوية مع لبنان، وتعتقد أنّ بنيامين نتنياهو سيعرقل على الأرجح كل محاولات التسوية، لأنّ ما حققه عسكرياً حتى اليوم ليس كافياً لخدمة طموحاته، ولذلك هو يفضّل مواصلة الضغط العسكري. وفي أي حال، هو يفضّل أن «يبيع» أي اتفاق في لبنان أو في غزة لإدارة ترامب الآتية لا لإدارة بايدن الراحلة.
لا موعد لهوكشتاين
على انّه وتزامناً مع مجموعة التسريبات التي تحدثت عن مبادرة اميركية جديدة يقودها هوكشتاين، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، انّ لبنان لم يتبلّغ بعد اي موعد لزيارته بيروت وليس لديها اي معطيات عن زيارة الى المنطقة.
ولفتت المصادر إلى «انّ الحديث عن استئناف المفاوضات هو أمل وتمنٍ لبناني، ولم نرصد انّ أحداً يشاركنا هذه الأمنية والآمال حتى اليوم». وأشارت إلى «انّ إغراق السوق الإعلامية بالخطوات الجديدة الإيجابية منذ يوم السبت الماضي لم يثبت بعد أنّه جدّي، على رغم من الوعود التي قُطعت في واشنطن وتل أبيب وغيرهما، عدا عن الشروط التي سرّبتها وسائل إعلام اسرائيلية تعرف انّها مرفوضة لبنانياً».
حرارة المفاوضات
وقالت المصادر، انّ عنف الغارات الإسرائيلية وشمولها مناطق لم تخطر على بال أحد قد يكون مؤشراً إلى دقة المفاوضات الدولية والإقليمية، وانّ اسرائيل تسعى إلى تكريس واقع لا يمكن تجاوزه متى تمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار والآلية المحكي عنها، إن صحت الترتيبات التي يدور الحديث عنها في أكثر من عاصمة.
قمة الرياض
وتعليقاً على أعمال القمة العربية – الإسلامية غير العادية التي ستنعقد اليوم على مستوى الملوك والأمراء والرؤساء في الرياض، كشف مرجع ديبلوماسي لـ«الجمهورية»، انّ القمة جاءت في أساسها «بناءً على طلب لبناني تفاعل معه الجانب السعودي ايجاباً، وانّ الرهان عليها معقود من أجل ان يكون للعرب موقف واحد وموحّد من العدوان على فلسطين ولبنان».
ولفت إلى انّ «الاتصالات التي أجراها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب تهدف إلى توحيد الموقف العربي مما يجري، وانّ لبنان يراهن على هذا الموقف من اجل ان يكون إلى جانبه لمواجهة تداعيات هذا العدوان غير المسبوق على لبنان أياً كانت الذرائع التي تسببت به، وأنّ مساندة لبنان لها وجوه عدة من تقديم العون للنازحين اللبنانيين في بلدهم الى السوريين الذين أرهقوا البيئة المضيفة بوجودهم».
الفرصة متاحة
وفي غضون ذلك، قال ميقاتي في الرياض التي وصل اليها امس مترئساً وفد لبنان إلى القمة العربية ـ الاسلامية، انّ «الفرصة متاحة اليوم لنعيد الكيان والجميع إلى كنف الدولة، وان تكون الدولة هي صاحبة القرار الاول والاخير بكل الامور. وإن شاء الله لا نضيّع هذه الفرصة، فنعمل بوحدتنا على انقاذ لبنان، لأنّ هذه الوحدة هي قوة لبنان».
وأمل ميقاتي خلال لقائه مع الجالية اللبنانية في مقر سفارة لبنان في الرياض في «ان نجتاز هذه المرحلة الصعبة في اسرع وقت ممكن ونتوصل الى وقف لإطلاق النار وننفّذ القرارات الدولية، والأساس هو القرار 1701، وتعزيز وجود الجيش في الجنوب ولا يكون هناك سلاح الّا سلاح الشرعية. هذا ما نريده ونسعى اليه بالتعاون مع الدول العربية اولاً». وتوقّع ان تكون نتائج المؤتمر العربي ـ الاسلامي اليوم «جيدة ويكون هناك وقف لاطلاق النار قريباً، لنحقق ما نصبو اليه، ولا سيما انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اسرع وقت، ليكتمل عقد المؤسسات الدستورية وتنتظم الحياة السياسية، فيكون انتخابه بداية التنفيذ الكامل لوثيقة الوفاق الوطني والدستور».
وقال: «هذه الوثيقة التي انبثقت عن مؤتمر الطائف الدي رعته المملكة العربية السعودية، باتت جزءاً من حياتنا السياسية. حان الوقت بعد التشويه الذي حصل، أن نعود إلى تطبيق الدستور بحرفيته، وقد اختبرته نائباً ووزيراً ورئيساً للحكومة، وهو لا يزال الصيغة الأنسب. وهذه الوثيقة التي وضعت قبل 35 عاماً، استشرفت المستقبل ولا تزال صالحة الى اليوم، وخلاصتها البند الثاني الذي ينص على بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وهذا ما نريده. وثيقة الوفاق الوطني صدرت في مدينة الطائف وتبقى المملكة العربية السعودية هي الشقيقة الكبرى للبنان وتمدّ يد المساندة له».
بلا زيادة او نقصان
إلى ذلك قال الرئيس نبيه بري في حديث صحافي أمس، إنّه يترقّب ما يمكن أن يصدر عن القمة العربية – الإسلامية المشتركة غير العادية اليوم، مشدّداً على أنّ «المطلوب منها في هذا الظرف الاستثنائي والدقيق أن تخرج بنتائج عملية تدفع نحو تحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان». وأكّد على «التمسك بوجوب وقف إطلاق النار فوراً وتنفيذ القرار 1701 بلا زيادة او نقصان». واشار إلى أنّ «العدو الإسرائيلي يركّز في حربه على اعتماد نهج التدمير الواسع الذي يشمل مناطق مختلفة في الجنوب والبقاع والضاحية».
تسريبات استباقية
في غضون ذلك، واصل الإعلام الاسرائيلي التسريب عن مشاريع اتفاقات لوقف النار، استباقاً لزيارة مرتقبة لهوكشتاين، يتبين انّها من صناعة إسرائيلية، خصوصاً انّ المُسرّب لا يمكن لبنان ان يقبل به، لتعارضه مع ما ينص عليه القرار الدولي 1701 والسيادة اللبنانية.
وذكرت القناة 12 العبرية، أنّ الحكومة الإسرائيليّة «تدرس بجدّيّة خيار التّوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار موقّت مع «حزب الله»، في ظلّ المخاوف الجدّيّة في أوساط صنّاع القرار في تل أبيب، من احتمال صدور قرار من مجلس الأمن الدّولي قد يقيّد بمقدار كبير حرّيّة إسرائيل العسكريّة».
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلًا عن مسؤولين أميركيّين، أنّ ترامب «بعث برسالة إلى إدارة الرّئيس الحالي جو بايدن، يدعو فيها إلى إحراز تقدّم نحو تسوية أعمال العنف في شمال إسرائيل». وأكّدوا أنّ «فرص التّسوية في لبنان تحت قيادة مبعوث بايدن آموس هوكشتاين -وبتشجيع من ترامب- تتزايد»، مشيرين إلى أنّ «هناك جهودًا كبيرةً تُبذل لترتيب صفقة أسرى صغيرة».
وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أنّ «وزير الشّؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر أجرى زيارةً سرّيّةً إلى روسيا الأسبوع الماضي، سعيًا للتّوصّل إلى تسوية مع لبنان»، مشيرةً إلى أنّ «من المتوقّع أن تلعب روسيا دورًا مهمًّا في اتفاق محتمَل لوقف إطلاق النّار، إذا تمّ التّوصل إليه بين إسرائيل و«حزب الله»، لضمان تغيير الوضع في لبنان ومنع تسليح الحزب». ولفتت إلى أنّ «الزّيارة جاءت بعد أيّام قليلة من الهجوم الإسرائيلي على إيران»، فجر 26 تشرين الأوّل الماضي.
وفي السّياق، أفادت القناة 12 الإسرائيليّة نقلًا عن مصادر، أنّ «الوزير ديرمر يغادر إلى واشنطن، لمناقشة التّفاصيل بشأن التّسوية مع لبنان».
وأفاد موقع «أكسيوس»، نقلاً عن مسؤولين، انّ ديرمر سيلتقي مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ووزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن للبحث الوضع في لبنان وغزة. كذلك سيناقش أيضاً الإنذار الأميركي بتحسين وضع غزة الإنساني.
لكن هذه القناة 12 نفسها نقلت لاحقاً عن مسؤولين أمنيين، أن «ليس صائباً إدخال روسيا في مساعي التسوية مع لبنان وتوسيع تأثيرها بالمنطقة»، مشيرةً نقلاً عن مصادر مطلعة، إلى «تقدّم كبير في المفاوضات في شأن التسوية في لبنان». واشارت إلى أنّ «لإسرائيل حليفاً استراتيجياً واحداً هو الولايات المتحدة»، لافتةً الى أنّ «مسؤولين في الجيش يعتقدون أنّه ما زال مبكراً إعادة سكان البلدات الحدودية إلى منازلهم». وكشفت عن «إجماع إسرائيلي- أميركي على أنّ الإنجاز في جبهة لبنان وصل حدّه الأقصى ويجب استغلاله سياسياً».
نتنياهو يعترف
في غضون ذلك، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرّة الاولى بمسؤولية إسرائيل عن تفجير أجهزة «البايجر» في لبنان، والتي تسببت بإصابة الآلاف.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، أن نتنياهو تحمّل خلال اجتماع الحكومة مسؤولية الهجمات بتفجير أجهزة «البايجر» في لبنان، ونقلت عنه قوله: «لم أصغ إلى التحذير بأنّ واشنطن ستعارض العملية». وأوضح أنّ «عملية تفجير أجهزة الاستدعاء واغتيال (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله، تمت رغم معارضة المسؤولين الكبار في المؤسسة الأمنية». وأضاف: «هناك وزراء عارضوا قرارات كنت أؤيدها مثل قتل حسن نصرالله والدخول إلى رفح».
وإلى ذلك، كشف نتنياهو، أنّه تحدث مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب 3 مرات في الأيام الأخيرة، مشيراً إلى أنّه متفق معه إزاء «التهديد الإيراني».
وفي هذه الاثناء، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الى أنّ «علينا أن نواصل العمل معاً ونستثمر النتائج في تغيير الوضع في جبهة لبنان»، لافتاً الى أنّ «كل من جاء ليدعم وقف إطلاق النار في غزة ابلغت اليه أنّه لن يحدث من دون إطلاق الأسرى».
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، أنّ «رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي صدّق على توسيع العملية البرية في جنوب لبنان».