على مدى نهار أمس، انضبط المشهد الداخلي على زيارة قيل إنّ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سيقوم بها إلى بيروت اليوم الثلاثاء، تسبق زيارة له إلى إسرائيل غداً، لإنضاج تسوية سياسية تبرّد جبهة الجنوب. واقترن ذلك بمنسوب عالٍ من التفاؤل، عزّزته تأكيدات أميركية بأنّ هوكشتاين سيتوجّه إلى بيروت قريباً جداً. وهذه التأكيدات نسفت أجواء البلبلة التي سادت ليلاً جرّاء ترويجات عن تأجيل زيارة الوسيط الأميركي.
وفي موازاة ذلك، حكمت الميدان العسكري في الساعات الماضية وتيرة عالية من التصعيد الإسرائيلي قتلاً للمدنيّين وقصفاً وتدميراً للبنى المدنية في مختلف المناطق اللبنانية، توازيها مواجهات عنيفة من قِبل «حزب الله» لمحاولات توغل الجيش الإسرائيلي في العديد من المحاور، بشكل متزامن مع استهدافات صاروخية مكثفة لتجمّعات ومواقع وقواعد الجيش الإسرائيلي ومستوطنات الشمال ومدن العمق الإسرائيلي وصولاً إلى حيفا وتل أبيب.
تأجيل ثم تأكيد
نقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤولين أميركيّين، قولهم، إنّ هوكشتاين أبلغ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري تأجيل زيارته لبيروت لحين توضيح موقف لبنان من اتفاق التسوية. وأكّد المسؤولون أنّ «الكرة في ملعب الجانب اللبناني ونريد إجابات من لبنان قبل مغادرة هوكشتاين إلى بيروت».
إلّا أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أنّ الموقع الأميركي تراجع مساءً عن خبر التأجيل، وعاد ونقل عن مسؤول أميركي بأنّ هوكشتاين سيغادر واشنطن إلى بيروت قريباً جداً.
وكان لافتاً في هذا السياق، أنّ مصادر عين التينة لم تعلّق على ما ذكره الموقع الأميركي حول إبلاغ هوكشتاين بري بتأجيل الزيارة. إلّا أنّها أشارت إلى أنّها لا تجد ما يبرّر ما بدا أنّه إرباك ساد بعد إعلان الخبر الذي يتحدّث عن تأجيل زيارة هوكشتاين.
وكرّرت التأكيد على أنّنا أنجزنا كل ما يتصل بالردّ اللبناني على مقترح التسوية، ونعتبره رداً إيجابياً، وسيُعرض على هوكشتاين سواء حضر اليوم أو في أي وقت آخر. مع الإشارة هنا إلى أنّ خط التواصل مع هوكشتاين لم ينقطع.
وكانت مصادر متعدّدة قاربت الزيارة بحذر، وتقاطعت عند التأكيد على أنّه ما لم يطرأ أي مستجد قاهر من شأنه أن يعدّل في جدول أعمال هوكشتاين ويغيّر مساره، فإنّه سيحطّ في بيروت اليوم. وهذا ما أكّدت عليه مستويات سياسية رفيعة معنية بحركة الاتصالات الجارية، بأنّها أُبلِغت بأنّ الوسيط الأميركي حزم حقائبه للسفر إلى لبنان وسيصل خلال الساعات المقبلة.
زيارة مفصلية
كانت الأجواء نهار أمس، قد أحاطت الزيارة المرتقبة لهوكشتاين تبدو بشيء من التفاؤل، ولاسيما أنّ إتمامها كان مشروطاً بأن يلمس الوسيط الأميركي إيجابية يمكن البناء عليها لبلوغ وقف لإطلاق النار على جبهة لبنان. وأكّد مسؤول رفيع لـ«الجمهورية»، أنّ «كفة الإيجابيات راجحة، والجو العام يوحي وكأنّ بلوغ التسوية السياسية بات قاب قوسَين أو أدنى».
وبحسب المسؤول عينه «فإنّ زيارة هوكشتاين إلى بيروت، مفصلية هذه المرّة لناحية شق الطريق نحو التسوية بصورة أكيدة، وتنقية هذا الطريق من أيّ مطبّات أو تعقيدات أو ألغام، من غير المستبعد أن تلجأ إسرائيل إلى زرعها لإحباط الجهود الرامية إلى التسريع في هذه التسوية. وهنا تقع مسؤولية الوسيط الأميركي في مواجهة الخداع الإسرائيلي وإخراج التسوية من عنق الزجاجة وإلزام اسرائيل بالاستجابة لشروطها ووقف إطلاق النار».
إيجابيات من طرف واحد
إلى ذلك، ووفق مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ الردّ اللبناني على مقترح التسوية الذي قدّمته السفيرة الأميركية ليز جونسون، وُضع بصيغته النهائية، وتمّت مقاربة المقترح بنَفَس إيجابي، على أن يُسلّم إلى هوكشتاين».
وفيما تحدّثت المصادر الموثوقة عن أنّ الأميركيّين باتوا في صورة هذا الردّ». كشفت أنّ موقف «حزب الله» (الذي تسلّمه الرئيس بري ليل الأحد) كان مسهّلاً للغاية، وتقييمه لمقترح التسوية كان إيجابياً في مجمله، مع تسجيل ملاحظات يفترض أنّها تسرّع في إتمام التسوية، ولم يطرح أي شرط من شأنه أن يعيقها».
لا ملاحق ولا إضافات
وأكّدت مصادر عين التينة لـ«الجمهورية»، أنّ الإيجابية مؤكّدة من قِبلنا، لناحية التشديد على وقف إطلاق النار والتنفيذ الكلي للقرار 1701 من دون زيادات أو إضافات أو ما تسمّى ملاحق منظورة وغير منظورة. هذا هو جوهر الردّ اللبناني على المقترح، ومرتكز بشكل أساسي على ثابتة حاسمة لا جدال فيها وغير قابلة للنقاش، وهي سيادة لبنان وعدم المس بها ولو بأقل تفصيل. وبالتالي فإنّ جوهر مقاربة مقترح التسوية جاءت بالشكل الذي يحفظ سيادة لبنان».
وقالت المصادر، إنّ موقف «حزب الله» إيجابي وما طُرح من ملاحظات يمكن إدراجها في خانة الإيجابية التي تتوافق مع موقف لبنان لناحية تطبيق القرار 1701 من دون زيادة أو نقصان، وكذلك لناحية آلية تنفيذ هذا القرار…
ماذا في الردّ؟
وسألت «الجمهورية» مسؤولاً كبيراً عن مضمون الردّ على مقترح التسوية فلخّصه كما يلي: «وقف فوري لإطلاق النار. تطبيق كامل وشامل للقرار 1701 بالشكل الذي صدر فيه في العام 2006. إنسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل النقاط التي توغّل إليها في هذا العدوان إلى خلف الحدود الدولية وعودة النازحين إلى بلداتهم. إنتشار الجيش اللبناني بمؤازرة قوات «اليونيفيل» في كل المنطقة المشمولة بالقرار 1701. (وطبيعي جداً في هذه الحالة أن تكون هذه المنطقة خالية من أي سلاح أو مظاهر مسلحة، إلّا من سلاح الجيش اللبناني). وهذا يستوجب بالتأكيد زيادة عديد الجيش اللبناني في هذه المنطقة. والأهم من كل ذلك، رفع القيود عن تسليح الجيش اللبناني ليتمكن من القيام بالمهام الموكلة إليه. وتفعيل اللجنة الثلاثية اللبنانية – الإسرائيلية – و»اليونيفيل». (تردّد في هذا السياق عدم وجود تحفّظ أو اعتراض من قِبل الجانب اللبناني على إمكان تطعيم هذه اللجنة بممثلين عسكريّين عن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا)».
وبحسب المسؤول عينه، فإنّ «الردّ اللبناني يؤكّد على حسم النقاط الـ6 العالقة من النقاط الـ13 المختلف عليها على الخط الأزرق، بالإضافة إلى نقطة الـ«B1»، كذلك التأكيد على انسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية التي تحتلها في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، والجزء الشمالي من قرية الغجر الذي احتلته إسرائيل في العام 2006. وقال التطبيق الكامل والشامل للقرار 1701 يمنع الخروقات من الجانبَين، ولاسيما الخروقات البرية والبحرية، وكذلك الطلعات الجوية من قبل إسرائيل.
ورداً على سؤال أكّد المسؤول عينه خلو المقترح الأميركي من أي بند يشير صراحة أو مواربة إلى حرية الجيش الإسرائيلي في العمل في لبنان بعد الاتفاق، إلّا أنّه بدا حذراً ممّا تروّجه إسرائيل عبر مستوياتها السياسية والإعلامية عن وجود ضمانات أميركية جانبية، يمنح إسرائيل حرّية العمل في لبنان، وأكّد الأميركيون لنا أنّ هذا الأمر غير موجود على الإطلاق. ومع ذلك فإنّ وجود مثل هذه الضمانات، يعني نسفاً كاملاً لمشروع التسوية».
وعمّا إذا كان الاتفاق وشيكاً، قال: «ما يُخشى منه هو أن تكون الإيجابيات الملموسة حالياً من طرف واحد، مقابل سلبيات مبينة في الجانب الإسرائيلي. في الخلاصة الحسم مرهون بالموقف الإسرائيلي، فإن لم يعمد نتنياهو إلى إفلات شياطينه في تفاصيل مشروع التسوية وزرع طريقها بالألغام، يمكن القول إنّ التسوية قريبة جداً. فهوكشتاين سيحضر اليوم إلى بيروت، وسينتقل الأربعاء إلى إسرائيل، وإن كانت الأمور ميسرة أمامه في إسرائيل، فلا شيء يمنع من إعلانه الاتفاق على وقف إطلاق النار يوم الخميس».
ميقاتي
وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي: «إنّ هوكشتاين سيزور لبنان قريباً، والملفات الضبابية تحلّ وجهاً لوجه». وأشار إلى «أنّ ردّ لبنان على الورقة الأميركية كان إيجابياً، لكنّ بعض النقاط تحتاج إلى نقاش، ونأمل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان في أقرب وقت».
ولفت ميقاتي إلى أنّ «العنوان الأساسي بالنسبة لنا في المسودة الأميركية هو تطبيق القرار 1701، ولبنان ملتزم بتنفيذه، وهدفنا أن يطبّق في جنوب الليطاني كما نصّ عليه القرار، ولا بُدّ من تحقيق الاستقرار ووقف الدمار وسفك الدماء في جنوب لبنان».
وأشار إلى أنّ «الرئيس نبيه بري يقود المباحثات مع الوسيط الأميركي. وأنا على اتصال دائم معه، ولم أسمع عن شرط يتعلق بحرّية التحرّكات العسكرية لإسرائيل في لبنان. فهي مجرّد تكهنات». وقال: «ما يهمّني هو تعزيز وجود الجيش في الجنوب اللبناني وإلّا يكون هناك سلاح غير سلاح الشرعية. ولا بدّ من انسحاب العدو الإسرائيلي من أي خطوة قام بها داخل الأراضي اللبنانية».
تفاؤل أميركي
إلى ذلك، نسبت قناة «الجزيرة» إلى مصدر حكومي لبناني قوله «إنّ منسوب التفاؤل الأميركي بالتوصّل إلى وقف لإطلاق النار هو الأعلى منذ عام»، مشيراً إلى أنّه «لدينا ملاحظات على بند في المسودة الأميركية عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس».
ولفت المصدر إلى أنّ «بند حق إسرائيل بالدفاع عن النفس مبهم ويحتاج إلى إعادة صياغة وربطه بالقرار 1701»، معتبراً أنّه «لا مبرّر لتشكيل لجنة دولية لمراقبة وقف النار، لا سيما أنّ اللجنة الثلاثية قائمة منذ 2006». وأضاف: «لن نقبل أي بند في مسودة وقف إطلاق النار قد يستدعي تغييراً في القرار 1701».
مقاربة إسرائيلية للمقترح
إلى ذلك، قالت القناة الـ12 العبرية، إنّ زيارة هوكشتاين إلى إسرائيل الأربعاء تشير إلى تقدّم في مفاوضات وقف إطلاق النار. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر سياسية قولها إنّ «تل أبيب تتوقع تقدّماً كبيراً في المحادثات تزامناً مع زيارة هوكشتاين».
وفيما كشفت قناة «كان» العبرية عن بعض تفاصيل مسودة اتفاق التسوية بين لبنان وإسرائيل، مشيرة إلى أنّ المقترح يقضي بوضع 5 آلاف جندي لبناني في المناطق الجنوبية، وتعهّد من إسرائيل بعدم مهاجمة لبنان، وإعادة ترسيم الحدود البرية بين الدولتَين»، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية «أنّ المقترح يتضمّن:
التزام «حزب الله» وإسرائيل بالقرار 1701، وانتشار الجيش اللبناني بوصفه قوة مسلحة وحيدة في جنوب لبنان، بجانب قوات «اليونيفيل».
منع إعادة تسليح الجماعات المسلحة غير الرسمية في لبنان، وأن يكون بيع أي أسلحة للبنان أو إنتاجها داخله تحت إشراف الحكومة اللبنانية.
منح القوى الأمنية اللبنانية صلاحيات الإشراف على إدخال الأسلحة عبر الحدود اللبنانية والإشراف على المنشآت غير المعترف بها من قِبل الحكومة والتي تنتج الأسلحة، وتفكيكها وتفكيك أي بنية تحتية مسلحة لا تلتزم بالالتزامات الواردة في الاتفاق.
إنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان خلال 7 أيام ليحل محلها الجيش اللبناني تحت إشراف دولي، بالإضافة إلى نزع سلاح المجموعات المسلحة جنوب نهر الليطاني خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
إلى ذلك، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، إنّ زيارة هوكشتاين تأتي بعد تقارير تفيد بموافقة لبنان على المقترح الأميركي، وأنّ «حزب الله» أظهر انفتاحاً إيجابياً على الورقة الأميركية، لكن لا تزال هناك عدّة نقاط خلافية.
وأشارت إلى أنّه لو تمّ التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإنّه من المتوقع وجود صعوباتٍ في تنفيذه. وقالت: «إنّ زيارة هوكشتاين ليس المقصود منها الإعلان عن وقفٍ لإطلاق النار، بل مناقشة الموقف اللبناني قبل نقله إلى إسرائيل، والتقديرات في لبنان تشير إلى أنّ الأيام المُقبلة ستكون حاسمة، فإمّا أن يتمّ التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار خلال أيام، أو أنّ القتال سيستمرّ بكثافة حتى منتصف كانون الثاني المقبل».
في السياق، تنقل الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله، إنّ «هناك تقديرات في تل أبيب تشير إلى أنّ لبنان سيحاول إجراء جولة أخرى من التعديلات في الإتفاق، وسيطلب توضيحات من هوكشتاين في ما يتعلّق بحرّية العمل لإسرائيل في لبنان، علماً أنّ بيروت لن توافق على هذا البند على الإطلاق.