من المقرّر أن يدخل وقف اطلاق النار بين لبنان واسرائيل حيز التنفيذ فجر اليوم استناداً الى اعلان الرئيس الاميركي جو بايدن ومعه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي سارع إلى ارسال موفده جان إيف لودريان إلى لبنان اليوم «للبحث في حل الأزمة السياسية»، حسبما اعلنت الرئاسة الفرنسية. في الوقت الذي عاش لبنان ليلة جهنمية من القصف التدميري الاسرائيلي الذي طاول عمق بيروت وضاحيتها الجنوبية ومعظم مناطق الجنوب والبقاع، ليصل إلى معبر العريضة والعبودية والدبوسية ووادي خالد في عكار ومعابر اخرى على الحدود اللبنانية- السورية، في وقت ردّ حزب الله بقصف مجموعة من الأهداف العسكرية الحساسة في تل ابيب وضواحيها وعكا والجولان ومقر إقامة قائد سلاح الجو الاسرائيلي في تل ابيب.
اعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر صحافي مساء امس أنّ «لبنان وإسرائيل يقبلان وقف إطلاق النار». وأشار الى أنّ «أكثر من 70 ألف إسرائيلي اضطروا للنزوح منذ بدء حزب الله الحرب». واضاف «أكثر من 100 ألف لبناني دُفعوا إلى النزوح بعد فرض حزب الله الحرب عليهم». ورأى أنّ «هذا النزاع هو الأكثر دموية بين حزب الله وإسرائيل». واعتبر أنّ «السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق في ساحات القتال، لذلك وجّهت فريقي لإنهاء النزاع». وكشف أنّ «الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ غداً في العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي». وأعلن أنّه «سيتمّ تنفيذ الاتفاق بشكل كامل ولن يكون هناك انتشار للقوات الأميركية في جنوب لبنان». وشدّد على «أنّ حزب الله إذا خرق الاتفاق فإنّ إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها». وقال إنّ «الاتفاق يدعم سيادة لبنان ويشكّل بداية جديدة لهذا البلد ويقود الشعب اللبناني لمستقبل ينعم فيه بالسلام».
وعن ملف غزّة، قال بايدن إنّ «أمام حماس خيار وحيد هو إطلاق سراح الرهائن ومنهم الرهائن الأميركيون». وأعلن «أنّنا سنقوم بمساعٍ جديدة مع مصر وقطر وتركيا وإسرائيل في شأن وقف إطلاق النار في غزة».
بيان مشترك
وفي غضون ذلك، صدر عن بايدن وماكرون بيان مشترك أعلنا فيه وقف إطلاق النار. وهنا نصه: «بعد أسابيع عديدة من التعبئة الدبلوماسية المكثفة، أعلن رئيس الولايات المتحدة، جوزف بايدن، ورئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، اليوم أنّ إسرائيل ولبنان قد قبلا بوقف إطلاق النار بين البلدين. سيؤدي هذا الإعلان إلى إنهاء القتال في لبنان وحماية إسرائيل من التهديد الذي يشكّله حزب الله والمنظمات الإرهابية الأخرى التي تعمل من لبنان. كما سيوفّر الظروف اللازمة لاستعادة الهدوء بشكل مستدام، مما يتيح عودة آمنة لسكان الجانبين إلى منازلهم على طول الخط الأزرق. ستعمل الولايات المتحدة وفرنسا مع إسرائيل ولبنان لضمان تنفيذ هذا الترتيب بالكامل وتطبيقه. كما تظل ملتزمة بمنع هذا النزاع من التسبب في دورة جديدة من العنف. وتعهّدت الولايات المتحدة وفرنسا أيضًا بلعب دور رائد في دعم الجهود الدولية لتعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية وتعزيز التنمية الاقتصادية في جميع أنحاء لبنان، من أجل تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة».
بايدن وميقاتي
وقد تلقّى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً من بايدن تشاورا في خلاله في الوضع الراهن وقرار وقف اطلاق النار. وافادت معلومات رسمية انّ ميقاتي شكر بايدن «على الدعم الاميركي للبنان والمساعي التي قام بها موفده السيد آموس هوكشتاين للتوصل الى وقف اطلاق النار». واضافت: «عبّر رئيس الحكومة عن ترحيبه بقرار وقف إطلاق النار في لبنان، والذي ساهمت بترتيبه مشكورة الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا». وقال: «إنّ هذا التفاهم الذي رسم خريطة طريق الى وقف النار، اطلعت عليه مساء اليوم (أمس)، وهو خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان وعودة النازحين الى قراهم ومدنهم. كما انّه يساعد في إرساء الاستقرار الإقليمي. إنني، إذ اقدّر المساعي المشتركة للولايات المتحدة وفرنسا للتوصل الى هذا التفاهم، اجدّد تأكيد التزام الحكومة بتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 وتعزيز حضور الجيش في الجنوب والتعاون مع قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان. وادعو دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية الى تحمّل مسؤولياتها في هذا الصدد. كما اطالب بالتزام العدو الاسرائيلي بشكل كامل بقرار وقف اطلاق النار والانسحاب من كل المناطق والمواقع التي يحتلها والالتزام بالقرار 1701 كاملاً».
وسيرأس ميقاتي عند التاسعة والنصف صباح اليوم جلسة لمجلس الوزراء في السراي الكبير «لبحث التطورات الراهنة والأوضاع المستجدة». حسبما ورد في نص الدعوة التي وجّهت الى الوزراء، وقد قطع وزير السياحة وليد نصار زيارته للسعودية ويعود إلى بيروت للمشاركة في الجلسة. فيما افيد انّ وزراء «التيار الوطني الحر» لن يحضروا الجلسة بداعي السفر.
وكان ميقاتي ندّد بـ«العدوان الإسرائيلي الهستيري» مساء امس على بيروت ومختلف المناطق اللبنانية والذي يستهدف بشكل خاص المدنيين. وقال انّ هذا العدوان «يؤكّد مجدداً انّ العدو الاسرائيلي لا يقيم وزناً لأي قانون او اعتبار. كما انّ استهداف بيروت بشكل خاص يثبت حقد العدو عليها بما تمثله من حاضنة لجميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم، ولكونها ايضاً تحتضن العدد الاكبر من النازحين عن مناطق العدوان». واضاف: «إنّ المجتمع الدولي مطالب بالعمل سريعاً على وقف هذا العدوان وتنفيذ وقف فوري لاطلاق النار».
نتنياهو يتوعد
في هذه الاثناء، اقّر المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وذلك بعد موافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال خطاب متلفز.
وأعلن نتنياهو مساء امس عن اتفاق وقف إطلاق نار مع حزب الله، وإنّه «سيعرض الليلة الخطوط العريضة لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، مع التفاهم الكامل مع الولايات المتحدة، على أنّ لدينا حرّية العمل العسكري الكاملة، إذا انتهك حزب الله الاتفاق فسنهاجم. إذا أطلق صاروخاً، أو حفر نفقاً، فسنهاجم». وشدّد على أنّ «الحرب لن تنتهي حتى تحقق أهدافها ونعيد سكان الشمال إلى منازلهم». وقال إنّ «الرئيس السوري بشار الأسد يلعب في النار، لقد أعدنا حزب الله عشرات السنوات إلى الوراء».
وتطرّق نتنياهو الى الحرب في غزة وقال: «حزب الله خرج من الصورة، حماس بقيت وحيدة، وهذا سيساعد في الجهود لإعادة المختطفين» واضاف: «نحن ملتزمون بإعادة الجميع إلى ديارهم». وذكر أنّ الهدف هو «وضع حدّ للمعاناة الرهيبة التي يعيشها أهالي المختطفين، ونحن ملتزمون باستكمال تدمير حماس».
وشرح نتنياهو أسباب وقف إطلاق النار في لبنان، وهاجم الولايات المتحدة بسبب «تأخير توريد السلاح»، وقال: «السبب الأول هو «التركيز على التهديد الإيراني – ولن أخوض في ذلك». والسبب الثاني الذي ذكره نتنياهو هو «التحديث الكامل وتجديد القوات. وأنا أقول لكم بصراحة، لأنه ليس سراً: كان هناك تأخير كبير في توريد الأسلحة والعتاد، هذا التأخير على وشك أن يتحرّر قريبًا. سنزود أنفسنا بوسائل حربية متقدمة من شأنها أن تحافظ على حياة جنودنا، وتمنحنا قوة إضافية لإكمال مهماتنا. والسبب الثالث، هو «فصل الساحات وعزل حماس». وخلال تطرقه للملف الإيراني قال: «لقد دمّرنا أجزاء كبيرة من قدرتها الدفاعية الجوية، وقدرتها على إنتاج الصواريخ، ودمّرنا جزءًا كبيرًا من برنامجها النووي. وأنا مصّمم على القيام بكل ما هو ضروري لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية – هذا التهديد يتصدّر ذهني».
نص إسرائيلي للاتفاق
ونشرت وسائل الإعلام الاسرائيلية «نص الاتفاق الكامل» بين إسرائيل ولبنان. وفيه الآتي:
«• حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية لن تنفّذ أي عمل هجومي ضدّ إسرائيل.
• في المقابل، لن تنفّذ إسرائيل أي عمل عسكري هجومي ضدّ أهداف في لبنان، سواء على الأرض أو في الجو أو في البحر.
• تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
• هذه الالتزامات لا تلغي حق إسرائيل أو لبنان في ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس.
• ستكون قوات الأمن والجيش اللبناني هي الجهات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في جنوب لبنان.
• سيتمّ الإشراف على بيع الأسلحة أو توريدها أو إنتاجها أو المواد ذات الصلة بالأسلحة في لبنان من قبل الحكومة اللبنانية.
• سيتمّ تفكيك جميع المنشآت غير المصرّح بها المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة بالأسلحة.
• سيتمّ تفكيك جميع البُنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها التي لا تتوافق مع هذه الالتزامات.
• سيتمّ إنشاء لجنة تحظى بموافقة كل من إسرائيل ولبنان للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
• ستقدّم إسرائيل ولبنان تقارير عن أي انتهاكات محتملة لهذه الالتزامات إلى اللجنة وإلى قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل).
• سينشر لبنان قوات الأمن الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود ونقاط العبور والخط المحدد للمنطقة الجنوبية كما هو موضح في خطة الانتشار.
• ستنسحب إسرائيل تدريجياً من جنوب الخط الأزرق في فترة تصل إلى 60 يومًا.
• ستعزز الولايات المتحدة مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان للوصول إلى حدود برية معترف بها».
خشية من مناورة
وعبّرت مصادر ديبلوماسية في بيروت عبر «الجمهورية» عن خشيتها من مناورة خبيثة يعمد إليها الجانب الإسرائيلي، تتعلق خصوصاً بروزنامة تنفيذ الاتفاق. فهو يبدو مصرّاً على عدم سحب جيشه من الجنوب اللبناني إلّا بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً، وبعد أن يكون الجانب اللبناني قد استكمل تنفيذ ما يتوجب عليه، أي الانسحاب الكامل لمقاتلي «حزب الله» وسلاحه وانتشار الجيش اللبناني في كل البقعة الواقعة جنوب خط الليطاني ومعابر الحدود لضبطها تماماً. ولذلك، يرفض المفاوض هذه البرمجة بشكل مطلق، ويطالب بعملية تزامن دقيقة في تنفيذ بنود الاتفاق كافة، بحيث يبدأ الإسرائيليون انسحابهم من الأراضي اللبنانية في الأسبوع الأول من حصول الاتفاق، وتتولّى هيئة المراقبة إدارة كل خطوة يتوجب على الجانبين أن يلتزما بها.
وأعربت المصادر عن قلقها من وجود رغبة إسرائيلية مبيتة في خلق إرباكات أو حساسيات داخل الصف اللبناني الرسمي والحزبي خلال عملية التنفيذ، عن طريق ممارسة ضغوط على الجانب الرسمي اللبناني لدفعه إلى تنفيذ إجراءات معينة في جنوب الليطاني، تحت عنوان ضمان خروج المقاتلين والسلاح من المنطقة. ويُشار هنا إلى أنّ الجيش سيحتاج إلى تمويل وتجهيز إضافيين، لتمكينه من أداء مهمته في الجنوب وفق هو مطلوب.
حزب الله
وعلى صعيد موقف حزب الله، أكّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله لقناة «الميادين» أنّ «كل الأهداف الإسرائيلية سقطت على أعتاب الخيام وكفركلا وغيرها من القرى اللبنانية»، مشدّداً على أنّ المقاومة اللبنانية لا تزال في موقع الدفاع عن الوطن. وأضاف: «نحن نمر في ليلة خطرة وحساسة، ولكن لن يكون للاحتلال اليد العليا، فالمقاومة صامدة، وقد فرضت على العدو الإسرائيلي أن يأتي إلى وقف إطلاق النار».
وأكّد فضل الله أنّ «المقاومة ليست في مجال المبالغات، بل نتحدث عن صامدين فرضوا على العدو هذه المعادلة». وقال، «في اليوم التالي للحرب، سترتفع في الجنوب والبقاع والضاحية وكل مدينة وقرية في لبنان راية المقاومة والتحرير».