Site icon IMLebanon

الجمهورية : سقط الأسد ولبنان يضبط حدوده… وواشنطن “تطمئن”

 

 

خطف سقوط النظام السوري الأضواء عن كل ما عداه من أحداث وتطورات، ودفع الأوساط السياسية إلى استقراء أبعاده وتداعياته على لبنان والمنطقة، في ظل استمرار إسرائيل في خرق وقف اطلاق النار وحتى في قصف أهداف في العمق اللبناني، وكذلك في العمق السوري، وحتى في قلب دمشق التي دخلتها قوى المعارضة السورية، في الوقت الذي غادرها الرئيس بشار الاسد إلى موسكو صبيحة أمس، فيما تولّى رئيس حكومته محمد الجلالي تسليم السلطة للمعارضين بقيادة احمد الشرع المعروف بـ»أبي محمد الجولاني».

أكّدت اوساط سياسية لبنانية لـ«الجمهورية»، انّ التحول الدراماتيكي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد سيترك انعكاسات على مستقبل المنطقة ومن ضمنها لبنان، مشيرة إلى «انّ المطلوب من القوى الداخلية ان تتعاطى بمسؤولية استثنائية مع هذه المرحلة لتحصين الواقع اللبناني وتكييفه مع التطورات الهائلة، على قاعدة انّ الاولوية هي لحماية الاستقرار الداخلي».

 

وأشارت هذه الاوساط إلى «انّ الوضع الجديد في سوريا لا بدّ من أن يترك تأثيراته على الاستحقاق الداخلي الأقرب وهو انتخاب رئيس الجمهورية». لافتةً إلى انّ «ما بعد سقوط الأسد هو بالتأكيد غير ما قبله، وبالتالي فإنّ فرص الاسماء التي سيكون لها الأفضلية لتولّي الرئاسة قد تختلف على الارجح عمّا كانت عليه قبل الطوفان السوري». ولفتت الأوساط إلى «انّ حزب الله سيكون معنياً كذلك بإجراء مقاربة جديدة لمرحلة ما بعد سقوط حليفه الاستراتيجي، خصوصاً انّ الحزب عاد كلياً إلى لبنان، والأرجح انّ أولوياته ستتبدّل على هذا الأساس».

 

الانقطاع التلقائي

ولعلّ الانعكاس الأبرز لمجريات الحرب في سوريا على لبنان هو الانقطاع التلقائي والتام للجسر الإيراني الذي يصل العراق بسوريا، ومنها يمتد إلى الداخل اللبناني. ويعني ذلك أيضاً فك ارتباط «حزب الله» بالداخل السوري، وانقطاع المعابر البرية التي لطالما استفاد منها «الحزب» ونظام الأسد على حدّ سواء، من أجل تبادل الدعم بالمقاتلين والأسلحة والذخائر وسائر أنواع المؤن.

وقالت مصادر سياسية مواكبة لـ«الجمهورية» إنّ هذا المعطى المستجد سيكون حاسماً لتقرير الاتجاه الذي يسلكه اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، والذي مرّ عليه نحو أسبوعين من أصل مهلة الـ60 يوماً التي نص عليها. فسقوط نظام الأسد وتسلّم قوى المعارضة نقاط الحدود على امتدادها مع لبنان من شأنه أن يضع «الحزب» أمام معطيات محددة في تعاطيه مع بنود هذا الاتفاق، ليس لجهة التزامه القرار 1701 فحسب، بل أيضاً لجهة موقفه من المسألة المثيرة للجدل في الداخل، أي عقدة احتفاظه بالسلاح أو تخلّيه عنه في شمال الليطاني وعلى امتداد الأراضي اللبنانية.

 

ميقاتي وضبط الحدود

وإلى ذلك، تتبع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأوضاع الامنية في لبنان، ولا سيما على الحدود مع سوريا، في خلال اتصال مع قائد الجيش العماد جوزيف عون وقادة الاجهزة الأمنية. وشدّد في خلال هذه الاتصالات، على «أولوية التشدّد في ضبط الوضع الحدودي والنأي بلبنان عن تداعيات المستجدات في سوريا». كذلك دعا «اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم إلى التحلّي بالحكمة والابتعاد عن الانفعالات خصوصاً في هذا الوقت الدقيق الذي يمرّ فيه وطننا».

واتصل ميقاتي بالأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية وطلب منه التواصل مع «الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيين قسراً في لبنان» التي تمّ إنشاؤها بموجب القانون 105/2018 الخاص بالمفقودين والمخفيين قسراً، ومع لجنة معالجة قضية اللبنانيين المعتقلين في سوريا المؤلفة بموجب القرار الرقم 2005/43. وشدّد على «وضع كل الإمكانات المتوافرة والتواصل مع الجهات المعنية في ضوء الإفراج عن مئات السجناء من السجون السورية».

وعلى الأثر، اتصل مكية بالهيئة واللجنة وطلب منهما الاجتماع بصورة عاجلة لإجراء الترتيبات اللازمة لمتابعة الملف، وتبلّغ أنّ الهيئة واللجنة ستجتمعان في الساعات المقبلة.

جعجع

في غضون ذلك، توجّه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مساء امس بكلمة مباشرة من معراب إلى اللبنانيين عقب سقوط النظام السوري، قائلا إنّ «هذا اللقاء اليوم هو استراحة مقاتل، واليوم يبدأ المطاف. إذ إنّ نظام الأسد أعاق قيام دولة فعلية في لبنان». وقال جعجع: «هناك عبارة أتذكرها دائماً وتنطبق على الوضع اليوم (لا يعتقدن معتقد بأنّ الله قد مات فأنّه ومهما كانت الطريق صعبة ففي نهاية المطاف لن تكون إلّا مشيئته)». وشدّد على أنّ «هذا اليوم يجب أن يكون يوم خذي وعار لعدد من اللبنانيين الذي «مسحّوا جوخ» لنظام الأسد. وكل من اعتبر أنّ الأسد يحمي المسيحيين فهذا يوم عار بالنسبة له و«الله يقطعن ويقطع وجودهن»، مؤكّداً أننا «لم نطلب ولن نطلب حمايةً من أحد». وتوجّه إلى «حزب الله»، قائلاً: «انتهت اللعبة»، لافتاً إلى أنّ «كل يوم تذاكٍ هو وقت ضائع. والدولة والمناطق بحاجة لإعادة إنماء وإعمار». وقال: “عليكم الاجتماع بالجيش اللبناني والتخلص من بنيتكم التحتية والتحول لحزب سياسي».

الاسد في موسكو

وفيما تضاربت الأخبار والمعلومات عن مصير الاسد والمكان الذي لجأ اليه بعد مغادرته دمشق صباح امس، كشفت وكالات أنباء روسية نقلاً عن مصدر في الكرملين مساء امس قوله «إن بشار الأسد وعائلته وصلوا إلى موسكو». فيما

نقلت القناة الروسية الأولى عن الكرملين انّه «تمّ تقديم اللجوء للأسد وعائلته لدواعٍ إنسانية». وأفادت وكالة «تاس» الروسية أنّه تمّت إزالة العلم الموجود فوق مبنى السفارة السورية في موسكو.

وذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان انّ «الرئيس السوري السابق بشار الأسد غادر البلاد بعد أن استقال من منصبه وأصدر أوامره بتسليم السلطة سلمياً».

وقالت انّه «نتيجة لمفاوضات بين الأسد وعدد من المشاركين في النزاع المسلح داخل أراضي الجمهورية العربية السورية، قرّر الاستقالة من الرئاسة ومغادرة البلاد، معطياً أوامر بالانتقال السلمي للسلطة». ولم تذكر موسكو، في البيان، مكان الأسد حالياً، وأكّدت أنّ روسيا لم تشارك في أي محادثات بشأن رحيله. واضاف هذا البيان، أنّ «القواعد العسكرية الروسية في سوريا وُضعت في حالة تأهّب قصوى، لكن لا يوجد تهديد خطير لها في الوقت الحالي، وإنّ موسكو على اتصال بجميع المعارضة السورية المسلحة وحضّت جميع الأطراف على تفادي أي أعمال عنف».

 

الجولاني في دمشق

وقد وصل القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع إلى دمشق. وأظهر مقطع فيديو لحظة وصوله وسجوده، وقال من على منبر الجامع الأموي، الذي يعود عمره إلى آلاف السنين، إنّ «نظام الأسد حوَّل سوريا إلى أرض للفساد وتجارة المخدرات»، مضيفاً أنّ «الأسد نشر الطائفية وقام بتقسيم الأراضي السورية وتركها مزرعة للأطماع الإيرانية». وأكّد أنّ «بلدنا لنا جميعاً… والنصر الذي تحقَّق هو نصر لجميع السوريين».

وانتشر مقطع فيديو للحظة دخول الجولاني إلى باحة المسجد الأموي ومحيط سوق الحميدية التاريخي والشهير في دمشق، محاطاً بمجموعة مسلّحة، وسط صيحات الحاضرين المرحّبة بوصوله. وهو كان قال بعد سيطرة المعارضة المسلحة على دمشق أن «لا مجال للعودة إلى الوراء وأنّ الهيئة عازمة على مواصلة المسار الذي بدأته في 2011». واكّد انّ «المستقبل لنا». ودعا مقاتليه في بيان نُشر على حساب المعارضة على تطبيق «تلغرام»: «إلى كافة القوات العسكرية في مدينة دمشق، يُمنع منعاً باتاً الاقتراب من المؤسسات العامة، والتي ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السابق حتى يتمّ تسليمها رسمياً، كما يُمنع إطلاق الرصاص في الهواء».

الجلالي

وفي أول إطلالة، بعد دخول المعارضة السورية دمشق، أبدى رئيس الحكومة السورية محمد الجلالي الاستعداد للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب السوري.

وقال: «سأكون في مجلس الوزراء صباح اليوم (أمس) ومستعد لإجراءات التسليم. أتمنى من جميع السوريين أن يفكروا بعقلانية في شأن مصلحة وطنهم. ونحن نؤمن بأنّ سوريا لجميع السوريين». واضاف «إن سوريا يجب أن تشهد انتخابات حرة للسماح للشعب باختيار قيادته»، بحسب وكالة «رويترز».

وقال رئيس الائتلاف السوري المعارض في الخارج، هادي البحرة: «إن انتقال السلطة في سوريا سيتمّ بتنسيق من الأمم المتحدة». ووجّه رسالة إلى الشعب السوري قائلًا: «إن الوضع الآن آمن ولا مجال للثأر أو الانتقام». وذكر أنّ الإدارات السورية ستستأنف نشاطها الطبيعي خلال يومين. وقال: «ستبدأ مرحلة تاريخية جديدة في سوريا».

الموقف الاميركي

في هذه الأثناء أشار الرئيس الاميركي جو بايدن في بيان إلى انّه «تمّ تحرير سوريا من بشار الأسد ومما قام به هو ووالده»، لافتاً إلى «اننا نعلم أنّ الاسد موجود في موسكو الآن». وذكر «انّ نظام الاسد قتل بوحشية آلاف المدنيين الأبرياء. وهذه لحظة تاريخية وفرصة للشعب السوري لبناء السلام في بلده». واعتبر «انّ قوات المعارضة دفعت الاسد إلى ترك منصبه ومغادرة البلاد، وسنعمل مع أصحاب المصلحة في سوريا من أجل استغلال هذه الفرصة، وكل المحاولات من قبل إيران ووكلائها لحماية الأسد ونظامه باءت بالفشل».

 

وشدّد بايدن على «انّ روسيا وإيران و«حزب الله» لم يتمكنوا من حماية نظام الأسد، وخلال السنوات الماضية اتبعت إدارتي سياسة لفرض عقوبات على الاسد لعدم انخراطه في عملية سياسية جدّية». واشار الى «انّ الأسد امتنع عن الانخراط في عملية سياسية جدّية وواصل ارتكاب الجرائم ضدّ شعبه». وقال: «سندعم جيران سوريا بمن فيهم الأردن والعراق وإسرائيل ولبنان، ولن نعطي فرصة لتنظيم «داعش» لبناء قدراته، وسنعمل مع كل المجموعات السورية في إطار الأمم المتحدة».

وشدّد على «اننا لن نسمح بتحول سوريا لملاذ آمن لتنظيم «داعش»، ونبذل قصارى جهدنا لتوفير المساعدات والإغاثة لطي صفحة الفظائع التي ارتكبها نظام الاسد، وسنعمل على حماية قواتنا في سوريا ومواصلة مهمتنا ضدّ تنظيم «داعش»، ونحن سنقيّم مسلحي المعارضة بناءً على أقوالهم وأفعالهم». واعتبر «انّ ما حدث في سوريا يمثل فرصة لمنطقة الشرق الأوسط، ونريد أن نطمئن أنّ جيران سوريا في مأمن من أي توتر جراء التغييرات هناك». ولفت الى «انّ الولايات المتحدة ستعمل مع المجموعات السورية لتأسيس المرحلة الانتقالية».

الموقف الإيراني

على صعيد الموقف الايراني، شدّد الرئيس مسعود بزشكيان على ضرورة الحوار بين مختلف أطياف المجتمع السوري للتوصل إلى التفاهم، معرباً عن أمله «في أن يتمكن الشعب السوري مع انتهاء النزاعات في بلاده من اتخاذ القرار في بشأن مستقبلها ونظامها السياسي بعيداً من التدخلات الخارجية».

فيما اصدرت وزارة الخارجية الايرانية، بياناً اكدّت فيه انّ «الجمهورية الاسلامية لن تدخر اي جهود لدعم الاستقرار والهدوء في سوريا، ومن هذا المنطلق ستواصل مشاوراتها مع جميع الاطراف المؤثرة وخاصة الاطراف الاقليميين».

ولفت إلى «مواقف ايران الثابتة لاحترام وحدة وسلامة الاراضي والسيادة الوطنية السورية». واكّد البيان «أنّ الشعب السوري هو من سيقرّر مستقبل بلاده، بعيداً من التدخّلات المخرّبة او الإملاءات الاجنبية». وأضافت الوزارة: «انّ تحقيق هذا الهدف يستدعي الإنهاء الفوري للمواجهات العسكرية، والحؤول دون التحركات الارهابية، والبدء في حوار وطني يشمل جميع الاطراف المكوّنة للمجتمع السوري، وبالتالي تشكيل حكومة شاملة تمثل الشعب السوري برمته». وقالت: «انّ جمهورية ايران الاسلامية، كسابق عهدها، تدعم الآليات المبنية على القرار 2254 الاممي من اجل مواصلة العملية السياسية في سوريا، كما ستمضي في تعاملها البنّاء مع الامم المتحدة في هذا الخصوص».

وقال السفير الإيراني لدى سوريا حسين أكبري: «منذ سقوط حمص، لم يبدِ الجيش السوري أي مقاومة في أي مكان»؛ مبيناً انّ الحكومة السورية توصلت إلى «قناعة» حسب تعبيرها، في شأن «تسليم السلطة سلمياً». وقال أكبري في حوار متلفز مساء امس: «لقد عقدت الحكومة السورية جلسة طارئة الليلة الماضية (ليل السبت ـ الاحد) وقّررت عدم اتخاذ أي مقاومة في العاصمة، بل تسليم السلطة والحكومة وجميع القطاعات بشكل رسمي، وتمّ إبلاغ القرار إلى الشعب والقوات المسلحة عبر بيان قرأه رئيس الوزراء السوري اليوم (أمس)». واضاف: «إنّ جريمة بشار الأسد كانت دعمه لمحور المقاومة والوقوف الى جانبها، واليوم هناك تيارات متعددة داخل سوريا، بعضها متطرّف، وإن كانت تختلف عن «داعش» في جانب من المعتقدات». وأشار إلى «أنّ الوضع الحالي في سوريا أدّى لاصطفاف معقّد بين القوى الشمالية والجنوبية، مما قد تصبح سوريا ساحة للنزاع بين بعض الدول العربية والإسلامية وتركيا».

 

لجنة الإشراف

وفي هذه الأجواء تترقب الأوساط السياسية والامنية التحضيرات الجارية استعداداً لاجتماع لجنة الاشراف والمراقبة المكلفة مراقبة تنفيذ اتفاق 27 تشرين الثاني، وما قالت به المراحل التنفيذية للقرار 1701 في جنوب لبنان والمناطق اللبنانية كافة، والمتوقع قبل غدٍ الاربعاء المقبل، في ظل غياب قائد قوات «اليونيفيل» الجنرال لازارو المتوقع عودته الى بيروت في الساعات المقبلة.

وعلمت «الجمهورية» من مصادر مطلعة، انّ رئيس اللجنة الجنرال الاميركي جاسبير جيفيرز لم يدعُ بعد الى الاجتماع على رغم من حضور الأعضاء وجهوزيتهم، ومن بينهم العضو الفرنسي الجنرال غيوم بونشان واللبناني الجنرال إدغار لاوندس قائد قطاع جنوب الليطاني، فيما سّمت إسرائيل ممثلها في اللجنة وهو على استعداد لتلبية اي دعوة الى الاجتماع الذي سيُعقد في إحدى منشآت قيادة القوة الايطالية العاملة في اطار قوات «اليونيفيل» في منطقة الناقورة.

وأعلنت قيادة الجيش، في بيان امس الاول أنّه «ضمن إطار متابعة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، جالَ رئيس لجنة الإشراف الخماسية الجنرال الأميركي Major Gen. Jasper Jeffers، والجنرال الفرنسي Brigadier General Guillaume Ponchin، والعميد الركن إدغار لاوندس قائد قطاع جنوب الليطاني، بالطوافة فوق قطاع جنوب الليطاني للاطّلاع على الواقع الميداني». واشار البيان الى انّ اللجنة ستجتمع مطلع الأسبوع الجاري.