الملف الرئاسي في وضع سياسي حرج، يتعادل فيه المنحى التفاؤلي مع المنحى التشاؤمي، بما يصعّب تحديد الوجهة التي سيسلكها في جلسة مجلس النواب المقررة في التاسع من كانون الثاني المقبل. فالصورة الدقيقة للمسار الرئاسي تعكس أنّه يتأرجح مع “هبّة باردة” ترفع مستوى التفاؤل في حسم انتخاب رئيس للجمهورية في تلك الجلسة، ومع “هبّة ساخنة” تأخذه في الاتجاه المعاكس، وتوحي وكأنّ أشباح التعطيل عادت لتحوم من جديد في أجوائه، ولا تنعى احتمال التوافق وانتخاب الرئيس فقط، بل تنعى الإستحقاق الرئاسي برمّته، وتنذر بتمديد طويل للفراغ في سدّة الرئاسة.
تخوّف من كمين!
الأجواء الرئاسية تشي بأنّ التفاؤل والتشاؤم متعادلان حتى الآن، فما يتسرّب من أجواء المكوّنات المصنّفة سيادية وتغييرية، يفيد بأنّ انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة الانتخابية غير محسوم. وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ إشارات غير مشجّعة رُصدت بوضوح من هذه المكوّنات، تعكس رفضها لخيار التوافق على مرشح او أكثر من مرشّح لرئاسة الجمهورية، وتروّج مسبقاً لما تسمّيها “جلسة فارطة” في 9 كانون الثاني”.
وتشير مصادر المعلومات، إلى انّ كلاماً صريحاً يتردّد داخل جدران الغرف المغلقة، ويركّز:
اولاً، على أنّ فكرة ترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع جدّية، ولكن من دون أن تُحسم بشكل نهائي حتى الآن، في انتظار ما إذا كانت الأيام المقبلة ستساهم في خلق الظروف الموضوعية لإنضاج هذا الترشيح. الّا انّ نقطة الضعف التي تعتري هذا الترشيح تتجلّى في أنّه لو حصل وتمّ إعلان الترشيح رسمياً، فإنّ عبوره مستحيل ضمن الخريطة المجلسية الحالية التي تحوي على مساحة نيابية معاكسة تلامس ثلثي أعضاء المجلس النيابي ولها رأي آخر.
ثانياً، على التريّث في إبداء موقف حاسم ونهائي، في انتظار أن تتبلور الترشيحات بصورتها النهائية، مع ميل واضح إلى تأييد أحد المرشحين البارزين (في اشارة واضحة إلى قائد الجيش العماد جوزف عون).
وبمعزل عمّا إذا كان ترشيح قائد الجيش ميسّراً او معقّداً، مع الإشارة هنا إلى ما اكّد مصدر رفيع على صلة مباشرة بالملف الرئاسي لـ”الجمهورية”، بأنّ ترشيح العماد عون مرهون يُسره بتعديل للمادة 49 من الدستور. وفي الوقت الحالي لا توجد حماسة لتعديل الدستور، مشيرة في هذا السياق إلى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال علناً بأنّ ترشيح موظفي الفئة الأولى من مدنيين او قضاة أو عسكريين يوجب تعديل الدستور.
الثالث، على التخوّف مما تسمّيه مكونات المعارضة السيادية كميناً منصوباً في الجلسة لتهريب رئيس للجمهورية لا يلبّي الطموحات السيادية ومتصادم مع توجّهاتها.
من هنا، تلفت مصادر المعلومات إلى توجّه لدى تلك المكونات السياسيّة والنيابية للمشاركة في جلسة 9 كانون الثاني، بدورة الانتخاب الأولى حصراً، مع ترجيح الانسحاب من القاعة العامة فور الشروع في دورة الانتخاب الثانية.
وتضيف المصادر عينها، “أنّ الهدف الطبيعي من هذا الإنسحاب هو تطيير نصاب جلسة الانتخاب، إلّا انّ نقطة ضعف هذه المكونات تتجلّى في أنّ تعدادها النيابي يزيد بصوت او صوتين عن الثلاثين نائباً،(القوات اللبنانية وبعض حلفائها من النواب المصنّفين معارضين وتغييريين) وما زالت في حاجة إلى توفّر عشرة نواب وأكثر ليكون انسحابها مجدياً، وفارضاً لتطيير النصاب بما يُسمّى الثلث المعطل الذي يتطلّب 43 نائباً عداً ونقداً”.
فترة سماح
إلى ذلك، على انّ هذه الأجواء لا تُعتبر حاسمة، وناسفة لجلسة 9 كانون الثاني. وفق ما يؤكّد مرجع كبير لـ”الجمهورية”، “حيث أنّ الأمور ما زالت في بداياتها، ويمكن اعتبار هذه الفترة “فترة سماح” لبضعة اسابيع ينبغي على الاطراف أن تحسم مواقفها وترشيحاتها خلالها، وبالتالي من الخطأ الذهاب إلى تغليب السلبية والاستسلام للتشاؤم. والأهم من كل ذلك تحسم خيارها نحو التوافق على مرشح او مجموعة مرشحين. فهذا التوافق هو ما يجب ان يحصل في نهاية المطاف، وأمامنا فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون، ولا خيار امامنا سوى ان نغتنمها”.
بري على تفاؤله
إلى ذلك، كرّر الرئيس بري إشاعة إيجابيات حول الجلسة الانتخابية، ونُقل عنه قوله امس: “الجو جيّد، وإن شاء الله هناك رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني”.
على أنّه في موازاة الأجواء المتشنجة والترويجات التشاؤمية التي تعكسها جهات سياسية ومنصات إعلامية تابعة لها، وتشكّك بأن تكون جلسة انتخاب رئيس للجمهورية مثمرة، سألت “الجمهورية” الرئيس بري عمّا إذا كان متفائلاً بإمكان حصول انتخاب فأجاب: “وما الذي حصل حتى أغيّر رأيي ولا أكون متفائلاً. لقد دعوت إلى الجلسة الانتخابية قبل اكثر من شهر من موعدها، بما يتيح امام الجميع اسابيع عدة لإجراء نقاشات وصياغة توافقات وتفاهمات. وفي يوم الجلسة سننزل إلى مجلس النواب وستكون الجلسة كما سبق وقلت مثمرة”.
ورداً على سؤال، رفض بري التعليق على حديث البعض (نواب المعارضة) عن وجود كمين منصوب في جلسة 9 كانون الثاني، واكتفى بالقول: “هذا كلام مستغرب”.
وكتأكيد على الجلسة المثمرة، أشار بري إلى أنّ سيوجّه الدعوات لحضور هذه الجلسة لكل البعثات الديبلوماسية في لبنان. وعُلم أنّه لم يوجّه دعوة إلى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، كما أنّ هوكشتاين نفسه لم يعبّر عن رغبة في حضور الجلسة، وإن أراد ذلك فليس ما يمنع حضوره الجلسة، وسيكون حضوره مرحّباً به.
لا حراك للخماسية
وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ التواصل لم ينقطع مع سفراء اللجنة الخماسية، ولكن خلافاً لما تردّد عن حراك جديد لهم، فلا شيء رسمياً حتى الآن، وعين التينة ليست في جو مثل هذا التحرّك، وخصوصاً انّهم التقوا الرئيس بري الأسبوع الماضي، وقالوا ما لديهم وأثنوا على مبادرة الرئيس بري وأكّدوا انّهم مرتاحون لتحديد موعد جلسة 9 كانون الثاني، ووجّهوا دعوة إلى كل الاطراف للتجاوب مع دعوة بري، والتشارك في انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي هم استنفدوا كل محاولاتهم، ولا شيء لديهم ليقدّموه سوى النصيحة للأطراف بأن ينخرطوا في العملية الانتخابية وانتخاب رئيس للجمهورية في لعبة برلمانية وديموقراطية.
ورداً على سؤال، اكّدت مصادر المعلومات، “أنّ سفراء اللجنة الخماسية في لقائهم الاخير مع بري لم يطرحوا اي اسماء، ولم يوحوا بتبنيهم لأي مرشح. ولكن ما نسمعه ويسمعه غيرنا يفيد بأنّ بعض سفراء اللجنة منحازون لمرشّح معيّن او مرشّحين معينين، وهم يقاربون الاسماء ويفاضلون بينها، في جلساتهم في ما بينهم، وكذلك مع بعض الأطراف السياسية، وهم إن كانوا يعترفون بأنّهم لا يستطيعون أن يفرضوا مرشحاً معيناً، ينصحون به ويشجعون على انتخابه”.
حضور قطري
وكان الملف الرئاسي، بنداً حاضراً في زيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية الدكتور محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، حيث اكّدت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية”، انّ “الوزير القطري عكس موقف بلاده الذي يحث على انتخاب رئيس للجمهورية، معبّراً عن الأمل في أن تتحقق هذه الغاية في الجلسة التي دعا اليها الرئيس بري”.
وفي جانب آخر اكّد الوزير القطري “وقوف دولة قطر إلى جانب لبنان، واستعدادها الدائم للوقوف إلى جانبه لتمكينه من تجاوز ازمته، وآثار العدوان الاسرائيلي على لبنان، وإعادة البناء والاعمار”.
مع جنبلاط
والمستجدات الرئاسية بحثها الرئيس بري مع الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي زار رئيس المجلس بعد ظهر أمس، وقال بعد اللقاء: “كنت وتيمور في باريس، والتقينا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ووضعت الرئيس بري في أجواء الزيارة. وقد تباحثنا في مختلف الامور المهمّة، ولاسيما اتفاق وقف اطلاق النار”.
واكّد جنبلاط انّ “تحرير الجنوب وإعماره ضرورة”. وقال: “نأمل أن يخرج الدخان الابيض في الملف الرئاسي، والأحداث التي شهدتها المنطقة كانت بمثابة زلزال، لاسيما في سوريا، وانتخاب الرئيس ضرورة لتحصين البلاد”.
حضور يوناني
وعلى خط آخر، حطّت زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس في بيروت، الذي التقى الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي قال: “تطرّقنا مع رئيس الوزراء اليوناني إلى الوضع السياسي في لبنان وبحثنا في اتفاق وقف إطلاق النار وشدّدنا على تطبيق بنوده والتنفيذ الكامل للقرار 1701. كما أكّدنا على الدور المهمّ للجيش اللبناني، وقد أبدى الرئيس اليوناني استعداد بلاده لدعم المؤسسة العسكرية اللبنانية”. وتابع: “كذلك، طلبت خلال اللقاء من رئيس وزراء اليونان إفادة لبنان بالخبرات الاقتصادية وخطط التعافي المالي. ونعوّل على جهود اليونان الصادقة لدعم لبنان في المجالات كافة”.
اما رئيس الوزراء اليوناني فقال: “لبنان في قلبنا ووقف إطلاق النار مع إسرائيل وفّر أول نظرة أمل منذ فترة طويلة، وجهود الوساطة التي قادتها أميركا وفرنسا جديرة بالتقدير”.
وتابع: “بلدنا والمجتمع الدولي يقومان بكل ما يلزم لتثبيت وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 الذي يحفظ السيادة اللبنانية. نعلم كم صمد لبنان خلال الحرب، ونحن نؤكّد على هذا الصمود. ويجب بالتأكيد تثبيت الروابط التاريخية بيننا وبين لبنان الذي نتمنى له الإزدهار”. وتابع: “نأمل انتخاب رئيس جديد للبنان. ونؤكّد للشعب اللبناني أنّ بلادنا تقف إلى جانبه، وأشعر بأمل كبير بأنّ القادة اللبنانيين سينتهزون الفرصة ويعملون معاً من أجل بلد مزدهر. ونحن ندعم كل الجهود لسلام مُستدام”. وأردف: “كل الدعم للجيش اللبناني الذي يتحمّل مسؤولية كبرى في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701. كما أننا ندعم عمل قوات “اليونيفيل” التي نشارك فيها”. وقال: “بلدنا مرّ بأزمة مالية مماثلة لتلك التي مرّ فيها لبنان. ونؤكّد أنّ قوة بلدكم هو في التنوع والوقوف مجدداً رغم الظروف الصعبة. واليونان ستبقى شريكاً أساسياً لكم”.
الوضع الميداني
أمنياً، واصل الجيش الاسرائيلي خروقاته المتعمّدة لاتفاق وقف اطلاق النار، عبر سلسلة اعتداءات ينفّذها على المناطق اللبنانية بالقصف المدفعي او بالغارات الجوية التي استهدفت امس منطقة البيسارية، بالتوازي مع تفجير المنازل كما حصل في الناقورة امس، ومع تحذيرات لأهالي المناطق الجنوبية بعدم العودة اليها. في وقت واصلت فيه وحدات الجيش اللبناني انتشارها في المنطقة الجنوبية، وعملية إزالة العوائق والمتفجرات من العديد من البلدات، ولاسيما في بلدة الخيام.
وقال مصدر أمني في لجنة متابعة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، انّ اللجنة تتابع مهمتها الموكلة اليها، وتقوم بتواصل مع كل الاطراف، ولاسيما مع الجانب الاسرائيلي لوقف الخروقات، وكذلك لوقف تحليق المسيّرات التي تركزت في الايام الاخيرة فوق بيروت والضاحية الجنوبية.
واشار المصدر إلى انّ اللجنة تلاحظ الالتزام الكلي للبنان باتفاق وقف اطلاق النار. وعبّر عن الأمل في تدرّج الوضع ايجاباً في المدى المنظور، ولاسيما بعد إكمال الجيش اللبناني عملية انتشاره في المناطق المحدّدة له بالتنسيق مع قوات “اليونيفيل”.
وفي السياق نفسه، أكّد مرجع سياسي لـ”الجمهورية” انّه على رغم الخروقات الاسرائيلية، التي يرمي العدو الإسرائيلي من خلالها إلى تدمير القرى الحدودية وخلق واقع خالٍ من الحياة فيها، فإنّ اتفاق وقف إطلاق سيسري في نهاية الامور، وتعود تلك المنطقة الى استعادة حياتها الطبيعية.
واستدرك قائلًا: “نشكر الله انّ اتفاق وقف اطلاق النار تمّ الوصول اليه قبل حصول الانقلاب في سوريا، والّا فإنّه لو تأخّر الأمر، لكان الامر مختلفاً، وربما كان العدوان الاسرائيلي ما زال مستمراً”.
في سياق متصل نشرت “القناة 12” العبرية تحقيقاً لأكاديمية “تل حاي”، يُفيد بأنّ 50% من مستوطني شمال فلسطين المحتلة يتناولون المهدئات، و33% لا يريدون العودة إلى مستوطناتهم، و36% من النازحين يلتقون بمعالج نفسي.