فيما تنذر الأوضاع الاقليمية بعواصف عاتية، تغرق الطبقة السياسية اللبنانية في مناوراتها ومشاكساتها الداخلية أكثر فأكثر، وتتقاذف الاتهامات والرسائل قبل يومين من انتهاء العقد العادي لمجلس النواب من دون التوافق على قانون انتخاب. وعلى رغم كل الكلام الايجابي، يبدو انّ الشيطان دخل في التفاصيل، فرفض رئيس مجلس النواب نبيه بري «مذهبية الصوت التفضيلي» مُصرّاً على ان يكون خارج القيد الطائفي، كما رفض في شكل قاطع نقل أي مقعد نيابي من منطقة الى اخرى. واتهم بعض السياسيين بمحاولة جرّ البلاد الى الفراغ ممّا «يفتح ذلك على كلام آخر وعلى وضع آخر وعلى بلد آخر». وفي المقابل، سألت مراجع سياسية «كيف يدعو بري الى جلسة في 5 حزيران قبل أن يصدر رئيسا الجمهورية والحكومة مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب؟».
إتّسمت التصريحات الصادرة عن غالبية القوى السياسية بإيجابية يشوبها الحذر الناتج عن تجربة فشل محاولات سابقة كانت متقدمة جداً ثم تراجعت. والواضح حتى الآن انّ القانون النسبي في حال تمّ التوافق عليه يستدعي التمديد للمجلس النيابي لمدة 6 اشهر تقريباً ريثما يتمّ تحضير الادارة الرسمية من جهة وشرح القانون الجديد للناخبين، اذ انها المرة الاولى في تاريخ لبنان تنتقل الانتخابات النيابية من قانون اكثري بسيط وسهل، الى قانون نسبي مركّب وصعب.
وكشف مرجع سياسي انّ الموافقة على المشروع النسبي لا تزال تحتاج الى حسم كل الاطراف مواقفهم من ثلاثة تفاصيل في القانون:
اولاً، كيفية فرز وضم الدوائر الـ15
ثانياً، الصوت التفضيلي،
ثالثاً، طريقة احتساب نسبة الفرز.
بكركي
وفي إطار قانون الانتخاب، لا بد من تسجيل الموقف اللافت والقوي للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي ألقى عظة هي شبه تأنيب رفيع المستوى لمَن سمّاهم بـ«الجماعة السياسية» بدل الطبقة السياسية، وحضّها على استصدار قانون جديد، من دون ان يُسقط مخاوفه من التمديد والفراغ، علماً انّ الراعي كان اوّل من نصح للخروج من الفراغ والتمديد، باعتماد القانون الساري المفعول، من دون ان يكون هو قانونه او يفضّله على قانون آخر يحسّن التمثيل المسيحي.
وحفلت الساعات الاخيرة بمواقف عدّة حيال مساعي التوصّل الى قانون انتخابي تعمل عليه «القوات اللبنانية» من خلال نائبها جورج عدوان، وبعضها فضّل انتظار الشكل النهائي للقانون قبل أن يحسم موقفه.
فـ«التيار الوطني الحر» الذي يؤيد النسبي برفقة التأهيل، ينتظر انعقاد اجتماع قيادته اليوم لمناقشة الموضوع، خصوصاً انّ اتصالات مباشرة حصلت ليل أمس بين قيادتي «التيار» و«القوات اللبنانية». واكد «التيار» انه لا يزعجه مطلقاً ان يكون عرّاب القانون الجديد النائب عدوان بعدما كانت المشاورات تتمحور حول مبادرات رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل.
امّا «القوات اللبنانية» فهي تسوّق المشروع، لكنها تحاول نقل بعض المقاعد.
«المردة» لـ«الجمهورية»
ولوحظ في موضوع نقل المقاعد انّ تيار «المردة» يرفض هذا الامر. وشرحت مصادره لـ«الجمهورية» سبب هذا الرفض، معتبرة «انّ نقل مقاعد مسيحية من مناطق إسلامية هو تمهيد غير مباشر لنقل المسيحيين من جذورهم ومن البيئة التي يتعايشون معها منذ التاريخ حتى اليوم الى أماكن مسيحية بحتة، وهذا ما يشكّل نوعاً من التقسيم السياسي».
وحذّرت المصادر بعض الجهات السياسية «من اللعب بالتاريخ من أجل المكاسب الآنية»، واتهمتها بـ«السعي الى تحقيق مكاسب بسرعة قياسية، وكأنّ الزمن يفوتها».
وكان رئيس تيار «المرده» النائب سليمان فرنجيه اعتبر «انّ الخطر الكبير هو عملية تطويع الطوائف والأخطر منه عملية نقل المقاعد». ورأى «انّ كل اقتراحات القوانين الانتخابية التي طرحت كانت تهدف لإقصائنا». واكد «انّ مواقفنا ثابتة ولا تتغيّر مع المصالح».
«حزب الله»
وفي المقلب الآخر، برز ارتياح مستتر حتى الآن لـ«حزب الله» حيال المساعي الجارية، وقالت مصادر قريبة منه انّ «هذه الايجابيات ستظهر تدريجاً لثلاثة أسباب هي التالية:
1 – النسبية هي شرط «حزب الله» لا مطلبه فقط.
2 – انّ ديناميكية الاتصالات بدأت بعد خطاب الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي أعطى فيه إشارة الانطلاق.
3 ـ انّ «حزب الله» في هذه المرحلة يريد احتواء التصعيد الاقليمي والدولي ضده ولا يحتاج الى مشكلة جديدة».
بري
وفي هذا الاطار، يلتقي موقف الحزب مع بري، الذي وان كانت مصادره تبدي ارتياحاً الى تحرّك عدوان، فإنها لا تزال تخشى الاختلاف على التفاصيل، وتنتظر لكي تقول «الفول أصبح بالمكيول»، أي أن يعلن «التيار الوطني» صراحة قبوله بمبادرة عدوان جملة وتفصيلاً.
وكرّر بري امس انّ الاجواء ايجابية، ولكن لا نستطيع ان نقول فول قبل ان يصير في المكيول، ويفترض ان يحسم الامر في أسرع وقت.
وقال بري لـ«الجمهورية»: «أستغرب الكلام الذي يتناول تحديدي لموعد الجلسة النيابية في 5 حزيران وكأنني أستبق فتح الدورة الاستثنائية، انا اعرف ماذا افعل واقول انني اتمنى ان نصل الى جلسة في 5 حزيران بتوافق على قانون انتخاب. وبمعزل عن اي أمر آخر، ان لم نصل الى شيء في 5 حزيران فسأدعو الى جلسة جديدة اذ لا يجوز الّا ان نفعل شيئاً قبل 20 حزيران».
وقال: «عندما طرحت مشروعي المتعلق بالنسبية ومجلس الشيوخ وضعت له حداً زمنياً ينتهي عنده، وأنا حالياً أدعو واتمنى الّا أصل الى وقت نحدد فيه حدّاً لكل ما نقوم به الآن».
وإذ اكد بري انه لا يمكن ان يقبل بمذهبية الصوت التفضيلي بل بضرورة ان يكون وطنياً خارج القيد الطائفي، رفض في شكل قاطع نقل ايّ مقعد نيابي من منطقة الى اخرى، وقال: «عندما طرح الاستاذ جورج عدوان مشروع الـ15 دائرة، أبلغناه: أنتم اتفقتم على هذا المشروع في بكركي ونحن نسير به. ثم سألنا ايضاً هل اتفقتم في بكركي على نقل مقاعد نيابية فقيل لنا «لا»، فلماذا يراد الآن نقل المقاعد؟
هذا ما لا يمكن ان نقبل به ابداً خصوصاً انّ سؤالنا الاساسي لماذا هذا الفرز؟ فرياح التقسيم تهبّ على المنطقة والله يعلم ما قد يحصل فيها فنأتي نحن في ظل هذا الجو ونقوم بفَرز مذهبي وطائفي، انّ هذا غير مقبول على الاطلاق.
وعلمت «الجمهورية» انه كان هناك تشاور رئاسي بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وتمّ التوافق فيه على ان يصدر ويوقّع عون والحريري مرسوم فتح الدورة السبت، الأمر الذي لم يحصل، بما انّ بري مُلزم بالاستفادة من الوقت وبالتالي الدعوة الى الجلسة النيابية قبل 48 ساعة، فكان لا بد له من ان يدعو الى هذه الجلسة في 5 حزيران ولكن المرسوم لم يصدر.
وفي ايّ حال فإنّ مصادر بري تؤكد انه «سيواظب على الدعوة الى جلسات واستنفاد كل ما من شأنه إنقاذ الاستحقاق النيابي وقطع الطريق على كل محاولة يقوم بها بعض السياسيين لجَرّ البلاد الى الفراغ. لكن مع إصرار هؤلاء على الفراغ فقد يفتح ذلك على كلام آخر وعلى وضع آخر وعلى بلد آخر».
باسيل
ومساء، قال باسيل انّ «الضوابط التي نتحدث عنها لقانون الانتخاب هي خمسة، ومنطق العد يجب ان يتوقف. وأولى الضوابط عدم فرض أي طغيان بالعدد والاكثريات، وثانيها احترام خصوصيات جميع المكونات وصولاً الى اصغرها والخصوصية مذهبية ومناطقية، وثالثها احترام إرادة الناس، ورابعها عدم السماح لأيّ ساقط انتخابياً ان يصل الى مجلس النواب من خلال محدلة معينة، والنقطة الخامسة هي ان يكون لكلّ صوت تأثيره».
أضاف: «مقتنع بفرصة الاتفاق على القانون والّا التصويت عليه، وعهد التمديد انتهى ولا خزعبلات دستورية بعد اليوم».
جنبلاط
وظهر موقف سياسي آخر لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي يعتبر انّ حقه مبدئياً وصل اليه من خلال ضَمّ قضاءي الشوف وعاليه ولكنه يفضّل ربط موافقته النهائية بسلة تحالفات مع الفريق المسيحي من جهة، والفريق الشيعي من جهة ثانية على أساس انه مرتاح للوضع السني في اقليم الخروب.
وأعلن جنبلاط أنه بانتظار «المسعى الصامت للخيّرين من اجل الوصول الى تسوية، وفي مقدمتهم النائب جورج عدوان الذي سيكون طرحه هو الحل».
البابا
من جهة ثانية، تستمرّ أحداث مصر متفاعلة عربياً ودولياً، ودعا البابا فرنسيس الى «الصلاة من أجل الاقباط الذين قتلوا لانهم رفضوا أن يجحدوا ايمانهم».
توضيح
أوضح المكتب الإعلامي للرئيس العماد إميل لحود أنّ ما أورده الزميل نوفل ضو في مقالته في الصفحة الثالثة من جريدة «الجمهورية» من أنّ «رئيس شعبة العمليات العقيد إميل لحود أمر بإنشاء تجمّع رميش العسكري وعيّن الرائد سعد حداد قائداً لتجمعات الجنوب» عام 1976، هو «خبر عار تماماً من الصحة وكاذب لغاية في نفس… نوفل».