تعرّض مناخ التفاؤل الطاغي على طريق توليد القانون الانتخابي الجديد لهبّة رياح ساخنة، أعادت البحث خطوات الى الوراء بعدما بدأت الشياطين تطلّ برؤوسها من بعض التفاصيل، الأمر الذي يخفض منسوب الآمال التي علّقت على اتصالات ما بعد التوافق السياسي على القانون النسبي. ويبقي هذا القانون معلّقاً على حبل التناقضات، التي إن استمرت على استحكامها بحركة الاتصالات الجارية، لا تهدد فقط بعدم طرح قانون النسبية على مجلس الوزراء هذا الاسبوع، بل قد تطيح القانون المتوافق عليه نهائياً، وتفتح البلد على شتى الاحتمالات السلبية.
هذه الصورة الرمادية رسمتها عدم الإستجابة لمطالب تتعلق بالقانون، يعتبرها المسيحيون ضوابط وإصلاحات ضرورية وأبرزها إقرار المناصفة، ويطرحها «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وبَدا موقف الرئيس سعد الحريري متناغماً معهما، فيما موقف «حزب الله» بدا متماهياً مع موقف الرئيس نبيه بري الذي رفضها بشكل قاطع، مؤكداً التمسّك بالقانون ولا شيء غيره.
وعلمت «الجمهورية» انّ هذه التباينات أطاحت اجتماعاً مسائياً كان سيعقد بعد الافطار مساء أمس برئاسة الحريري وحضور ممثلين عن كل القوى الاساسية تقريباً، حيث صُرف النظر عنه جرّاء الانقسام في الرأي حول الطروحات الجديدة.
الّا انّ مصادر مواكبة لحركة الاتصالات أبلغت «الجمهورية» قولها انّ التعثّر الحالي لا يعني انّ الابواب أقفلت، والرهان يبقى على جولة اتصالات مكثفة اليوم، تجري تحت عنوان «إتصالات الفرصة الاخيرة»، ويتولى جانباً منها الحريري على أن يليها في حال نجحت، اجتماع موسّع يسبق جلسة مجلس الوزراء غداً، حتى اذا ما تمّ تذليل العقبات الجديدة عُدِّل فوراً مكان انعقاد الجلسة بحيث يتمّ نقلها من السراي الحكومي الى القصر الجمهوري.
وبحسب مصادر المعلومات المتوافرة، فإنّ الطروحات الجديدة تجاوزت القانون المطروح لتعود الى طرح تشكيل مجلس الشيوخ، بالتوازي مع طرح تعديل الدستور من زاوية النص صراحة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، على نحو ما سبق وأعلن بري في مؤتمره الصحافي الأخير، وهو امر تمّت الاجابة عنه من قبل ممثّل بري الوزير علي حسن خليل بالتأكيد على انّ هذا الامر موجود أصلاً في متن الدستور ولا ضرورة للنص عليه. وقد تبلّغ النائب جورج عدوان هذا الموقف خلال اجتماع بيت الوسط امس الاول بحضور نادر الحريري، فنقله بدوره الى الوزير جبران باسيل.
كما طرحت مسائل اضافية وصفت بالشروط الجديدة للصوت التفضيلي، وعتبة الفوز او بالأحرى نصاب الابعاد، وصولاً الى كيفية احتساب الحاصل الانتخابي وآليّة الفرز واحتساب النتيجة سواء الاحتساب العمودي او الاحتساب الافقي، وغير ذلك من شروط لم يبتّ بها بعد.
الحريري
من جهته، كشفَ الرئيس سعد الحريري خلال مأدبة إفطار في السراي الكبير على شرف الهيئات الاقتصادية والجمعيات المصرفية والصناعية والتجارية أنّ اللقاءات تعقَد بشأن قانون الانتخاب النسبي القائم على 15 دائرة وستتكثّف، وأنّ لقاءً سيُعقد اليوم.
وقال: «هناك بعض التفاصيل التي يجب أن نتوافق عليها جميعاً، وإن شاءَ الله يتمّ ذلك. قد تكون ميزة ما يحصل اليوم في تاريخنا أنه منذ أيام «الطائف» وحتى اليوم، هذه هي المرّة الأولى التي نجلس فيها نحن اللبنانيين لنتوافقَ على قانون انتخاب بهذا الشكل.
ربّما تشنّجَ الجو في بعض الأحيان، ولكنّني أعتقد أنّ في الأمر إيجابية للبلد لأننا كلبنانيين نجلس حول طاولة واحدة ونحلّ أمورَنا بأنفسنا». وأكّد «أنّنا سنُنجز قانون انتخاب، وكلُّ تركيزي في المرحلة المقبلة سيكون على الاقتصاد».
«التيار الوطني الحر»
واكدت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» انّ الامور ما زالت تحتاج الى مزيد من الاتصالات لكي تتبلور بالصيغة النهائية، و«التيار» يقارب الامور المطروحة بما يتناسب مع إخراج قانون انتخابي جديد محصّن بالضوابط والاصلاحات التي تجعله معبّراً عن تطلعات اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً. وأكدت «عدم ارتياحها لعدم التجاوب مع الطروحات التي تقدّم»، معتبرة «انّ هذه علامة لا تبشّر».
وفي السياق ذاته، قال احد الوزراء المعنيين بهذا الملف لـ«الجمهورية»: «ما طرحه «التيار الوطني الحر» ومعه «القوات» ليس فيه شيء غير متوقع، وتمّ التداول والنقاش في معظمها قبل التوافق على القانون النسبي، ثم أعيد طرحها الآن وهو امر لم نفهمه، خصوصاً انّ ما طرح رُفض في السابق، فما مغزى العودة الى طرحه مجدداً؟
في أيّ حال، لا نستطيع ان نقول انّ هناك مشكلة وانّ الامور قد وصلت الى حائط مسدود، بل تحتاج الى جولة اتصالات جديدة وحثيثة، والكرة هنا في ملعب الرئيس الحريري لكي يتولى هذه المهمة التي يبدو أنها ستصبح اكثر من شاقّة مع نفاد الوقت الذي لم يتبق منه شيء تقريباً».
«اللقاء الديموقراطي»
وفيما أعربت أوساط قريبة من الحريري لـ«الجمهورية» عن الامل في إمكان بلورة الصيغة النهائية للقانون الجديد في القريب العاجل، واكدت انّ «الاجواء ما زالت مشجعة»، قال احد وزراء «اللقاء الديموقراطي» لـ«الجمهورية»: «نستغرب طريقة التعاطي مع الشأن الانتخابي، هناك من هو مصرّ لأن يلعب مع الفرقاء السياسيين لعبة الارانب التي بدل أن تفكّ العقد تعقّدها أكثر، بحيث كل يوم، لا بل في كل جلسة، يخرج أرنباً من كمّه، وهذا لا يؤشّر الى نيات إيجابية بالوصول الى قانون جديد، وانا سمعت شخصياً من مسؤول كبير انه يشتمّ رائحة مماطلة من بعض الامكنة التي ما زالت تسعى للعودة الى قانون الستين. وأخشى من ان تكون لعبة الارانب هذه تهدف الى تعطيل القانون مُتسلّحة بالوقت الضاغط، وبالتالي الذهاب الى الفراغ».
هذه الاجواء السلبية التي رافقت البحث في تفاصيل القانون الجديد عَكسها بري امس، حيث قال أمام زوّاره: «لا توجد ايّ مشكلة على القانون الذي تمّ التوافق السياسي عليه بالكامل وعلى كل تفاصيله، وبالتالي التفاهم عليه من أحسن ما يكون، ولكن هناك محاولات لإيجاد قوانين جديدة الى جانب هذا القانون وكذلك ايجاد مواقف وتعديلات لا علاقة لها بالقانون وهذه مسألة «مش رح تمشي».
أضاف: «هناك فرصة يجب الّا نضيعها، وارى انه لم يعد هناك ما يوجب تضييع الوقت، وبالتالي لا أحد يعتقد انه سيكون هناك تنازل اكثر من الذي قدّمناه، لقد سبق ووافَقنا على قانون هم أعدّوه، فماذا بعد؟ لا نقبل باختراع قوانين جديدة، هيك ما بيمشي الحال».
عدوان
وكان عدوان قد وضع رئيس الحكومة بحضور مدير مكتبه نادر الحريري في اجواء الاجتماعات. وقال انّ الرئيس الحريري سيدعو خلال الساعات الـ24 او الـ48 المقبلة الى اجتماع «نتمكّن خلاله من وضع تقييم نهائي ننتقل بعده الى مجلس الوزراء». واكد انّ «الاجواء جيدة والعمل يتمّ على بعض النقاط التي بغالبيتها تقنية، وعلى الامور الاصلاحية التي يجب ان يتضمنها قانون الانتخابات».
«الكتائب»
الى ذلك، اعتبرت مصادر حزب الكتائب «انّ السلطة تعتمد اللف والدوران لإنتاج صيغة تفرّغ النسبية من مفاعيلها الحقيقية وتؤدي الى انتخابات تكرّس نتائجها التسويات والصفقات السياسية القائمة». وقالت لـ«الجمهورية»: «لا يكفي القبول الشكلي بمشروع بكركي بل المطلوب عدم تشويه هذه الصيغة وإفراغها من مضمونها والتخلّي عن محاولات تحويلها من صيغة توافقية الى مشروع استئثار بالسلطة».
ولاحظت «انّ المناورات في قانون الانتخاب تترافق مع محاولة السلطة تسخير القضاء في حملتها على معارضيها من حزبيين وسياسيين وإعلاميين وقادة رأي ومؤثّرين في تحريك الرأي العام، بما يذكّر بما كان يقوم به أركان النظام الأمني في زمن الاحتلال السوري، وهي انتقلت الى مرحلة محاولة كَم الأفواه وترهيب السياسيين والضغط على وسائل الاعلام والاعلاميين وتحييد ناشطي المجتمع المدني في محاولة إستباقية لمنع قيام معارضة متراصّة ومنظمة تواجه لوائح السلطة على الاراضي اللبنانية، ما يستدعي جهوزية سياسية وإعلامية وشعبية لإسقاط محاولاتها تحويل الانتخابات المقبلة مناسبة لتكريس هيمنتها على قرار اللبنانيين ومصادرتها لمؤسسات الدولة والتصرّف المشبوه بالأموال العامة».
المردة لـ«الجمهورية»
وبارك تيار «المردة» للبعض من ناسجي القوانين الانتخابية عودتهم الى قانون بكركي.
وقالت مصادره لـ«الجمهورية»: لم نعد نسمعهم يتحدثون عن هذا القانون منذ العام 2013 وحتى اليوم، فهنيئاً لهم العودة إليه في النهاية بعدما غاب عن مفرداتهم طيلة سبعة أشهر من المفاوضات الانتخابية الجدية.
ولكننا لا نعتبر أنهم قاموا بإنجاز كما يسوّقون من على المنابر، بل عادوا الى قانون بكركي طائعين بعدما سقطت مشاريعهم المختلطة والتأهيلية الإلغائية الإقصائية والأكثرية النزعة، الواحدة تلو الأخرى، وسقطت معها رغبتهم في العودة الى قانون الستين ما يؤكد انّ لبنان بلد الجميع ولا احد يستطيع إلغاء أحد.
فالنسبية في 15 دائرة هي عودة الى القانون الذي لا يلغي احداً بل القانون الذي يضمن تمثيل كل شرائح المجتمع فيه ويحقق التعددية ولَو بحدّها الأدنى، ونتمنى في أن تقرّ باقي تفاصيله سريعاً ومن دون مراوغة بناء على معيار موضوعي سَارٍ على الجميع لا أن يأخذ في الاعتبار حسابات خاصة».